الانتقال السوري من مركزية الدولة إلى اقتصاد السوق

نبذة عامة

تبحث هذه الدراسة تحول الاقتصاد السياسي في سورية من عام 1970 وحتى عام 2005. وأناقش فيها أن سورية قد شهدت مرحلتين مهمتين في التحول السياسي والاقتصادي، من بناء دولة واقتصاد مركزي في بداية السبعينيات إلى الشروع في مسار اقتصاد السوق في أوائل التسعينيات. ومع منطق التنافسية الذي يوجه اتجاه التنمية الاقتصادية، كانت التغييرات الاجتماعية الاقتصادية لمنتصف الثمانينيات وما بعدها قد توازت مع عملية مهمة لتشكيل الطبقة والدولة. وبعد مناقشة موجزة حول المرحلة الانتقالية الحالية في سورية، تحاول الأقسام اللاحقة من الدراسة أن تقدم دراسة نقدية للإستراتيجيات المختلفة للتنمية الاقتصادية. إذ يتناول القسم الثاني عملية مركزة الدولة والاقتصاد التي حدثت في السبعينيات والثمانينيات، ويسلط الضوء على تناقضات تلك الفترة. ويعمل القسم الثالث على تقويم تأثير التحرر الاقتصادي من خلال دراسة التنافسية في السياسات الاقتصادية لفترة التسعينيات، وأوائل الألفية الثالثة. وأما القسم الأخير فيبحث في المأزق السياسي والاقتصادي الذي كانت سورية تواجهه. وفي الختام، أناقش بأن المسار الحالي لاقتصاد السوق كإستراتيجية لتراكم رأس المال لم يحل المشكلات الاجتماعية-الاقتصادية التي واجهتها سورية في العقدين الأخيرين. وستستمر هذه الإستراتيجية بمواجهة نضال من جانب المجموعات المهمشة مثل فصائل حزب البعث، الفلاحين المعدمين، العمال وصغار المنتجين مع انخراط سورية أكثر في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.

بعد انهيار الكتلة الشرقية في أوائل التسعينيات، واجهت سورية نظامًا عالميًا جديدًا. وقد أثر هذا النظام العالمي الجديد على التنمية السورية، حتى أن الدولة والمجتمع السوري قد شهدا تحولًا مهمًا في اتجاه اقتصاد السوق الرأسمالي. ولكن في الآونة الأخيرة، تورطت سورية في الحرب العالمية التي تشنها الولايات المتحدة على الإرهاب (قانون الكونغرس الأميركي بمحاسبة سورية، 2003)(1)، وتعرضت لعقوبات من الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة بسبب مزاعم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وصلة قوات الأمن السورية بذلك(2). وبالتالي، كانت الآراء السائدة تصوُّر سورية على أنها اقتصاد مغلق ينطوي على تدخل كبير للدولة في الاقتصاد وقيود على القطاع الخاص، وهي العوامل التي جعلت من سورية تظهر وكأنها ذات اقتصاد متلكئ في عيون ذوي الاتجاه الليبرالي في الاقتصاد.

ومع ذلك، فقد أبقت المؤسسات المالية الدولية (IFIs) على علاقة وثيقة مع سورية، على الرغم من الانفصال السياسي بين الغرب وسورية. وبشكل يثير الاستغراب، أشاد تقرير وحدة الاستخبارات الاقتصادية للعام 2006 وتقرير صندوق النقد الدولي للعام 2005 بسورية لإصلاحاتها الاقتصادية البطيئة، ولكن المهمة، والتي وضعت البلاد على مسار اقتصاد السوق. ومع غلبة العلاقات الدولية في الدراسات حول الشرق الأوسط، بما فيها الدراسات حول سورية، لطالما أُغفل نقاش الصراعات الداخلية حول الدولة والاقتصاد في سياق التحرر الاقتصادي الحالي. وينصب هدف هذه الدراسة على تسليط الضوء على الاقتصاد السياسي المحلي لسورية لكشف هذه الصراعات، ولمناقشة تفصيلية للسياسات التي أدت إلى تحول جذري في الدولة والمجتمع في سورية منذ السبعينيات(3).

وأزعم في هذه الدراسة أن سورية قد شهدت عملية سريعة من التحول في اتجاه الرأسمالية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. فقد وسمت بداية السبعينيات ذالك العقد عندما بدأ، أول مرة، مشروع بناء دولة مركزية قوية في ظل حافظ الأسد، بينما شهدت التسعينيات انتقالًا حاسمًا في اتجاه الدولة والاقتصاد الرأسمالي. ولتقدير هذا التاريخ الدينامي من التغيرات السياسية والاجتماعية-الاقتصادية الذي شكَّل العلاقات الاجتماعية في سورية منذ السبعينيات، قمت بتقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام. إذ يقدم القسم الأول من الدراسة بعض التعليقات الموجزة حول تصوُّر الانتقال الحالي في سورية. ويبحث القسم الثاني في المرحلة الأولية لتشكيل الدولة في عهد حافظ الأسد، كما يناقش هذا القسم أيضًا الأزمات الاقتصادية – الاجتماعية للنصف الثاني من السبعينيات واستجابة القوى الاجتماعية الشعبية لهذه الأزمات، وأنهي القسم بنقاش حول سياسات التقشف الاقتصادي التي نفذها نظام حافظ الأسد كرد على الأزمة الاقتصادية التي تكشفت في أوائل الثمانينيات. ويتناول القسم الثالث أصول التنمية الاقتصادية الليبرالية الجديدة في سورية في عُقب انهيار الحرب الباردة. وقبل دراسة تناقضات السياسات الليبرالية الجديدة وحدودها، أناقش ظهور تحالف طبقي جديد، فضلًا عن تعزيز الدولة الليبرالية الجديدة واقتصادها في سورية. وأختم الدراسة بتلخيص عملية تشكيل الدولة في سورية على مدى العقود الثلاثة الماضية من خلال التركيز على عملية التحولات السياسية والاقتصادية الحالية في سورية، والتي كانت، إلى حدٍّ بعيدٍ، استجابة للقوى الاقتصادية العالمية. وأخيرًا، تُطرح تساؤلات حول توجهات السياسة الحالية والتأثير السلبي المحتمل لليبرالية الجديدة على العمال والفلاحين، فضلًا عن تأثيرها على فصائل من “الحرس القديم”.

وحدة الترجمة

وحدة الترجمة مسؤولة عن أعمال الترجمة في مؤسسة ميسلون، من اللغات الأوروبية إلى العربية، وبالعكس؛ ترجمة ما تُصدره مؤسسة ميسلون باللغة العربية، وفقًا لاختيار إدارتها، إلى عددٍ من اللغات الأخرى، بهدف إيصال دراساتها إلى الناطقين باللغات الأخرى، وترجمة البحوث والدراسات والمقالات المهمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية بهدف تعريف المثقفين والباحثين والمهتمين في منطقة الشرق الأوسط ببعض ما ينشر عن المنطقة في مراكز البحوث العالمية.

مشاركة: