ورقة خلفية للعدد الرابع من مجلة (رواق ميسلون): الوطن المنفي
دخل المنفى إلى حياة السوريين بصورة واسعة في ثمانينيات القرن الماضي بعد أن حسم نظام عائلة الأسد معركته مع الإسلاميين (الطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين). حينها فرَّ كثير من الأهالي من سورية خوفًا من السياسة الانتقامية لطغمة حكم، كانت ولا تزال، ترى أنها تملك البلاد بأهلها.
بعد نحو ثلاثة عقود، أصبح حضور المنفى طاغيًا في حياة السوريين، فمع بدء تعثر الثورة السورية التي اندلعت في مطلع 2011، وتحولها العسكري، لم يعد للسوريين أمان في بلدهم. بعد قليل من اندلاع الثورة السورية، فرَّ كثير من السوريين خوفًا من الموت تحت قصف آلة عسكرية ضخمة أراد نظام الأسد استخدامها لإخضاع الشعب المنتفض الذي وجد نفسه أمام مقايضة مهينة، هي مقايضة الأمان بالاستسلام. ترك كثير من الأهالي المناطق الواقعة تحت القصف، كما ترك كثير منهم المناطق الواقعة تحت سلطات الأمر الواقع العسكريَّة التي استجدّت وسيطرت ونسخت نظام الأسد في مناطق سيطرتها، فرَّ هؤلاء الأهالي إلى الخارج للنجاة من الجحيم الذي شمل سوريا.
لم يعد المنفى، بالنسبة إلى السوريين ظاهرة فردية، صار هناك شعب سوري في الخارج يكاد يعادل عدديًّا من بقي في الداخل. غير أن شعب الخارج هذا موزع على قارَّات وبلدان عدة، تفصل فيما بين أفراده وجماعاته مساحات واسعة. لم نعد فقط أمام اغتراب أفراد عن أوطانهم، بل أمام اغتراب عائلات كاملة، منها من تبعثر أفرادها في بلدان عدة، ومنها من نجحت في جمع شتاتها وراحت، في بعض الحالات، تجمع بعضها وتقارب سكنها، وتعيد صياغة حياة قريبة من حياة الحي الذي كان لهم في سوريا، بعد أن تبين أن الاعتقاد السائد بقرب زوال نظام الأسد وقرب العودة إلى سوريا، كان اعتقادًا خاطئًا.
حالة جديدة بالكامل طرأت على حياة السوريين، تستحق التأمل من زوايا عديدة، ويصعب على ملف واحد أن يحوط بجوانبها. يمكن تناول حالة شعب منفي عبر محاولة الإجابة عن أسئلة تتحرك على مستويات مختلفة:
- هل تبتعد سوريا مع الزمن عن قلوب أبنائها، لتصبح ذكرى بعيدة، ويتحول المنفى إلى وطن؟ وهل يتحول المنفى إلى وطن؟ إلى أي حد وإلى متى، يبقى السوري سوريًا في المنفى؟ كيف تستوعب النفس البشرية واقع النفي القسري؟ أيهما يستوعب الآخر، هل تستوطن النفس المنفى، أم أن المنفى يستوطن النفس؟ بكلام آخر، هل تنتصر النفس على المنفى وتحيله وطنًا، أم أنها تعجز عن ذلك ويغلبها المنفى فتبقى نفسًا منفية؟ أم أن المحصلة هي انتصار متبادل وهزيمة متبادلة؟
- هل يتكرس خط الفصل بين من خرج من الشعب السوري ومن بقي، ويصبح من الصعب تجاوزه كندبة الجرح؟ هل يصح القول إن سوريي الداخل يشعرون أن من خرجوا تخلوا عنهم وعن بلدهم، واختاروا الأمان وسهولة العيش خارج جحيم بلدهم؟ في المقابل، هل يشعر من خرجوا أن من بقي تصالح مع الواقع السوري بما فيه من قوى مسيطرة كانت السبب في خروجهم؟
- تشهد سوريا تغيرات ديموغرافية منها العفوي ومنها المخطط، لكنها جميعها تقود إلى تغييرات مهمة في وجه سوريا كما هو في مخيلة شعبها المنفي، هل يمكن أن يشكل هذا التغير حاجزًا بين السوريين المنفيين وسوريا التي تغيرت بهذا الشكل؟ أم أن الشعور بالانتماء الأول قادر على تجاوز هذا الحاجز؟
- ما الدور الذي يمكن لشعب سوريا المنفي أن يلعبه في مستقبل سورية؟ هل يكون ظهيرًا “متطورًا” لشعب الداخل حين تتاح إعادة بناء سوريا سياسيًا وماديًا؟ هل يبقى لدى السوريين المنفيين، بعد زمن طويل، الاستعداد للعودة إلى سوريا ولو زالت أسباب خروجهم؟
يمكن المضي أكثر في تسلسل هذه الأسئلة التي يحتاج كل منها إلى بحوث وتأملات طويلة. نأمل أن يشكل هذا الملف محاولة في استيعاب هذا الحال والتفكير في جهات تطوره، أكان لناحية تخدم أو تعرقل استعادة السوريين وطنهم المنفي عنهم، أكانوا في داخل سورية أو خارجها.
تتوجه مجلة رواق ميسلون الى الكتاب والباحثين لتناول حالة النفي المكاني الذي يعيشه قسم من السوريين، أي إرغامهم على الخروج من بلدهم، والنفي المعنوي الذي يعيشه القسم الآخر منهم، الذي يشمل خلق واقع أليم يجمع النزوح (انتزاع الناس من أماكن عيشهم المعتاد) إلى الإفقار إلى التشبيح المتعدد الأشكال (الاعتداء على حقوق الناس بالقوة وهدر كرامتهم)، فضلًا عن إقصاء الجميع عن المشاركة في إدارة شؤونهم وتقرير مصيرهم. وذلك وفق المحاور التالية:
- تطورات حال المنفى المكاني، وإمكانيات العودة، وتبعاتها، وآثارها.
- تطورات حالات المنفى المعنوي، واحتمالات ضياع الوطن السوري.
- أثر المنفى في المنفيين، في مواقفهم وأفكارهم ونفسياتهم وصلاتهم المتبادلة وصلتهم بسوريا. أو الآثار التي يتركها المنفى في المنفيين من النواحي الثقافيَّة والاجتماعيَّة والنفسيَّة.
- دراسة الواقع الميداني للسوريين، في المنافي وفي المخيمات:
– المرأة السورية في المنفى
– الأسرة السوريَّة في المنفى
– الشباب السوري في المنفى: العمل والتعليم، الآمال والطموحات.
– الطفل السوري في المنفى: تربويًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا.
- المنفيُّون والإبداع: (في العلوم المختلفة، في الفنون كالآداب والموسيقا والسينما والفنِّ التشكيلي)