قراءة في بعض المقدمات السياسية للهزيمة؛ تسييس الجيش وعسكرة السياسة في سورية

مقدمة

سنة 1973، بعد ستّ سنوات على هزيمة 5 حزيران/ يونيو 1967، كتب ياسين الحافظ: “مرّ حزيران/ يونيو سادس، والوطن العربي ما زال سادرًا في حالة يمتزج فيها الاحتضار بالتعفّن. أصبحت الهزيمة خبزنا. الذّل وسم جباهنا والتّقهقر ديدن مسارنا”[1]. يمكن الجزم أنّه لو قُدِّر للحافظ العيش ليشهد ما آلت إليه أحوالنا لن يحتاج كي يُعبّر عن واقعنا الراهن إلى تغيير يُذكر في عبارته، سوى قول: “مرّ حزيران/ يونيو خمسون” بدلًا من سادس، ويترك تتمة العبارة كما هي. فالذكرى السنويّة الخمسون لهزيمة حزيران/ يونيو 1967 مرّت وعصر الانحدار العربي ما زال مستمرًّا. حتى إن ما تراءى أنها بشائر وآمال أزفت مع “الربيع العربي” ذهبت أدراج الرياح، فالحصيلة ليست سوى مزيد من التعفّن والاحتضار، وأنظمة القمع المهزومة، أمّ الهزيمة وابنتها، تواصل مسيرة انتصاراتها على شعوبها.

في إطار مناقشة أسباب الهزيمة ومقدّماتها، وبالنظر إلى ضرورة البحث التاريخي في تلك الأسباب والمقدمات، تنطلق هذه الورقة من افتراض يقول إنّ هزيمة حزيران/ يونيو تشكّل امتدادًا لمسار انحداري ابتدأ مع الهزيمة الكبرى، عند ضياع فلسطين وإعلان العصابات الصهيونية قيام “دولة إسرائيل” عام 1948. فلم تكن قوّة إسرائيل فقط هي العامل الحاسم في نجاح المشروع الصهيونيّ على أرض فلسطين، بقدر ما هو تردّي أحوال العرب، وهذا ما أدركه جيّدًا مؤسسو إسرائيل. فبعد توقيع آخر اتفاقات الهدنة مع العرب عام 1949، قال ديفيد بن غوريون، الزعيم الصهيوني البارز وأول رئيس إسرائيلي، في خطاب له أمام ضبّاط عصابات “الهاغانا” التي تحوّلت لاحقًا إلى “جيش الدفاع الإسرائيلي”: “إنّ ما تحقّق لنا نصر تاريخيّ عظيم للشعب اليهوديّ كلّه، كان أكبر ممّا تصوّرناه وتوقّعناه. ولكن إذا كنتم تعتقدون أنّ هذا النصر قد تحقّق بفضل عبقريّاتكم وذكائكم فإنّكم على خطأ كبير. إنّي أحذّركم من مخادعة أنفسكم. لقد تمّ لنا ذلك لأنّ أعداءنا يعيشون حالة مزرية من التفسّخ والفساد والانحلال”[2].

كان بن غوريون محقًّا في تقويمه، والأجيال التي تلته لم تقف عند التفوق الناتج من ضعف الخصم، إذ جرت عملية تحديث وتصنيع في المجالات كلها، الأمر الذي مكّن “إسرائيل” احتلال مواقع متقدّمة عالميًّا في البحث العلمي وفي عدد من الصناعات والتقنيّات المتطورة، عدا منافستها لكبرى الدول في سوق السلاح، وامتلاكها التكنولوجيا النووية. فماذا فعل العرب؟ هزيمة حزيران/ يونيو حملت الجواب، لأنها كانت، وفق تعبير ياسين الحافظ أيضًا، بمنزلة “فاتورة” أو “كشف حساب” لما أُنجز خلال عقدين أعقبا هزيمة عام 1948. فكانت ثمنًا لاستنقاع الأحوال العربية في التفسّخ والفساد والانحلال. والحافظ الذي كان في مقدمة من مضوا في التحليل النقديّ الجريء للهزيمة، أكد أنها لم تكن هزيمةً سياسية وعسكرية تخصّ أنظمة الحكم القائمة فحسب، وإنّما هي هزيمةٌ للمجتمع الذي أنتج السطح السياسي والنخب والأيديولوجيا التي قادت إلى الهزيمة وكانت جزءًا أساسيّا من مسبّباتها.

على ما تقدّم، ستتناول الورقة بالعرض والتحليل التاريخيين بعض المسائل المرتبطة بالسطح السياسي ونخبته التي قادت إلى الهزيمة وكانت جزءًا أساسيًّا من مسبّباتها وفق ما أكّد الحافظ. وحيث إنّ أحد المسارات الرئيسة للانحدار والتقهقر الذي ابتدأ سنة 1948، واستفحل في مدى ما يقارب عقدين توّجتهما الهزيمة، وكان من أبرز معالم ذلك السطح السياسي، هو تسييس الجيش وعسكرة الحياة السياسية بوصفها إحدى أدوات القبض على السلطة واحتكارها، إنه ما تنشغل هذه الورقة بدراسته، كونه المناخ الذي نشأت فيه الأنظمة المهزومة، التي استعبدت شعوبها بشعارات أيديولوجية باسم “تحرير فلسطين” والقومية العربية، فمهّدت باستبدادها وفسادها الطريق إلى الهزيمة. ضجيجها الأيديولوجي ما كان ليلغي حقيقة تأخّرها التاريخي وعلاقات التخلف العصبوية ما قبل الوطنية التي كرّستها في سياق عملها لترسيخ سلطتها وتأبيدها، خلال صراعات وتحالفات خاضتها، كانت شهوة السلطة محدّدها الأساس وفق ما تثبت الوقائع والحوادث.

ونظرًا إلى اتساع نطاق الموضوع وتشعّبه وصعوبة الإحاطة بجوانبه كافّة، فإنّ فالورقة تركّز على الشق المتعلّق بالجيش في معادلة عسكرة السياسة، وتدخلاته في الحياة السياسية وانعكاسات ذلك عليه، أكثر مما تتطرق إلى دور بعض القوى السياسية في نشوء هذا الوضع واستمراره، مع الإشارة إليها في بعض الفقرات.

أمّا أقسام الورقة فتتوزع على: محور أول يوثّق ويستعرض بشيء من التفصيل تاريخ العلاقة بين الجيش والسياسة في سورية وتداخلهما متعدد المستويات، من خلال الإضاءة على الانقلابات العسكرية المختلفة التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال وحتى الهزيمة، مقسمة على مراحل وفق تطوّر الحوادث وتسلسلها. فيما يبيّن المحور الثاني أثر الصراعات السياسية في الجيش وكيف أدت إلى خلخلته وإضعافه وإفساده، بما لذلك من دور حاسم في الوصول إلى الهزيمة، مع الاستعانة بالأرقام والوقائع الدالة، والتوقف عند ظاهرة إحلال الولاء محل الكفاءات وسواها من المثالب. وصولًا إلى المحور الثالث والأخير، ويأتي خاتمة تكثّف الخلاصات والنتائج.

وبغية الإلمام بالمعطيات التاريخية من وقائع وحوادث أساسية متعلّقة بالموضوع، فقد اعتمدت الورقة على عدد من المراجع ذات الصلة، من كتب التاريخ والدراسات والمذكرات، وجرت مقاطعة المعلومات بين المصادر المختلفة للتثبت من صدقيتها ودقتها، قبل اعتماد أحدها والتوثيق منه.

أولًا: الجيش السوري و”سوسة” السياسة من الاستقلال إلى الهزيمة

في نيسان/ أبريل 1946 طويت صفحة الانتداب الفرنسي على سورية، ووجد الحكّام الوطنيون أنفسهم في أجواء بالغة التعقيد أمام مسؤولية بناء دولة الاستقلال، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، كسعي حكام مصر للتأثير في السياسة السورية خلال صراعهم مع الهاشميين، وطموحات هؤلاء في العراق والأردن بضم سورية، وتنافس القوى العالمية على “الشرق الأوسط”، الذي قال عنه أيزنهاور: “ليست هناك، في ما يتعلّق بالقيمة الخالصة للأرض، إستراتيجيًّا ومادّيًا، منطقة في العالم أكثر أهمية من الشرق الأوسط”[3]. ومن يتطلّع إلى قيادة الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سورية، لذا فهي مرآة للمصالح المتنافسة في المستوى الدولي، تكاد شؤونها الداخلية تفقد شيئًا من المعنى ما لم تُعزَ إلى قرينة أوسع: جوارها الجغرافي أولًا، والقوى الأخرى ذات المصالح ثانيًا، فضلًا عن الدائرتين العربية والإسلاميّة[4]. كثيرون من المغامرين والطامحين، عسكريين وسياسيين، أدركوا هذه الحقيقة، فانخرطوا في المحاور الإقليمية والدولية توسّلًا للسلطة.

عام 1948، كانت الدولة الناشئة وجيشها قليل التدريب والتسليح والخبرة، على موعد مع الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى وضياع فلسطين، فتبادل السياسيون وقادة الجيش الاتهامات بالمسؤولية عن “النكبة”. كان من أهم تداعيات الحرب، وترك عميق الأثر في مستقبل البلاد، أنّها فتحت الباب أمام تدخّل الجيش في الحياة السياسية، وتغلغل الأحزاب السياسية في صفوفه لا سيما الأحزاب الأيديولوجية، كالحزب السوري القومي الاجتماعي[5]، وحزب البعث، والحزب العربي الاشتراكي الذين اندمجا في “حزب البعث العربي الاشتراكي”[6] وغيرها. والسياسة أسوأ “سوسة” أو مرض يمكن أن يصيب الجيش، وتجمع مختلف المصادر أنّ أكرم الحوراني هو أول من أدخل هذا المرض إلى الجيش السوري تبعته بقية الأحزاب، فانقسم الجيش إلى فئات عدّة تلعب بها السفارات أحيانًا وتعصف بها الحزبية أحيانًا أخرى، وتسيطر عليها الأطماع الشخصية في أكثر الحالات”[7].

1- الانقلابات الأولى

مع نهاية آذار/ مارس 1949، افتتح حسني الزعيم مسلسل الانقلابات العسكرية في سورية والمنطقة، فعزل الرئيس شكري القوتلي وحلّ البرلمان، وأعلن حكمًا عسكريًّا عكّر تجربة سورية الفتية في الديمقراطية، ودخل السياسيون أول مرة بعد الاستقلال سجن المزّة. جاء الانقلاب بعد توتر بين السياسيين وقيادة الجيش نتيجة اتهام الجيش بالفساد، لتغدو القضية اختبارًا للقوة بين الجانبين. تبين أنّ الانقلاب وقع بدعم أميريكي لتصديق اتفاق مرور أنابيب النفط السعودي عبر سورية، وفق شروط شركة التابلاين الأميركية، وتوقيع اتفاق الهدنة مع إسرائيل بشروط إسرائيل[8]، وفق ما أكّده مسؤول أمني أميركي[9]. وبالفعل وُقّع الاتفاقان بعد نجاح الانقلاب.

خلال حكمه الذي لم يتجاوز “137 يومًا هزّت سورية”، حرّضت سياسة الزعيم الجيش ضدّه، إذ أبعد ضبّاطًا ساهموا في نجاح الانقلاب كالعقيد أديب الشيشكلي، واستاءت الحكومة العراقية من سياساته الممالئة لمصر، فكانت مستعدّة للدفع مقابل إزاحته، وكانت على اتصال بسياسيين وضباط سوريين منهم سامي الحناوي[10]. وشكّلت حادثة تسليم أنطون سعادة، زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى السلطات اللبنانية، التي أعدمته بتهمة السعي لقلب النظام، سببًا إضافيًا لإسقاط حسني الزعيم، فنسبة كبيرة من العسكريين والضباط كانوا أعضاءً في حزب سعادة. وبعد 36 يومًا من إعدامه وقع الانقلاب وقام عسكريون مقربون من حزبه، فجر 14 آب/ أغسطس 1949، بقتل الزعيم ورئيس الحكومة، وظهر سامي الحناوي قائدًا للانقلاب مدعومًا من الشيشكلي. لم يتمتع الحناوي بحنكة تساعده على البقاء في قمة السلطة، فأعلن ابتعاد الجيش عن السياسة، ودعا هاشم الأتاسي إلى تشكيل حكومة جديدة نال فيها حزب الشعب المتعاطف مع العراق خيرة المناصب[11]. ونتيجة التقارب مع العراق، ومناقشة موضوع الاتحاد، انقلب الشيشكلي في 19 كانون الأول/ ديسمبر 1949 ليدافع عن النظام الجمهوري وينقذ سورية من النفوذ البريطاني والوحدة مع العراق الملكي[12]. أبقى الانقلاب على الأتاسي رئيسًا، واكتفى باعتقال الحناوي وإحلال الشيشكلي مكانه، ليصبح المهيمن على الجيش.

اختلف قادة الجيش والحكومة حول قيادة الأمن الداخلي، فاستقالت الوزارة وتشكّلت أخرى جديدة تجاهلت طلبات الشيشكلي وتوصياته فقام بانقلابه الثاني واعتقل الوزراء، فاستقال الأتاسي، ثم أذيع البلاغ العسكري بتولي رئيس الأركان فوزي سلو رئاسة الدولة مع الصلاحيات التنفيذية جميعها، وصدرت المراسيم بحل البرلمان والأحزاب السياسيّة[13]، وبقي الشيشكلي صاحب النفوذ الحقيقي، وفرض أجواء بوليسية على البلاد. ولمنح نظامه الشرعية، عرض مشروع دستور جديد للاستفتاء الشعبي في 10 تموز/ يوليو 1953 و”انتُخب” رئيسًا للجمهورية، وظلّ حتى أزيح بعصيان عسكري بدأ من حلب في 25 شباط/ فبراير 1954 بإذاعة نداء للثورة يطالبه بمغادرة البلاد تجنبًا لسفك الدماء. وغادر الشيشكلي دمشق إلى المنفى بعدما أرسل استقالته إلى رئيس البرلمان، موضحًا أنه كان باستطاعته سحق الثائرين ولكن على حساب وحدة الجيش، فأراد صونها وتجنيبه الاقتتال، وهذه مأثرة للشيشكلي يُقدّر عليها.

دعا الانقلابيون وبعض السياسيين هاشم الأتاسي إلى العودة وإتمام ولايته وإعادة الحياة الدستورية، ودعي البرلمان القديم إلى الاجتماع، وتشكلت حكومة جديدة وأعيد العمل بدستور 1950، وحُدِّد موعد الانتخابات النيابية. ولضمان حياد السلطة، تشكّلت حكومة تكنوقراط أدارت الانتخابات التي أجمع المراقبون أنها أنزه انتخابات عرفتها سورية والدول العربية حتى ذلك العام. وللمرة الأولى والوحيدة في تاريخ سورية، جرى انتقال السلطات بشكل دستوري أنيق ومنظم، بين الرئيس المنتهية ولايته هاشم الأتاسي، والرئيس المنتخب شكري القوتلي.

هكذا، على الرغم من دخول الجيش السوري معترك السياسة منذ الانقلاب الأول، لم يتمكّن قادته من الاستفراد بالحكم وإلغاء الحياة السياسيّة بصورة تامّة، واستمرّ الشدّ والجذب بينهم وبين القوى السياسية التي لم تسلّم بالهزيمة أمام العسكر، بدليل سقوط الشيشكلي وعودة الحياة الدستورية، لكن إلى حين. فالعسكر لم يكفّوا عن السياسة، لكنّهم باتوا طرفًا بين مجموعة أطراف، ضمن توازنات يضبطها النظام الجمهوري البرلماني، وتمسّكت القوى السياسية معظمها بالديمقراطية. والضباط، وإن كانوا الأكثر تأثيرًا، احتاجوا دومًا إلى التحالف مع هذا الفريق السياسي أو ذاك. أدرك البعثيّون ذلك وأفادوا منه أكثر من غيرهم، وبخاصّة بعد التخلّص من خصم سياسي وأيديولوجي عنيد هو “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، بعد الحملة التي طالته سنة 1955، لاتّهامه بالوقوف وراء اغتيال العقيد عدنان المالكي نائب رئيس الأركان الذي كان قد بدأ بإعادة الجيش إلى السياسة تدريجًا على الرغم من الاستقرار النسبي للنظام الديمقراطي آنذاك.

2- الوحدة مع مصر وإجهاض التجربة الديمقراطية

طريق التطور الديمقراطي الصحي قُطِع عام 1958 بعدما هرعت فئة من الضباط تدعمها قوى سياسية سورية إلى الوحدة مع مصر، لوقف النفوذ المتزايد للشيوعيين وحليفهم خالد العظم[14]. فالحياة البرلمانية والآليات الديمقراطية الناظمة لعمل المجتمع السياسي السوري آنذاك، لم تمكّن دعاة الوحدة من الاستئثار بالسلطة. البعثيون، في قمة نجاحهم الانتخابي (1955)، لم ينالوا أكثر من عشرين مقعدًا من أصل مئة واثنين وأربعين في المجلس النيابي[15]. فبدا للبعث أن الاتحاد مع مصر وسيلته لهزيمة منافسيه، ورأى العسكريون أن الاتحاد سيضمن استمرارهم في حكم البلاد، اعتقادًا منهم بأنه سيخلصهم من السياسيين المدنيين، وأن عبد الناصر سوف يشجعهم على تأسيس مجلس للثورة على النسق المصري[16]. فالدوافع الأيديولوجية وشعارات “الوحدة العربية” التي تغنّى به المهلّلون للوحدة، كانت غطاء يخفي الرغبة في حسم الصراع على السلطة، وإقصاء الخصوم. تلاقت تلك المصالح مع سعي عبد الناصر لإحكام قبضته على السياسة الخارجية لسورية، رأس الحربة في معركته مع الغرب والهاشميين والسعوديين.

طلب صلاح البيطار من ضباط البعث وأنصاره في الجيش أخذ الأمر على عاتقهم. وفي 12 كانون الثاني/ يناير 1958، زار وفد عسكري برئاسة رئيس الأركان عفيف البزري القاهرة سرًا والتقى بعبد الناصر بهدف توحيد القيادة العسكرية. ولكن الوفد دفع باتجاه وحدة سياسية ليصبح توحيد الجيشين مقدمة لوحدة البلدين، من دون استشارة الحكومة السورية أو استئذانها. وقام الوفد بتحذير مبطن للحكومة السورية للقبول بخطوته، فأسقط في يد الحكومة وأوفدت وزير الخارجية صلاح البيطار لسؤال عبد الناصر عن رأيه في الوحدة، من دون منح البيطار صلاحية التفاوض. فما كان منه سوى أن ضم صوته إلى العسكريين[17]. وكان مدير الاستخبارات عبد الحميد السرّاج، قد تقدّم بمذكرة للحكومة تشرح سبب رحلة الضباط المفاجئة وأوضاعها[18]، فكان ذلك أشبه بانقلاب أبيض. ولم يكن عبد الناصر ليدع فرصةً كهذه تفلت من يده، فكان له ما أراد: سلطة مطلقة، لا تنغّصها أحزاب سياسية، ولا صحافة حرّة أو برلمان منتخب، “ثمنًا” لقبوله عرض الضباط والبعثيين.

وفي 1 شباط/ فبراير 1958، أعلن قيام “الجمهورية العربية المتحدة”، في لحظة مفصليّة توّجت صعود الناصرية بوصفها رافعة للقومية العربية في ذروة كاريزمية عبد الناصر، بعد توطيد حكمه في الداخل، وخروجه منتصرًا من معركة إبعاد سورية عن حلف بغداد، ثمّ نجاحه في تأميم القناة وفشل العدوان الثلاثي على مصر، إضافة إلى دوره في حركة عدم الانحياز، ودعمه حركات التحرر. لكن “دولة الوحدة” حملت إلى سورية، من جملة ما حملته، التجربة القمعية لأجهزة عبد الناصر الأمنية، بخبراتها التي روّضت المصريين، ولم ينتهِ مفعولها بعد الانفصال. فكانت الديمقراطية السورية أولى ضحايا الوحدة، وأصبحت سورية محكومة ليس بأقل من أربعة أجهزة أمنية واستخباراتية. وتعرض آلاف للاعتقال، وعمد النظام إلى التصفية الجسدية من دون محاكمة لمعتقلين سياسيين بعد جلسات تعذيب حتى الموت[19].

3- الانفصال

في 28 أيلول/ سبتمبر 1961، تحرك ضباط سوريون بقيادة عبد الكريم النحلاوي، تدعمهم السعودية والأردن، للسيطرة على دمشق بهدف تحقيق الحكم الذاتي لسورية ضمن الجمهورية العربية المتحدة. لم يرضخ عبد الناصر لمطالب الانقلابيين، وعدّ الأمر محض عصيان عسكري محلي، فأصدر أمرًا للجيش بقمع العصاة، لكنّ أحدًا لم يلبّ أمره، بل انضمّت وحدات عسكرية في حلب واللاذقية إلى الحركة. وأعلنت مجموعة النحلاوي إنهاء الوحدة والعودة إلى اسم سورية السابق “الجمهورية السورية”، ولإثبات ولاء الانفصاليين للعروبة عدّلوا الاسم ليصبح “الجمهورية العربية السورية”. وبدأت القاهرة حربًا إعلامية لم تخلُ من التحريض والإشاعات، تدعو السوريين إلى الانتفاض ضد الحركة العسكرية، لكن الحملة الإعلامية المصرية أهملت أسباب الانفصال وأهمّها أن الشعب السوري ضاق ذرعًا بالنظام الدكتاتوري[20].

بعد أشهر أُعلنت انتخابات لبرلمان سوري جديد ينتخب رئيسًا للجمهورية ويضع دستورًا للبلاد. جرت الانتخابات في ظل قانون الطوارئ ما جعل ادعاء الطغمة العسكرية احترامها للديمقراطية مهزلة. ولكن تشوّق الناس لعودة الحياة الديمقراطية دفعهم إلى المشاركة بقوة على الرغم من الدعوات المصرية إلى مقاطعة الانتخابات. فكانت نسبة المشاركة 60 في المئة، والموافقة على الانفصال 97 في المئة. وتحت الضغط الشعبي، خلص البرلمان إلى لائحة مطالب على رأسها استقالة الحكومة لقيام حكومة وحدة وطنية تتعهد بإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات. هذا التطور نحو الدمقرطة لم يرق لطغمة النحلاوي إذ رأت فيه إنهاءً لدورها، فقامت بانقلاب جديد في 28 آذار/ مارس 1962 لمنع عودة الديمقراطية. واعتُقل النواب والوزراء، ورفض الرئيس ناظم القدسي حل البرلمان، فاعتقلوه أيضًا. لم يستطع الانقلابيون منع التظاهرات الشعبية المطالبة بعودة الحكومة المدنية وإطلاق سراح السياسيين المعتقلين، ما شكّل تحدّيًا للحكم العسكري يؤكّد تصميم الشعب على إنهاء حكم العسكر، ووضع حد لتدخل الجيش في السياسة، فبدأت سلطة النحلاوي وجماعته تنهار[21].

ألغيت حالة الطوارئ في 22 كانون الأول/ ديسمبر 1962 واستعاد السوريون حرياتهم السياسية، لكنّ الأوضاع هُيِّئت لانقلاب جديد وقع في 8 آذار/ مارس 1963، بقيادة “اللجنة العسكرية”، التي بدأت خلية سرية شكّلها ضباط بعثيون في القاهرة عام 1960 هم محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد، عبد الكريم الجندي، أحمد المير، وضمّوا إليهم لاحقًا عددًا آخر من الضباط. نفّذت اللجنة انقلابها بالتعاون مع ضباط ناصريين، وآخرين لا ينتمون إلى أحزاب سياسيّة مثل العقيد زياد الحريري قائد جبهة الجولان، وعدد آخر من الضباط البعثيين من خارج اللجنة. فالبعثيون الذين فرّطوا بالنظام الديمقراطي البرلماني سعيًا إلى الوحدة، عادوا بعد أقل من عامين على الانفصال، وانقلبوا على الحياة الديمقراطية، التي كانت تُحاول استعادة أنفاسها، ليحكموا البلاد عبر «مجلس قيادة الثورة»، وقوانين الطوارئ، مؤسسين لسلطة الحزب الواحد، ليبدأ نصف قرن من الاستبداد في تاريخ سورية.

4- صراعات البعث

أسس الانقلابيون مجلسًا لقيادة الثورة من عشرين عسكريًّا (12 بعثيًا و8 ناصريين) ومدنيين اثنين، يتمتع بالسلطات التنفيذية والتشريعية كافة. واختير العقيد لؤي الأتاسي رئيسًا للمجلس وقائدًا للجيش بعد ترقيته إلى رتبة فريق، ومنح قادة الانقلاب لأنفسهم مناصب رفيعة: زياد الحريري رئيسًا للأركان برتبة فريق، والناصريان محمد الصوفي وزيرًا للدفاع وراشد القطيني نائبًا لرئيس الأركان. أما “اللجنة العسكرية” فاحتفظت بمناصب مهمة: عمران قائدًا للواء الخامس في حمص ثمّ اللواء 70 المدرّع، وصلاح جديد مسؤولًا عن مكتب شؤون الضباط، وأحمد سويداني رئيسًا للاستخبارات العسكرية، وحافظ الأسد قائدًا لقاعدة الضمير الجويّة بعد ترقيته[22]. ومع مناصبهم كلها في الدولة الجديدة، لم يشعر أعضاء “اللجنة العسكرية” بالأمان والثقة بمقدرتهم على الحكم، لكونهم ضبّاطًا صغارًا من الأقليات ويفتقرون إلى أي قاعدة شعبية، فاحتاجوا إلى واجهة سنّية إضافة إلى لؤي الأتاسي، ووجدوا ضالّتهم في أمين الحافظ الذي لم يكن بعثيًّا لكنه صديق للجنة، وسمّوه وزيرًا للداخليّة[23].

كُلّف صلاح البيطار بتشكيل حكومة لتنفيذ سياسة “المجلس الوطني لقيادة الثورة”، ولأغراض شكلية، وُسِّع المجلس ليضم بعض المدنيين كعفلق والبيطار وبعض الناصريين، لكن المدنيين كانوا محض وجوه رمزية فالسلطة بيد العسكر. ومن خلال عملها السرّي المنظّم استطاعت “اللجنة العسكرية” إقصاء شركائها الناصريين وغيرهم، وتحوّلت من شريك في الانقلاب إلى سيّد للبلاد. وبعد التخلّص من الخصوم، بدأ الصراع بين البعثيين أنفسهم، وتفجّرت التناقضات العسكرية والمدنية. وكان الخلاف بين يمين الحزب بقيادة ميشيل عفلق وصلاح البيطار والضابط محمد عمران، ويساره بقيادة نور الدين الأتاسي، ويوسف زعين، وابراهيم ماخوس إضافة إلى صلاح جديد.

انعقد المؤتمر القطري في آذار/ مارس 1965، وهيمنت الجماعات المعادية لعفلق، وصدرت قرارات تحصر السلطة في يد القيادة القطرية، ما جرّد القيادة القومية من سلطاتها السياسيّة. وردًّا على ذلك دعا عفلق إلى المؤتمر القومي الثامن في أيار/ مايو 1965، وفاز عفلق ومن معه في انتخابات القيادة القوميّة، لكنّه خسر منصب الأمين العام لمصلحة منيف الرزاز، وحقّق أعضاء اللجنة العسكرية مزيدًا من التقدّم، فأصبح صلاح جديد الأمين القطري المساعد، وانتخب حافظ الأسد عضوًا في القيادة القومية. ومع نتائج المؤتمر الواضحة لمصلحتها، تلقّفت “اللجنة” المناصب العليا لضبّاطها، فأصبح أمين الحافظ رئيسًا للوزاراء، ومحمد عمران نائبًا له ونائبًا لقائد الجيش، وتولى صلاح جديد رئاسة الأركان بعد ترقيته، وأصبح زعين والأتاسي وماخوس وزراء.

حاول الرزّاز تعزيز دور القيادة القوميّة، مدعومًا من أمين الحافظ، الذي أيّدها ضدّ “اللجنة العسكريّة” وصلاح جديد. وتخاصم أعضاء “اللجنة العسكرية”، فوقف عمران ضدّ أسلوب العنف وتذمّر من صعود نجم أمين الحافظ وصلاحيّاته، وبخاصّة أنه يعدّ نفسه القائد الفعلي للجنة منذ بدايتها. تعمّق الخلاف حول كيفيّة الحكم والنهج الاشتراكي، ولم يبقِ عمران الخلاف سرّيًا إذ استعان بالقيادة القوميّة وعمل معها ضد اليسار البعثي وصلاح جديد، وفضح لعفلق أسرار “اللجنة” وأنها الحاكم الفعلي، ما عدّه رفاقه خيانة فأصدرت القيادة القطريّة، التي يسيطر عليها جديد، قرارًا بتجريده من مناصبه وإرساله سفيرًا إلى مدريد، وسُلّمت القوّة العسكريّة التي كان يقودها إلى شقيق حافظ الأسد رفعت (نمت لتصبح “سرايا الدفاع”). وبعد إبعاد عمران، أبرز منافس لهما، أصبحت المواجهة بين أمين الحافظ وصلاح جديد، لتنتهي في 23 شباط/ فبراير 1966 بإطاحة الحافظ ومعارضي جديد الآخرين في القيادة القوميّة بانقلاب عسكري، في إثر قرار “القيادة القوميّة” حل “القيادة القطريّة” وتعيين الحافظ رئيسًا وعمران، المطرود من “اللجنة العسكرية”، وزيرًا للدفاع وقائدًا للجيش. حاول الأخير اختبار صلاحياته فأصدر أمرًا بنقل أهمّ مؤيدي صلاح جديد، كعزّت جديد من سلاح الدبابات، وسليم حاطوم قائد كتيبة المغاوير التي تتولى حراسة القصر الجمهوري والتلفزيون، فردّت “اللجنة العسكرية” فجر 23 شباط/ فبراير، إذ قام فدائيو الحاطوم تعززهم قوة رفعت الأسد وكتيبة دبابات يقودها عزت جديد، بمهاجمة منزل الفريق أمين الحافظ، الذي دافع وحراسه بشجاعة حتى نفدت الذخيرة. قتل الحراس وجرح أطفال الحافظ فاستسلم، واقتيد مع عمران والقادة الموالين لهما إلى سجن المزّة، واعتقل ثلاثون من البعثيين القدامى، بينهم البيطار ومنصور الأطرش وشبلي العيسمي، وأعضاء القيادة القومية اللبنانيون والسعوديون والأردنيون[24].

نجا منيف الرزاز من الاعتقال وبدأ بتشكيل تنظيم جديد للحزب، من قطاعات عسكرية ومدنية منفصلة، بهدف إعادة تقلّد القيادة القومية للسلطة. تزعّم بنفسه المدنيين، وتولّى اللواء فهد الشاعر التنظيم العسكري. وقاموا بالتواصل مع سليم حاطوم، الذي كان قد بدأ يبني تنظيمه العسكري الخاص، بعدما شعر بأنه ظُلم لعدم تقلّده المناصب العسكرية على الرغم من دوره الكبير في انقلاب 23 شباط/ فبراير، وفقد اعتباره في الحزب، فكان مستعدًّا للتآمر ضد النظام الذي ساعده في الوصول إلى السلطة، وانتهى الأمر بانقلاب فاشل في 8 أيلول/ سبتمبر 1966، غادر في إثره البلاد.[25]

ثانيًا: أثر الصراع السياسي في الجيش ودور ذلك في الهزيمة

الانقلابات العسكرية الأولى بين عامي 1949 و1954، وعلى الرغم من أنّها وضعت اللبنات الأولى لتسييس الجيش ثم انخراطه المباشر في الحياة السياسية، غير أنها لم تؤثّر بشكل كبير في هيكلية الجيش السوري وبنيته وقدراته البشرية في ذلك الحين، فقد كانت بالكاد تنحصر في تغييرات محدودة في مستوى القيادة وبعض المراكز المهمّة. بل على العكس، كان حجم موازنة الدفاع يزداد بعد كلّ انقلاب، ومعها ينمو الجيش باضطراد بعديده وعتاده. غير أنّ النتائج الكارثية لتسييس الجيش وتأثيره وتأثّره بالصراعات السياسية، بدأت تبرز بوضوح خلال السنوات التالية، لا سيما بعد قيام الوحدة السورية المصرية، إذ راحت الأمور تمضي في منحىً مختلف، نتيجة إرساء الحكم الناصري في سورية اعتمدت الوحدة نهجًا يقوم على الإقصاء وعقلية “التطهير”، وهو ما استمر حدوثه بعد الانفصال، ثم تطوّر بصورة أكبر مع بلوغ سلطة العسكر ذروتها، باستيلاء فئة منهم على مقاليد السلطة بالكامل في الحقبة البعثية، فكانت حصيلة ذلك كلّه وبالًا على الجيش السوري وكلّفت البلاد غاليًا.

1- وقائع وأرقام

كانت عمليات التصفية خلال الانقلابات الأولى تطال رموزًا وقادة بعينهم، كمقتل حسني الزعيم ليلة الانقلاب عليه مثلًا. أو تجري في إطار التنافس ما بين أقطاب الجيش، كما في حادثة مقتل العقيد الطيار محمد ناصر، قائد القوى الجوية السورية في 31 تموز/ يوليو 1950، وكان من أكبر منافسي الشيشكلي على السلطة، وطرد العقيد إبراهيم الحسيني من البلاد عام 1952 بأوامر من الشيشكلي، ثم إسقاط الأخير ونفيه والتخلّص من بعض أعوانه[26]. أما بعد عودة الحياة الدستورية (1954 – 1958) فيمكن تسجيل واقعتين رئيستين في هذا السياق، الأولى اغتيال العقيد عدنان المالكي (1955) وملاحقة الحزب السوري القومي وطرد أعضائه من الجيش استنادًا إلى عملية الاغتيال، وكان عددهم يقدّر بنحو 30 ضابطًا ومئة من صف الضباط[27]. والواقعة الثانية، هي تسريح عدد من الضباط في صيف عام 1957، بعد اتهامهم -من دون محاكمة- بالإعداد لانقلاب يعيد الشيشكلي إلى الحكم[28]. على أنّ ماسبق كلّه لا يكاد أثره يُذكر مقارنةً بما جرى لاحقًا.

فعلى الرغم من أن دور الضباط السوريين كان حاسمًا في تحقيق الوحدة عبر عمليتهم شبه الانقلابية، سيطر المصريون بصورة كاملة على قيادة الجيش السوري، وقاموا بخطوات لكسر مراكز القوى فيه. ولم يكد يمضي شهر على إعلان الوحدة حتى شنّ المصريون حملة تطهير طالت الضباط الشيوعيين، تلتها حملة ضد الضباط اليساريين والتقدميين، فثالثة ضد الموالين للحوراني وعفلق. وباتوا يطاردون أي عنصر ولو كان في مرتبة دنيا، ويزيحون كل من يعارض التمصير. ولم يستثنوا حتى الضباط الفلسطينيين الذين كان الجيش السوري يدربهم ليكونوا نواة الجيش الفلسطيني، وعندما أبدى رئيس الأركان السوري عفيف البزري اعتراضه على هذا الإجراء، عُزِلَ هو أيضًا. وأسوأ الإجراءات المصرية في الجيش السوري كانت بحق الضباط الشيوعيين، إذ لم يُكتفَ بإقصائهم عن مناصبهم بل أُلقي بهم في السجن. أمّا الضباط البعثيون فأزيحوا من مناصبهم وعوّضوا عن ذلك بتعيينهم في البعثات الدبلوماسية في الخارج أو بنقلهم إلى الإدارة العامة في مصر[29].

لقد كانت عملية التطهير من أكبر المصائب التي حلّت بالجيش السوري، لأنها طالت كوادر مؤهلة ومتعلّمة. إذ طال التطهير 4800 ضابط، أي نصف ضباط الجيش السوري. وعوّض النظام عن هذه الخسارة الفادحة في الطاقة البشرية بتحويل 2300 ضابط مصري إلى سورية لاستلام المناصب الشاغرة برواتب مرتفعة تحملتها الخزينة السورية. حتى إن عسكريين مصريين قليلي الخبرة منخفضي الرتبة، عيّتوا في مناصب عليا وتولّوا أمر مجموعات عسكرية سورية[30]. جدير بالذكر أنّ نهاية عهد الوحدة لم تعنِ عودة المسرّحين أو المنقولين جميعًا، إذ إن نسبة محدودة فقط أعيدت إلى الجيش، وهذا أيضًا كان وثيق الصلة بالتنافس السياسي وتوازنات القوى بين الكتل المختلفة داخل الجيش، بل حتى نتيجة للتوافق في ما بينها على إقصاء تيارات بعينها ومنع عودة ممثليها.

أمام هذا الواقع المرير، تزعزعت معنويات الجيش السوري ضباطًا وجنودًا، وتدهورت القيم العسكرية في المستوى المهني، وانخفضت هيبة الضباط السوريين وسمعتهم في نظر جنودهم بسبب عمليات التطهير المتكررة التي أمرت بها دولة الوحدة. ولم تتوقف الخطوات المصرية لإضعاف الجيش السوري عند ذلك، فقد ألغي التجنيد الإجباري ما أضاع على سورية فرصة بناء احتياطي بشري من الشباب الذي يتلقى تدريبًا عسكريًا. وألغت مصر سلاح الجو السوري ليقتصر على الجيش المصري، ونُقلت الكلية العسكرية في حمص جزئيًا، وكلية سلاح الجو في حلب كاملة إلى مصر. وبعد ذلك لم يقبل فيهما إلا عدد رمزي من السوريين.[31]

هكذا غدت مسألة “تنظيف” الجيش من الخصوم السياسيين من الأمور المألوفة التي باتت تجري بصورة روتينية وفي نطاق واسع عقب كل مغامرة سياسية يخوضها العسكر في سعيهم للسلطة. فخلال عهد الانفصال القصير والقلق، جرى تسريح 63 ضابطًا، حتى إنّ قادة الانفصال أنفسهم، وعلى رأسهم عبد الكريم النحلاوي، غادروا البلاد عام 1962 بعد تهاوي سلطتهم[32]، لينضمّوا إلى قوافل الضبّاط والكوادر التي خسرها الجيش حتى ذلك التاريخ، وسيتبعهم كثيرون آخرون في انقلاب 8 آذار/ مارس 1963 ثم خلال الصراعات التي تلته وصولًا إلى العام 1967.

فبعد 8 آذار/ مارس تعرّض الجيش لهزة كبيرة، إذ سرّح منه 700 ضابط وحلّ محلّهم معلمو المدارس الاحتياطيون، على أنها مرحلة انتقال[33]. ثم انتهى أمر الناصريين بعد قيامهم في 18 تموز/ يوليو 1963 بقيادة العقيد جاسم علوان، وبدعم “القوميين العرب” والاستخبارات المصرية بالهجوم على إذاعة دمشق ومبنى الأركان فقتل وجرح مئات، وجرت محاكمات وإعدامات خلال ساعات. وكانت “اللجنة العسكرية” قد تخلّصت من زياد الحريري وجماعته قبل شهر من ذلك، في أثناء زيارة كان يقوم بها إلى الجزائر بصفته وزيرًا للدفاع، حين صدرت قرارات تسريح أو نقل 25 ضابطًا من المحسوبين عليه، وتعيينه ملحقًا عسكريًا في السفارة السوريّة في واشنطن. فوجئ الحريري بذلك ففضّل الابتعاد ولجأ إلى الإقامة في باريس، وبعده تنحّى لؤي الأتاسي عن مناصبه (رئيس مجلس قيادة الثورة وقائد الجيش) بعد رؤيته لمسار تصفية الشركاء المتصاعد على يد اللجنة[34].

وفي انقلاب 23 شباط/ فبراير 1966 كانت حصيلة اقتتال عسكر البعث في ما بينهم نحو خمسين شخصًا. وتبع القتال حملة تطهير للجيش والحزب والحكومة أقصي بموجبها مئات الضباط. وخلال حوادث صيف ذلك العام والصراع بين القيادتين القومية والقطرية، تكشّف الجزء الأكبر من التنظيم العسكري الذي كان يقوده فهد الشاعر تحضيرًا لانقلاب يعيد القيادة القومية إلى السلطة، فاعتُقل عدد من ضبّاطه، ولجأ هو إلى التخفي قبل اعتقاله وتعرّضه للتعذيب. أما سليم حاطوم، فاستمر في مخططه الذي انتهى إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة ومغادرته البلاد إلى الأردن.

بعد ذلك شرعت السلطة في حملة تطهير جديدة في صفوف القوات المسلحة استمرّت حتى ربيع عام 1967. فسُرِّح 89 ضابطًا في تنظيم الحزب العسكري داخل الجيش واعتقل آخرون، إضافة إلى تسريح 400 ضابط للتأكد من أن الجيش بات خاليًا تمامًا من المجموعات والحركات المناهضة للسلطة. إنّ تسريح مئات الضباط -انضمّوا إلى مئات غيرهم جرى تسريحهم منذ سنوات الوحدة وبعدها- كان يعني أن سورية دخلت عام 1967 بعدد ضئيل من الضباط برتب رفيعة[35]. لقد كانت حصيلة النشرات العسكرية منذ آذار/ مارس 1963 وحتى أيار/ مايو 1967، بين تسريح وإحالة على التقاعد أو نقل إلى الوظائف المدنية ما لا يقل عن ألفي ضابط، وضعفهم من صفّ الضباط والجنود المتطوعين، الذين يشكلون الملاك الحقيقي لمختلف الاختصاصات[36].

2- الولاء عوضًا عن الأهلية

من بين العوامل التي مكّنت الجيش من فرض نفسه لاعبًا أساسيًّا في المشهد السياسي السوري بعد الاستقلال، أنّه شكّل حينها، على تواضعه، جهاز الدولة الأكثر تحديثًا وتنظيمًا مقارنةً بتخلّف البنى الاجتماعية القائمة وضعفها وتأخّرها. غير أنّه مع كل خطوة للجيش في عالم السياسة والحكم ومع تفاقم الصراعات داخله، كانت أمراض المجتمع وعلاقات التخلف ذاتها تتسرّب إليه أكثر فأكثر، فتنزع عنه حداثته المفترضة. وفي سياق التنافس بين أجنحة الجيش المختلفة، غابت تدريجًا الروابط الأيديولوجية والحزبية لتحلّ محلّها التكتّلات القائمة على أسس عشائرية وطائفية ومناطقية. وبحسب المصادر المختلفة فإنّ تلك الحالة عُمّقت وجُذّرت في ظلّ سلطة البعث، وبصورة كبرى بعد 23 شباط/ فبراير 1966، فحلّت معايير الولاء والعصبية أكثر محل الأهلية والأقدمية العسكرية.

جرت الاستعانة بالاحتياطيين لملء النقص الهائل في قوة الجيش البشرية الناجم عن التسريحات والتصفيات المتتالية. غير أنّ اختيار هؤلاء كان أيضًأ يقوم على أساس أيديولوجي، فأغلبيتهم العظمى بعثيون، ثم بات الاختيار طائفيًّا إلى حدّ ما، فالحكام الجدد الفاقدون للشرعية الدستورية الذين لا قاعدة شعبية حقيقية تسندهم، لم يجدوا بدًّا من استثمار العصبيات ما قبل الوطنية لدعم سلطتهم. ولأن نسبة عالية من أولئك الاحتياطيين هم من المعلمين، ولا يملكون التأهيل العسكري الكافي، إلا ما تلقّوه من تدريب خلال الخدمة الإلزامية، أو الدورات السريعة التي خضعوا لها عند استدعائهم مجدّدًا إلى الجيش، كان من المنطقي ألا يصمدوا في ميادين القتال، وصحّ فيهم القول في حزيران/ يونيو: “جيش معلمي المدارس هرب ولم يقاتل”.

وإلى جانب الترهيب والإقصاء والإبعاد إلى الخارج، ابتُكر أسلوب آخر للتقرب من الضباط وإفسادهم، فمن ثبت ولاؤه أُرسل إلى بعثة خارجية كي يتدبر أمور مستقبله اقتصاديًا، من دون النظر إلى المقدرة على التمثيل أو معرفة اللغة. فكان هناك ملحقون عسكريون في باريس مثلًا يجهلون الفرنسية جهلًا تامًا، وفق ما روى سامي الجندي، القيادي البعثي وسفير سورية في فرنسا (1964-1968)، وذكر أنه كان في السفارة السورية في باريس يوم تركها 43 ضابطًا[37].

مسألة أخرى لا بد من التوقف عندها، وكانت نتائجها أيضًا كارثية على الجيش، هي الترفيعات الاستثنائية والرتب الرفيعة التي منحها الانقلابيون لأنفسهم، كإجراء لا بد منه لإضفاء شيء من الشرعية الشكلية على تقلّدهم المناصب العسكرية العليا. من المعروف في الجيوش كلها أنّ انتقال الضابط إلى رتبة أعلى لا يحصل من دون اتّباع الدورات التدريبية والخضوع لاختبارات شتى، فضلًا عن المدد التي عليه قضاؤها في كلّ رتبة قبل أن يصبح مؤهّلًا للترفيع. غير أنّ هذا كلّه كان غير ذي قيمة عند نجوم الانقلابات، لا سيّما أبطال الهزيمة من طغمة البعث العسكرية. فهؤلاء الذين قادوا الجيش إلى الهزيمة، هم من ناحية التأهيل العسكري الفعلي من مراتب متوسطة، وباتوا جنرالات بين ليلة وضحاها.

الأمثلة أكثر من أن تُحصى، لأن الأمر لم يقتصر على ترفيع أعضاء “اللجنة العسكرية” لأنفسهم وتوزيع المناصب في ما بينهم بعد انقلاب آذار/ مارس 1963، بل أسبغوا الترفيعات والمناصب على كلّ من والاهم أو وجدوا أنّه يشكّل عونًا لهم، كالعقيد الركن لؤي الأتاسي، مثلًا. فالرجل أمضى خلال عام 1962 أشهر عدة ملحقًا عسكريًا في السفارة السورية في واشنطن، استدعي بعدها للتحقيق معه وأودع في سجن المزة، وبقي رهن الاعتقال حتى صباح 8 آذار/ مارس 1963، إذ أطلق سراحه ونُقل من السجن إلى وزارة الدفاع ليتولى بقرار من “مجلس قيادة الثورة” القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بعد ترفيعه إلى رتبة فريق ركن، مع تكليفه بمهمات رئيس الدولة ورئيس مجلس قيادة الثورة[38]. وأمين الحافظ رُقّي من عقيد إلى عميد فلواء ثم فريق خلال ثلاث سنوات. أمّا أحمد سويداني، قائد الجيش في حرب حزيران/ يونيو، فهو مقدّم رفّعته القيادة القطرية لحزب البعث إلى رتبة لواء بعد حركة 23 شباط/ فبراير 1966[39]، في حين إنّ ضابطًا مثل زياد الحريري، كان قائدًا لجبهة الجولان في وقت مشاركته في انقلاب الثامن من آذار/ مارس، جرى إقصاؤه سريعًا، وهو الذي قيل إنّ إبعاده “كان خسارة لسورية بوصفه من خيرة ضبّاط الجيش كفاءةً وخلقًا ووطنية”.[40]

تجدر الإشارة إلى أنّ عبد الناصر وضبّاطه الأحرار في مصر كانوا سبّاقين في الترفيعات الاستثنائية سواء لأنفسهم أم لموالين لهم من الضباط السوريين خلال الوحدة، كالعقيد جمال فيصل، الذي رقّاه عبد الناصر إلى رتبة لواء ثم فريق وأوكل إليه قيادة الجيش السوري زمن الوحدة. ومعلومٌ أنّ المشير عبد الحكيم عامر، قائد الجيش المصري إبّان الهزيمة، لم يكن أكثر من رائد من ناحية التأهيل العسكري، وهذا يساعد في تفسير أسباب الكارثة التي حلّت بالجيش المصري في حرب الأيام الستة وفهمها.

ثالثًا: خلاصات ونتائج

يروى أنّه في أوائل سنة 1964 تلقّى الجاسوس الإسرائيلي كوهين برقية وردته من إسرائيل تسأله “هل الوقت ملائم لهجوم على الجيش السوري؟” فكان جوابه: لا.[41] ومن ثم، لا شكّ في أنّ الصراعات والتصفيات لأسباب سياسية التي شهدها الجيش خلال السنوات الثلاث التي تلت، بفعل الإجراءات التي اتخذتها الطغمة الانتهازية الممسكة بالسلطة، كانت كفيلة بتهيئة المتغيرات لتكون الهزيمة على ذلك النحو.

لقد بدأ سقوط الجولان منذ أن سقط الجيش السوري في يد ثلة من المغامرين قليلي الوطنية والخبرة، لكنّ مسؤولية السقوط الفعلي النهائي تقع من دون أدنى شك على عاتق حافظ الأسد. تتأتى مسؤوليته من موقعه وزيرًا للدفاع وممسكًا بمفاصل الجيش كافّة، فهو المسؤول المباشر عن تسليم الجولان من دون قتال تقريبًا، إذ تتضاعف مسؤوليته في هذا نتيجة إصداره البيان رقم 66 سيّء الصيت، معلنًا فيه كذبًا سقوط القنيطرة، نظرًا إلى ما لذلك من أثر بالغ في تحوّل مجرى الحوادث، مع بدء “الانسحاب الكيفي” والانهيار السريع والكامل للقوات.

غير أنّ التحليل المستند إلى التفكير المنطقي، يستوجب عدم إهمال الكوارث التي لحقت بالجيش نتيجة مرضه بالسياسة طوال السنوات السابقة للحرب، وتحوّله إلى أداة لسحق الخصوم في الداخل للوصول إلى السلطة، فلم يبق أحد من كبار الضبّاط الذين لديهم المؤهلات العسكرية والخبرات اللازمة لقيادة معركة. هذا يدفع إلى القول أنّه في ظل الاختلال الكبير لموازين القوى، يصعب التكهّن بمدى جدّية احتمالات الصمود وإحباط الخطط الإسرائيلية، فالاستحكامات الدفاعية والطبيعة الوعرة للأرض عوامل مهمة من الناحية العسكرية، لكنّها تفقد قيمتها في ظل عدم جاهزيّة القوّات وانعدام التكافؤ، علاوة على الافتقار إلى غطاء جوّي، فسلاح الجو السوري، شأنه شأن نظيره المصري، أبيد خلال الساعات الأولى من الحرب. غير أنّ أحدًا لا يعلم كيف كانت الأمور ستمضي لو أنّه حصل قتال جدّي ودفاع منظّم عن الجولان، ربّما كان ذلك كفيلًا بجعل مهمة الإسرائيليين أكثر تعقيدًا وصعوبة، ويزيد من التكلفة البشرية للهجوم إلى درجة قد تدفع قادة إسرائيل إلى إعادة النظر في خططهم. في الحد الأدنى كان من شأن ذلك الحدّ من حجم الخسارة والتخفيف من وطأة الهزيمة.

في الأحوال كلها، لم يكن للجيش بمفرده، أن يقطع طريق التطوّر الطبيعي للتجربة السورية في الديمقراطية، لولا التدمير الثقافي الممنهج لها على يد الأحزاب الأيديولوجية، التي استلهمت النماذج الفاشية السائدة في أوروبا ما بين الحربين العالميتين، مرحلة ظهور تلك الأحزاب، بعدما تبيّنت أنها عبر الأدوات الديمقراطية، غير قادرة على بلوغ السلطة لتحقيق مشروعاتها الكبرى، ما دفعها إلى استخدام الجيش أو التحالف مع فئات منه للاستيلاء على السلطة، فانقلب السحر عليها، وخسر السوريون جميعًا. وفي ظل الحكم البعثي في سورية، لا سيما في طوره الأسدي المديد، شكّل النموذج الأكمل لأنظمة الهزيمة، فهو يتوّج مسارًا متعرّجًا من انحسار السياسة بفعل تسلّط الجيش، وتأكّل الأخير بفضل الصراعات السياسية داخله، ثم هيمنة حزب بعينه على السياسة والجيش معًا وإقصاء الخصوم والمنافسين، قبل أن ينتهي الأمر بالجميع في قبضة القائد الأوحد، “بطل” الهزيمة الذي سلّم الجولان لإسرائيل على طبق من ذهب.

لقد كان أمن السلطة فوق كلّ معيار حتى خلال أيام الحرب، وما جرى لسليم حاطوم خير دليل. ففي اليوم الخامس لحرب حزيران/ يونيو، وصل حاطوم إلى سورية مع بعض رجاله معلنًا أنه عاد ليخدم وطنه. كان ردّ النظام اتّهامه بالتآمر على البلاد بإيعاز من الملك حسين، فاعتقلته الاستخبارات العسكرية، وتعرّض للتعذيب على يد رفاق الأمس قبل أن تؤكّد المحكمة العسكرية حكم الإعدام بحقه بتهمة العمل لقلب النظام والتعامل مع دول أجنبية، وأُعدم في 26 حزيران/ يونيو 1967. لقد خشي النظام بعد الهزيمة من إمكان ظهور تحدّيات داخليّة تهدّد سلطته نتيجة اندحاره أمام إسرائيل، فواصل نهج تصفية كل من يشكّ في ولائه داخل الجيش وخارجه، وعزز أجهزته الأمنية وأنشأ أخرى جديدة بحيث يطبق على مفاصل الدولة والمجتمع كلها، فالهاجس الأساس هو البقاء في السلطة والمحافظة عليها، من دون الاكتراث بمتطلّبات الدفاع والاستحقاقات التي تقتضيها مواجهة إسرائيل. وكانت النتيجة سيطرة حافظ الأسد المطلقة على السلطة وانفراده بالحكم حتى وفاته وتوريث البلاد لابنه من بعده.

في الختام لا بد من قول أخير حول واقع سورية الراهن والحال التي آلت إليها ثورة السوريين خلال سنواتها العجاف. إنّ “العسكرة” التي طغت على الثورة السورية، فحرفتها عن مشروعها الديمقراطي الأول وحوّلتها في اتّجاهات أخرى، هي في أحد أوجهها استمرار لحالة عسكرة الحياة السياسية وما نجم عنها من ارتباط التغيير بالعنف، فهي ظاهرة متجذّرة في تاريخ سورية المعاصر. وعندما يضع خصوم السياسة بيضهم كلّه في سلة أصحاب الزي العسكري، جيوشًا أو ميليشيات، فهذا يعني إعادة إنتاج الكارثة، واستمرار تسلّط العسكر على البلاد، بصرف النظر عن هوية من سيحسم الصراع لمصلحته. لا يفيد شيئًا القول إنّ ما أصاب هذه البلاد المنكوبة، في الماضي كما في الحاضر، هو ضربٌ من “المؤامرة” و”الخيانة”، فهو فوق هذه وتلك نتاج آفة عسكرة السياسة، وسياسات العسكر وحكمهم. فهل أدرك السوريون ذلك، أم فات الأوان؟

 

([1]) ياسين الحافظ، الأعمال الكاملة لياسين الحافظ، الطبعة الأولى، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، كانون الثاني/ يناير، 2005، ص 2/ 385.

([2]) المصدر السابق، ص 4/ 731

([3]) جورج عين ملك، السياسة الأميركية آلية التدخل والعدوان، الطبعة الأولى، دمشق، 1986، ص24

([4]) باتريك سيل، الصراع على سورية، سمير عبده ومحمود فلاحة (مترجمان)، دمشق، دار طلاس، طبعة 1986، ص13، 14

([5]) أسسه أنطون سعادة سنة 1932

([6]) حزب البعث العربي، أسسه ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار عام 1940، والحزب العربي الاشتراكي، أسسه أكرم الحوراني عام 1950، واندمج الحزبان عام 1952 خلال حكم العقيد أديب الشيشكلي. بعد المؤتمر القومي الخامس للحزب عام 1962 قاد الحوراني تيارًا مستقلًا عن البعث عرف باسم “حركة الاشتراكيين العرب”.

([7]) عبد الله فكري الخاني، سورية بين الديمقراطية والحكم الفردي، الطبعة الأولى، دمشق، دار النفائس، 2004، ص89. انظر أيضًا: هاشم عثمان، الأحزاب السياسية في سورية، الطبعة الأولى، رياض الريس للكتب والنشر، 2001،  ص345: إذ يؤكّد هاشم أن الحوراني”هو الذي أدخل العسكر إلى ميدان العمل السياسي فعرفت سورية من يومها حكم العسكريتاريا”.

([8]) الخاني، ص87

([9]) انظر: مايلز كوبلاند، لعبة الأمم، تعريب: مروان خير، الطبعة الأولى، بيروت، 1970، ص73

([10]) سيل، ص104

([11]) هاني الخيّر، أديب الشيشكلي صاحب الانقلاب الثالث في سورية، الطبعة الثالثة، دمشق، مكتبة الشرق الجديد، 1995، ص57

([12]) المصدر نفسه، ص67

([13]) الخاني، ص101، 102

([14]) كمال ديب، تاريخ سورية المعاصر، الطبعة الأولى، بيروت، دار النهار، 2011، ص171

([15]) سيل، ص405

([16]) سيل، ص414، 416

([17]) ديب، ص172، 173

([18]) سيل، ص417

([19]) ديب، ص194

([20]) المصدر نفسه، ص207، 209

([21]) المصدر نفسه، ص212، 216

([22]) المصدر نفسه، ص239

([23]) المصدر نفسه، ص241. انضمّ الحافظ إلى حزب البعث وأصبح عضوًا في القيادتين القوميّة والقطريّة، وبدا أنّه هو رجل سورية القوي، إذ أصبح رئيس مجلس قيادة الثورة بدل لؤي الأتاسي، ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخليّة والحاكم العسكري بالوكالة، ورئيس الأركان ووزير دفاع بالوكالة وعضوًا في “اللجنة العسكرية” بصفته قائدًا للجيش. ديب، ص248

([24]) باتريك سيل، الأسد الصراع على الشرق الأوسط، الطبعة العاشرة، بيروت، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2007، ص166-169

([25]) نيكولاس فان دام، الصراع على السلطة في سورية، الطبعة العربية الثانية، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1995، ص84، 88، 91

([26]) خليل مصطفى، سقوط الجولان، دون رقم طبعة، القاهرة، دار الاعتصام، 1980، ص21

([27]) سيل، الصراع على سورية، ص 314

([28]) مصطفى، ص22

([29]) ديب، ص191، 192

([30]) المصدر نفسه.

([31]) المصدر نفسه، ص193

([32]) غسان حداد، أوراق شامية ـ من تاريخ سورية المعاصر، الطبعة الأولى، عمان، مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية، 2001، ص172

([33]) سامي الجندي، البعث، بيروت، دار النهار للنشر، 1969 ص154

([34]) ديب، ص247

([35]) ديب، ص 280

([36]) مصطفى، ص30

([37]) الجندي، ص156

([38]) حداد، ص172

([39]) مصطفى، ص25

([40]) حداد، ص264

([41]) الجندي، ص156

كاتب وباحث سوري من مواليد اللاذقية 1982، مقيم حاليًا في ألمانيا، مجاز في الحقوق من جامعة دمشق (2006)، عمل في وقت سابق باحثًا في "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية"، وأستاذًا للتاريخ السياسي المعاصر في "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى/ IFPO" في بيروت. نشر في عديد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وأصدر عدة كتب: الثقب الأسود: أوراق من ملفات الإسلاميين في الثورة السورية (2022)، العلمانية (2014)، جبهة النصرة لأهل الشام: القاعدة في طبعتها السورية (2013).

مشاركة: