تُراوح كتابات المثقفين السوريين بين حدّين مؤثرين (الحداثة وهزيمة1967)، يقترب كلّ مثقفٍ أو يبتعد عن أحد هذين الحدين تبعًا لاختلاف معتقداته الأيديولوجية؛ لذلك اتسم خطابهم بكثير من العوامل المشتركة، فهم يحطمون قيودًا لم نعد نشعر بها، ويهاجمون محرمات لم تعد بالنسبة إلينا محرمات، ويحترمون مقدسات لم تعد بالنسبة إلينا مقدسات، فضلًا عن أنَّ كتاباتهم تحفل بالقضايا والمبادئ، وتزداد حدّةُ هذا الخطاب كلّما ازداد الواقع تأزمًا، وكلّما اشتدّت منعكسات الخسائر على شعوبنا. فهم يشعرون أنَّهم مخدوعون وممتهنون ومسؤولون أيضًا، وهذه أحوالٌ ثلاثة قد يكون واحدًا منها داعيًا إلى الثورة أو التمرد، لكنَّها مجتمعة لا تنتج إلَّا نخبة معزولة، تشعر شعورًا حادًا بسقوط حلمها، وتعجز عن الحركة الفاعلة، وتحمّل المجتمع مغبة نكباتها. فتغدو مؤلفاتهم عملية ابتعاد مستمرة عن الجماهير التي جاءت تلك النخبة لقيادتها وتغييرها في المقام الأول.
أولًا: موقف المثقفين السوريين من الأنظمة السورية الحاكمة
دخل السوريون إلى القرن العشرين من باب الشعور القومي، ورفض الاستبداد الذي ظهر أيمّا ظهور في كتاب عبد الرحمن الكواكبي (طبائع الاستبداد)، وبعد قرنٍ من الزّمن تراجع الفكر القومي، وبقي الاستبداد متجذرًا في أنفس السوريين بعد أن تطبعوا بطبائع الانصياع والخضوع، ما أدّى إلى عطبٍ ثقافيٍّ مزدوج، أَغفله المثقفون السوريون، الذين بقيت عيونهم معلقةً بفلسطين، يتحدثون عن التخلف، والقوى الرجعية التي أدخلت القضية في نفقٍ أكثر ظلامًا، وبقيت السّلطات السّوريّة تستمدُّ شرعيتها من تأييد القضية، يناصرها المثقفون الذين ينددون بهذا، ويرحبون بذاك، انطلاقًا من بوصلة القضية. ولم تمضِ إلَّا فترة قليلة، حتّى اقتصرت السّلطة على عائلاتٍ، وصلت عن طريق انقلاباتٍ مفتوحةٍ، ثمَّ تحصنت بأحكامٍ عرفيّةٍ (عسكرة الحكم)، فتحوّلنا إلى فكر الزعيم الأوحد مع طروحات الحزب الجماهيري في مجتمعٍ أصبح هاجسه التصفيق، في ظل صحافة متكلّسة تخضع للفكر الحزبي الشمولي، واكتملت المسرحيّة مع تهجين الشراكات السياسية.
إن استرضاء المثقفين السوريين ليس أمرًا صعبًا، إذ تكفيهم بضعة شعارات عن التقدم والوحدة والتحرير.
وبدأت ثنائية الفساد والاستبداد، التي صنعت مواطنًا مذلولًا منهكًا محدودَ الأفق، لا حقوق له في ظلّ سلطة لها كل الحقوق. إذ إنّ الأنظمة الاستبداديَّة تَضمَنُ صمت الشّعب وخنوعه، بتجويعه وتجهيله.
فتبنت الحكومات في سورية شكلًا تلفيقيًا من الحكم، يعود اقتصاديًا إلى القرن العشرين، بينما سياسيًا لا يتجاوز حكم العصور الوسطى. وأصبح الشعب يكتفي بتحصيل الحدّ الأدنى من مستلزماته، زاهدًا في الشؤون العامة في ظل دساتير، أعفت الحكام من المسؤولية، وتحولت دولة القانون إلى شعار تلفزيوني، ما فتح الباب على مصراعيه أمام نهب المال العام، فرأينا فسادًا استثنائيًا، فالسلطة لا يسألها أحد، والشعب يُسأل ولا يَسأل، وتحوّل الشعب إلى سكّان (مفهوم عددي ديمغرافي). وامتلك الحاكم كلَّ الألقاب والنعوت، حتّى أنَّ كلَّ ما ذكره أرسطو وأفلاطون من الصفات السبع لا تفي بحاجاته، فهو المعلّم الأوّل، والقاضي الأول، والمهندس الأوّل…إلخ، فَبِه يُختصر حاضر الوطن ومستقبله.
وشُغل المثقفون بقضايا الديمقراطيّة والقوميّة والعلمانيّة والاشتراكيّة والصراع مع العدو الإسرائيلي، لكن بقيت “الجمهورية” في سورية، تنتظر التحليل والمعالجة، باستنادها إلى بنيةٍ مؤسساتيّةٍ مستبدّةٍ، مهما يكن من شكلها فهي ليست أكثر من شكلانية فارغة، تترسخ بالتعيين أو الانتخاب، الذي لا يتعدّى أن يكون مهزلة تعيد صوغ إشكالية الخوف والفساد، في حين أنَّ أعضاء مجلس الشعب ليسوا إلا خليطًا من المنافقين والسماسرة والانتهازيين، يحكمون باسم الشعب، ويتباهون باستبعاده وإلغائه وتحييده.
فكيف يمكن تجسير المسافة بين مؤسسات تقليديَّة متخلّفة ومفاهيم سياسيَّة واجتماعيَّة من صميم الأزمنة الحديثة مثل المواطنة السياسيَّة؟ وما السبيل إلى معالجة الفوات التاريخي الذي يعيشه شعبنا؟
ثانيًا: عدم إدراك المثقفين السوريين مشكلات المجتمع
أهمل المثقفون كثيرًا من القضايا والإشكالات التي أوصلت مجتمعاتنا إلى الانكسار، ويمكن الآن تلخيص الوضع المجتمعي السوري، بـ(تنميط الذوق العام، غياب العقل النقدي، الرأسمالية المتوحشة، وهم الكاريزما، عطب المؤسسات، الفساد، تسليع الحياة العامة، الفن الرخيص، العلاقة بين المال والسياسة، الحوكمة السياسية، ثقافة الإدارة السطحية، الطبقية المالية، الجريمة، تسليع الجامعة، تسطيح المعرفة، الأدب الشائع، الأميين الجدد، الثقافة الطرفيّة، دعاوى التسليم والانقياد الفكري الأعمى بمسميات إطلاقية، كالحلال والحرام والعيب والتقاليد، وتقديس الأشخاص والشعبوية)، لقد تمّ تشويه الوعي السوري تمامًا خلال العقود الأخيرة، حتَّى صار لا يجيد التعاطي مع المفاهيم المجردة، فانتهى الوضع إلى أن أصبح لدينا مصطلحات يرفض العقل الجمعي مناقشتها.
إذًا، من أين تأتي الحداثة الاجتماعيَّة في مجتمعات اجتهدت سلطاتها اجتهادًا نموذجيًّا لـ “وأد السياسة” و”بناء العقل الأحادي”، وخنق “المجتمع الحِواري”، واجتهدت مجتمعاته، بعد “تصنيعها سلطويًّا”، في مطاردة الجديد والاحتفاء بالتقليدي؟
ثالثًا: انقسام المثقفين السوريين في دعم أو معارضة الثورة من منطلق سياسي
الثورة في سورية تقوم على استراتيجية (الكل خاسر)؛ لأنَّ انتفاضة الشعب خرجت وستخرج عن مجالها التأسيسي، وستؤدي إلى انهيارٍ كليٍّ، وضياعٍ وجودي؛ إذ إنَّ عوامل الثورة في حالة متقدمة من التفكك والتعفن. فالثورة انجرّت نحو الحرب الأهلية، ولو استبعدنا عوامل الانقسام الطائفي، وعوامل الصراع الجيواستراتيجي الدولي. بقي لدينا الكثير؟
فمن أين جاء هذا القصور المجتمعيّ السوريّ الذي تلازمه الهزائم؟ جاء من أسبابٍ عديدة أهمّها:
- الاعتماد على بيئات متأصلة أكثر راديكالية.
- تختزن الذهنية السّوريّة في طياتها الميل المبهم نحو الانصياع (الخارج الأجنبي/ الداخل الديني).
- فقدان التدبير العقلاني للبديهيات السياسية والدينية (عدم وجود فكر دستوري/ نهج اقتصادي/ مسار سياسي خارجي/ رؤية للإصلاح المؤسساتي/ العلمانية أو الإسلام المعتدل/ حقوق الأقليات).
- عدم القدرة على طرح بدائل سياسية تحقق توافقًا شعبيًا (بديل رئاسي).
- اليقين أنّ التخلص العشوائي من الطبقة السياسية الموجودة، سيوصل البلد إلى الفوضى.
نظريًا، يؤدي تواتر الثورات المجهضة إلى تعزيز المواطنة السياسية، لكنَّ الواقع يشير إلى أنّ الحكومة السورية تتعامل مع الشعب بعقلية المنتصر. فنرى أنّ مفاهيم السياسة والدين يتم تمويهها بشكل احتيالي، أو ما أصبح يُعرف بالفكر السياسي المعاصر بمتلازمة اللاعب المتلاعب، فالمراد هو الفوز دائمًا ولو كانت هناك خسارة، المتآمر أجنبي ولو كانت العلة داخلية محضة، الخلود في الحكم ولو فني الشعب عن آخره، ويكون ذلك بقلب الحقائق، وجعل وضعية الفشل وضعية الانتصار، وتزييف الأرقام أو المعطيات، والغش والتزوير. كانت هذه المتلازمة مدخلًا نحو الشعور الدفين بالخلود (إلى الأبد)، فتضفي النخبة السياسية على ذاتها جانبًا من القداسة (عدم المساس) ووحدة الوجود السياسي (بقاء الزعماء من بقاء الوطن) من خلال تعميم صور الزعماء السياسيين، وشعاراتهم وخطاباتهم في كل مكان وفي كل زمان. فتحوّلت الجمهوريات إلى أوليغارشيات عائلية، تحتكر السياسة والاقتصاد، ما أدّى إلى ظهور خطاب سياسي مفعم بالقص الساذج الذي يوحي بأحد أمرين إما ضحالة المتحدث أو افتراض المتحدث ضحالة المتلقي، فكثيرًا ما يذكرني السياسيون السوريون بالشعراء الذين انتقدهم نيتشه بقوله: “يكدرون مياههم، كي تبدو عميقة”.
إذًا، ما هي حظوظنا من الديمقراطية في ظل أنظمة لا تنتمي إلى عصر الديمقراطية؟
رابعًا: تصلب الفكر الأيديولوجي لدى المثقفين السوريين
بدايةً، هل السوسيولوجيا الحزبية تمتلك القدرة على الراهنية؟ الأحزاب هي لزوم ما لا يلزم، فهي تلزم قسرًا ضد منطق التطور، وبما أنَّ القرن العشرين هو قرن نهاية الأيديولوجيا السياسية، وكانت الحركة الحزبية المعبر الأساس عن الأيديولوجيا، فإنّ انهيار أو تراجع الأيديولوجيا لا بدّ أن يؤدي إلى انهيار أو تراجع مقومات الحركة الحزبية أو مسوغاتها. وتشير الدراسات إلى تقلص العضوية في الأحزاب الأوروبية التقليدية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية التي ارتفعت فيها نسبة المستقلين إلى 44 في المئة في 2012.
ويمكن اختصار الأسباب، بأنَّ هذه الأحزاب تحافظ على نهج فكري يعود إلى فترة تشكلها وظهورها في مرحلة تاريخية كانت مجتمعاتها مختلفة عن مجتمعات اليوم جذريًا، فضلًا عن أن مسارها الاقتصادي لم يعد فكرًا بقدر ما أصبح صفقات أو توافقات بين الزعماء؛ لذلك بدأ المواطن يشعر أنّ هذه الأحزاب متشابهة ومتواطئة ضده ومتنكرة لما تصرّح به وتتبناه من فكر؛ فتحوّلت الجماهير إلى جماهير قضايا لا جماهير أيديولوجية.
لقد سقط عصر الحتميات التاريخية والأيديولوجيات، وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ كثيرًا من مثقفينا ينظرون إلى معتقداتهم الأيديولوجية على أنّها أمّ الحقائق الكبرى، وليس أمامنا سوى انتظار تحققها، فكأنّها أحد نواميس الطبيعة الخالدة. ما أدّى بنا، نحن الذين نسير خلف أولئك المثقفين، إلى ضياعٍ محتومٍ، وإلى تعدد القيم، وتنامي الشعور باللاجدوى وتفاقمه. وبالانتقال من العام إلى الخاص، فالأحزاب السورية التي ظهرت في فترة ما قبل الحداثة، تُخاطب اليوم أجيال ما بعد الحداثة بعقلية الحداثة؛ نظرًا إلى أنَّ معظم مثقفي هذه الأحزاب ينتمون إلى جيل الستينيات والسبعينيات (جيل الحداثة)، وتجاوز هذه الإشكالية الإبستيمولوجية، لا يتحقق إلَّا بمرونة أيديولوجية مطلقة؛ فلا بأس أن نحوّل الأهداف الكبرى إلى أهداف مرحلية، إذ يستدلُّ على الأسد من مخالبه، والتغير لم يكن أمرًا طارئًا أو مصادفةً، بل كان استجابةً لأوضاع فرضته، وهيأت له، فهو تحوّل في التصور والنهج، وليس تحولًا في الصميم، ولو كنّا سنفكر كما فكر المثقفون، لكنّا سنصل إلى النتائج نفسها، ونتائجهم ليست إلَّا خسائر، فلماذا يصرّون على السير في الطريق نفسها؟ هذا لا يعني أننا سنتخلى عن قضايانا، بل أن نوفر لها شروطًا موضوعية تجعلها قابلة للتحقق بدلًا من أن تكون قابلة للتمني.
إن الحفاظ على المبادئ كما هي يمنحنا اطمئنانًا كاذبًا، وإحساسًا مخادعًا بأننا بخير. نحن نعيش في بلاد تداهمها الأوضاع الاقتصادية والسياسية المأساوية، فيجب أن تصاغ سياساتنا بمنطق مصالح شعوبنا، فنسلك نهجاً واقعياً سياسياً.
كما إن الضخ الاستهلاكي للمبادئ والقضايا، أفقدها قيمتها، فهذه القضايا التي وجد السوري نفسه متبنيًا لها لا تمسّ واقعه مسًا مباشرًا، بل ربما تتناقض معه. إضافة إلى أنّ المثقفين ينظرون إلى المجتمع على أنّه أداة لتحقيق المبادئ ونصرة القضايا، فمحاصرة المجتمع بهذا الاحتباس القيمي أدّت إلى تضاؤل كيانية الحضور الفردي، فلم تعد ثمّةَ أهمية تذكرُ للدافعة الحيويّة وللحضور الذاتي، وصارت الموضوعات تُختزل، وتُردّ إلى كليّةٍ منغلقةٍ أو قيمةٍ مطلقةٍ. وهذا أوصل المجتمع إلى حالة من العدمية المقترنة بالسلبية واللامبالاة؛ لذلك توجّه نحو إعادة بناء المنظومة القيميّة السّورية بقلب مفاهيم العمق المعرفيّ وتعويضها عن طريق نفيها لا إثباتها للتخلص من حالة العجز المطلق عن الفعل، وأبرز الأمثلة، التخلي عن القضية الفلسطينية.
خامسًا: المثقفون الداعمون للأمة (السورية/ العربية/ الإسلاميّة)، والشعب الداعم للدولة الوطنية
كثيرًا ما يتحدّث المثقفون عن الأمّة، متناسين ما بين الشعوب من أزمات ومشكلات، فهم على عادتهم يقفزون فوق الشظايا والأشلاء بذريعة العقلانية، وما هو إلا ضرب من التجاهل والاستعلاء. فكل يوم تتحول حادثة فردية إلى قضية رأي عام، تستلزم أن تحتشد الجيوش على مواقع التواصل الاجتماعي، وتكال الاتهامات بين أطراف النزاع، لذلك ترسخت الخلافات المجتمعيّة التي لم تجد من يتصدّى لها ويعالجها.
فمن الصحيح والمجدي تعزيز دور الدولة الوطنية، فالأوضاع المعيشية تؤدي إلى شيوع قيم محددة، والتماشي مع هذه القيم أجدى من تجاهلها؛ فالحاجة إلى دعم الخدمات العامة من صحة وتعليم وأمن وتجهيزات أساسية يخلق رباطًا صلبًا ومقنعًا للانتماء والمواطنة.
سادسًا: حوار المثقفين السوريين مع الشعب
لقد وُجهت للوطن سهامًا أثخنته حتّى أدمته، وكادت تقوضه وتسقطه، وما زالت العلاقة بين النخب والجماهير علاقة إشكالية، ومن العسير أن نصدّق أن عنف اللحظة التاريخية هو سبب هذه العلاقة المضطربة، وأعسر من ذلك أن نطالب الشعب بدفع ضريبة باهظة من قوت يومه ونفسه تجاه قضايا فُرضت عليه ولم يخترها بإرادته، فالشعب يهاب المثقفين لغطرستهم وتجاهلهم المتعمد لأكثر همومه إلحاحًا، والمثقفون يلومون الشعب لغفلته، وغفلته آتية من إيمانه بحقّه في الحياة، فالإنسان السوري ليس سيزيف العصر الذي عاقبته الآلهة بالشقاء الأبدي. لذلك كان الحوار بين المثقفين والجماهير ليس إلَّا مونولوج المثقفين يتحدثون من خلاله إلى أنفسهم. ما يجعل الحوار شائكًا وعسيرًا، بل يحول دون إمكان قيامه.
سابعًا: موقف المثقفين السوريين من الشركاء الوطنيين المختلفين سياسيًا أو أيديولوجيًا
المفترض أن تتجه الرّغبة إلى توحيد الصف الوطني، لكنّ المثقفين يسعون إلى تأصيل الخلافات، والأجدى أن يعمل المثقفون السوريون على إنتاج خطابٍ سياسيٍّ متسامحٍ ومنفتحٍ وجامعٍ يليق بأزمة وطن، فالعبء الوطني ضريبة مجتمعية مستحقة على النخب، ما يحتم عليهم أن يضحوا ويتجاوزا ويغضوا الطرف، ويتناسوا ويتعاونوا لتقديم مشروع وطني محدد بمراحل للإنقاذ، لكنّ تلك النخب صنعت شرنقتها بيدها.
أخيرًا، نحن أمام اختيار مواقف لا اختيار أفكار، وإن تكن الأفكار متضمنة في المواقف، بل أساسًا لها. إذ على المثقفين أن ينفصلوا عن ذواتهم، فلا يكتبون وهم غارقون في جزئيات أفكارهم وتفصيلاتها، فيقدمون لنا انعكاسًا لتصوراتهم الأيديولوجيّة، وهي في أحسن الأحوال نظرة ينقصها الشمول والدقة والواقعية، ما شكّل سببًا في ما نعانيه اليوم.