المؤلف: مجموعة مؤلفين
تحرير: يورام شفيتسر، عومير عيناف
ترجمة: أحمد كامل راوي
يتناول هذا الكتاب موضوعًا من أهمِّ وأخطر الموضوعات التي فرضتْ نفسها على السَّاحة الدَّوليَّة، ألا وهو موضوع تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة، الذي يُعرَف بـ”داعش”، وهو تنظيم يتبع الأفكار السَّلفيَّة الجهاديَّة، ويهدف أعضاؤه -حسب اعتقادهم- إلى إعادة “الخلافة الإسلاميَّة وتطبيق الشَّريعة”، ويتمركز بشكل رئيسيٍّ في العراق وسوريا. واستطاع مدَّ نفوذه إلى مناطق في دول أخرى، منها اليمن وليبيا ومصر والصُّومال ونيجيريا وباكستان وغيرها. وزعيم هذا التَّنظيم هو أبو بكر البغدادي.
ولقد أدانت الزّعامات الدِّينيَّة الإسلاميَّة في دول العالم ممارسات داعش وأفكارها، متَّهمِيْنَ التَّنظيمَ بأنَّه حادَ عن الصِّراط الحقِّ للإسلام، وأنَّ ممارساته لا تعكس تعاليم الدِّين الحقَّة أو قيمه.
لقد انبثقَ تنظيم داعش من تنظيم القاعدة في العراق، الذي أسَّسه أبو مصعب الزَّرقاوي في عام 2004، عندما كان مشاركًا في العمليَّات العسكريَّة ضدّ القوَّات التي تقودها الولايات المتحدة والحكومات العراقيَّة المتعاقبة في أعقاب غزو العراق عام 2003، خلال 2003-2011 حرب العراق. وظلَّ تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة (داعش) على صلات وثيقة مع تنظيم القاعدة حتَّى فبراير عام 2014، حيث إنَّه بعد صراع على السُّلطة استمرَّ لمدَّة ثمانية أشهر، قطع تنظيم القاعدة كلّ العلاقات مع جماعة داعش، حيث تعتبر القاعدة داعش تنظيمًا “وحشيًّا”.
وفي عام 2014، وتحت قيادة زعيمه أبي بكر البغدادي، انتشر تنظيم داعش، واستولى بشكل ملحوظ على مساحات شاسعة في العراق، كما سيطرَ على مناطق كثيرة في سوريا مثل: الرِّقَّة وإدلب ودير الزّور وحلب.
كانَ الهدف الأصليّ لداعش هو إقامة الخلافة وفق ما يدَّعُوْنَ في المناطق ذات الأغلبيَّة السُّنيَّة في العراق. وبعد مشاركته في الحرب السُّوريَّة، توسَّعَ هدفه ليشملَ السَّيطرة على المناطق ذات الأغلبيَّة السُّنيَّة في سوريا. وقد أعلنت الخلافة يوم التاسع والعشرين يونيو من عام 2014، وأصبح أبو بكر البغدادي، الآن يُلَقَّبُ بالخليفة.
يُحارب التَّنظيمُ كلَّ مَن يُخالف آراءه وتفسيراته الشَّاذَّة من المدنيين والعسكريين، ويصفهم بالرِّدة والشِّرك والنّفاق ويستحلّ دماءهم.
شكَّل المجتمع الدّوليّ تحالفًا لمحاربته. وتشارك أكثر من 60 دولة بشكل مباشر أو غير مباشر في العمليَّات العسكريَّة على داعش.
وفي الوقت الذي يشاهد العرب والمسلمون في شتَّى البلدان العربيَّة والإسلاميَّة نشاطَ داعش في العراق وسوريا وفروعه في بلدان مختلفة وتجنيده لشباب المسلمين، ويكتفون بالشَّجب والإدانة والتَّعجُّب، تأتي إسرائيل لتقومَ برصد ظاهرة داعش ودراستها من شتَّى النَّواحي في هذا الكتاب المهم. والذى أصدره معهد دراسات الأمن القومى فى إسرائيل.
يرصد هذا الكتاب بالتَّحليل العميق تلك الظَّاهرة من جميع النَّواحي في دراسة علميَّة رصينة، وتكمن أهميَّته في أنَّه يُعتَبر كتابًا شاملاً جامعًا يحتوي على دراسة تنظيم داعش، الذي يُطلِق على نفسه الدَّولة الإسلاميَّة من جميع الجهات، فيوضِّح الخلفيَّة التَّاريخيَّة للتَّنظيم، وكيف نشأ تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة، وأسباب نشأته والتَّطوّرات المصاحبة لقيامه.
ويكشف النِّقاب عن خطورة الوضع في دول الشَّرق الأوسط في أعقاب الاضطرابات التي وقعتْ به وتهديد الاستقرار الإقليميّ. ويتفاقم التهديد بسبب التَّدخُّل السَّافر من قِبَل دول مثل إيران في الشّئون الدَّاخليَّة للدّول التي بها اضطرابات مثل سوريا والعراق، أو بسبب تأثير المنظَّمات الإسلاميَّة المتطرِّفة المتزايد في المنطقة مثل الدَّولة الإسلاميَّة: في العراق وسوريا ومصر وليبيا وفي قطاع غزَّة.
ويوضِّح الكتاب احتماليَّة أنَّه بعد خمس سنوات اضطرابات، من المحتمل أن تفكَّك دول أو أنْ تنتظمَ مجدَّدًا في أطر فيدراليَّة مختلفة. ومن المحتمل أيضًا أن تنشأ كيانات سياسيَّة مستقلَّة بدون اعتراف من جانب السُّلطة المركزيَّة أو اعتراف دوليّ (مثل الأكراد والدّولة الإسلاميَّة). ويظهر أنَّ دولاً مثل العراق وسوريا تفقد السَّيطرة على مناطق شاسعة تسقط في أيدي تنظيمات سلفيَّة جهاديَّة تريد أنْ تقيم عليها قاعدة الخلافة الجديدة، وتهدِّد بمواصلة التَّمدُّد والتَّوسُّع أيضًا تجاه الأردن، والسُّعوديَّة ودول الخليج.
كما يناقش الكتاب فكرة الخلافة في الإسلام والجدل حول الخلافة في الإسلام السُّنِّيّ المعاصر، وهل تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة، داعش، يحقِّق حلم الخلافة لدى المسلمين، أم لا؟
ويرصد أيضًا المواجهة الدَّاخليَّة في معسكر الجهاد العالميّ، والحرب الضّروس الدَّائرة بين تنظيم القاعدة الأمّ وتنظيم داعش لقيادة معسكر الجهاد السَّلفيّ وكسب التَّنظيمات السَّلفيَّة في شتَّى بقاع العالم، ويكشف الكتاب عن أقسام التَّنظيم ومكوِّناته ويطرح الصِّراع المخابراتيّ والمعلوماتيّ ضدّ التَّنظيم، وكيف أنَّ ظهور التَّنظيم وصعوده على السَّاحة الدَّوليَّة واحتلاله مساحات شاسعة من سوريا والعراق أربك العالم وأحدثَ مفاجأة استراتيجيَّة، وفرضَ نفسه قضيَّة محوريَّة لدى أجهزة المخابرات في دول الشَّرق الأوسط والعالم، واعتبرَ تحدّيًا استثنائيًّا ومختلفًا؛ حيث إنَّه يستخدم وسائل غير تقليديَّة بما فيها شبكة الإنترنت والوسائل الإلكترونيَّةَ الحديثةَ وشبكات التَّواصل الاجتماعيّ؛ لبثِّ فكره ونشاطه الحديث، ما يجعله تحدِّيًا مختلفًا عن التَّحدّيات السَّابقة.
كما يظهر الكتاب القوَّة العسكريَّة للتَّنظيم وما يمتلكه من وسائل قتال وقوَّة بشريَّة، والقيادة وعقيدتها العسكريَّة والقتاليَّة، ويميط اللثام عن الجوانب الاقتصاديَّة للتَّنظيم والموارد التي في حوزته، ويعرض مصادر الدُّخول، وحقول النّفط الذي يستولي عليها، والضَّرائب التي يجبيها، وموارد المياه التي يسيطر عليها ونفقاته. ويوضِّح أنَّ العامل الاقتصاديّ مهمٌّ في أداء التَّنظيم لوظيفته كدولة وأهميَّته، حيث محاولات التَّنظيم حكم المناطق التي يستولي عليها كحكم مدنيّ، وتقديم نفسه كبديل للدَّولة، وعلى أساس أنَّه دولة إسلاميَّة. كما يكشف عن الحرب الاقتصاديَّة بين التَّحالف الدّوليّ والتَّنظيم.
ومن القضايا المهمَّة المطروحة التَّحدّيات القانونيَّة في الحرب ضدّ التَّنظيم في العراق وسوريا وشرعيَّة الهجمات العسكريَّة ضدّ التَّنظيم في العراق وسوريا، وموقف المحكمة الجنائيَّة الدّوليَّة من ذلك ومن قضيَّة المحاربين الأجانب، حيث يضع أمام الصِّراع مع تنظيم داعش تحدّيات قانونيَّة صعبة.
ويكشف الكتاب أيضًا عن استخدام التَّنظيم للوسائل التّكنولوجيَّة الحديثة، ونشاط التَّنظيم في وسائل التَّواصل الاجتماعيّ وأهدافه؛ ممَّا جعله يتميَّز عن بقيَّة التَّنظيمات السَّلفيَّة الجهاديَّة وتأثيره على شباب مسلمين كثيرين، فيستخدم وسائل التَّواصل لتجنيد الشَّباب ووصوله إلى شتَّى بقاع العالم بسرعة فائقة، وهو ما يمثِّل صعوبة وتحدِّيًا بالغًا في مواجهة هذا التَّنظيم.
كما يميط الكتاب اللثامَ عن موطن التَّنظيم والبيئة المحيطة، فيتناول نشأة التَّنظيم في العراق والصِّراع العسكريّ بين التَّنظيم ودولة العراق واقتطاع التَّنظيم مناطق شاسعة من العراق، ونشاط داعش في سوريا، وتكمن أهميَّة ظهور التَّنظيم في شرق سوريا في حقيقة أنَّه كان الأوَّل من بين تنظيمات المقاتلين ضدّ النِّظام السّوريّ، الذي نجحَ في أنْ يضعَ نفسه كبديل حقيقيّ – عسكريّ وسياسيّ – لهذا النِّظام، ولتأسيس كيان حكوميّ لديه أيضًا نظم حكم وخدمات اقتصاديَّة واجتماعيَّة وقضائيَّة. وهو ما يطرح سؤالاً مهمًّا، وهو هل قصَّة داعش في شرق سوريا هي قصَّة نجاح؟ فهو تنظيم لم يكن له أيُّ حضور حقيقيّ، أو تأييد أو بنية تحتيَّة، لكنَّه نجح خلال سنوات معدودة في السَّيطرة على مناطق كبيرة من شرق سوريا، وأن يتحوَّل إلى دولة تتطلَّع للسَّيطرة أيضًا على غرب سوريا.
كما يكشف الكتاب عن الصِّراع بين تنظيم داعش وتطلُّعاته التَّوسُّعيَّة والأكراد في العراق وسوريا ذلك الصِّراع الذي سيغيّر ملامح الخريطة السِّياسيَّة في المنطقة. فيعرض الكتابُ ميزانَ المكسب والخسارة في هذا الصِّراع وموقف إسرائيل ودول العالم منه.
ويوضِّح انعكاسات نشاط التَّنظيم في سوريا على لبنان وما يشكِّله من تهديد على لبنان، وعلى الوضع الدَّاخليّ في الأردن، وكذلك تأثير التَّنظيم على الفلسطينيين داخل حدود إسرائيل وفي غزَّة وكيفيَّة تعامل حماس مع أعضاء تنظيم داعش في غزَّة وفي سيناء.
كما يرصد الكتاب موقفَ القوى الإقليميَّة من تنظيم داعش والصِّراع ضدّه، فإيران تعتبر “داعش” يمثِّل تهديدًا استراتيجيًّا يضرّ بمصالحها الإقليميَّة في العراق وسوريا، كما تعتبر التَّنظيم في حرب ضدّ الشِّيعة، وترى نفسها حامية الشِّيعة في العراق وسوريا ومدافعة عنهم. ويوضِّح موقف السُّعوديَّة من التَّنظيم وما يشكِّله من تهديد على أمن السُّعوديَّة ودول الخليج، ودوره في تعاظُم التَّوتُّر الطَّائفيّ، والموقف من انضمام الشَّباب السُّعوديّ للتَّنظيم، والصِّراع الفكريّ الأيديولوجيّ بين التَّنظيم والسُّعوديَّة ودول الخليج. ويظهر موقف تركيا من التَّنظيم وتطوّره وسياسة تركيا من نشاط التَّنظيم في العراق وسوريا وعلى الأراضي التُّركيَّة نفسها.
ويكشف الكتابُ موقفَ إسرائيل من تهديد التَّنظيم، الذي وصل إلى سوريا (الجولان) ومصر (سيناء)، اللتين لهما حدود مشتركة مع إسرائيل، واستعدادات إسرائيل لمواجهة التَّنظيم.
كما يتناول الكتاب بالتَّحليل مدى نطاق تأثير ذلك التَّنظيم على الدّول الأخرى، فيبدأ بمصر، حيث انضمام تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء إلى صفوف التَّنظيم وتحوّله من القاعدة إلى داعش، وتغيير اسمه إلى “ولاية سيناء”، وصراعه ضدّ النِّظام في مصر ودوافع انضمامه إلى داعش، وكيفيَّة انضمامه ونشاطه في مصر وأهدافه وجهود مصر ضدّه، ثمَّ ليبيا والصِّراع بين داعش والقاعدة على كسب ولاء التَّنظيمات الجهاديَّة هناك، وكيف انتشر نفوذ داعش في أراضي ليبيا ونشاطها هناك.
كما يعكس الكتابُ تطلُّعات داعش في أفريقيا وصراعها مع تنظيم القاعدة لكسب ولاء التَّنظيمات في أفريقيا (بوكو حرام في نيجيريا، وتحالف الشَّباب الصُّوماليّ، والقاعدة في المغرب العربيّ وغيره) وطبيعة نشاط هذه التَّنظيمات وأهدافها ومصادر تمويلها. كما يرصد ذلك الصِّراع بين التَّنظيمين (القاعدة وداعش) في جنوب آسيا في السَّاحة الأفغانيَّة والباكستانيَّة والهنديَّة.
ويخصِّص الكتاب مساحة لموقف الدّول العظمى من داعش، فيبدأ بالولايات المتَّحدة في مواجهة داعش في العراق وسوريا، وكذلك تهديد داعش للولايات المتَّحدة في السَّاحة الدَّاخليَّة الأمريكيَّة، ويقيّم الكتاب نسبة النَّجاح الذي حقَّقته أمريكا في حربها ضدّ داعش. كما يكشف عن دور روسيا في الصِّراع ضدّ داعش في روسيا وسوريا، حيث تواجه تحدِّيًا داخليًّا وخارجيًّا من جانب داعش، ويكشف سبب تدخُّلها في سوريا وفقَ مصالحها الاستراتيجيَّة والإقليميَّة. كما يوضِّح موقف الصِّين ودول الاتّحاد الأوروبيّ، وبخاصَّة من قضيَّة المحاربين الأجانب في صفوف داعش، الذين ينتمون إليه من دول أوروبا.
ويختتم الكتاب بتخصيص فصل يرصد تقييم التَّهديد والمواجهة الاستراتيجيَّة، فيعرض سبل المواجهة مع تنظيم داعش، ويضع السُّبل والوسائل المتنوّعة في كافَّة المجالات التي من خلالها يمكن وقف تهديده، وبلورة رؤية استراتيجيَّة جديدة لمواجهة ذلك التَّنظيم وحربه حربًا شاملاً بأساليب مختلفة، منها العسكريّ، والإعلاميّ، والفكريّ، والاقتصاديّ. ويعرض تحدّيات داعش التي تواجه إسرائيل واستعدادات إسرائيل لمواجهتها، والخطط التي تضعها إسرائيل لذلك.
وتكمن أهميَّة هذا الكتاب في أنَّه أوَّل كتابٍ علميٍّ موضوعيٍّ عن تنظيم داعش. وأنَّه نتيجة جهد فكريّ وبحثيّ رصين يهدف إلى تقديم معلومات وفيرة وحقيقيَّة عن تنظيم داعش المسمَّى بالدَّولة الإسلاميَّة، بحيث تساهم تلك المعلومات في المعرفة الحقيقيَّة العلميَّة عن داعش، وتساعد في سبل مواجهته. ويهدف الكتاب إلى وضع رؤية متكاملة وموضوعيَّة حول داعش.