يتناول العدد الثاني عشر من مجلة (رواق ميسلون) عنوانًا حيويًا لا يزال على مائدة نقاش المثقفين والسياسيين والناشطين هو “تحديات بناء الدولة الوطنية الديمقراطية”، فهو موضوع رئيس ومهم بالنسبة إلى عدد من بلدان المنطقة العربية، بعد الربيع العربي وما انتهى إليه، ولا سيَّما في سورية ومصر وتونس واليمن وليبيا والسودان، ولذلك فإنَّه ما زال في حاجة إلى دراسات وبحوث عديدة، إلى جانب الندوات الحوارية، فضلًا عن التأسيس الفكري والمبادرات السياسية الفاعلة.
كتبت خلود الزغير، عضو هيئة التحرير، افتتاحية العدد، وهي بعنوان “الدولة الوطنية السورية: إشكاليات التأسيس والقبول”، طرحت فيها مجموعة من الأسئلة المهمة في سياق مقاربتها للتحديات التي تقف في وجه الانتقال إلى دولة وطنية ديمقراطية في سورية، ومنها: هل سورية المعاصرة دولة وطنية ناجزة أم جزء من كُلٍّ أكبر، أم تجميع لهويات وجماعات مختلفة؟ لماذا بقيت مسألة الانتماء الوطني موضوعًا للانقسام والتناحر منذ الاستقلال وحتى اليوم؟ هل يتوافق السوريون اليوم على شعار جامع لتأسيس دولتهم الوطنية الديمقراطية؟ ولماذا يحملون إجابات مختلفة لهذه الأسئلة؟ وأكدت أن “الدولة الوطنية السورية المستقبلية لن تتبلور ملامحها قبل أن تُجمع النخب السياسية والثقافية السوري على مشروع وطني ديمقراطي سوري تلتف حوله كتلة واسعة من السوريين، مشروع يرتكز على العدالة والقانون والمساواة بين السوريين على أساس المواطنة، بغض النظر عن هوياتهم الجنسية والإثنية والدينية والعرقية، ورفض المشاريع التي تذهب في اتجاه إعادة إنتاج الدولة التسلطية أو التمييزية”.
وتضمّن ملف العدد ستّ دراسات محكّمة. كتب الأولى الباحث التونسي سمير ساسي، وهي بعنوان “الافتقار إلى الحياة السياسية والتنظيمات السياسية والمنظمات المجتمعية كتحٍّد لقيام الدولة المنشودة”، أشار في خاتمتها إلى أنَّ “الدولة نفسها كانت سبب أزمة الفكر العربي وأزمة الاجتماع السياسي العربي، بما أن المدخل إليها كان مدخلًا خاطئًا، ثم كانت ممارسة الدولة للسياسة أيضًا خاطئة، وكان الموقف إزاء هذه الممارسة من بقية الفاعلين السياسيين أعرجًا، لم ينجح إلا قليلًا في تعديل نسبي للكفة مع سلطة الدولة التي تغولت، وصارت حالة استبداد قتلت الحياة السياسية، وغيبت مظاهر الانتظام السياسي والمدني السليم ومؤسساته”.
وكتب الدكتور جمال نصّار، من مصر، دراسة بعنوان “الدولة في المفهوم الديمقراطي؛ نحو مقاربة لحقوق الإنسان في مصر (2013-2023)”، حاول فيها “سبر أغوار الدولة الوطنية الديمقراطية النموذج، ومناقشة الأسس التي تقوم عليها، وعقد مقاربة بينها وبين النموذج المصري في الفترة من (2013-2023)، والمسار الذي سار عليه السيسي، من انتهاكات صارخة للحريات العامة بكل أشكالها السياسية، وحرية الرأي والتعبير، والاعتقالات دون سند قانوني، والتضييق على مؤسسات المجتمع المدني، ومحو فكرة العيش الكريم التي كانت من أهداف ثورة 25 يناير 2013، ومدى بُعد هذه الممارسات عن الدستور الذي وُضع في عهد السيسي”، وكان تناوله للموضوع من خلال الحديث عن عدة مسارات: الحرية السياسية، حرية المجتمع المدني، العيش الكريم.
وكتب سعيد بوعيطة، من المغرب، دراسة بعنوان “الدولة الوطنية العربية: مظاهر التصدع ورهانات إعادة البناء (سوريا نموذجًا)”، رأى فيها أن “مستقبل الدولة السورية تحكمه عدة عوامل، في مقدَّمها مستقبل الصراعات الداخلية، والحروب الأهلية. وهنا يبرز دور عاملين مهمين: مدى قدرة الأطراف المحلية المنخرطة في هذه الصراعات والحروب على بناء توافقات وطنية، ومدى التوافق بين الأطراف الخارجية (الإقليمية والدولية) المنخرطة في هذه الصراعات بشكل مباشر أو غير مباشر بشأن تسويتها سياسيًا”.
وكتبت الدراسة الرابعة الباحثة فاطمة علي عبُّود، وهي بعنوان “إشكالية الوعي الهوياتيِّ-السيكولوجيِّ في بناء الدَّولة الوطنيَّة في سورية”، وحاولت من خلال هذه الورقة البحثية الإجابة عن تساؤل إشكالي فحواه: “كيف يمكن تحليل إشكالية الوعي الهوياتي في سورية بوصفها عاملًا مؤثرًا في عملية بناء الدولة الوطنية، وما هي التحديات التي تواجه تشكيل هوية وطنية موحَّدة في سياق الأوضاع الراهنة؟”، واعتمدت في مقاربتها على المنهج التحليلي التاريخي، فقامت بتحليل الأحداث التاريخية التي أثَّرت في نشوء الوعي الهوياتي وتطوره.
أما الدراسة الخامسة، فكانت بعنوان “الأيديولوجيتان القومية العربية والإسلامية ومشروع الدولة الديمقراطية في سورية؛ قراءة نقدية”، كتبها الباحث طارق عزيزة. انطلقت الدراسة من افتراض رئيس هو أنَّ الأيديولوجيتين، القومية العربية والإسلامية قد “أعاقتا نشوء دولة وطنية ديمقراطية، وكان لهما دور في تكريس الاستبداد في سورية، حيث إنّ تبنّي جماعات سياسية مختلفة لإحداهما أو لكليهما معًا، بغية شرعنة موقعها في السلطة، أو تأكيد أحقيتها بها إن كانت معارضة، أضعَفَ إمكانية تأسيس نظام ديمقراطي، وأعاق تشكّل هويّة وطنية سورية مشتركة”. وناقش الباحث فرضيته معتمدًا المنهجين التاريخي والوصفي التحليلي، فشرح مصطلحاته، ثم عاين تأثير الأيديولوجيتين العروبية والإسلامية في الواقع السياسي والحقوقي السوري، مستندًا إلى أدبيات وأحداث ذات صلة، موثقة من مصادر نظرية وتاريخية.
وكانت الدراسة السادسة بعنوان “علاقة الدروز بالآخر: بين الانغلاق والتعايش والانفتاح والثورة”، كتبها الباحث خلدون النبواني، تناول فيها تأثير الجغرافيا والتاريخ في وعي دروز حوران في سورية، وفي أدائهم وعلاقتهم بمحيطهم وبالسلطات المتتابعة، فاستعرض أوضاعهم في ظل الاحتلال العثماني وأشكال مقاومتهم ومعارضتهم، ثم تحت الانتداب الفرنسي، والدور المهم لثورة الجبل في الثورة السورية الكبرى في عام 1925، ومن ثم أحوالهم وأدوارهم بعد الاستقلال، وفي ظل نظام البعث، وصولًا إلى مواقفهم خلال الثورة السورية بعد آذار/ مارس 2011 التي تنوعت بين الانخراط فيها والانعزال السلبيّ، وأخيرًا يشير إلى انتفاضة السويداء التي انطلقت منذ ثلاثة أشهر، وغيرت موازين القوى والمواقف على مستوى المحافظة.
وفي باب الحوارات، أجرت مجلة (رواق ميسلون) حوارًا مهمًّا وغنيًا مع الدكتور منير الكْشو، حول موضوعي الدولة الوطنية والمجتمع المدني. والدكتور منير هو أستاذ الفلسفة الأخلاقية والسياسية بجامعة تونس من 2000 إلى 2020، وأستاذ في برنامج ماجستير الفلسفة، بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا منذ أيلول/ سبتمبر 2020. قبلها كان أستاذًا في قسم الفلسفة بجامعة تونس، من 2000 إلى 2020. تقع اهتماماته البحثية في نطاق فلسفة الأخلاق، نظريات العدالة المعاصرة، فلسفة العلاقات الدولية، نظريات الديمقراطية، نظريات التحول الديمقراطي، قضايا التنمية، وحقوق الانسان.
وفي باب مقاربات ثقافية، كتب حمدان العكله مقالة بعنوان “الثقافة السياسية في سورية بوصفها إشكالية وعي تعوِّق بناء الدولة الديمقراطية”، رأى فيها أنَّ هناك عدة عوامل اجتمعت للحيلولة دون حضور دولة وطنية في سورية تقوم على أساس الديمقراطية والحرية، ولعل أبرزها إشكالية الثقافة السياسية في سورية، ومحاولات السلطة المستمرة تعميم وعيٍ يخدم وجودها ويعززه. وكتب الباحث حمزة رستناوي دراسة بعنوان “في توصيف ثقافة السوريين ودورها في السياسة”، طرح فيها عددًا من الأسئلة: ما الذي يميز الهوية الثقافية السورية عن غيرها؟ هل يوجد شعب أم شعوب سورية؟ لماذا أخفق السوريون في بناء دولة حديثة على أساس المواطنة المتساوية؟ ما مسؤولية العوامل الثقافية والاجتماعية في ذلك؟ وحاول الإجابة عن هذه التساؤلات باستخدام منهج توصيفي تحليلي، مؤكدًا وجود معالم مشتركة في ثقافة السوريين منها: ثقافة مدينية متعددة البؤر مع حضور ضعيف لتقاليد الدولة المركزية، ثقافة أبوية ذكورية، ثقافة ملل وطوائف مُغلقة على نفسها إلى حدّ كبير.
واختارت هيئة التحرير المفكر السوري جودت سعيد ليكون شخصية هذا العدد، وهو مفكر إسلامي معاصر، ينتمي إلى مدرسة المفكرين الإسلاميين التنويريين، مالك بن نبي ومحمد إقبال، ويُعرف جودت سعيد بأنه داعية اللاعنف في العالم الإسلامي أو غاندي العالم العربي. كتب في هذا الباب محمد أمير ناشر النعم مقالة بعنوان “جودت سعيد: صورة الشيخ في شبابه“، وكتب محمد نفيسة مقالة بعنوان “البعد الآخر في فكر داعية اللاعنف جودت سعيد“، وكتب أحمد الرمح مقالة بعنوان “جودت سعيد؛ مُجَدِدًا“، وكتب محمد العمَّار مقالة بعنوان “الآباء أو سؤال مرجعية الآباء عند جودت سعيد“، بينما كتب أحمد طعمة مقالة بعنوان “التغيير عند جودت سعيد“.
وفي باب الدراسات، نُشرت في هذا العدد دراستان. كتب الأولى محمود أحمد عبدالله، من مصر، بعنوان “الحرب وبناء الذاكرة الوطنية”، رأى فيها أنَّ دراسة الذاكرة وبناءها وتكوينها موضوع اهتمام واسع بين عديد من التخصصات؛ علوم النفس المعنية بالذاكرة كمكون بيولوجي حيوي، علم التاريخ الذي يرصد الذاكرة كجملة من الأحداث المتراكمة عبر الزمن، وعلوم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلوم اللسان التي تتجلى فيها الذاكرة كتجلٍّ لمعاني الهوية وعلاقتها بالمكان والزمان. وكتب الباحث صفوان قسَّام الدراسة الثانية بعنوان “نموذج مقترح حول دور الاختصاصي الاجتماعي في علاج اضطرابات الشخصية”، حاول فيها تقديم نموذج نظري للمداخلات الاجتماعية التي يمكن أن يقوم بها الاختصاصي الاجتماعي في العيادات النفسية، للتعامل مع “اضطرابات الشخصية العشرة” وفق ما ورد في المراجع النفسية أعلاه، وتبيان دور العلاقات، والعوامل، والظروف، والمداخلات الاجتماعية في تعافي هذه الاضطرابات وتقويمها.
وفي باب إبداعات ونقد أدبي اخترنا نشر مجموعة من القصص القصيرة، كتب الأولى باسم سليمان، وهي بعنوان (البيضة والحجر)، وكتب الثانية طالب إبراهيم بعنوان (خاصة في صيدنايا)، وكتب الثالثة صادق يالسيز أوتشانلار، وهي من ترجمة هَلا علّوش، بعنوان (وجه السمكة)، وكتب الرابعة بدر زكريا بعنوان (البوال)، وكتب الأخيرة عمار الأمير، وكانت بعنوان (دَعامِيصُ الجَنَّةِ).
وفي باب ترجمات، نشرنا فصلًا من كتاب “الصداقة في الأخلاق الإسلامية والسياسة العالمية” الذي صدر مؤخرًا عن ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، وهو من تحرير محمد جعفر أمير محلاتي، وترجمة ربى خدام الجامع، أما الفصل المنشور فهو بعنوان “الصداقة والحب في الروحانيات الإسلامية“، ومن تأليف ويليام سي. تشيتيك.
وفي باب مراجعات وعروض كتب، قدّم المهدي مستقيم، من المغرب، قراءة في كتاب (العقلانية الجديدة) الصادر عن المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، كانون الثاني/ يناير 2023، وهو من تأليف برتراند-سان سورنين، وترجمة الزواوي بغورة. ونقلًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشرنا عرضًا لكتاب (مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات) من تأليف عزمي بشارة. ونشرنا نقلًا عن ميسلون للثقافة والترجمة والنشر عرضًا لكتاب (الدين والدولة في سورية؛ علماء السُنَّة من الانقلاب إلى الثورة) من تأليف توماس بيريه، وترجمة حازم نهار.
وأخيرًا في باب وثائق وتقارير، نشرنا بيانين صدرا عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الأول بشأن “عملية طوفان الأقصى والعدوان على غزة”، الذي صدر في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. أما البيان الثاني فهو رسالة مركز القاهرة بمناسبة مرور 75 عامًا على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو بعنوان “أبعاد نكسة حقوق الإنسان في عيدها الماسي” الذي صدر في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2023.
يمكنكم تحميل كل مادة من مواد العدد لوحدها من خلال موقع (رواق ميسلون)
هيئة التحرير