Search

التخطيط والبعد الاستعماري للاحتلال الإسرائيلي؛ الجولان والقدس

مقدمة 

سجّل العام 1967 المرحلة الثانية من الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، إذ وقعت في شهر حزيران/ يونيو الحرب التي تُعرف بحرب الأيام الستة التي بادرت إليها إسرائيل، واحتلت ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية، القدس الشرقية وقطاع غزة)، إضافة إلى سيناء (المصرية) والجولان (السوري).

في حين أعيدت سيناء إلى مصر ضمن اتفاق سلام، وخرجت إسرائيل من قطاع غزة، ما زالت الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان السوري يرزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي.

تتمركز ورقة البحث حول السياسات والممارسات التخطيطية التي تنتهجها إسرائيل في مدينة القدس الشرقية والجولان المحتل. يأتي هذا التركيز على مدينة القدس الشرقية والجولان من الواقع القانوني الذي يجمع بينهما، فكلاهما يخضع للقانون الإسرائيلي، فمدينة القدس الشرقية جرى ضمّها مباشرة بعد الاحتلال إلى دائرة السلطة الإسرائيلية وعدّها جزءًا من العاصمة (توحيد المدينة)، أما الجولان فقد خضع من يوم الاحتلال الأول حتى عام 1981 لسلطة الحاكم العسكري، وفي هذا العام قامت إسرائيل بضم الجولان رسميا إليها من خلال قانون صدر في 14/12/1981 عن البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، وعدّه جزءًا لا يتجزأ من الدولة العبرية.   

إن خضوع القدس الشرقية والجولان لسلطة القانون الإسرائيلي، له إفرازات خطرة على أرض الواقع، وهذا ما ستتناوله ورقة البحث. 

أولًا: مفهوم الكيان الصهيوني ومرجعيته الكولونيالية 

إن إحدى سمات الأنظمة الاستعمارية المشتركة تقوم على مفهوم أن سكان البلاد الأصليين لا يستحقون تمثيلًا ملائمًا ولا يحق لهم تقرير مستقبلهم، إضافة إلى ذلك لم تختلف السياسة الإسرائيلية عن نهج الاستعمار الكلاسيكي والاستيطاني في تعاملها مع السكان الأصليين. 

من الضروري النظر إلى ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة، عبر السياق التاريخي، بمعنى السياق المتعلق بالفكر الصهيوني الذي يقوم على مفهوم كولونيالي من خلال برنامج استعماري – استيطاني يهدف إلى خلق حيز تكون السيطرة فيه للعرق اليهودي، وضمان هذه السيطرة مقرون بالوجود الفيزيائي (البشري) اليهودي وتشكيل هذا العرق الأغلبية السكانية.

المفارقة الكبرى في سياسة التخطيط الصهيوني أنها وُضِعت قبل قيام الدولة ببضعة عقود، وتتلخص هذه السياسة بعنوان “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. هذا الشعار طرحه الكاتب الصهيوني الإنكليزي “إسرائيل زانغويل” وتبناه زعماء الحركة الصهيونية وعلى رأسهم ثيودور هرتزل، ولاحقًا مارسه زعماء الدولة الصهيونية.   

في إسرائيل لا يمكن فصل عملية التخطيط والتنظيم عن السياق السياسي، القومي والاقتصادي بحيث يشكل التخطيط بالنسبة إلى سلطة الاحتلال أداة للسيطرة على الحيز العربي بديلًا أو مُكمِّلًا للسيطرة العسكرية.

إن إرث سياسة التخطيط وثقافتها في إسرائيل التي بدأت منذ قيام الدولة العبرية غنية بالتخطيط العنصري الذي يقوم على تفضيل الفئة المُسَيطِرة (اليهود) وتهميش الفئة المُسيطَر عليها (العرب). من هنا فإن إسرائيل تعتمد أسلوبًا خاصًا في التخطيط الحضري الذي يتكون بدوره من نموذجين:

النموذج التقليدي

وهو مقتبس من أوروبا يجري التركيز في تطبيقه على التنظيم وتوزيع الحيز المكاني، لكن مع الفارق بأنه يدار بأُسلوب مركزي وهرمي وقائم على مفهوم التفرقة العنصرية، هذا النموذج يُطَبّق عندما يتعلق الأمر بالسكان العرب.

نموذج التخطيط التنموي 

يجري التركيز فيه على الدمج بين التخطيط المكاني (الحيز) من جهة، والتخطيط الاجتماعي- الاقتصادي من جهة أخرى، إذ يقوم هذا النموذج على ربط عملية التخطيط بأساليب توزيع ميزانية الدولة، أي إعادة تنظيم ميزانية الدولة العامة لتتناسب مع الحاجات التنموية لكل من الحكومة، وقطاعات السكان، والأقسام الإدارية، إضافة إلى أن هذا النموذج يتضمن برامج تعاونية تهدف إلى رفع مستوى الفقراء والمهمشين، ويجري تطبيقه عندما يتعلق الأمر بالوسط اليهودي. 

حول مفهوم التخطيط ومهماته

إن التخطيط الحضري (تخطيط الحَيّز) (Spatial Planning) جاء لتنظيم الحيز الذي يعيش فيه البشر وتطويره، بحيث يصب في خدمة شؤون حياتهم وتطوير مستقبلهم. ومن ثم، فإن تخطيط الحَيّز له تأثير قوي ومباشر في مستقبل السكان وتطور المجتمع، لذلك تُعدّ الإدارة  اللامركزية في مجال التخطيط والتنمية مطلبًا أساسًا  وشرطًا ضروريًا لنجاح عملية التنمية، ومن ثم فإن تفعيل المشاركة الشعبية والدور الفاعل للمجموعات السكانية المستهدفة من التنمية التي تقوم على مفهوم تخطيطي “التخطيط من الأسفل” (Planning from below) ، تشكل عنصرًا أساسيًا ومهما في عملية التطوير والتنمية، وبعكس الإدارة المركزية التي تعتمد أسلوب “التخطيط من أعلى” (Planning from above)، فإن الإدارة اللامركزية وأسلوب “التخطيط من أسفل” يعمل على تحقيق مبدأ مهم من مبادئ التنمية الناجحة ويتمثل في تعزيز احترام الذات “Self-Esteem” والحرية أيضًا ولكن ليس بمفهومها السياسي فقط وإنما بمفهومها الإنساني الشامل ويُعظّم من قدرة الإنسان على الاختيار.

  تخطيط الحيّز في إسرائيل، هو تخطيط سلطوي ومركزي، بحيث إن علاقته بالمواطن العربي يمكن وضعها في إطار مفهوم “الإملاء”، وهكذا يجري تشكيل واقع الحيّز من دون أن يكون للمواطن العربي إمكان التأثير الفعلي في تحديد هذا الواقع ورسمه. 

من خلال تحليل الوضع التخطيطي الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة عام 1948 يتضح أن سياسة التخطيط والتطوير تقوم على مركبين: 

–  المركب الديموغرافي الذي يهدف إلى خلق أكثرية يهودية والمحافظة عليها.

–  المركب المناطقي (Territorial) الذي يهدف إلى السيطرة على الحيز من خلال الوجود الفيزيائي (البشري)، أي إقامة أحياء استيطانية يهودية، ومن ثم السعي لخلق تواصل مناطقي بين المناطق السكنية اليهودية جميعها وبالمقابل العمل على منع التواصل المناطقي بين المناطق السكنية العربية داخل القدس من جهة ومن جهة أخرى منع التواصل المناطقي بين هذه الأحياء والأحياء العربية المحاذية لحدود القدس.

2- نظام التخطيط واستراتيجيته

إن نظام التخطيط المكاني، يشكل أداة مهمة في جهاز السيطرة على الأراضي، إذ يقرر هذا النظام أنماط البناء والتطوير. 

نظام التخطيط الإسرائيلي مركزي إلى أبعد الحدود، وتتمتع سلطات التخطيط بصلاحيات واسعة بكل ما يتعلق بالمصادقة على استعمالات الأراضي ومبادرات البناء والتطوير وتشريع القوانين وتنفيذ المخططات.

يتكون نظام التخطيط المكاني الإسرائيلي من جهازين:

الأول: الجهاز التطويري الذي يتكون من مؤسسات، تتمتع بصلاحيات رسم عملية البناء والتطوير في أرجاء البلاد كلها. وهذه المؤسسات هي: وزارة الأمن، وزارة البناء والإسكان وزارة الصناعة، إضافة إلى الوكالة اليهودية وصندوق أراضي إسرائيل.  

الثاني: الجهاز التنظيمي، ويتكون من سلطات مسؤولة عن تنظيم التطوير المديني والمحلي التي تتكون بدورها من ثلاثة أَجسام هي:     

– المجلس القطري للتخطيط والبناء (يُمَوَّل من الحكومة)  

– اللجان اللوائية وعددها ستة (تُمَوَّل من الحكومة)

– لجان التخطيط المحلية (تُمَوَّل من جباية رسوم تصاريح البناء)

وفقًا لقانون التخطيط والبناء لعام 1965، فإن الجهاز التنظيمي بكامل أَجسامه يعمل تحت رعاية وزارة الداخلية.

 ميّزات نظام التخطيط

كما ورد سابقا فإن التخطيط في إسرائيل يُستخدَم أداة قوية للإخضاع والسيطرة على السكان العرب القاطنين داخل دائرة السيطرة الإسرائيلية (الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، الضفة والقطاع والسوريين في الجولان)، بل إن هناك استخدام مُفرط للتخطيط من أجل تحقيق أهداف سياسية، وقد عمد المخططون والسياسيون الإسرائيليون ومنذ البداية إلى إخفاء الربط بين التخطيط والمشروع السياسي الصهيوني. 

ومن ميّزات نظام التخطيط هذا أنه يقوم على: 

–  سلطة معينة وغير ديمقراطية.

– استبعاد السكان العرب من عملية التمثيل في المؤسسات صاحبة القرار كلها والتأثير في عملية البناء والتطوير.

–  إخضاع الوسط العربي لعملية “التخطيط من أعلى” بما معناه عدم مشاركتهم في عملية التخطيط.

– حرمان السكان العرب من إقامة مناطق سكنية جديدة، في حين تُبنى مستوطنات يهودية جديدة على أوسع نطاق.

– التضييق المكاني على المناطق السكنية العربية وجعلها غيتوات محوطة بتجمعات سكانية يهودية.

– تطبيق معايير مزدوجة في عملية التخطيط والبناء والتطوير اتجاه المجتمع اليهودي والمجتمع العربي.

إن سياسة توزيع الأراضي بوصفها شرطًا ماديًا مهمًا لعملية التطوير، وسياسة التخطيط المطبقة، تؤدي دورًا كبيرًا في تشكيل المتغيرات المعيشية للفرد والمجموعة. من هنا فإن سوء التخطيط أو التخطيط الذي يقوم على مبدأ التهميش والإقصاء المتعمد يمس بالقيم والحقوق الأساسية للفرد والمجموعة ككل: حق الإنسان في السكن المريح، وحقه في وجود البنية التحتية والتوزيع العادل للموارد… إلخ. 

ثانيًا: قوانين تمييزية في مجال الحق في التخطيط والبناء

تعتمد إسرائيل في سياسة التخطيط مجموعة من القوانين التميزية التي تهدف إلى ترسيخ السيطرة اليهودية على الحيّز ومن ثم إلى إقصاء السكان العرب الخاضعين لدائرة سيطرتها وتهميشهم. بعض هذه القوانين تعود إلى مرحلة الانتداب البريطاني، واعتمدتها إسرائيل بالكامل، وبعضها عُدِّلت لمصلحة سياستها العنصرية، وأخرى سُنَّت بعد قيام الدولة. 

1- تعديل رقم 7 (2009) لقانون دائرة أراضي إسرائيل (1960) 

ملخص القانون: القانون يفرض خصخصة واسعة للأراضي بما فيه أراضي المُهجّرين العرب؛ ويمَكّن تبادل الأراضي بين الدولة والصندوق القومي اليهودي وهي أراضي محفوظة حصريًا لاستخدام الشعب اليهودي، ويؤمن تمثيلًا للصندوق القومي اليهودي في مجلس أراضي إسرائيل الذي يحدد سياسات الأراضي في إسرائيل. 

2- تعديل رقم 3 (2010) لقانون تنظيم الأراضي (حيازة الممتلكات عامّة) (1943)

ملخص القانون: هذا القانون الذي يعود إلى عهد الانتداب البريطاني يُخوّل وزير المالية مصادرة أرض لـ “أغراض عامّة”، وقد استخدمت الدولة هذا القانون بصورة واسعة، إضافة إلى قوانين أخرى مثل قانون شراء الأراضي (1953) وقانون أملاك الغائبين (1950)، لمصادرة أراضي فلسطينية. ويقوم التعديل الجديد الذي سُنّ في 10 شباط/ فبراير 2010 بالتصديق على ملكية الدولة للأراضي المصادرة، حتى لو لم تخدم الغرض الأصليّ الذي صودرت لأجله. وهو يخوّل الدولة عدم استخدام الأراضي للغرض الأصلي الذي صُودرت لأجله لمدة 17 عامًا، ويحرم مالكي الأراضي من الحق في المطالبة بالأرض المصادرة منهم، والتي لم تُستخدم لغرض مصادرتها الأصلي. ويوسع التعديل من صلاحية وزير المالية في مصادرة الأراضي “لأغراض عامة” التي تشمل وفق القانون إقامة بلدات أو تطويرها، ويسمح للوزير بإعلان أغراض جديدة (للمصادرة). ويهدف القانون الجديد لمنع المواطنين العرب من تقديم دعاوى قضائية لاستعادة الأراضي المصادرة: فقد مرَّت عقود منذ مصادرة أغلب الأراضي العربية، وحُوِّلت مساحات كبيرة منها إلى أطراف ثالثة، بما فيها مؤسسات صهيونية، مثل “كيرن كييمت”. 

3- قانون لجان القبول

 ملخص القانون: يقوم قانون لجان القبول الذي سُنّ في 22 آذار/ مارس 2011، ببلورة عمل “لجان القبول” ضمن القانون الرسمي، وهي لجان تعمل في 475 بلدة زراعية وجماهيرية (تسكنها أقل من 400 عائلة) وبُنيت على أراضي دولة. 

يمنح القانون لجان القبول صلاحية مُطلقة بقبول الأشخاص أو رفضهم ممن يرغبون في السكن في هذه البلدات في وحدات سكنية أو شراء قسائم أراضي للبناء، ويخول القانون لجان القبول بتبني شروط المعايير التي تضعها البلدة ذاتها، على أساس “ميزاتها الخاصة”. تعطى هذه الصلاحية أيضًا لبلدات جماهيرية تعرف نفسها بوصفها صاحبة “تصور صهيوني”. وتشمل اللجان التي تتكون من خمسة أشخاص، مندوبًا عن الوكالة اليهودية أو الكونغرس الصهيوني وهي أجسام شبه حكومية، وتعلن على الملأ أنها تعمل حصريًا لخدمة الشعب اليهودي. وعلى الرغم من أن أحد بنود القانون يشدد على واجب احترام الحق في المساواة ويمنع التمييز، يتيح القانون للجان القبول رفض مرشحين “غير ملائمين للحياة الاجتماعية في المجتمع” وبهذا يمنح الشرعية لإقصاء مجموعات كاملة، ومن ضمنها المواطنين العرب. وقد وضعت دائرة أراضي إسرائيل معيار “الملاءمة الاجتماعية” بغية الالتفاف على أي قرار قد يصدر عن المحكمة العليا (في شهر حزيران/ يونيو 2011 أصدرت محكمة العدل العليا أمرًا احترازيًا، أمرت من خلاله الدولة أن تفسر لماذا لا يُلغى هذا القانون). 

القانون يحوّل 475 بلدة يهودية في إسرائيل إلى بلدات تقوم على مبدأ الأبارتهايد في المسكن. هذا القانون هو أحد القوانين الأكثر عنصريّة من بين التشريعات الصادرة في السنوات الأخيرة، وهدفها الأساس تهميش المواطنين العرب ومنعهم من السكن في البلدات الجماهيريّة. يُضاف إلى هذا التعديل كله على قانون إدارة أراضي إسرائيل الذي أعطى تصديقًا وشرعية قانونية لوجود لجان قبول في التجمعات الأهلية التي استعملت وما تزال تستعمل آلية لقطع الطريق أمام المواطنين العرب إلى السكن في هذه التجمعات. 

4- تعديل رقم 3 (2011) على قانون دائرة أراضي إسرائيل (1960)

ملخص القانون: تعديل القانون، الذي صُدّق في الخامس من نيسان/ أبريل 2011، يمنع أي فرد أو مؤسسة (خاصة أو عامة) من بيع أرض أو إيجار مُلك لمدّة أطول من خمس سنوات، أو تمرير حق الملكية الخاصة في إسرائيل أو توريثه لـ”غرباء”. وفقًا للقانون، “غريب” هو كل إنسان ليس مقيمًا في إسرائيل أو مواطنًا فيها، أو ليس يهوديًا صاحب الحق التلقائي بالمجيء إلى إسرائيل بحسب “قانون العودة”. 

5- قانون دائرة أراضي إسرائيل (طرد مقتحمي الأراضي)

ملخص القانون: تعديل القانون عام 2005 وسّع صلاحيات دائرة أراضي إسرائيل لإصدار أوامر هدم إدارية للإخلاء بحسب القانون. التعديل من سنة 2005 يهدف بالأساس إلى العمل ضد البدو العرب في النقب. 

6- قانون التخطيط والبناء؛ تقييد الكهرباء، الماء والهاتف (1965)

ملخص القانون: البند 157 (أ) القانون يمنع شركات البنى التحتيّة (الكهرباء، شركة المياه وشركات الاتصالات) من أن تربط أي مبنى بشبكاتها، إذا لم يكن المبنى يملك ترخيص بناء من السلطة المحليّة. وعلى الرغم من أن هذا البند يبدو عادلًا، إلا أنه يُستخدم بالأساس لتضييق الخناق على المناطق العربية التي تعاني ضائقة أراضي ومسكن. 

7- قانون التخطيط والبناء (1965)

ملخص القانون: القانون الذي بموجبه أسست اللجنة القطرية للتخطيط والبناء، وأيضًا اللجان اللوائية للتخطيط والبناء، لم يضمن في تركيبة اللجان القطرية واللوائية أي ممثلين عن المجتمع العربي في إسرائيل، في حين يضمن ممثلين عن مجموعات أخرى مثل النساء، جيل الشباب، والمؤسسات الاستيطانيّة (بحسب توصيات الوكالة اليهوديّة).  

8- قانون أساس؛ أراضي إسرائيل (1960)

ملخص القانون: يقضي القانون بأن أراضي إسرائيل التي تقع تحت ملكيّة سلطة التطوير أو الصندوق القومي اليهودي، لا يمكن نقل ملكيّتها بالبيع أو بأي طريقة أخرى. مع هذا، فإن قانون أراضي إسرائيل (1960) يوفّر إمكانات لتفادي القانون بحيث يمكن لهذه المؤسسات أن تنقل ملكية الأراضي في ما بينها. مع العلم أن الصندوق القومي اليهودي يطلب تخصيص الأراضي التي تملكها لليهود فقط.  

9- قانون دائرة أراضي إسرائيل (1960)

 ملخص القانون: بموجب هذا القانون أقيمت دائرة أراضي إسرائيل. بحسب القانون، الحكومة تعيّن أعضاء مجلس دائرة أراضي إسرائيل الذي يضع سياسات الأراضي في الدولة. أعضاء المجلس نصفهم من أعضاء الحكومة، ونصفهم الآخر من الصندوق القومي اليهودي. بهذا يُعطى لدائرة إسرائيل التي تخدم مصالح اليهود فقط، الصلاحية الكبرى في تحديد سياسات الأراضي في إسرائيل. 

10- قانون الـ”كيرين كايميت” (1953)

ملخص القانون: الـ”كيرين كاييمت” هي الصندوق القومي اليهودي، وهو صندوق أقيم عام 1901 من أجل جمع التبرعات لشراء الأراضي باسم الشعب اليهودي ولأجله فقط. في هذا القانون، يُعطى الصندوق القومي اليهودي صلاحيات سلطة عامة، ويعطيها امتيازات ماليّة، بما في ذلك تخفيضات في الضرائب لشراء الأراضي. الأراضي التي يملكها الصندوق مُعَرفة كأراضي ملك عام أو “أراضي دولة”. 

11- قانون أملاك الغائبين (1953)

ملخص القانون: القانون يُعرّف من هُجّر أو نزح أو ترك حدود دولة إسرائيل حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، خصوصًا في إثر الحرب، بوصفه غائبًا. وتعدّ أملاكه كلها (يشمل الأراضي، البيوت وحسابات البنوك وغيرها) بمنزلة “أملاك غائبين” تُنقل ملكيّتها إلى دولة إسرائيل، ويديرها وصيّ من الدولة. قانون أملاك الغائبين هذا هو الأداة الأساسية لدى إسرائيل للسيطرة على أملاك اللاجئين العرب وكذلك أملاك الوقف الإسلامي في الدولة. 

12- أنظمة الدفاع الداخليّة (حالة الطوارئ)، نظام 125 (مناطق مغلقة) (1945)

ملخص القانون: القانون يوكّل القائد العسكري بإعلان أي منطقة بوصفها منطقة عسكريّة مغلقة، ويمنع بهذا أي شخص من الدخول إليها. على أرض الواقع، سمحت هذه الأنظمة الداخلية بتهجير القرى الفلسطينيّة (عام 1948) وقرى الجولان (عام 1967) التي ما يزال أبناؤها ممنوعون من العودة إليها حتى اليوم. 

15- “قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر موقّت) لعام 2003”

  ملخص القانون: يمنع القانون منح المواطنة أو الإقامة الدائمة لسكان المناطق المحتلّة. تقرّر أن يكون القانون أمرًا موقتًا ويمكن “للكنيست” تمديده، وبالفعل قام الكنيست بفعل ذلك مرة تلو الأخرى. وقد جرى تعديل القانون مرّتين سنة 2005 وسنة 2007. وتضمّنت هذه التعديلات تسهيلات للحصول على الإقامة الموقتة، وأتاحت الفرصة أمام الفلسطينيّين الذين يتماثلون مع الدولة، وساهموا مساهمة جليلة للدولة، أي “المتعاونين”، إمكان الحصول على الإقامة الدائمة والمواطنة. وقد ظهرت محاولات عدة على مر السنين لإبطال هذا القانون أو لإدخال تعديلات مهمة جدًا عليه، إلاَّ أنَّ هذه المحاولات جميعها باءت بالفشل. يكمن خطر “قانون الدخول إلى إسرائيل” في أنه يُخوّل وزير الداخلية صلاحية إلغاء “الإقامة الدائمة” طبقًا لبند 11a في أنظمة الدخول إلى إسرائيل التي تنصّ تحديدًا على إمكان إلغاء “الإقامة الدائمة” في الحالات الآتية:

– مغادرة البلاد لمدّة سبع سنوات أو أكثر.

– أو لدى الحصول على إقامة دائمة خارج البلاد.

 – أو لدى الحصول على المواطنة في دولة أخرى عبر التجنّس.

ثالثًا: أدوات قانونية ذات تأثير مباشر في السكان العرب

– الخرائط الهيكلية المحلية (Local Master Plan) 

تهدف الخرائط الهيكلية ليس فقط إلى تحديد استعمالات الأراضي وتنظيم حقوق البناء وحجمها بحسب نوع تصنيف الأرض، بل أكثر من ذلك فإن الخرائط الهيكلية تتبنى أهدافًا اجتماعية واقتصادية، وفي المجتمعات التي تمارس “التخطيط الإثني”، فإن الخرائط الهيكلية قد تحمل أهدافًا تصب في سياسة التهميش التي تتبناها الدولة. يمتلك التخطيط أهمية كبيره بتأثيره الواضح في مستقبل حياة المواطنين وجودتها من خلال توزيع الموارد واستجابته لمتطلبات الفئات السكانية وحاجاتها. 

في إطار سياسة التخطيط الإسرائيلية، تشكل الخرائط الهيكلية أداة مهمة في إخراج هذه السياسة إلى حيز التنفيذ، فهي آلية ناجحة في عملية مصادرة الأراضي العربية، ومن ثم التضييق على السكان الأصليين (العرب). 

لقد خضع سكان الجولان المتبقون فوق أرضهم منذ اليوم الأول للاحتلال عام 1967 حتى عام 1982 لنظام الحكم العسكري، وهذا يعني أن تطور المجتمعات السكانية العربية في الجولان وتنميتها كانت تجري عشوائيًا وبصورة خاضعة لإرادة الحاكم العسكري. بعد ضم الجولان “قانونيًا” (عام 1981)، بدأت سلطات الاحتلال بتحضير خرائط لتنظيم عملية البناء والتطور العمراني في قرى الجولان العربية.  

يتبلور دور الخريطة الهيكلية المحلية، وبحسب قانون البناء والتخطيط في الأساس بتحديد سياسة التخطيط، إذ تحدد استعمالات الأراضي عمومًا، ولا تتعاطى في التفاصيل، وانطلاقًا من مفهوم التخطيط الحضري، فإن المخطط الهيكلي يقاس بمدى استجابته لحاجات المواطنين (السكنية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية والبيئية). لكن في الحقيقة تبقى الخرائط التي أعدتها سلطات الاحتلال بعيدة إلى أقصى الحدود عن مفهوم التخطيط الحضري، ولا تلبي حاجات السكان، بل تهدف إلى إضعاف القدرة على التطور وإعاقتها من خلال: 

تحديد المساحات المخصصة للبناء إلى أدنى حد. 

تقييد منح تراخيص البناء. 

عدم الاعتراف بملكية السكان لقسم من الأراضي الموجودة داخل القرى وعدّها من ملكية “دائرة أراضي إسرائيل”.

الرسوم المالية الباهظة، إذ يرتبط الحصول على ترخيص للبناء برسومات ماليه. 

إن رسوم الترخيص لطالبي البناء واحدة، وتنطبق على كل السكان، لكن تعريفة الرسوم حُدِّدَت وفق الشروط القائمة في الوسط اليهودي. وإذا ما أخذنا بالحسبان أن دخل الفرد العربي يساوي ما يقارب نصف دخل الفرد اليهودي، فإن الرسوم المفروضة تشكل عبئًا ماليًا على المواطن العربي بما يفوق قدرته الاقتصادية كثيرًا.

الخرائط الهيكلية المُعدة للوسط العربي في إسرائيل تعكس هدف السلطات برغبة تركيز السكان العرب في مساحة محددة ومقلّصة من خلال فرض البناء العمودي (متعدد الطوابق) وتحجيم البناء الأفقي، على الرغم من أن البناء العمودي يتعارض مع الثقافة السكنية للمواطنين العرب، وبخاصة سكان القرى التي تعتمد في جزء من اقتصادها على الزراعة، ومن ثم لها متطلبات اجتماعية وسكنية تختلف عن سكان المناطق المدينية. إضافة إلى ذلك لا تستجيب الخرائط الهيكلية للواقع الفعلي، وبضمن ذلك الزيادة الطبيعية للسكان. في مثل هذا الواقع الذي يجعل الحصول على رخص بناء أمرًا صعبًا -لعدم وجود مخرج أو خيار آخر- تزداد عمليات البناء غير المرخص التي تنتهي بالمحاكم إلى أوامر هدم أو غرامات مالية عالية جدا. مجال الأرض والتنظيم هو أحد المجالات التي يعاني فيها العرب الاضطهاد والتمييز الحادين، والنتائج على أرض الواقع قاسية جدًا.

 الحدود الإدارية للسلطات المحلية (local Council boundaries)

 يتطلب توسيع الحدود الإدارية للسلطة المحلية أو تغييرها، تقديم طلب إلى المدير العام لوزارة الداخلية، وفي حال رأى المدير العام للوزارة حاجة في بحث الطلب، يقوم بإحالته على اللجنة الدائمة للحدود الإدارية لدراسة الطلب، ولكن حتى لو وافقت هذه اللجنة على طلب توسيع الحدود الإدارية للسلطة المحلية، يبقى دخول القرار حيز التنفيذ مشروطًا بموافقة وزير الداخلية، بمعنى آخر يُمكن لوزير الداخلية رفض قرار اللجنة.

إن مساحة المنطقة التي تقع ضمن الحدود الإدارية للسلطة المحلية، تؤثر في حصتها من عائدات الضرائب التي تعود عليها من النشاط الاقتصادي والتجاري والسياحي داخل حدودها الإدارية، وهذا سينعكس في القدرات المالية للسلطة المحلية في تطوير البنية التحتية، وتحسين شروط المعيشة للسكان. تعاني القرى العربية جميعها في الجولان والداخل الفلسطيني حدودًا إدارية صغيرة لا تتناسب مع حجمها السكاني.

– المخطط القطري (تاما 35)   National Outline Plan (Tama 35) 

المخطط القطري “تاما 35” هو مخطط توجيهي قطري للبلاد كافة، يوجه المخططات اللوائية والمحلية، إذ يجب أن تتماثل معه ولا يمكن أن تتناقض مع أسُّسِه. وقد أقِرَّ هذا المخطط عام 2005. تُقسم “تاما 35” البلدات إلى “أنماط بلدات”. 

حوالى 70 في المئة من الجماهير العربية تسكن في مناطق تُسمى “نسيج مديني/ حضري (Urban texture).  النقطة المهمة في هذه المناطق أن المخطط القطري يحدد حدود التطوّر والتوسع والبناء في هذه المناطق، والخرائط المحلية يجب أن تتقيّد بهذه الحدود، وهكذا يصبح إمكان التوسع لهذا النمط من البلدات في المستقبل صعبًا، هذه الحدود في عدد من البلدات العربية غير ملائمة للواقع التخطيطي والفعلي وغير ملائمة لإمكانات التطور مستقبلًا.

الأمر الآخر في هذا المخطط هو اشتراط توسيع مناطق التطوير والبناء بتخصيص مساحات مفتوحة مساوية للمساحة المعدّة للتطوير في هذه المنطقة، هذا الشرط يتجاهل تمامًا أن أغلب الأراضي المتاخمة للبلدات العربية هي أراض بملكية خاصة، ما يعني أن هذه الأراضي نصفها سيُصادر إذا عُمل وفق هذا الشرط، الأمر الذي يمس بحق ملكية الأرض.

المخطط القطري “تاما 35” يضع شروطًا كثيرة عند توسيع مناطق البناء، منها أن تُستَغَلّ الأراضي المُعدة للبناء، وبَعدها تُوسّع مناطق البناء. هذا الشرط يتجاهل الملكية الخاصة للأراضي، فهنالك عائلات تملك مساحات في منطقة البناء، ولكنها ترفض أن تبيع هذه الأراضي، إذ تتركها للأجيال الآتية، ولا يعقل أنتُحرَم بسبب وجود هذه الأراضي بقية البلدة من التوسّع.  

وفي البلدات التي تقع في مناطق طبوغرافية صعبة، فمن المستحيل استغلال الأرض المعدة للبناء كلها، نظرًا إلى التكاليف الباهظة جدًا بسبب الأوضاع. إضافة إلى ذلك نرى توظيف المخطط القطري من السلطات الإسرائيلية للحيلولة دون توسيع مناطق نفوذ البلدات العربية من خلال إحاطة هذه القرى بحلقات “وقائية”: مؤلفة من الحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية والشوارع السريعة والمجالس الإقليمية.

رابعًا: سياسة التطهير العرقي؛ الأدوات والآليات

احتلت إسرائيل عام 1967 ما يقارب 1230 كم2 من مساحة الجولان الكلية، وطرد الجيش الإسرائيلي -خلال أيام الحرب وبعدها- ما يقارب 130.000 نسمة من سكان الجولان، ودمّر القرى التي سكنوا فيها كلها التي بلغ عددها 340 قرية ومزرعة، إضافة إلى مدينة القنيطرة (عاصمة الجولان)، ولم يتبقَّ سوى 6 قرى، تقع في الجزء الشمالي من الجولان (مجدل شمس، بقعاثا، سحيتا، مسعده، عين قنية، وقرية الغجر)، وعام 1970 هجّرَت سلطات الاحتلال سكان قرية سحيتا، ونقلتهم إلى قرية مسعده، ثم هدمت القرية بالكامل. يبلغ التعداد السكاني (إحصاءات 2014) لهذه القرى المتبقية ما يقارب 25.000 نسمة. 

بعد الدمار الديموغرافي الذي مارسه الجيش الإسرائيلي في الجولان، وتهجير أكثر من 95 في المئة من سكانه وتدمير مساكنهم بالكامل، أصبح الجولان في مدّة قصيرة شبه فارغ ومعلمًا من الأطلال، وشرعت إسرائيل بإقامة المستوطنات وضخّها بالمستوطنين اليهود، وهكذا تبدّلت جغرافية الجولان السكانية والمعمارية بالكامل.

يبلغ عدد المستوطنات اليهودية في الجولان 33 مستوطنة زراعية، ومدينة كتسرين (عاصمة المستوطنات)، بتعداد سكاني يبلغ ما يقارب 23.000 مستوطن.

في اجتماع لقيادة الأركان الإسرائيلية يوم التاسع من حزيران/ يونيو قال الجنرال رحبعام زئيفي “علينا أن نحصل على هضبة نظيفة من السكان”.   

وفي مقابلة نُشرت في 02/09/2015، يقول أفيشاي كيتس قائد كتيبة 602 في سلاح الهندسة: “عمليًا، بعد اليوم الثالث [يوم الحادي عشر من حزيران/ يونيو عام 1967]، كان واضحًا أن هناك خط [حدود]، وإذ تلقيتُ أوامر عدّة، واحدة منها والرئيسية كانت تدمير هضبة الجولان. كتيبتي كانت آنذاك تابعة للواء الشمال العسكري، لواء رقم 3. جرى استدعائي وإبلاغي بأوامر عدّة، إذ تلقيتُ الأوامر بهدم هضبة الجولان، حالًا وكل شيئ، وحين تلقينا الأوامر، قلتُ حسنًا، سأنزُل القوات كلها [كتيبة 602، -المترجم-] من الهضبة. انتقلتُ غربًا، وبجانب البانياس توجد غابة زيتون مُدهشة، مساحة مُسطحة، وتمركزنا هناك. كان لدينا مخيّم استثنائي، مُزوّد بحمامات وكل ما نحتاج إليه، ومن هناك خرجتْ كل يوم الفِرق العسكرية لإزالة ألغام وتدمير القرى، كان تدميرًا كاملًا، لم نترك بيتًا واحدًا يقف على رِجلَيه”. 

عام 1968 أجرت سلطات الاحتلال إحصاء سكانيًا، وبلغ عدد سكان القرى المتبقية ما يقارب 6400نسمه. لم تمارس سلطات الاحتلال طرد السكان فقط، إنما منعت كذلك كل من وجد من سكان القرى المتبقية خارج الجزء المحتل، من العودة إلى مسكنه في الجزء المحتل، أما سكان القرى المتبقية في الجولان، وبعد رفضهم فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم، فقد “منحتهم” إسرائيل صفة “المواطن الدائم” التي يُعبَر عنها “بالهوية الزرقاء”. 

خامسًا: القدس العربية في سياسة التخطيط الإسرائيلية

بعد ضم القدس الشرقية نظمت سلطات الاحتلال إحصاءً سكانيًا، وفرضت على كل من وجد من المواطنين الفلسطينيين، في وقت الإحصاء، داخل حدود القدس صفة “المواطن الدائم”، أما كل من وجد في تلك المرحلة، وبغض النظر عن السبب، خارج المدينة، فقد فَقَدَ حقه في العيش والسكن في القدس. وهكذا حَرَمت سلطات الاحتلال آلاف المواطنين الفلسطينيين الذين وجدوا يوم الاحتلال خارج المدينة حق السكن والإقامة فيها.

إن صفة “المواطن الدائم” التي “منحتها السلطات الإسرائيلية للسكان العرب في الجولان والقدس الشرقية، هي صفة قد تُمنَح للأفراد الغرباء الذين يأتون من خارج إسرائيل بإرادتهم للسكن فيها. من هنا فإن إسرائيل تتعامل مع السكان العرب في القدس والجولان وكأنهم مهاجرون غرباء أتوا للعيش فيها، على الرغم من أنهم أصحاب البلاد وسكانها الأصليين، وإسرائيل هي الجسم الغريب الذي دخل هذه البلاد واحتلها.

صفة “المواطن الدائم ” تمنح صاحبها الحق بالتمتع بحقوق محدودة مثل: الحقوق الاجتماعية (التأمين الوطني، التأمين الصحي)، انتخابات (للبلديه فقط وليس للبرلمان)، أما الذين يتزوجون من شريك/ه، فلا يتمتعون بهذه الصفه، فعليهم تقديم طلب “لمّ الشمل”. كذلك فإن صفة “المواطن الدائم” لا تنتقل مباشرة إلى الأولاد إلا إذا اكتملت شروط معيّنة. وكل من يخرج خارج البلاد ممن يحمل هذه الصفة، فإن حقه في العودة يبقى غير مضمون قانونيًا.

1- الوسائل التي تعتمدها إسرائيل اتجاه السكان العرب، للسيطرة على الحيّز أو لدفع السكان العرب إلى الهجرة.

في ظل سياسة الفكر الصهيوني الذي يسعى بالوسائل كلها للسيطرة على المكان، فإن سياسة التخطيط اتجاه القدس العربية تتميز بالنواحي الآتية:

– مصادرة الأراضي: قبل احتلال القدس الشرقية كانت القدس الغربية تقوم على مساحة 38 ألف دونم، بعد الاحتلال ضُمت القدس الشرقية التي كانت تقوم على مساحة 6000 دونم، إضافة إلى ذلك جرى ضم 64 ألف دونم تقوم عليها قرى فلسطينية عدّة لم تكن ضمن حدود القدس الشرقية. وبذلك فقد وُسّعت حدود القدس من 38 ألف دونم لتصبح 108 آلاف دونم. هذا التوسع الكبير والسريع في مسطح مدينة القدس قام على أُسس ومعايير لا تدخل في مفهوم تخطيط المدن وإطارها، إنما قام على أساس سياسي يندرج مضمونه في المفهوم الصهيوني الذي يهدف إلى ضم أكبر مساحة وأقل عدد سكان.

من مجموع ما جرى ضمه عام 1967 فقد جرت مصادرة 23.500 دونم وعلى مراحل مختلفة:

المرحلة الأولى: (08.01.1968) مصادرة 3.380 دونم، (مستوطنات جفعات شبيرا، راموت اشكول ومعاليه دفنه).

المرحلة الثانية: (14.04.1968) مصادرة 881 دونم، (في الحي اليهودي/ البلدة القديمة وفي نفي يعقوب).

المرحلة الثالية: (30.08.1970) مصادرة 12.280 دونم، (مستوطنات نفي يعقوب، راموت ألون، جيلو، تلبيوت شرق ورامات شلوملو، كذلك في منطقة عطاروت، رامات راحيل وباب الخليل).

المرحلة الرابعة: (20.03.1980) مصادرة 4.400 دونم (مستوطنة بسغات زئيف)

المرحلة الخامسة: (01.07.1982) مصادرة 137 دونم (في منطقة عطاروت).

المرحلة السادسة: (16.05.1992) مصادرة 1.850 دونم (في جبل أبو غنيم (هار حوماه).

هذه المصادرات شكلت مساحات واسعة لبناء المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية، بالمقابل قُلِّصَت في المناطق الفلسطينية المساحات المخصصة للسكن بمقدار الثلث.

– المستوطنات: إن سياسة الاستيطان وإقامة المستعمرات اليهودية، تهدف ليس فقط إلى السيطرة على الأراضي، إنما إلى تشكيل إسفين فاصل بين الأحياء العربية، بهدف منعها من التواصل المكاني، وبذلك منع إمكانية إعادة “تقسيم المدينة”.

الأحياء الاستيطانية الأولى -راموت اشكول، جفعات سسبيرا، معاليه دفنه- جاءت أداة لتحقيق هدف خلق تواصل الحيّز بين الجيب الإسرائيلي في جبل المكبر (هارهتسوفيم) و”مركز المدينة”. أما الموجة الثانية من الاستيطان فكان هدفها السيطرة على الأطراف المتباعدة من المساحات التي ضُمت إلى مدينة القدس -نفي يعقوب في الطرف الشمال الشرقي، راموت الون في الطرف الشمال الغربي، تلبيوت شرق في الطرف الجنوب الشرقي وجيلو في الجنوب الغربي. بعد إتمام السيطرة على هذه الأطراف تعمل سياسة التخطيط على تكثيف هذه الأحياء باتجاه “مركز المدينة”، ومن ثم خلق التواصل المكاني مع المركز. إضافة إلى ذلك فإن اختيار الموقع الجغرافي لهذه المستوطنات جاء من معايير “أمنية” بحتة، حيث أُقيمت المستوطنات على نقاط محورية وحيوية، منها محاور طرق المواصلات.

– شق وبناء الطرق: لقد جرت مصادرة أكثر من 16.000 دونم من الأراضي الفلسطينية تحت مظلة بناء الطرق. الهدف غير المعلن لهذه السياسات هو تقييد حركة الفلسطينيين، وعزلهم، وتشتيتهم، حيث تشكل هذه الطرق فاصلًا يقطع التواصل المكاني بين الأحياء الفلسطينية داخل القدس والأحياء الفلسطينية المحاذية للمدينة. 

أهم شارع يقوم بهذا الدور هو الطريق الالتفافي الذي يشكل حاجزًا يطوّق المدينة ويفصلها عن باقي مناطق الضفة الغربية. إضافة إلى دور الطرق التقليدي -تسريع حركة النقل وتسهيلها- فإن الطرق في سياسة التخطيط الإسرائيلية تؤدي دورًا مهمًا في مخططاتها بالسيطرة على الأرض، ومفهوم الحد الأدنى لهذه السيطرة هو إخراج الأرض من ملكية السكان العرب. 

تقوم إسرائيل بشق عدد من الطرق في القدس المحتلة وبهدف ربط المستوطنات اليهودية مباشرة مع مركز المدينة وذلك من أجل تسهيل حركة المستوطنين بين الجزء الشرقي والجزء الغربي من المدينة من دون استعمال الطرق التي تمر في الأحياء الفلسطينية. هذه الوظيفة -الاتصال المباشر- تقوم على مرجعية سياسية- عسكرية، إذ من خلال هذا تحقق سلطات الاحتلال القدرة على إغلاق الأحياء الفلسطينية ومحاصرتها متى شاءت ومن دون أن تتأثر سلبيًا حركة النقل بين هذه المستوطنات ومركز المدينة.

– هدم البيوت: تقترن بداية سياسة هدم المنازل التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في مدينة القدس مع بداية الاحتلال، فمباشرة وبعد مرور مدة قصيرة، هدمت قوات الاحتلال حي المغاربة وحارة الشرف في البلدة القديمة وجرى تهجير سكان هذه الأحياء والبالغ عددهم آنذاك 6000-5000 مواطن ليجري توسيع الحي اليهودي. في المعدل وبحسب تقرير منظمة “بيتسيلم” يجري هدم 50 بيتًا سنويًا. 

في قرى الجولان هدمت سلطات الاحتلال بيتًا واحدًا بعد الضم، ثم جمّدت قانون الهدم حتى السنة الماضية، إذ هدمت في 07/09/2016 بيتًا في قرية مجدل شمس، وقبلها كانت هناك محاولات لهدم بعض البيوت في القرى الأخرى، لكن جرى التصدي لها من السكان، وفشلت عملية الهدم.

– قوانين توزيع المناطق: التي تحرم الفلسطينيين من حقهم في التطوير ومن ثم تهدف إلى فرض قيود صارمة على حركة البناء في المناطق العربية.

– المخصصات البلدية: إن الإنفاق البلدي الضئيل وغير المتكافئ على الأحياء العربية يصب في مصلحة اليهود ويزيد من الفوارق بين السكان العرب واليهود، فنصف المناطق السكنية العربية تفتقر إلى شبكات مياه ملائمة، ولا يوجد فيها شبكات مجاري.

– البناء: إن نِسب البناء المسموحة في الأراضي المخصصة لذلك في المناطق العربية منخفضة وهي نسبة 15 في المئة إلى 20 في المئة مقارنة بنسب 200 في المئة – 300 في المئة في المناطق اليهودية، إضافة إلى المعايير الصارمة المفروضة على البناء العمودي في الأحياء العربية.

في حين اعتمدت سلطات التخطيط الإسرائيلية في القدس العربية نِسَب بناء منخفضة، وعدد طوابق سكنية قليل، يتراوح ما بين طابقين إلى خمسة طوابق (تضييق البناء أفقيًا وعموديًا)، من أجل تقليل عدد الفلسطينيين في المدينة، فقد اعتمدت في قرى الجولان العربية نِسَبًا بناء عالية (تصل إلى 65 في المئة)، وعدد طوابق يصل إلى ستة طوابق، على الرغم من الطابع الريفي للقرى، وذلك من أجل ردع الانتشار الأفقي، ومن ثم حصر السكان في مساحة قليلة.

– الرسوم المالية والبناء: يرتبط الحصول على ترخيص للبناء برسومات مالية وتُعَرَّف كالآتي:

رسوم الترخيص: إن رسوم الترخيص لطالبي البناء واحدة، وتنطبق على السكان كلهم، لكن تعرفة الرسوم جرى تحديدها وفق الشروط القائمة في المجتمع اليهودي الذي يتميز بمستوى اقتصادي – اجتماعي أعلى كثيرًا مما هو في الوسط العربي.

رسوم التطوير (البنية التحتية): تُفرَض هذه الرسوم على إيصال البناء بشبكة مياه الشرب وشبكة مياه الصرف. وهي أيضًا ذات تعرفة موحدة وتشكل عبئًا ماليًا على المواطن. ففي ظل نِسَب البناء المتدنية (عدد الوحدات السكنية القليل) المقررة في الخرائط الهيكلية، والبناء المتفرق، يجعل حصة كل وحدة سكنية من هذه الرسوم عاليًا جدًا.

– التغييب المتعمد لخطط تطويرية للأحياء العربية: هذه السياسة تعوق وتمنع تحسين البنية التحتية وتطويرها، ومن ثم تعوق التطوير الاجتماعي، وهذا قرار ذو مضمون سياسي إذ إنه في ظل عدم وجود خطط تطويرية يصعب على الفلسطينيين الحصول على رخص بناء، بوصف أن الخطط الهيكلية تُعدّ شرطًا أساسيًا للموافقة على إعطاء رخص بناء.

– المعايير والواقع: قامت سلطات الاحتلال بوضع عقبة أساسية تجعل من المستحيل تجسيد ذلك التطوير الذي تسمح به الخطط الإسرائيلية في المناطق العربية، هذه العقبة تتمثل في عدم التوافق ما بين المعايير المتبناة في الخطط الإسرائيلية من جهة، وواقع العمليات التطويرية العربية، وحقوق الملكية الخاصة للمواطنين العرب من جهة أخرى، وعليه فإن التطوير في إطار نظام التخطيط الإسرائيلي يقوم على شرط التحديد الواضح لملكية الأرض، لكن في المناطق العربية توجد نماذج مبهمة لملكية الأرض تحول دون الاستفادة من الخطط التنموية في حال توفر مثل هذه الخطط، وبدلًا من أن يقوم المخططون الإسرائيليون باتخاذ إجراءات تساهم في التوفيق ما بين الخطط التنموية والحقائق الفعلية، فإنهم يقومون باستغلالها وتكييفها وفقًا لمناهج مُبيتة تسبب أضرارًا جسيمة للسكان العرب في مدينة القدس.

– الحقوق في التنظيم :إن حقوق المشاركة في التنظيم تعني المساواة في أسلوب توزيع الأراضي واستعمالاتها، وتخصيص الموارد الحكومية من أجل هذا الهدف، إضافة إلى مشاركة المواطنين في بلورة عملية التنظيم، وذلك من خلال معايير ومؤشرات، يمكن من خلالها فحص مدى تمتع السكان العرب بالمشاركة في حقوق التنظيم، وهي:

الوضع الميداني: الذي يشير إلى المساحات السكنية المخصصة للعرب، الكثافة السكانية، البنية التحتية، الإسكان الشعبي ووضع البناء، البناء غير المرخص وأسبابه.

المخططات: التي تشير إلى أي درجة تلبي المخططات حاجات السكان في الحاضر والمستقبل، إضافة إلى المساحات المخصصة في المخططات للسكن والمناطق الترفيهية، والمباني العامة، والرياضة والتشغيل، والصناعة وغيرها.

التمثيل: هذا يشير إلى حقوق المشاركة في تمثيل السكان في اللجنة اللوائية والبلدية، ودورهم في اتخاذ قرارات سياسة التنظيم التي يجري تنفيذها في مناطقهم.

2- مؤسسات إسرائيلية أخرى ودورها في السيطرة وطرد السكان العرب

وزارة الداخلية: تمارس وزارة الداخلية سياسة تُخفي خلفها هدف دفع السكان العرب إلى الهجرة وتتبلور في:      

 –  رفض طلبات “لًمّ الشمل، الذي دفع نهاية بكثير من الفلسطينيين إلى المغادرة من المدينة والانتقال إلى أماكن أخرى، ومن ثم تبين لهم أنهم بذلك فقدوا حقهم في العودة والسكن في المدينة إلى الأبد. 

 –  سحب صفة المواطنة من السكان الفلسطينيين الذين سكنوا مدّة خارج حدود القدس، وبهذا فقد طٌلِب من آلاف الفلسطينيين سكان المدينة مغادرتها.

–  عدم إعطاء الفرصة الحقيقية للذين سٌحبت منهم صفة المواطنة للطعن بالقرار.

مؤسسة التأمين الوطني: باشرت مؤسسة التأمين الوطني منذ سنة 1984 بتضييق الخناق على المواطنين المقدسيين، فطبقت سياسات تمييزية تجاههم، تمثلت في حرمان كل شخص غيّر مكان سكنه إلى خارج “حدود البلدية”، من مخصصات التأمين الوطني، وحرمت الأطفال الذين وُلدوا خارج حدود البلدية وفي الضواحي المتاخمة للمدينة من المخصصات الاجتماعية كافة. وقد لاقت هذه السياسات تأييد القضاء الإسرائيلي، والمحكمة العليا الإسرائيلية، التي أكدت في قرارها الصادر سنة 1993 جواز حرمان المقدسيين المقيمين خارج “حدود البلدية” من المخصصات والخدمات التي تقدمها مؤسسة التأمين الوطني. تصب هذه الإجراءات في سياسة التهجير الصامت. فمكتب وزارة الداخلية يرفض تسجيل المواليد لأُمهات مقدسيات، ومن ثم يحرم هؤلاء الأطفال من حقهم في الخدمات الصحية ومخصصات التأمين الوطني.

ومن المجالات الأخرى التي توظفها إسرائيل بهدف التمهيد لإحكام السيطرة على القدس والجولان، هي العمل على التأثير في السكان العرب، بهدف التسليم بالواقع وإنهاء مقاومة السكان لفرض الانتماء إلى دولة الاحتلال، ومن هذه المجالات:

الجهاز التعليمي والمدارس: فرضت إسرائيل على المدارس في الجولان والقدس مناهج التعليم الإسرائيلية التي تهدف في مضمونها إلى أسرلة المجتمع العربي، هناك اعتقاد بأن إسرائيل تهدف من خلال فرض مناهجها الدراسية التي تعتمد الرواية الصهيونية، “احتلال عقول” الطلاب، ويسود الاعتقاد بأن إسرائيل في مرحلة ما قد تلجأ إلى فرض استفتاء حول مستقبل تبعية الجولان، كما حدث مع إقليم الإسكندرون، ومن ثم تهدف من وراء سياسة الأسرلة إلى خلق بيئة تضمن لها السيطرة الدائمة على الجولان، وهذا ينطبق على مدينة القدس.

سوق العمل: في حين تفرض إسرائيل قيودًا شديدة على فتح سوق العمل أمام القوى العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية وتمنع تنقلهم بحرية، حتى أن الوضع هناك يصل إلى مستوى الحصار، فإنها تفتح سوق العمل أمام القوى العاملة الجولانية ومدينة القدس، ولا تقيّد حركة تنقلهم. هذه السياسة تصب كذلك في هدف الأسرلة.  

الحفريات الأثرية: تقوم إسرائيل بأعمال حفرية على امتداد الجولان وفي القدس بحثًا عن آثارات للوجود اليهودي وتوظيف الموجودات الأثرية في تسويق روايتها الدينية ودعم إدعائها بحقها في السيطرة وضمّ هذه المناطق إلى سلطتها.

سادسًا: الجدار

أقامت إسرائيل على طول حدود الجزء المحتل من الجولان جدارًا سلكيًا يفصله الجزء المحتل عن العمق السوري، ودعّمته بحقول الغام تمتد على طول الحدود. قامت إسرائيل بهذه الخطوة من أجل منع تسلل السكان المهجرين ومحاولة عودتهم إلى قراهم، أما بالنسبة إلى سكان الجولان في القرى المتبقية، فقد اقتطع الجدار قسمًا من أراضيهم ومن ثم سدد لهم ضربة اقتصادية، إضافة إلى أن الجدار حرمهم من التواصل مع عائلاتهم المقيمين على الجانب الآخر، ما أدى إلى تشتيت أغلب العائلات. إضافة إلى أن الجدار قطع التواصل الثقافي، الاجتماعي والاقتصادي بين سكان القرى المحتلة والوطن السوري. 

في القدس قامت إسرائيل ببناء جدار من الباطون يفصل القدس الشرقية عن باقي أراضي الضفة الغربية، من أجل اقتطاعها نهائيًا من محيطها الفلسطيني وإخضاعها نهائيًا للسيطرة الإسرائيلية، وهذا ما نتج منه نتائج مدمرة للسكان الفلسطينيين داخل المدينة وفي محيطها.

1- آثار الجدار في القدس في المجتمع الفلسطيني

الجدار، وهو أداة جديدة في آليات سياسة التخطيط الإسرائيلية، ويُشكل العنصر المهم في وضع البنية التحتية للمخط الصهيوني الاستيطاني في القدس، لذلك فهو جدار سياسي يقوم على أساس الفكر الصهيوني، ويهدف إلى عزل المناطق، وإبعاد المواطنين وتهجيرهم عن مدينتهم.

  الآثار الاقتصادية

– يبلغ عدد سكان القرى والأحياء الفلسطينية المحاذية لحدود مدينة القدس نحو 300 ألف نسمة، ويعتمدون في أعمالهم ومصدر رزقهم على مدينة القدس الشرقية. تبلغ نسبة العمال في هذه التجمعات السكانية 23 في المئة، وتبلغ نسبة البطالة 55 في المئة، وهي مرشحة للازدياد مع انتهاء بناء الجدار.

– يقتطع الجدار من القدس العربية، التجمعات السكنية العربية (محيطها العربي- Periphery). وبهذا ستتمكن إسرائيل من تسديد ضربة قوية إلى اقتصاد القدس العربية، وللروابط كلها (الاقتصادية، الاجتماعية، التربوية والخدماتية) التي تتكون بين المدينة ومحيطها. 

في حين تسعى إسرائيل من خلال بناء الجدار لضم المستوطنات اليهودية، من أجل خلق محيط يهودي Periphery)) حول مدينة القدس، لتعزيز منزلتها الاقتصادية، وقدرتها على منافسة المدن الساحلية ( تل أبيب)، تقوم  بحرمان القدس العربية من محيطها العربي.

– يقترن مشروع الجدار، ليس فقط بمصادرة آلاف الدونمات، بل كذلك باقتلاع آلاف أشجار الزيتون، وهذا سيؤدي ليس فقط إلى تسديد ضربة إلى منتج الزيت في المنطقة، بل إلى حرمان عائلات كثيرة من مصدر الرزق.

– قطع مصادر العيش لآلاف العاملين من ضواحي القدس في مرافق المدينة الصحية، الثقافية التعليمية والاقتصادية، ما سيؤدي إلى توقف بعض المرافق والمصالح الاقتصادية المرتبطة بالقوى العاملة من خارج المدينة، إضافة إلى إقفال التصريف الزراعي أمام المزارعين بمنعهم الوصول إلى المدينة لتصريف منتوجاتهم.

– الضرر بالاقتصاد الفلسطيني في المدينة الذي يعتمد كثيرًا على محيطه الفلسطيني خارج حدود بلدية القدس، وبخاصة المحيط السكني الملاصق لحدود البلدية مثل: بيت لحم، أبو ديس، عناتا ورام الله. كثيرون من أصحاب المتاجر والمعامل ورجال الأعمال في المدينة، يعتمدون في اقتصادهم على القوة الشرائية في منطقة الضواحي. لذلك فإن الجدار سيؤدي إلى إقفال كثير من المصالح التجارية.

– الجدار، يعزل القرى المحيطة بالقدس عن مراكز التسويق في القدس وعن مدينة الرام، التي أصبحت المركز التجاري والخدماتي لقرى شمال غرب القدس جميعها.

إن تحويل ارتباط هذه القرى إلى رام الله بسبب الجدار، له نتائج مدمرة على اقتصاد هذه القرى ومنها: 

– تكلفة المواصلات بين هذه القرى ورام الله مرتفعة.

– بُعد المسافة إلى رام الله، يزيد من صعوبة تسويق المنتوجات الزراعية لهذه القرى. فتكلفة المواصلات تؤثر سلبًا في أسعار المنتوجات الزراعية، إضافة إلى أن زيادة طول الوقت لنقل هذه المنتوجات يتسبب في تلف أو ضياع جزء منها. وهذا يشكل ضربة لاقتصاد السكان.

– تحويل ارتباط السكان بسوق العمل في رام الله.

– هذه الأمور معًا قد تؤدي ببعض العائلات إلى هجر القرى باتجاه المدينة، أو المراكز السكنية القريبة من المدن (الفلسطينية). إذًا الجدار سيحرك عملية هجرة من القرية إلى المدينة، وهذا ما يتناقض تمامًا مع مبادئ التخطيط الحديث، الذي يهدف إلى التخفيف من عملية التمدين المتسارعة عن طريق تجديد موقع الريف وتعزيزه. 

– سيؤدي الجدار إلى ضم قبر راحيل، فلقبر راحيل ميزات ثقافية ودينية واقتصادية، فمن الناحية الدينية يشكل موقعًا مقدسًا للسكان المحليين، المسلمين والمسيحيين، ويؤدي دورًا في اقتصاد بيت لحم السياحي. لذلك يشكل ضم قبر راحيل إلى القدس ضربه اقتصاديه لبيت لحم ومكسبًا لاقتصاد للقدس.

الطرد أو الغيتو

سيؤدي جدار الضم في الجهة الشمالية للقدس إلى عزل ما بين 15 – 20 ألف فلسطيني من حاملي هوية القدس والقاطنين في كفر عقب ومخيم قلنديا للاجئين.

أما الوضع في الشمال الغربي للمدينة، حيث تقع بيت حنينا البلد، وبير نبالا والجيب، لا يختلف عن الوضع في الرام والعيزرية، إذ يحاصر الجدار هذه البلدات من الجهات جميعها. وفي أقصى الشمال الغربي حيث تقع قرى (بيت دقو، بيت إجزا، بيت سوريك، بدو وقرى أُخرى)، سيضعها الجدار كذلك في غيتو منفصل عن القدس. وهذا يعني فك ارتباط هذه القرى بمدينة القدس وتحويل ارتباطها إلى رام الله، وفي الوقت نفسه سيفصلها عن الجزء الأكبر من أراضيها. هذه الأراضي المنتزعة سيجري ضمها مع المستوطنات اليهودية إلى حدود القدس الكبرى، وستشكل هذه الأراضي احتياطيًا للتوسع العمراني اليهودي.

من المتوقع أن يدفع الجدار على المدى البعيد كذلك بموجة هجرة لأعداد من سكان هذه المناطق، بسبب وضع الغيتو الذي يخلقه الجدار، وستنتشر موجة الهجرة، وبخاصة بين صفوف الشباب، وهذا ما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على تطور هذه المناطق. ومن الأرجح أن تنتشر موجة الهجرة من الغيتوات الشمالية باتجاه رام الله، وفي الغيتوات الجنوبية الشرقية نحو بيت لحم.

مع استكمال بناء الجدار حول القدس الشرقية، ستتمكن سلطات الاحتلال من طرد ما يقارب 55.000 فلسطيني خارج حدود منطقة نفوذ القدس، وهذا سيُحدث تغييرًا جذريًا في الميزان الديموغرافي لمدينة القدس، إذ سيؤدي إلى تخفيض نسبة السكان الفلسطينيين في المدينة من 33 في المئة إلى ما يقارب 22 في المئة. وهكذا تكون قد تحققت لسلطات الاحتلال المحافظة على أكثرية يهودية في المدينة لسنوات أطول.

التعليم

يشكل بناء الجدار انتهاكًا صارخًا لحق الفلسطينيين في التعليم وتنقل طلاب المدارس والجامعات إلى مراكز التعليم، إذ إن هناك آلاف الطلاب الذين يسكنون في ضواحي القدس، ويتعلمون في المؤسسات التعليمية داخل القدس الشرقية. من جهة أخرى، فإن مئات الطلبة الذين يعيشون داخل منطقة نفوذ البلدية، يزورون مدارس الضواحي خارج حدود القدس.

الصحة

تعد مدينة القدس العربية مركزًا مهمًا لتوفير خدمات الرعاية الصحية للاجئين الفلسطينيين، وهكذا فإن الجدار سيمنع الوصول السهل لآلاف اللاجئين إلى هذه المراكز. كذلك سيؤدي الجدار إلى حرمان المواطنين الفلسطينيين من غير سكان المدينة، التمتع بخدمات المرافق الصحية في القدس الشرقية. هذه المرافق الأكثر تطورًا وتخصصًا في المجتمع الفلسطيني، مثل مستشفى المطلع، الذي يقدم الخدمات شبه المجانية وبخاصة للاجئين. ومستشفى المقاصد ومستشفى العيون، وهو المستشفى التخصصي الوحيد في الضفة الغربية. إن المستشفيات في بيت لحم ورام الله بعيدة، والوصول إليها يتطلب عبور حواجز عسكرية صعبة، ومن ثم يستغرق عبورها ساعات طويلة.

خلاصة 

كانت القدس الغربية قبل الاحتلال تعاني العزلة على الرغم من أنها عاصمة الدولة العبرية، وذلك نتيجة موقعها الجيو-سياسي (مدينة حدودية)، إذ كانت تفتقد إلى محيط سكاني يهودي حولها، ولهذا كانت العاصمة الحقيقية للدولة العبرية هي تل أبيب، وبعد احتلال القدس الشرقية وضمّها إلى القدس الغربية وسلطة القانون الإسرائيلي، بدأت تعمل على خلق محيط سكاني يهودي الذي ساهم في إقامة حزام كبير من المستوطنات حول المدينة.   

انطلاقًا من هذا الواقع بدأت إسرائيل تعمل بالوسائل كلها على التجهيز لقضم جزء من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وأهم هذه المناطق، القدس الشرقية وحزام من المستوطنات التي أقامتها حول القدس، وجزر من المستوطنات في الضفة الغربية، إضافة إلى الجولان السوري الذي يتميز بثروته المائية، إذ يشكل أهم مصدر مائي لبحيرة طبريا، وتعدّ إسرائيل المصادر المائية عنصرًا مهامًا في مفهوم الأمن القومي.

في مدينة القدس تتجه سياسة التخطيط الإسرائيلية نحو بناء المدينة بشكل يمنع استمرار وجود العرب، وتشكيل قطبين لمجموعتين قوميتين (عرب ويهود)، للحيلولة دون “تقسيم المدينة بخط فاصل بين المجموعتين. فمن وجهة نظر التخطيط الإسرائيلي إن كل مساحة غير مأهولة بالسكان اليهود تبقى معرضة “لخطر” العودة إلى السيادة الفلسطينية. من هنا فإن المساحات الخضراء المُعدّة في الخريطة الهيكلية في الجزء الشرقي من المدينة تؤدي في المرحلة الأولى دور المانع لأي تواصل مناطقي بين الأحياء العربية، وفي مرحلة متأخرة ستشكل هذه المناطق احتياطيًا ماديًا لإقامة أحياء استيطانية يهودية، تشكل إسفينًا يفصل بين الأحياء العربية داخل القدس والأحياء العربية المحاذية لحدود القدس شرقًا، بهدف إحباط إمكان عودتها إلى السيطرة الفلسطينية.

إن التجربة التي خاضها الاحتلال منذ العام 1967، وتميزت بمقاومة الاحتلال ورفضه، وعبّرت عنها الانتفاضات المستمرة للشعب الفلسطيني، والإضراب في الجولان. هذا الرفض أرغم دولة الاحتلال على التراجع وإعادة حساباته الكولونيالية، إذ ولأول مرة في تاريخ هذا الكيان بدأ في التفكير بالانتقال من فكرة الدولة بلا حدود إلى فكرة الدولة مع حدود. هذا التحول في التفكير، ارتبط -إضافة إلى مقاومة الشعب الفلسطيني- بعامل آخر، وهو الجانب الديموغرافي، إذ أدرك الكيان الصهيوني أن الاستمرار في الاحتلال، وأمام التكاثر الطبيعي السكاني العربي، سيفُقد الكيان الصهيوني الأكثرية اليهودية في المنطقة الممتدة ما بين البحر والنهر.

ترتكز سياسة التخطيط الإسرائيلية على مبدأ التفضيل والتهميش، بمعنى التفضيل وإعطاء الأولوية في المجالات جميعها إلى أفراد الفئة صاحبة السلطة الحاكمة (اليهود) وتهميش الفئة القومية الثانية (العرب) إلى أبعد الحدود.

التمييز في إسرائيل ضد السكان العرب، يبدأ من حقيقة أن إسرائيل تُعرّف نفسها أولًا بوصفها دولة يهودية، وهذا يفتح الأبواب على ممارسة التمييز اتجاه كل ما هو غير يهودي، لا بل تطالب إسرائيل المجتمع الدولي بالاعتراف بها بوصفها دولة يهودية، وكأنها تطالب المجتمع الدولي بشرعنة سياساتها العنصرية. 

لعملية التخطيط دور فاعل وأثر كبير في تشكيل الصفات المادية والاجتماعية والثقافية لأي مجتمع. ويشكل الأمن الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، التربوي والصحي أهم أسس حقوق الإنسان، ومن ثم فإن عملية التخطيط المهنية والأخلاقية يجب أن تقوم على دعم هذه الأسس. لكن ممارسة سلطات الاحتلال الإسرائيلية في سياسات التخطيط تتجاهل عمدًا هذه الأسس. 

يؤدي المخططون دورًا فاعلًا في تشكيل الصفات المادية، الاجتماعية والنفسية للنظام الاجتماعي وذلك يتمثل في توفير الفرص الاقتصادية المتكافئة وتحقيق التكامل الاجتماعي والاقتصادي. 

إن نظام التخطيط الإسرائيلي القائم له نتائج سلبية على التجمعات السكنية العربية، إذ إن هذا النظام مؤسس على أنماط من الظلم وعدم المساواة. 

المخططون الإسرائيليون ينتهكون قواعد الأخلاق المهنية التي تقضي بألا يسعى خبراء التنظيم والتخطيط إلى تغليب مصلحة جماعة عرقية أو إثنية على مصلحة جماعة أو جماعات أخرى. وبعكس هذه الأخلاقيات فإن المهنيين الإسرائيليين قاموا بإعداد مخططات وتنفيذها لنقل جزء من السكان اليهود -المستوطنات- إلى الجزء المحتل عام 1967 (وهذا انتهاك صارخ للقانون الدولي) وتغليب مصلحة اليهود في الأرض والاقتصاد والحقوق المدنية بما يسبب الضرر للسكان العرب في الجولان، وتحوّل نظام التنظيم إلى وسيلة لخنق التطوير أو تقييد النشاط الاقتصادي وحصر نمو المناطق السكنية العربية وتشويهه. كذلك فقد تحوّل نظام التنظيم إلى وسيلة لتدمير المعالم البيئية كلها وطمسها (القرى والتجمعات السكنية، الآثار، السمات الثقافية والتراثية) التي تجسد الهوية العربية.

نزيه بريك

مهندس معماري، من مجدل شمس/ الجولان السوري المحتل؛ حاصل على دبلوم في الهندسة المعمارية عام 1986 من جامعة Augsburg للدراسات التطبيقية/ في ألمانيا الغربية، حاصل على دبلوم في هندسة تخطيط المدن عام 1989 من جامعة Oldenburg / ألمانيا الغربية، حاصل على دكتوراه في هندسة التخطيط الحضري (تخطيط مدن وتخطيط مناطق) عام 1995 من جامعة Augsburg / ألمانيا الغربية، صدر له الكتب التالية: (“الكيبوتس: الأسطورة والواقع”، باللغة الألمانية Hamburg1991)، (في زحمة الصدى، قصص قصيرة جدًا، دار الجندي، القدس 2013)، (منطقة منزوعة الصمت، نصوص قصيرة جدًا، دار راية للنشر، حيفا 2014)، (مزارع البكاء، شِعر، دار راية للنشر، حيفا 2015)، (على مدار القلب، شعر، دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله 2016)، كما صدر له مجموعة أبحاث (بالألمانية والعربية) في مجال التخطيط الحضري.

مشاركة: