جاك لاكان في غزّة: السياسة، الأسطورة، والمثقَّف الأزعر

“جيجيك يكشف عن وجهه الفاشي الحقيقي… عنصري ضدّ العرب..”

“جيجيك لم يقل سوى الحقيقة.. ألسنا أصوليين ومتطرّفين؟”

“بَتلر أنصفت قضيتنا وتحدثت بالنيابة عنّا جميعًا..”

“بَتلر تدعم الإرهاب..”

السياسة والاختزال

في الحديث عن العلاقة بين الفلسفة والسياسة، كثيرًا ما تُختَزَل هذه العلاقة إلى سياسة، بل إلى رأي سياسي بلا مُحدِّدات، إلى منشور تهكّمي في الفيسبوك. يقول قائل إن التهكّم أداة مقاومة سياسية، ويقول آخر إن السياسة اختزال، غير أن أشكال التهكّم ليست واحدة، والاختزالات ليست واحدة. ففي ظل انتشار حرفيي السياسة وعلماء السياسة واقتصار السياسة على الساسة من دون الفلاسفة، يصبح الحديث عن السياسة في علاقتها بالفلسفة أمرًا نخبويًا صعبًا. لكن هل هو فعلًا كذلك؟

اخُتزلت الفلسفة السياسية الغربية، إن جاز لنا التعميم هنا، إلى علم (علوم سياسية). وعلى الرغم من أنها فقدت كثيرًا من خصائصها مع هذا الاختزال، فقد احتفظت بكثير، واكتسبت كثيرًا. السياسة لدينا مختلفة تمامًا، واختزالها لدينا مختلف. ولأن الممارسة السياسية الفعلية لدينا غير موجودة، غالبًا ما تُختَزَل السياسة إلى ثقافة يُمارسها “المثقف”، وأخرى يُمارسها “الشخص العادي”. وهذا حق مشروع. غير أن ظاهرة المثقف لدينا اتخذت توجُّهًا مختلفًا في الآونة الأخيرة. فبعد أن أكل المثقف، الذي غالبًا ما يكون كاتبًا صحافيًا، من شجرة الثقافة، ولدغته أفعى التمرّد البوهيمية في فرنسا، وقع مباشرة في دنيا السخرية والتهكم، أصبح مثقفًا “أزعرَ” متهكّمًا. تأتي “زعرنة” المثقف من كونه لا يؤمن بالأنظمة الكبرى ومعتقداتها الزائفة ولا يثق بالفلسفة وميتافيزيقياتها ولا يحب السياسة وألاعيبها، هو أعلى منها، تجاوزها تمامًا، هو نظيف اليدين وجحيمه هو الآخر، فيختزل السياسة إلى تهكّم. المثقف الأزعر المتهكم، الذي يتقن السخرية السوداء التي لا هي سخرية ولا هي سوداء، لم يعد يؤمن بشي، ويستمد متعته الوحيدة التي ينكرها من السخرية والتهكم باستمرار، وقد اتخذ من السخرية هوية جوهرية بعد أن رفض “زيف” الهويات الجوهرية الأخرى.

السياسة لا تُختَزل إلى تهكُّم.

شعبيًا تُختَزَل السياسة بطريقة أخرى. في أغلب الأحيان تُختَزل إلى أيديولوجيا، وفي أحيان أخرى تُختَزل إلى كلام شعبوي وخطابات عشواء. الأيديولوجيا طبعًا ليست واحدة، هناك أيديولوجيات رفيعة ومعقدة، وأخرى بسيطة وساذجة. لكن بين هذا الاختزال وذاك، هناك اختزال آخر لا يُنتَبَه إليه بصورة عامة وهو حين تُختَزَل السياسة إلى أسطورة. وفي الحقيقة كثيرًا ما تُختَزَل السياسة إلى أسطورة. والمشكلة تبرز حين تُعامَل الأسطورة معامَلة الأيديولوجيا أو معامَلة التفكير اللاعقلاني أو الديني من جانب حرفيي السياسة. المعرفة الأسطورية ليست دائمًا غير عقلانية، وإن كانت مواجهتها ضرورية فيجب أولًا أن تُسمى باسمها، وأن تُفهَم فلسفيًا. إن الاعتقاد بأيديولوجيا ما هو الاعتقاد بهوية ما، بانتصار ما، بحلّ خيالي ما، هو الاعتقاد بأن العالم مُعَدُّ لنا، متوافق مع رغباتنا. ليست الأسطورة أيديولوجيا. لا تعدنا الأسطورة بهوية ولا بحلّ ولا بانتصار، فبماذا تعدنا؟

السياسة لا تُختَزَل إلى أيديولوجيا.

الفلسفة والعقل

حَلُمَ كثيرٌ من الفلاسفة بحلّ لإنقاذ الحقيقي من براثن الأسطوري والزائف، لإنقاذ الواقعي من براثن الأيديولوجي والحالِم، لإنقاذ الحرية من براثن القمع والاستبداد، فراحت طائفة منهم في اتجاه العقل وأخرى في اتجاه العاطفة. حروب كثيرة خيضت بين العقلانيين والعاطفيين، اتُّهم فيها العاطفيون بالشطح والشطط والحسّية المفرطة واتُّهم فيها العقلانيون بالجمود والقسوة والمصلحة الذاتية، واتُّهما معًا بارتكاب المجازر وتوريط الشعوب في حروب عبثية. تبدأ التناقضات والمفاجآت في الظهور حين نقرأ كتابات هؤلاء العقلانيين، المتَّهمين بالبرود والجمود والقسوة، فنجدها مفعمة بالنفحات الشعرية والعاطفية، نجدها متمرّدة على القوانين والمعايير والأنظمة. ونقرأ كتابات هؤلاء العاطفيين الجماليين، فنجدها متشدّدة أخلاقيًا واجتماعيًا، تقونِن الحياة عقليًا وتضع المعايير والقيم. هل كان ماركس الذي خرج من رحم الأدب عاطفيًا أم عقلانيًا؟ هل كان نيتشه يكتب شذرات حول النفس أم يضع نظرية في علم النفس؟ هل كان دريدا مدافعًا عن الحقيقة أم رافضًا الحقيقة؟ هل كان فاغنر عنصريًا شريرًا أم ثوريًا خيّرًا غيّر مستقبل ألمانيا؟ تستسهل كتب الفلسفة التصنيف، غير أننا كلّما نقّبنا في هذين المصطلحين (عقل/عاطفة، خير/شر)، أصبحت الحدود بينهما غائمة، وهذا ما تثبته وتناقشه اليوم علوم الإدراك والفيزياء الكمومية للوعي البشري. تحدّث فلاسفة كثر عن عقل يشبه العاطفة، وتحدث كانط وباسكال عن شرّ مشابه للخير.

هناك لحظة ينقلب فيها الفكر، حين يصل إلى حدوده القصوى، إلى نقيضه. عرف ذلك فلاسفة العقل والعاطفة معًا، أولئك الذين لم تُحرِّك عقولهم وعواطفهم سوى رغبات لم يتمكنوا من إشباعها، فأمسكوا بالرغبة في العالَم (من خلال المعرفة الفلسفية والعمل السياسي) حين أخفقوا في الإمساك بالمرغوب. فماذا تكون العاطفة هنا وماذا يكون العقل؟ ماذا يكون الشر هنا وماذا يكون الخير؟ هناك جنون أسطوري يبطّن كل عقلانية، غير أننا نتمسّك بالعقلانية لأسباب كثيرة يصعب ذكرها وحصرها هنا. يُخطئ مَن يعتقد أن العقلانيين بلا عاطفة، أو أن الخيّرين بلا شر، أو أن الأخلاقيين لا يعرفون الإبداع أو الحرية. يقدم فتغنشتاين ملاحظة بديعة حين يقول: “إن اتّباع القواعد ليس هو نفسه الالتزام بالقانون؛ إن تطبيق القواعد في حدّ ذاته هو ممارسة إبداعية، بل لن تكون هناك حرية من دونه”. ويشير تيري إيغلتون أيضًا في إشارة فطِنة إلى أن: “القرارات ليست ضربًا من الجنون، كما اعتقد دريدا، بل هو ضرب من الجنون أن يُعتَقَد ذلك”.

لم يكن السؤال يومًا (عقلانية أم عاطفية؟) بل كان ولايزال (لماذا العقلانية على الرغم من العاطفية؟ لماذا العقلانية على الرغم من الأسطورية؟)

أيكون الشر فعلًا هو تلك السقطة من الفردوس؟ تلك السقطة في الخطيئة الواضحة؟ أم يكون الشرّ ذلك التناقض في دواخلنا، ذلك الانقسام الدائم، الذي يجعل كل محاولة لاختيار الخير الواضح هو اختيار لأهون الشرّين؟ أو ربما لأشدّهما؟

السياسة لا تُختَزَل إلى عقل.

جيجيك وبَتلر واختزالات أخرى

جيجيك وبَتلر خصمان فلسفيان قديمان. قد يشاء بعض الأشخاص تحديد الخصومة الفلسفية بينهما فيما يتعلق بكذا وكذا، ما سأشرحه بإيجاز تاليًا. لكن إن كانت ممكنة تسمية المشكلة بينهما باسمها الحقيقي، فما كنت لأسميها إلا بمشكلة “اختيار أهون الشرين أو أشدهما”، إذ تختار بَتلر عادةً أهون الشرين كحلّ لبعض المعضلات السياسية، ويختار جيجيك أشدّهما. جيجك يختار الأسوأ دائمًا، الأشدّ، الأشنع، الأوضح، ولا يلتزم الصوابية السياسية، ما يتيح وقوع الكارثة من أجل تجاوزها. بوصفه منتميًا للتحليل النفسي اللاكاني، يعتمد جيجيك على النظام الواقعي و”المعرفة الأسطورية”، تلك المعرفة التي تُظهر الحقيقة في علاقات الأشياء بعضها ببعض ولا تَعِدنا بهويات ثابتة، ولا يعتمد جيجيك على “المعرفة الجامعية أو العقلانية أو العلمية”، أي تلك الخطابات التي تتعامل مع الحقائق على أنها ثابتة وجوهرية، إذ يرى لاكان أن هذه المعرفة الأسطورية هي التي تنتج ثورة حقيقية في العلاقة مع خطاب السيد السلطوية. إذًا، بالنسبة لجيجيك، باختصار، الكارثة هي الحلّ، الإرهاب المقدّس الذي يتّسم به النظام الواقعي هو الحلّ، فالنظام الواقعي هو المكان الذي نسقط فيه ضحايا للانتقام وهو المكان الذي يُحرِّرنا. أما بَتلر، فترى عكس ذلك. بَتلر تعتمد على التحليل النفسي اللاكاني في جزء منه، وترى أن الثورة يجب أن تبدأ من النظام الخيالي (النظام الخيالي هو حين نرتبط بصور وخيالات، حالة التماثل، الذات=الصورة، وتكون الأيديولوجيا من النوع البسيط)، أي من مقاومة السلطة بالسلطة نفسها، فهي تنظر إلى النظام الواقعي اللاكاني بوصفه هاربًا من التاريخ وأعباء التاريخ، ولا يمكن ولوج هذا النظام الواقعي ولا يمكن تسييسه باستخدام اللغة، إضافة إلى أن أخلاق النظام الواقعي ومعرفته الأسطورية صعبة جدًا، فهي متناقضة ونخبوية جدًا، وغير واضحة، في حين تكون أخلاق النظام الخيالي بسيطة وغير معقدة.

لم يكشف جيجيك وبَتلر عن وجهيهما الحقيقيين كما تقول الصحف ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي، هذه دراماتيكية وشعبوية في الطرح. على الرغم من اختلاف موقفيهما وقوليهما في الشكل والمضمون. جيجيك وبَتلر كانا، ولا يزالان، خصمَين فلسفيين. أفكارهما ومواقفهما لا هي مفاجئة ولا هي جديدة.

جيجيك فيلسوف يصف نفسه بأنه يساري محافظ، وهو مكروه ومهاجَم بصورة عامة في الدوائر اليسارية واليمينية ومُتَّهم منذ سنوات بالفاشية ورهاب الإسلام ومعاداة السامية ومعاداة النسوية والمثلية. بوصفه الممثل الأهم والتلميذ المخلص للتحليل النفسي اللاكاني، يُموضِع جيجك نفسه في النظام الواقعي على الضد من النظامين الخيالي والرمزي، ويتحدث بلغة غير أيديولوجية (كما يزعم)، غير صائبة سياسيًا، انطلاقًا من النظام الواقعي الذي يسخر من الآخر ومن ذاته باستمرار، يسخر من زيف الهويات من دون توقف، يهاجم الأخلاق التقليدية والفضيلة الرمزية، إذ يرى أن الأخلاق تمثل الارستقراطية والفضيلة تمثل البرجوازية الصغيرة، يقاوم الترميز في الخطابات، يراوغ باستمرار كأزعر أصيل، حيث يمثل النظام الواقعي بالنسبة لجيجيك إمكان انهيار السلطة المستبدة والنظام الرأسمالي. ولهذا السبب ولأسباب أخرى كثيرة، ما قاله جيجك لا يُفهَم إلا في سياقه. لكن هل كان كلام جيجيك فعلًا في سياقه؟ هل كان جيجيك متسقًا مع فلسفته؟ هل يختار جيجيك هنا فعلًا الأسوأ؟ هل يختار أشدّ الشرين أم أهونهما؟ هل يختار جيجيك هنا الأسطوري؟ يبدو أن الأسطوري قد اختفى تمامًا من كلامه، فلماذا اختفى الأسطوري؟ هل فشل الأسطوري في رأيه؟ أم أنه جاء معاكسًا لما يريده في السياسة؟

بناءً على التحليل النفسي اللاكاني نفسه الذي يعتمده جيجك، يُخطئ جيجيك في موقفه حين يطابق بين الواقع المادي الذي نعيشه والنظام الواقعي اللاكاني. هذه المطابقة تجرِّد النظام الواقعي من أسطوريته. وبدلًا من أن يؤيد جيجيك هنا ما يحب أن يسميه بالإرهاب المقدّس، يصبح مؤيدًا ببساطة للإرهاب الراهن (ستاتيوس كوو). الواقع والنظام الواقعي مختلفان جذريًا. ويصعب أساسًا أن يموضع الشخص نفسه في هذا النظام، فالنظام الواقعي يمثل الغموض، نقطة إخفاق الذات، يمثل الـ فيذاته الذي لا يمكن بلوغه. ينتقد تيري إيغلتون موقف جيجيك الفلسفي نقدًا محقًا، إذ يرى إيغلتون أن النظر إلى الحياة اليومية من البرج العاجي للنظام الواقعي ووصفها بأنها ساحة للصراع الأخلاقي والسياسي هو أمر خاطئ.

جوديث بَتلر من جهة أخرى هي فيلسوفة تُعرَف بصورة أساسية من خلال مشاركتها الجوهرية في تشكيل مجال نظرية الجندر والنظرية الكويرية. في حين تعتمد بتلر، شأنها شأن جيجيك، على التحليل النفسي اللاكاني من أجل تحديد الفجوة داخل الهوية الذاتية، وعلاقة هذه الفجوة بالمشكلات السياسية، فإن الخصومة بينهما تكمن في هذه الفجوة نفسها. جيجيك وبَتلر يرفضان معًا النظام الرمزي، لكن جيجيك يُحدِّد الفجوة في النظام الواقعي وبتلر تُحدِّدها في النظام الخيالي، وينسحب هذا الاختلاف بينهما على باقي قضايا الجنس والسياسة. بالاعتماد على أفكار ميشيل فوكو حول السلطة والمقاومة، ترى بَتلر أن السلطة تنتج مقاومتها الخاصة المشابهة لها، ومن هنا هي تؤيد حماس كمقاومة مسلحة، وترى أن هذه المقاومة من خلال أدائيتها المتكرّرة لها آثار “تخريبية” للسلطة. تبدو بَتلر في هذا الموقف الفلسفي أكثر أسطورية من جيجيك نفسه المدافع عن أسطورية النظام الواقعي. والسؤال نفسه يُطرح على بَتلر: هل تختار بَتلر أهون الشرّين هنا أم أشدّهما؟ وانطلاقًا من الرؤية البَتلرية الفوكوية لعلاقة السلطة بالمقاومة، هل فعلًا هذه المقاومة تشبه السلطة؟ هل أدائيتها مشابهة لأدائية السلطة؟

السياسة لا تُختَزَل إلى أسطورة.

اختزالات متعنّتة

كل كلام اختزال. كل سياسة اختزال. والسياسة لا تُختَزَل. فهمنا!

أسئلة كثيرة يحق طرحها ويمكن طرحها حول موقف هذا الفيلسوف أو ذاك من القضايا السياسية الكبرى. لكن ربما قبل طرح سؤال، لماذا قالت بَتلر ما قالته؟ أو كيف يمكن لجيجيك أن يقول ما قاله؟ يحقّ لنا أن نسأل أنفسنا أولًا، ما الذي يجعل شخصًا عاديًا منّا يجد متعة ولذة في ما قاله جيجيك؟ ما الذي يجعل شخصًا يهنأ في نومه بعد أن سمع ما قالته بَتلر؟ كيف يرتاح بعضنا ويغتاظ بعضنا الآخر من موقف فيلسوف غربي لم يقرأ له سابقًا كلمة واحدة أو لم يسمع به حتى لحظة أن قال ما قاله، لا بل كان يشتمه قبل أن يتطابق بالمصادفة موقفه مع موقف هذا الفيلسوف؟ كيف يغيّر هذا الأمر من الواقع؟ وإنْ تطابق قولنا السياسي مع قول فيلسوف معين، هل تتطابق مواقفنا؟ هل تتطابق مصالحنا؟

ربما تكون مجدية العودة إلى إحدى عبارات المحلل النفسي جاك لاكان الشهيرة: ” إن الأنا لا يتكلم وحسب، إنه مُتَكَلَم”، وهذا ما يظهر بصورة واضحة في أسلوب الكلام وهفواته وزلات اللسان التي تكشف كثيرًا من الحقائق المخفية التي يحاول أن يحجبها المتكلِّم. يشدِّد جاك لاكان على أن كلامنا يكون مدفوعًا برغبة ما، وأن هناك حقيقة ما توجَد وراء كل خطاب.

وعليه، بين خطابات التشفّي من إخفاقاتنا الذاتية، وخطابات التشفّي من إخفاقات “العدو”، ماذا تقول هذه الخطابات؟ بماذا تبوح هذه الخطابات من دون أن تبوح؟

أضعف حجة يمكن استخدامها لتبرير خطابات التشفي هي “النقد” أو “التغيير”، وليس غريبًا أنها لا تأتي إلا على لسان المثقف الأزعر الساخر.

تُعَدُّ السخرية أداة مقاومة ونقد وتغيير حين تحافظ على المسافة، على الشك العلمي في الذات والآخر معًا، على اللاتماهي مع هوية السخرية، على البُعد الخيالي في الخطاب، أما حين تفقد السخرية قدرتها على الشك والتخييل وتنزل إلى الواقع المادي الفجّ والفظّ، وتمارس الزعرنة من “تحت” كما يمارسها السيد من “فوق”، فمصيرها مصير خطاب السيد نفسه، الفشل ليس إلا.

السياسة لا تُختَزل إلى تشفٍّ.

 

مهندسة وكاتبة ومترجمة. ماجستير في الفلسفة. حائزة على المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة لعام 2016 التي ينظمها المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط في برشلونة، إسبانيا. لها عدة ترجمات منشورة منها: مفترق الطرق: اليهودية ونقد الصهيونية لجوديث بتلر، سُبُل النّعيم: الميثولوجيا والتحوّل الشخصي لجوزيف كامبل، الحياة النفسية للسلطة: نظريات في الإخضاع لجوديث بتلر؛ وعدة أبحاث منشورة منها: الترجمة تفكيكيًا: الخطاب النسوي نموذجًا، جوديث بتلر: أدائيات الذات.

مشاركة: