اسم الكتاب: لماذا يجرح الحب؟ تجربة الحب في زمن الحداثة
تأليف إيفا إيلوز
ترجمة: خالد حافظي
صفحة سبعة للنشر والتوزيع ـ المملكة العربية السعودية
الطبعة الأولى، 2020
ملخص
تسعى هذه الورقة لأن تقدِّم للقراء والباحثين المهتمين بالعلوم الاجتماعية قراءة متواضعة لواحد من أهم الكتب المتخصصة في سوسيولوجيا العواطف، وهو كتاب: “لماذا يجرح الحب؟ تجربة الحب في زمن الحداثة”، لعالمة الاجتماع إيفا إيلوز. حيث يهدف الكتاب إلى التأكيد على التحولات الاجتماعية التي مسّت العلاقات العاطفية في زمن الحداثة، فقد أصبحت العلاقات الرومانسية تقوم أساسًا على التحرر من الروابط التقليدية، وتتسم بالمعاشرة والأُلفة بين الرجل والمرأة، وهو ما يخلق عدم الرضا عند المرأة، لأنها تبحث عن الالتزام.
الكلمات المفتاحية: الحب ـ المعاناة ـ الحداثة ـ الزواج ـ إيفا إيلوز
يُعدّ الحب الرومانسي من بين القضايا السوسيولوجية التي تم إهمالها سنوات طويلة، فقد كان بعض علماء الاجتماع لا يؤمنون كثيرًا بالإدراك الحسي، بسبب اعتقادهم بأن الحب يرتبط بتخصصات أخرى مثل الفلسفة وعلم النفس والدراسات الأدبية، وأنه بعيد كل البعد عن السوسيولوجيا التي تهتم بالجماعات والمؤسسات. إلا أن السوسيولوجيا شهدت تطورًا ملحوظًا في الدراسات والأبحاث التي تهتم بالمشاعر والعواطف.
يأتي كتاب لماذا يجرح الحب؟ لعالمة الاجتماع إيفا إيلوز لكي يساهم بدوره في إغناء الدراسات والأبحاث التي تهتم بالحب، وذلك ضمن تخصّص علمي ألا وهو سوسيولوجيا العواطف. وقد جاء الكتاب مشتملًا في بدايته على الفهرس الذي تضمّن المحاور الآتية:
1 ـ المقدمة: بؤس الحب
2 ـ التحول العظيم للحب أو نشوء أسواق الزواج
3 ـ رهاب الالتزام وعمارة الحب الرومانسي الجديد
4 ـ الحاجة إلى الاعتراف/ الحب وهشاشة الذات
5 ـ الحب، العقل، السخرية
6 ـ من فنتازيا الرومانسية إلى خيبة الأمل
7 ـ في الختام
تعود فكرة الكتاب إلى مرحلة المراهقة التي عاشتها الباحثة، وإلى الحوارات والمناقشات التي أجرتها مع أقربائها وأصدقائها وزملائها حول العلاقات الرومانسية والجنسية التي تحدث بين الرجال والنساء، متسائلة لماذا تقع النساء فريسة لمراوغة الرجال على الرغم من قوتهن واستقلاليتهن؟ ولماذا يتحول الرجال إلى لغز ومصدر مستمر لإذهال النساء؟ وهل كان الرجال والنساء في الماضي يعانون من الحب على الشاكلة ذاتها التي يعانيها الرجال والنساء المعاصرون؟
تستجوب إيفا إيلوز متاعب الحب الحديث وترسم مسارًا مغايرًا للعلاقة العاطفية التي تميز المجتمعات المعاصرة. فرضيتها هي أن البحث عن الحب هو “تجربة صعبة مؤلمة” تؤدي إلى البؤس الجماعي وخيبة الأمل التي يستوعبها الأفراد على أنها فشل شخصي. وترى أنه عندما يكون الحب بلا مقابل أو ضياعًا أو خيانةً فهو مؤلم، ويمكن أن يصيب هذا الألم أي شخص وفي أي وقت. ومع ذلك، فهي تسلِّم بأن بؤس الحب قديم منذ وجود الإنسان على الأرض، فالمعاناة كانت دائما مع الحب. والحجة المركزية في دراسة إيلوز، أن التنظيم الاجتماعي للحب الرومانسي قد تغير تغيرًا عميقًا (إيلوز، 2020، ص: 16). وأن الطريقة التي نعيشها اليوم في علاقاتنا العاطفية مختلفة جدًا.
كانت تجربة العلاقة ما قبل الحداثة محكومة بإحكام من خلال نظام واضح يقنن المشاعر والعواطف، مثل تلك القواعد التي نظمت الاقتران في العصر الفيكتوري، أو ما تسميه إيلوز ببيئة الاختيار أو البيئة الاجتماعية التي تجبر المرء على اتخاذ خيارات في اتجاه معين. وتعتبر إيلوز أن التجربة المعاصرة للعلاقات العاطفية في زمن الحداثة تتكون من خلال الحريات حول اختيار الشريك وإلغاء تنظيم أسواق الزواج. في نظر إيلوز، فإن الاختيار هو أحد أقوى الإسهامات الثقافية والمؤسساتية التي تشكل الذات الحديثة، فالاختيار سمة طبيعية لممارسة العقلانية والتي تسمح للمرء بترتيب الخيارات المفضلة، ولكن الظروف التي يتم فيها اتخاذ الخيارات قد تغيرت بشكل كبير، حيث ترتبط هذه الظروف بالثورة الجنسية التي أزالت عددًا كبيرًا من المحظورات في اختيار الشريك الجنسي، مثل ظهور أسواق جديدة ذاتية التنظيم (المجالات الجنسية)؛ حيث يتم تنظيمها من خلال قوانين العرض والطلب، لأنها مرتبطة بالجاذبية الجنسية (الجنس) كعملة للتبادل. وأخرى ترتبط بـ”عمارة الاختيار” التي لها علاقة بميكانيزمات داخلية للموضوع تضبط حجمها الثقافة: فهي تهتم على حد السواء بالمعايير التي تقيم بها الموضوع، وصيغ الاستشارة الذاتية، أي الطرق التي يستشير بها الشخص عواطفه والمعرفة، والاستدلال المنهجي للتوصل إلى قرار (إيلوز، 2020، ص: 44).
علاوة على ذلك، أدت العقلانية التي ميزت الحداثة المتأخرة إلى عدم اليقين في العلاقات العاطفية. وأصبح اختيار الشريك اليوم بعيدًا عن العوامل الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية المشتركة علنًا. وقد أصبح الأفراد في المجالات الجنسية (خاصة الرجال) مثل الرأسماليين، يراكمون رأس المال الإيروتيكي، لأنه وسيلة لتأسيس القيمة الاجتماعية العامة للمرء، وكما تقول إيفا إيلوز: “أن تكون ناجحًا في لعبة المواعدة لا يضفي فقط شعبية، ولكن أيضًا وبشكل أساسي، القيمة الاجتماعية” (إيفا إيلوز، 2020، ص: 101). وهو ما يجعلهم يساهمون في توليد نوعٍ جديد من التقسيم الطبقي بحسب الجنس.
تكشف إيلوز عن إغراء وحيلة البيولوجيا التطورية والحسابات النفسية الديناميكية التي تسعى إلى الفصل بين الرجال والنساء. وتشير إلى “العلاقات الاجتماعية الملموسة” التي يتم من خلالها تشكيل الشراكات بين الجنسين، إذ توضح أنها تمكن الرجال من تحقيق الإشباع وتقدير الذات من خلال مكانتهم العامة، مثل الحياة المهنية الناجحة. نظرًا إلى أن الرجال يمكنهم تحمل أن يكونوا “لاعبين نشطين” أطول من النساء، وبما أن تراكم رأس المال الإيروتيكي يشكل مصدرًا مهمًا للوضع الاجتماعي للرجال، فإن المكافآت والحوافز التي تقدمها هذه المجالات الجنسية تصبح مكدسة لمصلحتهم.
ومن الأهمية بمكان في تحليل إيلوز استخدام مفهوم الوضع الاجتماعي، بدلًا من الهيمنة الذكورية، لفهم التقسيم الطبقي بين الجنسين في المجالات الجنسية. وهكذا، في رأيها، فإن تضخيم النشاط الجنسي المتسلسل كمصدر للوضع الاجتماعي للرجال مرتبط بتآكل المصادر التقليدية للمكانة مثل الأسرة أو العمل.
في المقابل، ترى إيلوز أن ما يميز المرأة عن الرجل هو سعيها الدائم في البحث عن “الحب الحقيقي”، لأنه من خلال ذلك تجد المرأة ذاتها. وكما تقول فيرا، عالمة النفس: “النساء يرغبن في المزيد من الحب، والمزيد من المشاعر، والمزيد من الجنس، والمزيد من الالتزام” (إيلوز، 2020، ص: 192). لكن إيلوز تؤكد أنه لا يوجد شعور بالرضا في مثل هذا المسعى، لأن الرجال غالبًا ما يتملصون من كل هذه الأشياء. وهذا ما يخلق عند المرأة شعورًا بعدم الرضا وعدم المعرفة أو الوثوق بما قد تكون عليه مشاعرها الحقيقية. ويؤدي بشعورها إلى خيبة الأمل والتي هي السمة الغالبة في الحب اليوم. وعليه، فإن إيلوز ترى، “أنه إذا كان الحب مصدرًا للمعاناة، فإنه يكون خطأ، أي تقييم خاطئ للتوافق بين شخصيتين، وعلامة على أن الشخص يحتاج إلى مزيد من المعرفة الذاتية التي يمكن أن تصحح معاناة الشخص وتؤدي إلى خيار أكثر نضجًا” (إيلوز، 2020، ص 292).
في دراستها، تستكشف إيلوز العلاقة بين عاطفة الحب والخيال، وتشير إلى أن دور الخيال يُلاحظ بوضوح عندما تكون في حالة حب، لأن الحب يمكن أن يخلق موضوعه من خلال الخيال. وبالتالي، عند حب الآخر، يمكن للخيال أن يصنع شعورًا وحلمًا بشأن المستقبل قبل أن يحدث بالفعل، وهذه المشاعر الاستباقية، بدورها، تشكل تقييمًا للحاضر والمستقبل.
تؤكد إيفا إيلوز أن وسائل الإعلام والاتصال تؤدي دورًا مهمًا في تغذية الخيال الرومانسي من خلال انتشار الكتب والهواتف والحواسيب. فقد أصبح المرء يتخيل فرص حياته في الحب، وهكذا “يحول الخيال الشوق والإسقاط الاستباقي إلى حالة دائمة من الحب وخيبة الأمل إلى تهديد للقدرة على الرغبة” (إيلوز، 2020، ص: 257). وذلك بسبب أن عاطفة الحب في زمن الحداثة أصبحت متشابكة بشكل متزايد مع الآليات والأدوات التي تحرر نشاط الخيال. كما أن الرواية التي تنشغل بمواضيع الحب والزواج جعلت من الخيال الرومانسي موضوع اهتمام الجمهور، غير أنها أدت إلى خيبة الأمل، نظرًا إلى أن الواقع اليومي في كثير من الأحيان يتعارض مع التوقعات المتخيلة عند الأفراد.
تهدف إيلوز في خاتمة الكتاب إلى دفع الحركات النسوية إلى التفكير في طرق مختلفة من أجل التعامل مع الأشكال الجديدة التي تساهم في اضطهاد المرأة على المستوى العاطفي، وتحقيق الأهداف الاجتماعية والأخلاقية للمرأة إلى جانب التقليل من التفاوت وعدم المساواة بين الرجل والمرأة. إلى جانب تأكيدها أن الحب الرومانسي هو عملية معقدة ومتناقضة بسبب أن هناك جوانب ثقافية معاصرة تجرد المرء من قدرته على الدخول والعيش في تجربة كاملة.
في الأخير، يتميز الكتاب بمجموعة من الصفات، فهو سلس ومقروء جدًا ويمكن استيعابه، غير أنه منسوج بعدد كبير من المصادر التي لها خلفية أدبية مثل الروايات. كما أن نصوصه مكثفة جدًا، لأن أفكار الكتاب تنتقل بسلاسة من نمط تفكير إلى نمط آخر. على سبيل المثال، نجد أنها تقدم أفكار ريموند ويليامز حول هياكل المشاعر، قبل الانتقال إلى مقتطفات من كاثرين تاونسند، والتي تؤدي إلى التفكير الفلسفي لشليجال وكيركاغارد ثم إلى المنظر ديفيد هالبرين، قبل أن تقترب من أفلاطون…إلخ. ومع ذلك، يوفر الكتاب مصادر مهمة على مستوى الدراسات التاريخية والاجتماعية والنفسية ومجموعة من الاستشهادات والاقتباسات بغرض تأكيد أفكار الباحثة، ما يجعله كتابًا موسوعيًا في حقل سوسيولوجيا العواطف.
إيفا إيلوز هي عالمة اجتماع يهودية، ولدت في مدينة فاس في المغرب، وكبرت وترعرعت في فرنسا ومن ثمّ في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكيّة، وهي تشغل منصب المديرة الأكاديميّة في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS) في باريس، وعضوة في مركز أبحاث العقلانيّة في الجامعة العبرية، ومسؤولة عن كرسي روز أيزيك في العلوم الاجتماعية. ومن أهم أعمالها: “السعادة: كيف تتحكم صناعة السعادة في حياتنا” (2018) و”نهاية الحب” (2021).