حوار مع سام داغر,
مؤلف كتاب (الأسد أو نحرق البلد)
حاورت ميسلون الكاتب والصحافي سام داغر مؤلف الكتاب المهم “الأسد أو نحرق البلد؛ كيف دمرت شهوةُ عائلة للسلطة سوريا” الذي صدر في أواخر أيار/ مايو 2019، عن دار النشر الأميركية (Little Brown and Company)، والذي يقع في نحو 600 صفحة، وفي ما يأتي نصّ الحوار:
:Assad or We Burn the Country
How One Family’s Lust for Power Destroyed Syria
Author: Sam Dagher
Publisher: Little, Brown and Company (May 28, 2019)
Language: English
Hardcover: 592 pages
ISBN-10: 0316556726
ISBN-13: 978-0316556729
Item Weight: 1.85 pounds
Dimensions: 6.5 x 2.05 x 9.6 inches
1- ما الهدف الأساسي من كتابك، أي ما الرسالة الشخصية التي أردت إيصالها؟ ما الذي دفعك لاختيار هذا العنوان لكتابك “الأسد أو نحرق البلد”؟ وهل يعبر هذا الشعار عن جوهر النظام السوري الذي حكم سورية مدة 50 عامًا؟ وما رأيك في أن النتائج الواقعية اليوم تفيد أن الذي حصل في سورية أسوأ من منطوق هذا الشعار ذاته، فقد حُرق البلد وبقي الأسد في آن معًا؟!
كان هدفي الرئيس هو التأكد من ألّا يتم طمس أو نسيان جوهر هذه القصة؛ شعب ينتفض من أجل الحرية والكرامة ضد أحد أكثر الأنظمة وحشية وقمعًا في العالم، بوساطة حملة متعمدة وممنهجة ومنظمة من قبل نظام الأسد وداعميه لتغيير التاريخ، وإنكار الحقائق، ونشر الأكاذيب والمعلومات المضلِّلة حول ما يحدث في سورية منذ عام 2011. للأسف، ساعدت الحكومات ووسائل الإعلام الغربية النظام وداعميه في هذا العمل، عن طريق التركيز أحادي الجانب على تنظيم (داعش) والجماعات الإسلامية المتطرفة في القصة السورية، متناسين في كثير من الأحيان أن النظام وجماعته كانا الدافع لهذه الحركات جميعها.
أعتقد أن شعار “الأسد أو نحرق البلد” يجسِّد عقلية وأسلوب حكم هذه العائلة، منذ وصولها إلى السلطة في عام 1970. إنه يجسِّد الطريقة التي يعمل وفقها هذا النظام، داخليًا وخارجيًا. أعتقد أن كلمة “حرق” ليست مجرد حرق أو تدمير بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هي في الأحرى أقرب إلى فكرة إلحاق الألم وغرس الخوف عندما يتحدى أو يهدِّد أو يقف أي شخص في طريق هذه الأسرة والنظام. يمكن التفكير في الأمر كما لو أنه الطريقة التي ستعمل بها منظمة إجرامية على غرار المافيا أو جماعة مثل كوزا نوسترا Cosa Nostra في صقلية أو كامورا Camorra في نابولي: من أجل الحفاظ على قبضتهم وغرس الذعر في قلوب الناس، عليهم أن يظهروا بأكثر الطرق المروعة والعلنية ما يمكن أن يكون ثمن أي تحدٍّ لهم أو اعتراض عليهم.
قام حافظ بتعذيب وقتل وإخفاء عشرات الآلاف من السوريين في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لدعم هذه الفكرة: إما أن تخضع لي ولحكمي خضوعًا تامًا أو ستُسحق. اعتمد النهج ذاته عندما واجهته بعض الفصائل اللبنانية والحكومات الغربية في لبنان. تم إلحاق الألم المباشر بالشعب اللبناني، وغير المباشر بالحكومات الغربية، من خلال الميليشيات الوكيلة والمنظمات الإرهابية. كانت هذه رسالة حافظ: إما أن تسمحوا لي بحكم لبنان أو سأسبب الكثير من المعاناة في لبنان وخارجه.
الفكرة ذاتها اعتمدها بشار الأسد عندما رعى الإرهاب في العراق ولبنان وما هو أبعد منهما قبل عام 2011. لقد أراد أن يوصل هذه الرسالة: إما أن تتوقفوا عن تهديد حكمي ومصلحتي أو سيعاني الكثير من الناس. وبالطبع كانت فكرة “الاستسلام أو الاحتراق/ الموت” مبدأ بشار منذ بداية الثورة. لم يرغب الناس في الخضوع كما حدث في عهد حافظ، لذلك كانت العواقب وخيمة.
نعم، أشار لي الكثير من السوريين إلى هذا: احترق البلد وبقي الأسد. للأسف هذا صحيح عندما نفسر الشعار حرفيًا على أنه يعني موت مئات الآلاف وتدمير مدن وبلدات بأكملها. لكني أعتقد أن هذا الشعار المشؤوم يتجاوز معناه الحرفي. إنه شعار نظام الأسد ومبدؤه منذ نشأته، ومن ثمّ سيبقى للأسف حاضرًا ما بقي هذا النظام في السلطة.
2– أشرت في كتابك إلى أن بشار الأسد تمكن من البقاء حتى الآن، مع كل ما عانته وتعانيه سورية اليوم من دمار وقتل، عبر تطبيق قواعد “دليل الإرهاب” التي كانت أساس حكم عائلته لسورية، ومن ثم قام بشار الأسد بدلًا من الديمقراطية والتحديث، بنوع من “التحديث السلطوي”، أي توسيع دائرة الدولة البوليسية، على الرغم من أن بشار الأسد كان يمثل في البداية بارقة أمل لكثير من السوريين بوصفه رئيسًا شابًا ومنفتحًا.
من خلال متابعتك للنظام السوري على مدار نصف قرن، هل هناك فروقات بين نظام حافظ الأسد ونظام بشار الأسد، خصوصًا من حيث التعاطي مع المعارضين أولًا، وطريقة حكم البلد ثانيًا، والسياسة الخارجية ثالثًا؟
أعتقد أن جوهر وبنية النظام هي نفسها في عهدي الأب والابن، وقد تجلى ذلك في الطريقة التي واجها بها التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية كما أوضحت في إجابتي عن السؤال الأول. أعتقد أن الاختلافات تكمن في الأسلوب والأدوات المستخدمة لإدامة حكم النظام والأسرة. ركز حافظ بشكل أكبر على روافع السلطة الكلاسيكية مثل الجيش والأجهزة الأمنية وحزب البعث. بالطبع كان يتحكم في كل شيء، لكنه أراد أن يعطي الانطباع بأنه كان يحكم بالإجماع من خلال ومع مجلس من الأعضاء على النمط السوفياتي مثل مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام ورفعت الأسد (قبل نفيه) وعبدالله الأحمر وعلي دوبا وشفيق فياض وأمثال هؤلاء. أصبح النظام أكثر طائفية في أثناء وبعد التحديات التي واجهها حكم حافظ في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، لكن حافظ استمر في بذل جهده لإعطاء الانطباع بأن نظامه غير طائفي، وأن مساعديه السنة يتمتعون بسلطة حقيقية، على الرغم من أن ذلك لم يكن صحيحًا. من الناحية الشكلانية، كان حافظ ينتمي إلى قالب الديكتاتوريين التقليديين في عصره. علاوة على ذلك، كان ذا طبيعة تقشفية، ويتمتع بالصرامة والزهد –لا ملامح لونية أو ذوقية لديه. باستثناء وريثه باسل، كانت زوجته وأطفاله الآخرون بالكاد معروفين للشعب السوري.
عندما ورث بشار السلطة، كان النظام مصممًا على إعادة إنتاج وتسويق نفسه. إنه من النواة القاسية نفسها أو القرص الصلب ذاته، ولكن بمظهر خارجي لامع وبراق. كان هذا واضحًا جدًا في طريقة تقديم بشار وأسماء للسوريين والعالم. كان التركيز دائمًا على تصويرهما كزوجين عصريين مهتمين بالتكنولوجيا، جميلي اللباس، أنيقي المظهر دائمًا، ولديهما أفكار تقدمية للغاية حول الاقتصاد والأعمال والتعليم، ولكن بالطبع داخل حدود النظام وبحسب قواعده. من حيث أدوات ورافعات السلطة، استُبدل أعضاء الحزب من النمط السوفياتي في الحزب والجيش (أو الحرس القديم كما أطلق عليهم بشار نفسه)، بأفراد من العائلة، وهم كادر جديد من ضباط المخابرات وشركاء الأعمال والمعاونين. تضم هذه الدائرة أسماء وماهر ورامي (قبل أن يفقد حظه) وآصف (قبل مقتله) ومجموعة من رجال الأعمال والشركاء السنة الذين يدخلون ويخرجون إلى هذه الدائرة بحسب الظروف. لقد أثبت بشار باستمرار أنه أكثر قسوة من والده في ملاحقته، وغالبًا ما يقضي جسديًا على، أي شخص في دائرة السلطة هذه يجرؤ على تحديه أو تهديده. هذا مهم جدًا بالنسبة إليه شخصيًا أن يفهم الناس أنه أكثر صلابة وقسوة من والده؛ ليخافه الناس أكثر.
3- ذكرت في كتابك أن ردّة فعل بشار الأسد على أطفال درعا، كانت بناء على نصيحة أخيه ماهر وابن عمه حافظ مخلوف، بمضاعفة القمع، وبإطلاق سراح الإسلاميين من سجونه، أولئك الذين شجعهم في وقت سابق على محاربة الأميركيين في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، لكنه سجنهم فيما بعد عندما عادوا إلى ديارهم.
الحقيقة، كانت هذه الطريقة في التعاطي مع الواقع السوري خطرة، ويمكن أن تأتي بنتائج عكسية، ما العناصر التي جعلت النظام مطمئنًا للسير في هذا الطريق؟ ألم يكن يخشى فعلًا سيطرة الإسلاميين؟ من جانب آخر، ألم يكن في مصلحة النظام إجراء بعض الإصلاحات المقنعة للسوريين، ومن ثم الظهور بمظهر البطل الذي يقود الإصلاح، أم أن أي إصلاح حقيقي من شأنه أن يؤدي إلى انهيار النظام فعليًا؟
أعتقد أننا يجب أن نفهم أنه في بداية الثورة والأحداث في درعا كان هناك معسكران من الناس في دائرة سلطة بشار: أولئك الذين ينادون بالحوار مع المتظاهرين وإجراء بعض الإصلاحات الحقيقية، وأولئك الذين يدعون إلى سياسة الأرض المحروقة، ولا حل وسط على الإطلاق. كان بشار يستمع إلى كلا المعسكرين، وفي النهاية يتخذ القرار بنفسه ما إذا كان سينخرط ويُحاور أو يسحق ويدمر. في بعض الأحيان، كان بشار يعمل بالطريقتين معًا، كوسيلة لكسب الوقت والمماطلة، كما هو الحال عندما التقى بممثلين ووفود من مختلف المجتمعات المتمردة في وقت مبكر، أو عندما سمح لبعثة جامعة الدول العربية بالمجيء إلى سورية، بينما استمر في العنف والقتل في الوقت نفسه.
أولئك المحيطون ببشار الذين لم يؤمنوا بالتسوية وأرادوا سحق كل معارضة، خاصة المعارضة السلمية، كانوا يفعلون كل شيء للكذب وتغيير الحقائق لتقديم الانتفاضة منذ البداية على أنها بقيادة متطرفين إسلاميين مدعومين من قوى خارجية. كما كانوا يقولون لبشار طوال الوقت: “الأمر لا يتعلق بالإصلاح، حتى لو شرعت في إصلاحات، فلا يهم لأن هؤلاء الناس يريدون قطع رأس النظام والتخلص منك، هذه حالة إما نحن أو هم”.
كان إطلاق سراح الإسلاميين من السجون إحدى طرق النظام لتسميم الثورة، مثل طرقه الأخرى القائمة على الأكاذيب والمعلومات المضللة التي نشرها، والقتل المستمر للمتظاهرين السلميين. عندما شكل هؤلاء الإسلاميون الذين أطلق سراحهم مجموعات مسلحة وبدؤوا بالحصول على دعم دول مثل قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا، يمكن للمتشددين حول بشار أن يلجؤوا إليه ويقولوا: قلنا لك ذلك. لقد أعطى ذلك بشار والمتشدِّدين المبرر للضرب بشكل أقسى، وزيادة القتل وعدم تقديم تنازلات، لأن هذه في أذهانهم ليست ثورة سلمية، بل تمرد مسلح بقيادة “إرهابيين” مدعومين من قوى خارجية.
لم يرغبوا قط في أي إصلاح جدي منذ البداية، لأن الإصلاح والتسوية في أذهانهم يساوي الضعف والاستسلام ونهاية النظام. لم يكن هناك سوى طريق واحد للمضي قدمًا: التحدي والمواجهة العسكرية. كانت هذه في أذهانهم هي الطريقة الوحيدة للبقاء بأي ثمن.
على مدى 50 عامًا، أنتج النظام الوحشية والمعاناة، ولا يمكنه البقاء في قيد الحياة وإدامة نفسه إلا من خلال إعادة إنتاج هذه الوحشية والمعاناة.
4- نقلت في كتابك عن “مطلعين من داخل النظام” قولهم إن بشار الأسد أمر قادة الجيش بالتخلي عن نقاط على الحدود العراقية مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فهل كان النظام أحد الأطراف المسؤولة عن ولادة التنظيم؟ وهل هناك معلومات تفيد بوجود تنسيق أو تعاون بين النظام و”داعش” بعد سيطرة الأخير على مساحة واسعة من الأرض السورية؟ وهل كان تجنب قصف التنظيم من قبل النظام وروسيا في محطات عديدة مؤشرًا على وجود هذا التنسيق أو التعاون؟ وهل استخدم النظام التنظيم في بعض المراحل لترهيب بعض المناطق والضغط عليها، كما حدث مرات عدة في محافظة السويداء؟
ليس لدي معلومات عن تنسيق وتعاون مباشر بين النظام وتنظيم “داعش”، لكننا نعرف الآتي:
1- هذا التعاون والتنسيق المباشر موجود بين النظام السوري والقاعدة في العراق. فعلت المخابرات كل ما يمكن لتسهيل عمليات القاعدة في العراق قبل عام 2011، وساعدت في توفير مجندين سوريين وغير سوريين وانتحاريين عبر سورية، وساعدت في تمرير الأسلحة والأموال عبر سورية، وسمحت لمعسكرات التدريب بالوجود داخل الأراضي السورية على الحدود مع العراق.
2- تخلى النظام عمدًا عن مناطق في شرق سورية مع علمه أن تنظيم “داعش” سوف يستولي عليها. لقد أراد أن يقوم التنظيم بتفكيك الجماعات الأخرى الأكثر اعتدالًا.
3- تعمد النظام تجنب المواجهة المباشرة مع تنظيم “داعش” مثلما تخلى عن تدمر دون قتال.
4- عندما انخرطت روسيا بشكل مباشر في عام 2015، استهدفت هي والنظام عمدًا الفصائل المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة. كانت رسالتهم واضحة وثابتة منذ البداية، كلهم ”إرهابيون”، لا فرق بين هذه الجماعات وتنظيم “داعش”، كلهم متشابهون.
5- نعلم أنه كان هناك تنسيق وتعاون مباشر بين تنظيم “داعش” وممثلين عن النظام، وكانوا عادة رجال الأعمال وقادة الميليشيات الذين يعملون لحساب النظام، في الأعمال التجارية وتجارة النفط.
في حالة السويداء، ليس لدي دليل على تعامل وتعاون مباشرين، ولكن بعض الناس في السويداء أخبروني أن هناك (بدو) معروفين في المنطقة لديهم تاريخ في التعاون مع المخابرات، والذين انضموا فيما بعد إلى تنظيم “داعش” في المنطقة بشكل رئيسي كوسيلة لاكتساب القوة والتأثير واكتساب الموارد الاقتصادية. أضف إلى ذلك الحالات التي لم يفعل فيها النظام شيئًا لمنع هجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المنطقة، ووقف متفرجًا ومراقبًا حدوثها.
5- ماذا كانت استراتيجية النظام السوري في التعامل مع الاحتجاجات في شمال شرق سورية خلال 2011 و2012، أي كيف كانت استراتيجيته في التعاطي مع تظاهرات السوريين الكرد في البدايات، وهل كانت هناك علاقة خاصة فعلًا تربطه بحزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي”؟
عليك أن تتذكر أن العديد من الكرد السوريين كانوا مع الاحتجاجات. رأينا احتجاجات كبيرة في البداية في أماكن مثل عامودا والقامشلي وغيرها من البلدات والمدن ذات الأغلبية الكردية. كان لدى النظام أولويات أخرى في البداية: التعامل مع ما يحدث في درعا وحمص ودمشق واللاذقية، فقد مثَّل وجود احتجاجات في هذه المدن تهديدًا أكثر خطورة للنظام من وجودها في الشمال الشرقي البعيد. كما كان النظام حذرًا من مواجهة الكرد السوريين على الفور نظرًا إلى تاريخ الاشتباكات العنيفة هناك، وأبرزها حوادث عام 2004.
كان للنظام استراتيجية مختلفة في الشمال الشرقي: الاعتماد على حلفائه القدامى، حزب العمال الكردستاني (PKK). فقد أُطلق سراح العديد من قادة حزب العمال الكردستاني من سجون النظام في عام 2011، وسرعان ما بدأوا بالتنظيم والتآمر للسيطرة على الشمال الشرقي. لقد طاردوا معظم قادة الاحتجاج الوطنيين. كانت هناك اغتيالات وترهيب. لم يكن على النظام أن يفعل الكثير.
لدى حزب العمال الكردستاني (PKK) تحالف طويل الأجل مع الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK)، ولدى النظام أيضًا علاقة طويلة الأمد مع الاتحاد الوطني الكردستاني وقيادته. استضافت عائلة الأسد جلال طالباني وعائلته في السبعينيات.
لقد عُقد الاتفاق الأمني لعام 2012 بين النظام وحزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب (الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني) بوساطة من الاتحاد الوطني الكردستاني وقاسم سليماني، وعقدت الاجتماعات بين جميع الأطراف في معقل الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية في كردستان العراق.
6– في بعض لحظات الضعف العسكري التي مرّ فيها النظام، وفقدان سيطرته على نسبة كبيرة من الأرض السورية، شاع لدى بعض أطراف المعارضة السورية فكرة أن النظام يمكن أن يلجأ إلى التمترس في أماكن محدّدة في الساحل السوري، ومن ثم الاكتفاء ببناء “دولة علوية” على حد قولهم. هل كان هذا صحيحًا أم كان مجرد وهم لدى تلك “المعارضة”؟
لم يشكل ذلك شيئًا من اعتبارات بشار الأسد ذاته، لكنها كانت بالتأكيد خطة “ب” حاضرة في ذهن بعض الأشخاص من حوله، خاصة أولئك المقربين من إيران وحزب الله. كان ذلك خيارًا سيفكرون فيه إذا لم يتمكن النظام من الدفاع عن دمشق وفقد السيطرة الكاملة على العاصمة. وهي لم تكن لتكون “دولة علوية” بالقول. على الرغم من أنها ستكون بشكل افتراضي ملاذًا أو جيبًا يهيمن عليه العلويون، إلا أنها ستكون أيضًا موطنًا لأقليات أخرى مثل المسيحيين والشيعة وغيرهم، إضافة إلى السنة الموالين للنظام.
بالطبع عندما أدركت إيران وحزب الله في صيف 2012 أن دمشق في خطر، وأن النظام لا يستطيع الدفاع عن العاصمة، قاموا بتصعيد دعمهم العسكري والمالي المباشر للنظام. في هذه الفترة بدأ رجال المليشيات الشيعية بالدخول، وعندها انخرط قاسم سليماني وحسن نصر الله بطريقة أكبر كثيرًا في صوغ وتنفيذ خطة الدفاع عن دمشق، وتأمين منطقة الحدود اللبنانية، واستعادة مدينة حمص والريف المحيط بها، وتأمين الممر من العاصمة إلى الساحل عبر حمص.
7– ذكرت في كتابك أن وضعية زوجة الأسد، من حيث أصلها ولغتها الإنجليزية، كانت مفيدة جدًا لعملية تسويق الأسد ونظامه لدى الغرب، حتى في اللحظات التي كان فيها النظام محاصرًا ومأزومًا في عام 2005 وما بعده، بسبب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، إلى درجة أنه، في عام 2008، تم تكريم الزوجين من قبل الرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي. كيف تنظر إلى دور زوجة الرئيس خلال العقد الفائت، وهل كانت على توافق مع سياسات النظام، وهل وجودها اليوم في الواجهة يمكن أن يخدم النظام من حيث إعادة تعويمه بعد كل الذي جرى في سورية؟
كانت أسماء الأسد بالغة الأهمية للنظام منذ اللحظة التي ورث فيها بشار السلطة عن حافظ في عام 2000. وكانت عنصرًا مركزيًا في الجهد المبذول لكسب دعم وحسن نية كل من الشعب السوري والمجتمع الدولي لنقل السلطة إلى بشار. كانت الرواية التي جرى الترويج لها في وسائل الإعلام المحلية والغربية من قبل النظام، وكذلك من قبل بشار وأسماء نفسيهما، هي قصة الفتاة البريطانية المولد، الجميلة والمتعلمة والسنية من حمص، والتي لم تنس أبدًا جذورها وعادت إلى سورية لمساعدة بشار في القيام بـ “إصلاحاته”.
لعبت دورًا حاسمًا في جهد إعادة تأهيل النظام بعد عزلته الدولية في عقب دور النظام المشتبه به في اغتيال رفيق الحريري عام 2005، ودعمه للتمرد في العراق حيث كان يُقتل جنود عراقيون وأميركيون.
خلال فترة “إعادة الارتباط” بين عامي 2007 و2010، سحرت شخصية أسماء وذكاؤها وجمالها المسؤولين الأميركيين والفرنسيين، وساعدت على إقناعهم بأن بشار كان مستعدًا لفتح صفحة جديدة.
على سبيل المثال، في عام 2009، كان جون كيري (الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ومبعوثًا خاصًا إلى سورية) معجبًا بشكل خاص بأسماء، ولم يخجل من التعبير عن ذلك لمحاوريه. بعد عشاء مع بشار وأسماء، أعلن كيري أن بشار “رجل يمكننا التعامل معه”.
8– في ضوء معلوماتك، ومقابلاتك، والمعطيات التي توافرت لك، ما السر الذي جعل الولايات المتحدة تتهاون مع النظام السوري؟ بعض المراقبين كان يسمي النظام السوري بالنظام المدلل أكثر من “إسرائيل” نفسها.
ليس الأمر أن الولايات المتحدة “متهاونة” إلى حد بعيد بشأن سورية، بل كيف نجح نظام الأسد على مر السنين في استغلال الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، وكذلك مصالح الأمن القومي للغرب، في تعاملاته مع كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
في أوائل ومنتصف السبعينيات، كانت الولايات المتحدة تنظر إلى حافظ كشخص يمكن كسبه إلى جانبها لمواجهة الشيوعية في المنطقة. أعطى الأميركيون الضوء الأخضر لدخول حافظ إلى لبنان في بداية الحرب الأهلية معتقدين أنه سيواجه مجموعات المسلحين المسلمين الفلسطينيين واليساريين الذين يقاتلون المسيحيين. من خلال دعمها لحافظ والدكتاتوريين العرب الآخرين، حرصت الولايات المتحدة أيضًا على ألا يشن العرب حربًا مرة أخرى ضد إسرائيل بعد عام 1973.
في الثمانينيات، كان يُنظر إلى حافظ أنه طاغية دموي، ووُضع النظام على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب منذ اللحظة الأولى التي وُضعت فيها القائمة في عام 1979. ولكن بعد ذلك كان الأميركيون أكثر قلقًا بشأن سيطرة الإسلاميين على النظام: الثورة الإسلامية في إيران وتمرد الإخوان المسلمين في مصر وسورية. نصب حافظ نفسه على أنه أهون الشرين؛ الديكتاتوريين والإسلاميين. كما اعتبرت علاقات النظام مع مجموعة من الجماعات الإرهابية التي تنفذ هجمات ضد المصالح الغربية في أوروبا والشرق الأوسط، ورعايتها في بعض الحالات، مفيدة في مكافحة هذه الجماعات. أخبر حافظ الأميركيين والأوروبيين أن بإمكانه مساعدتهم من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية حول هذه المجموعات.
في التسعينيات، قدم حافظ نفسه على أنه مفيد للأميركيين على عدة جبهات ما لم يفعلوا شيئًا للتدخل في أي شيء يفعله في بلده سورية ومستعمرته لبنان. في المقابل، انضم حافظ إلى التحالف لمواجهة عدوه وخصمه صدام حسين، وانخرط في عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة مع إسرائيل.
في العقد الأول من القرن الحالي، أراد بشار مساعدة الولايات المتحدة في محاربة “الإرهاب” ما دام مستفيدًا من هذه العلاقة، وما لم تفعل أميركا شيئًا لتهديد نظامه. عندما تمت مواجهته في العراق ولبنان، فعل بالضبط ما فعله والده في الماضي؛ رعاية الإرهاب. ثم عاد إليه الأميركيون والأوروبيون بين 2007 و2010 بما كان فعليًا رسالة مضمونها: نحن نعرف حقيقتك وحقيقة نظامك الرهيب، لكن رجاء ساعدنا في تحقيق الاستقرار في العراق ولبنان، وسنتظاهر مرة أخرى بأنك “مصلح”، بل وسندعمك أيضًا.
بعد 2011: كان أوباما مهووسًا بعدم وجود عراق آخر بين يديه، لذلك كان سعيدًا بتأييد التغيير في سورية ما دامت أميركا لا تتدخل عسكريًا وماليًا، وقادت دول مثل قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية الجهد في دعم المعارضة العسكرية والسياسية. عرف بشار كل هذا، وعرف أيضًا أن البعبع الإسلامي هو أكثر ما يقلق الأميركيين والأوروبيين. كل ما كان عليه أن يفعله هو التشبث بما يكفي ليتحول الصراع إلى حرب بالوكالة وظهور تنظيم “داعش”. وكما تنبأ، فإن الأميركيين والأوروبيين سوغوا الأمور على هذا النحو: هذه الآن حرب إقليمية فوضوية بالوكالة تشمل روسيا وإيران وآخرين ولا نريد التورط، وهزيمة “داعش” ووقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا أكثر أهمية كثيرًا لنا من التخلص من بشار.
لمدة 50 عامًا، عمل آل الأسد على هذه الفرضية: رؤساء الولايات المتحدة يأتون ويذهبون، وتتغير سياسات الولايات المتحدة، لكننا موجودون هنا لنبقى، ولدينا كل وقت في العالم لانتظار خروجهم.
9– أشرت في نهاية كتابك إلى أن تنازل أوباما عن خطه الأحمر بعد استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، الذي أسفر عن مقتل نحو 1400 شخص في غوطة دمشق، في آب/ أغسطس 2013، كان نقطة تحول حاسمة، وإنه “لا يوجد حدث واحد في تاريخ الصراع السوري ساعد المتطرفين الإسلاميين في تبرير إرهابهم أكثر من الهجوم والطريقة التي تعامل بها المجتمع الدولي مع آثاره”، فهل كان النظام يتوقع ردّة الفعل المتردِّدة أو الضعيفة هذه من جانب أميركا والمجتمع الدولي، الأمر الذي دفعه لاستخدام السلاح الكيماوي من دون تردّد أو خوف من العواقب؟ وهل استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي بقصد إثارة الغرب وأميركا لعقد اتفاق معه لنزع هذا السلاح، ما يعني عمليًا عودته إلى الساحة الدولية بعد العزلة التي فُرضت عليه في عقب الثورة؟
استخدم النظام الأسلحة الكيماوية على نطاق ضيق ابتداءً من كانون الأول/ ديسمبر 2012، ورأى كيف تجاوب الأميركيون والأوروبيون، وبشكل أساسي التوجه إلى تحقيق أممي طويل الأمد الذي كان نظام الأسد بارعًا في التلاعب به.
لذلك كان النظام يعرف بالفعل حدود تحذير “الخط الأحمر”. قرر بشار وماهر الأسد مهاجمة الغوطة في آب/ أغسطس 2013 لسببين رئيسين:
1- الاشتباه في أن الجماعات المتمردة في ريف دمشق كانت تخطط لشن هجوم كبير على العاصمة بمساعدة مركز العمليات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة في عمان.
2- التعرض لضغوط هائلة من القاعدة العلوية “ليدفع السنة الثمن” بعد أن هاجم المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة والجماعات الإسلامية المتطرفة القرى العلوية في ريف اللاذقية، ما أسفر عن مقتل 190 شخصًا واختطاف 200 معظمهم من النساء والأطفال.
لا أعتقد أنه من الدقة القول إن النظام “عاد إلى الساحة الدولية” بعد العزلة. لا يزال نظامًا معزولًا ومعاقبًا بشدة. كل ما في الأمر أن الأميركيين والقوى الأوروبية الرئيسة، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، يعتقدون أن انهيار النظام يعني الفوضى و”داعش” واللاجئين -على الرغم من أن هذه ثنائية زائفة في الواقع. في الوقت الحالي هم لا يمانعون العيش مع نظام ضعيف تدعمه إيران وروسيا.
10– كانت هناك لحظة حاسمة أخرى في مسار الصراع مع النظام السوري، تمثلت بالتدخل العسكري الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015؛ فمنذ ذلك الحين، وتدريجيًا، استعاد الأسد السيطرة على معظم الأرض السورية باستثناء محافظة إدلب. هل تعتقد بأن التدخل الروسي قد حصل من تلقاء نفسه أم أنه حدث بمباركة وتشجيع أميركيين؟
لا أعتقد أن إدارة أوباما “شجعت” روسيا على التدخل في سورية، لكنها لم تمانع ذلك على الإطلاق، وأبلغت الروس بذلك ضمنيًا للأسباب التالية:
1- بحلول عام 2015 كانت الأولوية الأميركية هي محاربة “داعش” في العراق وسورية، وليس إسقاط بشار.
2- شعرت الولايات المتحدة بالخيانة من قبل الحلفاء الإقليميين، مثل قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية، ورأت أنهم يدعمون ويمولون الجماعات الإسلامية المتطرفة في سورية التي تتعاون مع جبهة النصرة. كما رأوا أن تركيا لا تفعل شيئًا يذكر للسيطرة على حدودها التي كانت شريان الحياة لتنظيم “داعش” والجماعات المتطرفة الأخرى. بحلول الوقت الذي تدخلت فيه روسيا، كان معظم المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم أوباما، مقتنعين بأنه لا يوجد شيء من قبيل “المتمردين المعتدلين” على الرغم من أنهم كانوا يقولون رسميًا خلاف ذلك.
11– في ضوء معرفتك العميقة بالنظام السوري، هل تتوقع أن يكون هناك فاعلية للعملية التفاوضية الجارية، ولعملية تغيير الدستور “مسار اللجنة الدستورية” في ظل وجود النظام واستمراره؟
المفاوضات في جنيف واللجنة الدستورية هي ببساطة وسيلة للأميركيين والأوروبيين للتظاهر بأنهم ما زالوا مهتمين بسورية، وللتنكر للواقع الوحشي الذي وصفته في إجابتي على سؤال سابق: الأميركيون والقوى الأوروبية الرئيسة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تعتقد أن انهيار النظام يعني الفوضى وداعش واللاجئين -على الرغم من أن هذه ثنائية زائفة في الواقع. في الوقت الحالي هم يفضلون العيش مع نظام ضعيف تدعمه إيران وروسيا.
إنهم سعداء تمامًا بأخذ الروس زمام المبادرة في هذه العملية تحت غطاء مفاوضات الأمم المتحدة. قد تؤدي النتيجة في النهاية إلى دستور جديد والسماح لبعض الشخصيات المعارضة بالعودة إلى دمشق، لكن لن يرحل بشار الأسد، ولن يتغير النظام.
الحل الحقيقي والشامل في سورية يتطلب العدالة والمساءلة ومحاكمة كل من ارتكب جرائم حرب، خاصة بشار الأسد ونظامه، وكذلك تفكيك النظام الحالي. لا أحد في المجتمع الدولي على استعداد لدعم هذا، لذا فإن البديل هو مفاوضات طويلة الأمد ولا تنتهي أبدًا للتوصل إلى ما يسمى بالحل السياسي مع استمرار معاناة السوريين. إضافة إلى أن سورية خرجت من الأخبار الآن، لأن المخاوف المحلية الأكثر إلحاحًا تشغل بال الولايات المتحدة وأوروبا.
12– اليوم، بعد عقد من الصراع، هل ترى النظام السوري قويًا أم ضعيفًا، خصوصًا في ظل وجود خمسة احتلالات في سورية؟ هل ما يزال النظام صاحب قراره؟ وهل يُتوقع فعلًا استمراره في ظل هذه الاحتلالات والعقوبات والوضع الاقتصادي المتردي والسمعة السلبية في العالم؟
البلد مقسم بحكم الأمر الواقع مع سيطرة روسيا وإيران على الجزء الأكبر. على بشار الأسد أن يثبت باستمرار لكل من روسيا وإيران أنه الشخص الوحيد الذي يمكنه خدمة مصالحهما وأجنداتهما. إنه يسيطر على السوريين من خلال الخوف والمخابرات، ويسيطر على ما تبقى من الاقتصاد من خلال أصدقائه التجاريين، ولا يزال قادرًا على تحييد أي تهديد لمنصبه من داخل دائرة سلطته بسرعة، كما حدث مع رامي مخلوف العام الماضي. مرة أخرى، كل ذلك من أجل البقاء بأي ثمن والاستمرار في إظهار نفسه لإيران وروسيا أنه رجلهم. أما الهامش الآخر في المناورة، فهو اللعب على إيران وروسيا ضد بعضهما بعضًا.
سام داغر
كبير مراسلي صحيفة “وول ستريت جورنال” في الشرق الأوسط سابقًا حتى 2016، وقد بدأ تغطيته للشرق الأوسط في 2003 لصالح وكالة فرانس برس. عمل لاحقًا لصالح صحف عامة أخرى من بينها كريستيان ساينس مونيتور والنيويورك تايمز، ورشح من قبل وول ستريت جورنال إلى جائزة بوليتزر، وجوائز صحافية أخرى.
وهو أميركي من أصول لبنانية، أقام في دمشق بصفته مراسلًا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، منذ العام 2012، فكان الصحفي الغربي الوحيد الذي بقي هناك معاصرًا للأحداث حتى تم وضعه على قائمة غير المرغوب فيهم في سورية بسبب تقاريره. اعتقل من قبل مليشيات تابعة للنظام في 2013. في أواخر أيار/ مايو 2019 صدر كتابه “الأسد أو نحرق البلد؛ كيف دمرت شهوةُ عائلة للسلطة سوريا” عن دار النشر الأميركية (Little Brown and Company).
عمر حداد
كاتب ومترجم سوري، له مجموعة من المقالات والترجمات في مجال الفكر والسياسة، يحمل إجازة في الهندسة المدنية، مهندس تخطيط وإدارة مشاريع.