حوار مع الكاتب والشاعر السوري مازن أكثم سليمان
عن تلفزيون سوريا- 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
استضافت فعالية “الملتقى الثقافي العربي” في تونس، بتاريخ الـ23 من تشرين الأوَّل 2023، تظاهرة ثقافيةً احتفالية أُعلن من خلالها إطلاق “الحركة الشعرية العربية الثالثة”، وقُدِّمَ فيها بيان الحركة الأول تحت عنوان “بيان الغضب الشعري (لا)” الذي نُشِرَ نصّه لاحقًا عبر معرّفات الحركة على منصات التواصل الاجتماعي.
أثار إعلان انطلاق الحركة وإذاعة بيانها الأول، العديد من التساؤلات والاستفسارات داخل الأوساط الأدبية والفكرية والفنية، والثقافية عمومًا، بشأن ماهية الحركة الشعرية الجديدة ومضمونها ومآلاتها؛ وممثليها أيضًا، باعتبارها الأولى من نوعها التي تشهدها الساحة العربية منذ ما يزيد على 7 عقود.
وفي هذا المضمار، قدّم الكاتب والشاعر السوري مازن أكثم سليمان (نائب مستشار عام الحركة) لـ موقع تلفزيون سوريا، مجموعةً من الرؤى التعريفية والاقتراحات التنظيرية للبيان والحركة، وعرض بعض الأبعاد النظرية والزمانية والعملية لهما، كإجابة عن التساؤلات والاستفسارات المحيطة بهما.
- عن توقيت إطلاق الحركة
تمَّ اعتمادُ توقيت الإطلاق، بحسب سليمان، بعدَ نقاشاتٍ جادَّةٍ ومُعمَّقة تتعلَّقُ بأحداثِ الحرب الهمجيَّة ضدَّ شعبنا الفلسطينيّ المَكلومِ في غزَّة الحبيبة، حيثُ تمَّ الاتِّفاقُ على فكرةِ أنَّ المُقاوَمة الثَّقافيَّة والفكريَّة ينبغي أنْ تستمرَّ بأشكالِها كافَّةً، وأنْ ترفدَ (ولَو مَعنويًّا) المُقاوَمات المُختلِفة، وهوَ أجدَى من التَّوقُّف والانسحاب تحتَ تأثيرِ أيِّ ظرفٍ قائِمٍ.
لكنَّ هذا الاعتقاد، وهذهِ القناعة، وإنْ بدا على السَّطحِ أنَّهُما يتطابَقانِ لفظيًّا مع (كليشة) التَّسويغِ المُعتادَة بوصفِها (قِناعًا) للاستمرارِ في مُمارَسَةِ كثيرٍ من الفعاليَّاتِ الثَّقافيَّة على نحْوٍ طبيعيٍّ ضمنَ الأحداث الكُبرى، (كأنَّ شيئًا لا يحدثُ أو كأنَّ شيئًا لا يهُمُّ)، غيرَ أنَّهُما لا يتطابَقانِ مَعنىً ودلالةً وفعلًا معَ تلكَ (الكليشة المُلتبِسة) بالمُطلَقِ، ذلكَ أنَّ الفرقَ الحاسِمَ، يكمنُ هُنا، في اعتقادي، في طبيعَةِ (موقفِ) الفعلِ الثَّقافيّ المُمارَسِ خلالَ الحدَثِ المَصيريِّ؛ أي إنَّ الحُكْمَ ينبعُ من (ماهيَّةِ الخلفيَّةِ الفكريَّةِ والإنسانيَّةِ) لذلكَ النَّشاطِ أو لذلكَ الفعلِ الثَّقافيِّ المُمارَسِ، لا من الفعلِ نفسِهِ، وهوَ ما يُقاسُ بمَدى التَّأصيلِ أو التَّزييفِ، أو بمَدى التَّماسُكِ أو التَّمييعِ، أو بمَدى المُواجَهةِ أو الهُروبِ.
فإذا كانتِ الحركةُ وبَيانُها الأوَّل قد اشتُغِلَ عليهما طوالَ أشهرٍ طويلَةٍ، وإذا كانَ مَشروعُهُما يتجاوَزُ في مَضامينِهِ الحدَثَ الرَّاهنَ بالمَعنى الحرْفيّ المُباشَر، غيرَ أنَّهُ، وفي الوقتِ نفسِهِ، ينهَضُ (هذا المَشروعُ) على جميعِ مَعاني رفضِ العنصريَّةِ والوحشيَّةِ والإبادةِ، ويتبادَلُ مع هذا الرَّاهِنِ (ومعَ أيِّ راهِنٍ ينطوي على استعبادِ البشر وظلمِهِم) دلالاتِ الصُّمودِ، واندفاعاتِ النُّزوعِ إلى العدالةِ والحُرِّيَّةِ وكينونتهِما الكُلِّيَّةِ الأصيلة، كما يُبيِّنُ نصُّ البَيان.
- عن احتفالية الإطلاق
ويلفتُ سليمان إلى أنّ احتفاليَّةِ الإطلاق شارك فيها عددٌ من الشُّعراء والكُتَّاب والنُّقَّاد والباحثين والفنَّانين من دولٍ عربيَّةٍ شتَّى، حيثُ تضمَّنتْ ما قدَّمَهُ مُؤسِّسا الحركة (الشَّاعران حسَّان عزَّت ومازن أكثم سليمان)، إلى جانبِ ما قدَّمَهُ أعضاءٌ من أُمناء الحركة (الدُّكتور شفيع بالزين/ رئيسُ المُلتقَى الثَّقافيّ العربيّ في تونس ومُحرِّرُ مُصغَّرِ البَيان، والدُّكتور بدر الدِّين عرودكي/ ناقد ومترجم والمدير العامّ المُساعِد لمعهد العالم العربيّ في باريس سابقًا، والمُوسيقار العالَميّ نصير شمَّة/ مُتخصِّص في علاقة التَّحاوُر بينَ الشِّعر والمُوسيقى، والشَّاعرة والخبيرة الإعلاميَّة الدُّكتورة بروين حبيب، والشَّاعرة والنَّاقدة فاتن حمُّودي، والشَّاعر والإعلاميّ الدُّكتور مردوك الشَّامي، والشَّاعرة والكاتبة ميسون شقير وآخرون…) من لمحةٍ عن البَيان والحركة وأهدافِها ورؤيتِها الشِّعريَّة والفكريَّة، وموقفِها من الحركاتِ الشِّعريَّةِ السَّابقة، ومن الرَّاهنِ الشِّعريِّ والثَّقافيِّ، وما تمَّ الكشفُ عنهُ بخُصوصِ هيكلِها التَّنظيميّ، وبعضِ برامجِها ومشاريعِها المُستقبَليَّة وطُموحاتِها، وتخلَّلَ الاحتفاليَّةَ عددٌ من القراءات الشِّعريَّة والإبداعيَّة، وعددٌ من المُداخلات والحوارات والاقتراحات القيِّمة.
- عن اقتراحٍ مختلف لدلالة مفردة (بيان) في هذه الحركة
يتابع سليمان: إذا أردتُ تأصيلَ دلالةِ مُفردةِ (البَيانِ) انطلاقًا من مَعناها المُعجميّ، أقولُ إنَّها تعني (البَلاغَ)، والبَلاغُ هوَ (بَيانُ حقيقةٍ ما مُفترَضةٍ) بتوضيحِها للكشفِ والإظهارِ؛ أي: للإبانةِ.
وانطلاقًا من هذهِ الدَّلالةِ يكونُ مَعنى (البَيان الشِّعريّ/ أو الأدبيّ/ أو الفنِّيّ) هو: فنُّ تفسيرِ الأعمالِ الأدبيَّةِ أو الفنِّيَّةِ بناءً على ذوقِ كاتبهِ وفكرهِ وتيَّارِهِ القديمِ أو الجديدِ، وبما يُمثِّلُ تأصيلًا (نظَريًّا وتنظيريًّا) لمَوقفهِ الجَماليّ والإبداعيّ والوُجوديّ في العمَلِ الفنِّيّ.
هل هذا فقط هوَ محورُ دلالةِ “بَيان الحركة الأوَّل: بَيان الغضَب الشِّعريّ (لا)” الذي نحنُ بصددِهِ الآن؟
أقولُ: نعم، ولا، في الوقتِ نفسهِ.
هو في جانبٍ رئيسٍ منهُ (بَيانٌ شِعريٌّ/ أدبيٌّ) ينتمي إلى التَّفكير في الشِّعر وبالشِّعر، وبالتَّنظير الفنِّيّ والنَّقديّ للشِّعر، ولهذا احتوى العنوانُ الفرعيُّ لهُ عبارةَ (طبقات نداء الشُّعراء).
لكنَّ لفظةَ (نداء) بمَحمولها الدَّلاليّ اللُّغويّ والفلسفيّ تتجاوزُ، في هذا البَيان، مَعنى شِعريَّةِ الشِّعر والشُّعراء فحسب، إلى تجذيرِ ذلكَ في قلبِ نسيجِ الحركةِ الكُلِّيَّةِ للحضارَةِ والعمرانِ البشريِّ؛ أي: إلى (مُناداةِ) الشَّاعرِ وشِعرِهِ إلى ما يُمكِّنُ البُعدَ الحضاريَّ ويُعمِّقُهُ، أو بصياغةٍ أُخرى: إلى ما يؤلِّفُ بينَ وُجودِ شِعريَّةِ الشِّعر إبداعيًّا وفنِّيًّا من جهةٍ أُولى، وشِعريَّةِ الوُجودِ الحُرّ والأصيلِ من جهةٍ ثانية.
ولعلَّ انفتاحَ بَيانِنا هذا على شِعريَّةِ الوُجود الحضاريِّ بمَعانيها الواسِعة، هو ما قادَ إلى وُضعِ حاشيةٍ حاسِمَةٍ في نصِّهِ، تُوضِحُ دلالاتِ مَفهومِ مُفردةِ (الأُمَّة) التي تردُ في سِياقِهِ، وجاءَ فيها:
“لا يُحيلُ استخدامُنا لمُصطلَحِ (الأُمَّةِ) هُنا إلى أيَّةٍ دلالةٍ أيديولوجيَّة تقليديَّة أو حزبيَّة ضيِّقة، فالأُمَّةُ، في وعيِنا الحالي هيَ الكينونة الحضاريَّة أو الثَّقافيَّة المُحتمَلة والمُمكِنة والمَأمولة، خارِجَ أيِّ تأطيرٍ سياسيّ (هُوِيَّاتيّ) مُسَبَّق وحاسِم؛ فلكُلٍّ حقُّهُ في أنْ يفهَمَ هذا المُصطلَح كما يُريد، أو في أنْ يستبدِلَ بهِ المُصطلَحَ الذي يُوافِقُ اعتقاداتِهِ، ابتداءً بالانتماء الوطنيّ المَفتوح (غير الانعزاليّ)، ومُرورًا بالانتماء القوميّ المَفتوح أيضًا (غير الشُّوفينيّ المُتعالي أو العِرقيّ المُغلَق والإقصائيّ)، وانتهاءً بالانتماء الكونيّ الإنسانيّ العريض الذي لا يتعارَضُ في زعمنا مع الهُوِيَّة الوطنيَّة أو الهُوِيَّة القوميَّة، ذلكَ أنَّ فكرة (الدَّولة/ الأُمَّة) العابِرة للأعراق والإثنيات والأديان والطَّوائف، والمُنتمِية إلى مَشروع العدالة والتَّعدُّديَّة والمُواطَنة، تلتقي، في عُمقِها، مع شاغِلاتِ خِطابِنا المُهيمِنة، والدّاعية إلى (الوُجود الحضاريّ -في- العالَم) و(الحُضور الفاعِل -في- التّاريخ) بعيدًا عن أيِّ توظيفٍ أو إسقاطٍ سياسيّ أيديولوجيّ قاصِر ومَحدود”.
- عن شكل بيان الغضب الشعري (لا)
ينطوي بيانُ الحركة الأوَّل على نحو (50) صفحة، وقد عملَ على صياغتِهِ (حسَّان عزَّت ومازن أكثم سليمان) على امتدادِ سنةٍ كاملة، وهوَ يُفتتَحُ بمَجموعةٍ من الدَّوَّالِّ الشِّعريَّةِ، ويُختتَمُ بمَجموعةٍ من المَلاحقِ، ويُقسَمُ فقراتٍ مُبوَّبَةٍ مَنهجيًّا، وكُلُّ واحدَةٍ منها مُعنوَنَةٌ بعُنوانٍ رئيسٍ وبعُنوانٍ فرعيٍّ في آنٍ معًا، فضْلًا عن وُجودِ عددٍ كبيرٍ من الحواشي المُحتويةِ إشاراتٍ توضيحيَّةٍ، وإحالاتٍ لا تخلو من الإضافاتِ التَّنظيريَّةِ والمَعرفيَّةِ الرَّافدَةِ للمَتنِ، والتي لا تقلُّ أهمِّيَّةً عن ذلكَ المتن.
وهذا فهرسُ مُحتوياتِ البَيانِ كمَا ورَدَ في مُقدِّمتِهِ:
تصديرٌ عامٌّ.
دوالٌ افتتاحيَّةٌ.
مدخلٌ أوَّليٌّ:
“مطلَقُ الشِّعرِ وزمنُهُ (لا) التَّحوُّلاتُ الشَّاغِلةُ والفاصِلةُ”
أوَّلًا: دفاعًا عن أصالةِ فنِّ الشِّعرِ العربيِّ:
(في فلسفةِ المُبادَرَةِ بوصفِها مَسؤوليَّةً).
ثانيًا: تعالوا نقتلُ الشُّعراءَ:
(في شَرعيَّةِ المُواجَهةِ الضّاريةِ معَ طُوفانِ التَّفاهةِ).
ثالثًا: البِناءُ منْ أجلِ الهَدمِ:
(جدَليَّاتُ الثَّورةِ والتَّثويرِ من “لنْ” حتَّى “لا”).
رابعًا: الهَدمُ منْ أجلِ البِناءِ:
(غربالُ الضَّميرِ الحضاريِّ: [اصفعهُم، وتوكَّل]).
خامسًا: استراتيجيَّاتُ التَّسميةِ الشِّعريَّةِ:
(منَ المُبدِعِ/ الفردِ العابِرِ إلى المُبدِعِ/ المَشروعِ الكُلِّيِّ).
سادسًا: طبَقاتُ نداءِ الشُّعراءِ:
(اقتراحٌ نسْبيٌّ مَفتوحٌ على حُرِّيَّةِ القَبولِ أو الرَّفضِ؛ أو بالأحرى: اقتراحٌ نسْبيٌّ مَفتوحٌ على حُرِّيَّةِ النَّقضِ بطَريقِ الاعترافِ بأنا/ أو بآخَرَ مُبدِعٍ يُنادِي ويُنادَى).
سابعًا: مَلاحِقُ:
(أو: مَرايا مَعطوفةٌ على لا وعي البَيان/ النِّداء):
المُلحَقُ الأوَّلُ: قولٌ مُختصَرٌ في شِعريَّةِ المُوسيقى والأُغنيةِ العربيَّةِ.
المُلحَقُ الثَّاني: إشارَةٌ مُوجَزةٌ في شِعريَّةِ النَّقدِ.
المُلحَقُ الثَّالثُ: تحوُّلاتُ الذّائِقَةِ الشِّعريَّةِ، وسُؤالُ الشِّعرِ بينَ الزَّمنيِّ والمُطلَقِ:
أ- نصُّ “صدِّقْ أو لا تصدِّق” لأُنسي الحاج.
ب- نصُّ “الشِّعر والزَّمن” لسيف الرَّحبي.
المُلحَقُ الرَّابعُ: رُؤى الانبعاثِ/ أو تبشيريَّةُ الغَيْمَةِ:
(قصيدةُ “عينا إسماعيل على الشَّمسِ” لعلي الجندي).
المُلحَق الخامس: نصٌ عنِ اللُّغة والعُروبة الثَّقافيَّة للمطران جورج خضر.
المُلحَقُ السّادس: نفحةٌ منْ جَماليَّاتِ العَهدِ/ الوَعدِ:
أ- أيقونةٌ كُلِّيَّةٌ؛ أو: قفلةُ/ افتتاحيَّة محمود درويش السِّحريَّة.
ب- في نشيدِ إنشادِ (العَهد/ الوَعد).
ج- المَوجةُ الشِّعريَّةُ الثَّالثة:
(من البَيانِ إلى المَوجةِ).
د- الأُمناء.
هـ- مُستشاريَّة الأمانة العامَّة.
و- صياغةُ البَيان، وتأسيسُ الحركة.
ي- صياغةُ مُصغَّر البَيان التَّعريفيّ.
حَواشي البَيان.
- عن مضمون بيان الغضب الشعري (لا)
يربطُ البَيانُ جذريًّا بينَ سُؤالِ المَصير الشعريّ وسُؤالِ المَصير الكيانيّ بالدَّلالةِ الواسعة إنسانيًّا وعمرانيًّا وحضاريًّا.
ولهذا تبدو مسألةُ الانشغالِ بالدِّفاع عن أصالةِ فنِّ الشِّعرِ غير منفصلةٍ فيهِ، أبدًا، عن مسألةِ الدِّفاعِ عن حُرِّيَّةِ الإنسانِ وكرامتِهِ في عصر العولمة الرَّقميَّة وثورة المَعلومات والسُّوشال ميديا والذَّكاء الاصطناعيّ، ولا سيما في ضوءِ ما يذخرُ بهِ هذا العصرُ (الذي يُصطلَحُ عليهِ حاليًّا بعصر “ما بعدَ الحقيقة”/ بغضّ النَّظَر عن رأينا النَّقديّ بهذا المُصطلَح ومَفهومِهِ الرَّاهن) من أزماتٍ حادَّةٍ ومُستجدَّاتٍ غير مَسبوقَةٍ تتَّصِلُ بطبيعةِ الحياةِ وكوارثِ الصِّحَّةِ والبيئةِ، وبتحوُّلاتِ المَنظومات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة، وزُمرِها الاجتماعيَّة الطَّارئةِ والجديدة.
يُؤكِّدُ بَيانُ الحركة على (فلسفةِ المُبادَرة) التي تُخوِّلُ أيَّ إنسانٍ، أو أيَّ شاعرٍ، أنْ يقولَ كلمتَهُ، وأنْ يعلنَ موقفَهُ في هذهِ الحقبة، وفي أيَّةِ حقبةٍ أصلًا؛ فالمُبادَرةُ هيَ مَسؤوليَّةٌ وجوديَّةٌ وحضاريَّةٌ، والدِّفاعُ عن أصالةِ فنِّ الشِّعر العربيّ هو دفاعٌ عن الأبعادِ الحضاريَّةِ والهُوِيَّاتيَّةِ بمَعناها الثَّقافيّ التَّعدُّديّ والاختلافيّ المَفتوح، لا بمَعناها الأيديولوجيّ الأحاديّ أو العنصريّ الشُّوفينيّ المُتعالي والنِّهائيّ والمُغلَق.
ولهذا قدَّمَ البَيانُ اقتراحًا جديدًا بالانتقال بدلالةِ (الالتزامِ) من مَفاهيمِها النَّظريَّةِ والنَّقديَّةِ التَّقليديَّةِ والأيديولوجيَّةِ البالية، إلى دلالةٍ نهضويَّةٍ ثقافيَّةٍ وحضاريَّةٍ عريضة، حيث ينزاحُ البَيانُ من مَغزى ألـ (لن) وحدهُ، إلى مَغزى ألـ (لا)؛ أي: من انبثاقِ الموقف الفنِّيّ الإبداعيّ المُغايِر إلى تعشيقِهِ بانبثاقِ موقفٍ وُجوديٍّ كيانيٍّ وكونيٍّ حضاريّ وعمرانيّ مُغايِرٍ.
لذلكَ، لا تُحيلُ دلالةُ مُفردةِ (الغضَبِ) الواردةِ في (عتبةِ عنوان البَيان)، إذا قمتُ بربطِها بالدَّلالةِ الجديدَةِ لمُفردةِ (الالتزامِ)، إلى المواقف الانفعاليَّة والخطابيَّة المنبريَّة الصَّاخبة والمُباشَرَة التي سادتِ الشِّعرَ العربيَّ طويلًا، قطّ، كمَا أنَّ هذهِ المُفردة لا تُعيدُنا إلى مُربَّعِ الأيديولوجيَّات والتَّأطير الدَّلاليّ المُسَبَّق، فضْلًا عن كونِها أيضًا، لا تُلغي خُصوصيَّةَ الكتابَةِ الشِّعريَّةِ وفرادتِها وأبعادِها الذَّاتيَّةِ والتَّأمُّليَّةِ ذات الأعماق الغائِرَة في الصَّمتِ والغائبِ والمَسكوتِ عنهُ؛ إنَّما تُعضدُ هذا كُلّهُ بجُملَةِ اقتراحاتٍ وآليَّاتٍ تسعَى بواسطتِها إلى المُجاوَزة والتَّجديد والاختلاف عمَّا سبَق، ما استطاعتْ إلى ذلكَ سبيلًا.
فالغضَبُ هوَ في بَياننا موقفٌ وُجوديٌّ عربيٌّ وعالَميٌّ (أوَّليٌّ وجذريٌّ) ضدَّ كُلِّ ما يمتهنُ حُرِّيَّةَ الإنسانِ وكرامتَهُ وخياراتِهِ الحياتيَّةَ والإبداعيَّةَ، وضدَّ كُلِّ ما يُدمِّرُ الحضارةَ والعمرانَ والأصالةَ (الكيانيّةَ/ الكينوناتيَّةَ)؛ فهوَ (إذا حاولتُ ضبْطَ دلالتِهِ هُنا بعُمقٍ أكبَر): بمَنزلةِ خلفيَّةٍ (فكريَّةٍ/ كُلِّيَّةٍ) للموقفِ الفنِّيّ الإبداعيّ الذي ينبغي أنْ يحتفِظَ، حُكْمًا، بخُصوصيَّتِهِ وفرادتِهِ وتعدُّديَّةِ توجُّهاتِهِ وأدواتِهِ المُنبثِقَةِ فيهِ، فضلًا عن كونِ (الغضَبِ) أيضًا، وبطبيعةِ الحال، هوَ موقفٌ مُضادٌّ للواقعِ الشِّعريّ والثَّقافيّ الحالي عربيًّا وعالَميًّا، كمَا يُظهِرُ نصُّ البَيانِ على نحْوٍ مُوسَّعٍ.
وهُنا يُمكِنُ أنْ نستذكِرَ احتفاظَ تاريخ الشِّعر والإبداع العربيّ والإنسانيّ بعددٍ كبيرٍ من نُصوصِ الحُبّ مثلًا، أو من نُصوصِ التَّغنِّي بالطَّبيعَةِ، أو من نُصوصِ التَّأمُّل الوُجوديّ المُجرَّد، والتي تنطوي، في الآنِ نفسِهِ، على موقفٍ ثوريٍّ وكيانيٍّ أعمَق من مَضمونِ أيَّةِ قصيدةٍ ثوريَّةٍ خطابيَّةٍ أو مُباشَرَةٍ.
ولعلَّ غياب مُستوياتِ الفَهْمِ السَّابقةِ اصطلاحيًّا ومَفهوميًّا، ولا سيما بمَا يتعلَّقُ بربطِ فلسفَةِ المُبادَرةِ بالالتزامِ الحضاريِّ وبدلالَةِ (الغضَبِ) المُنطويَةِ على جدَليَّاتِ الثَّورة والتَّثوير المُنزاحةِ من فضاءِ ألـ (لن) فقط، إلى فضاءِ ألـ (لا)، هوَ ما أدَّى إلى (تمرُّدِ البَيانِ) ورفضِهِ ما دعاهُ بِـ (التَّعديمِ المُلَفَّقِ)؛ إذ يشرَحُ ذلكَ في إحدى حواشيهِ التي يَرِدُ فيها الآتي:
“العدَمُ الأصيلُ، في زعمِنا، أصْلٌ بِنيويٌّ وتكوينيٌّ في فَجْوَةِ الوُجودِ، وهذا كلامٌ خارِجَ مَنظومَةِ الثُّنائيَّاتِ الميتافيزيقيَّةِ فكريًّا وتأويليًّا، ولا صِلَةَ لهذهِ الرُّؤيا بالدَّلالاتِ العقائديَّةِ التي نُجِلُّ مُعتنقِيها جميعًا، ونحترِمُها إلى أقصَى الحُدود.
فالعدَمُ الأصيلُ هوَ عدَمٌ مُحرِّكٌ للوُجودِ الخلَّاقِ، و(التَّعديمُ المُلَفَّقُ) الذي أشرنا إليهِ، هُنا، هوَ احتواءٌ تدجينيٌّ لحُرِّيَّةِ الإنسانِ والإبداعِ والحضارَةِ.”.
يتحدَّثُ البَيانُ عن (غربال الضَّمير الحضاريّ)؛ إذ يُقسِّمُ الشُّعراءَ أربعَ طبقاتٍ تقومُ في عُمقها على الرَّبطِ الأصيلِ بينَ الموقف الفنِّيّ والموقف الحضاريّ، عبرَ اقتراح الانتقال من معياريَّةِ (المُبدِع/ الفرد الشَّخص العابر)، إلى معياريَّةِ (المُبدِع/ المَشروع الكُلِّيّ).
فالانزياحُ من (الذَّاتيةِ الشَّخصيَّةِ) إلى (الذَّاتيَّةِ الكُلِّيَّةِ) هو في جوهرِهِ انزياحٌ من وُجودِ الشِّعرِ عند تخومِ الشَّاعرِ فحسب، إلى شِعريَّةِ الوُجود والحضارة في الشِّعرِ نفسِهِ، وهوَ ما دعاهُ البَيانُ بـِ (استراتيجيات التَّسمية الشِّعريَّة) المُجاوِزة للطُّرق والطَّرائق التَّقليديَّة المُتعارَف عليها من قبلُ، فَالشَّاعرُ المُؤسِّسُ حضاريًّا يتحوَّلُ عبرَ مُنجزِهِ الإبداعيِّ ومَواقفِهِ الفنِّيَّةِ والوُجوديَّةِ المُتراكبَةِ إلى رأسمالٍ رمزيٍّ جمعيٍّ، ويدخلُ في وجدانِ النَّاس ووعيهِم وضَمائرِهِم بوصفِهِ جزءًا تكوينيًّا من المِخيال الثَّقافيّ والنَّهضويّ الحضاريّ الفرديّ والعامّ، ولهذا قامَ البَيانُ باقتراحِ قائمَةٍ من أسماءِ شُعراءِ الطَّبقةِ الأُولى في القرن العشرين، والتي أطلَقَ عليها: (طبَقةَ فرسانِ الحضارة)؛ ذلكَ أنَّ كُلَّ شاعرٍ من شُعراءِ الطَّبَقةِ الأُولى يحملُ، وفقَ اقتراحِ البَيان، ]الرُّتبة (ف)؛ أي: (رُتبة فارس حضاريّ)[.
- من البَيان إلى الحركة
يدعو البَيانُ إلى إطلاقِ (الحركة الشِّعريَّة العربيَّة الثَّالثة) التي تطمحُ إلى تغييرِ المَشهد الشِّعريّ العربيّ تأسيسًا على المُنجَزِ الشِّعريّ والمَعرفيّ العربيّ والعالَميّ، من جانبٍ أوَّل، وتجاوُزًا لهذا المُنجَزِ من جانبٍ ثانٍ، حيثُ تهدفُ الحركةُ إلى البناءِ والهدمِ في آنٍ معًا، عبرَ تجذير المُنجَز الإبداعيّ والثَّقافيّ والحضاريّ الأصيل، بمُراجعتِهِ وتظهيرِهِ والبناءِ عليهِ، وعبرَ تعريةِ الزَّائِفِ والمائِعِ والسَّطحيّ في الكتابةِ والفنِّ، وفي الموقفِ الفكريّ والكيانيّ والإنسانيّ الحضاريّ العريض.
ولهذا، تتطلَّعُ الحركةُ إلى نبذِ جميعِ وسائلِ ابتذالِ الشِّعر والشَّاعر والإبداع وابتزازهم في عصرِنا الحالي، بوجهٍ خاصّ، والإنسان والأصالة والعمران بوجهٍ عامّ، سواء على مُستوى المُؤسَّسات والسُّلطات المُتحكِّمة والمُوجِّهة والمُقيِّدة على اختلافِها، أو على مُستوى طبيعةِ العصر السَّائدة والسَّائلة تقنيًّا ومعلوماتيًّا واستهلاكيًّا.
ومع ذلكَ، ترنو الحركة إلى أنْ تستفيدَ من مُعطيات العصر المَعرفيَّة والتُّكنولوجيَّة، بمَا يحفظُ هُوِيَّة الإبداع والثَّقافة والحُرِّيَّة والحضارة، وهذا ما يمنحُها شرعيَّةَ اقتراحها تاريخيًّا/ وتأريخيًّا، عبرَ حُضورِها في مُستوييْن، هُما:
أوَّلًا: هيَ تجيءُ من جهةِ (التَّحقيب الشِّعريّ/ الإبداعيّ الخاصّ) بوصفِها الموجة الشِّعريَّة الثَّالثة عربيًّا؛ أي: بعدَ موجةِ شِعر النَّهضة/ اليقظة/ الإحياء العربيّ (الحداثة الأُولى التي بدأتْ في مطلع القرن التَّاسع عشر)، وبعدَ موجةِ شِعر الحداثة العربيَّة (الحداثة الثَّانية التي بدأتْ ملامحُها الأُولى في مطلع القرن العشرين، ونضُجَتْ في أواسطِهِ).
ثانيًا: هيَ تجيءُ من جهةِ (التَّحقيب التَّاريخيّ العامّ) بوصفِها تنتمي إلى مرحلةِ العولمة الرَّقميَّة بكُلِّ إفرازاتِها الإيجابيَّة والسَّلبيَّة، وتحوُّلاتِها العربيَّة والعالَميَّة.
وهذا ما يُبشِّرُ، في اعتقادِ الحركة ومُؤسِّسيها على الأقلّ، بحُضورٍ جديدٍ وجادّ وأكثَر مَسؤوليَّة للشِّعر، وبولادةِ حساسيَّةٍ إبداعيَّةٍ مُمكنةٍ ومُحتمَلَةٍ ومُغايِرَة.
- عن جديد الحركة
أستطيعُ من جهتي في هذا السِّياق، وضعَ بعضِ العناصر (الأوَّليَّة/ الاختباريَّة) حولَ ما يُمكنُ أنْ يُقالَ عنهُ إنَّهُ محاوَلةُ الحركة أنْ تطرحَ ما هوَ جديدٌ:
- تُجيبُ الحركةُ مبدئيًّا عن سُؤالِ: ما جديدُها؟ عبرَ مُستوييْن من الرُّؤى/ الأفعال الدَّلاليَّة، هُما:
- عبرَ المَحاوِر والاقتراحات التي انطوَى عليها بَيانُها الأوَّل، من حيثُ المبدأ، حيثُ قدَّمتُ في الفقراتِ السَّابقةِ بعضًا من تلكَ الأفكار المحوريَّة التي لا تُغنِي عن قراءةِ نصِّ البَيانِ (متنًا وحواشِ) كامِلًا، وأهمُّ عناوين تلكَ الأفكار، كمَا أظنُّ، هيَ:
[فلسفةُ المُبادَرةِ بوصفِها مَسؤوليَّةً – دلالةُ (الغضَبِ) الجديدةُ – التَّمييزُ بينَ (العدمِ الأصيلِ) و(التَّعديمِ المُلَفَّقِ) – الالتزامُ الحضاريُّ الكُلِّيّ – غربالُ الضَّميرِ الحضاريِّ – من معياريَّةِ المُبدِع/ الفرد الشَّخص العابِر إلى معياريَّةِ المُبدِع/ المَشروع الكُلِّيّ – طبَقاتُ نداءِ الشُّعراءِ – استراتيجيَّاتُ التَّسميةِ الشِّعريَّةِ – الرُّتبةُ (ف)؛ أي: رُتبةُ فارسٍ حضاريٍّ)].
- وعبرَ مَشروعِها الإبداعيّ والتَّنظيريّ والعمَلانيّ التَّراكُميّ المُنطلِق الآن، والذي يجلبُ معهُ، كمَا يُفترَضُ ويُتوقَّعُ، مُسوِّغاتِهِ ولَوازمِهِ وآفاقِهِ.
- لعلَّ ربطِ الحركة سُؤالَ المصيرِ الشِّعريّ/ الإبداعيّ بأسئلَةِ المصيرِ الكيانيّ والوُجوديّ بما هيَ أسئلَةُ الهاجِسِ الحضاريِّ والعمرانيِّ الحيويَّة والجذريَّة (الكُلِّيَّة)، هوَ ما يجعَلُ موقفَ الحركة من الشِّعر غير منفصلٍ عن مَوقفِها من الوُجود، ذلكَ أنَّ (مُناداةَ الضَّميرِ الحضاريِّ) تُشبِهُ الفرنَ الصَّاهِرَ للمُخيِّلَةِ والفكرِ والتَّجارِبِ سعيًا إلى تحقيقِ ما أصطلِحُ عليهِ بِـ (ثيمَةِ التَّوازُن الجَماليّ)؛ أي إنَّ الشِّعرَ هوَ: توازُنٌ (جَماليٌّ/ فكريٌّ) بينَ شِعريَّةِ الإبداع وشِعريَّةِ الوُجود.
- بهذا المَعنى، أقولُ: إذا كانتِ اللُّغَةُ (مجيءَ الآخَرِ حسبَ تفكيكيَّةِ دريدا) إلى/ في نُسغِ الذَّات؛ فإنَّ الشِّعرَ هوَ خُروجُ هذا الآخَر بعدَ تخميرِهِ تناصِّيًّا في ذلكَ النُّسغِ، للحفرِ كيانيًّا وحضاريًّا في العالَم.
- بناءَ على ذلكَ، يبدو أنَّ أحدَ الجوانبِ الرَّئيسةِ في اقتراحاتِ الحركة الثَّالثة يكمنُ في إطلاقِ تسميةِ (حركة شِعرِ الحضارة العربيَّة) على نفسِها، اتِّكاءً على ماهيَّةِ الشِّعرِ بوصفِهِ يُضمِرُ بطبيعتِهِ (تبشيريَّةً استباقيَّةً) رُؤىً وبصيرةً وكشْفًا وخَلْقًا، مهما كانَتْ حالةُ الواقعِ مُتردِّيةً/ أو لأقل: لأنَّ الواقعَ يتَّسِمُ بالتَّخلُّفِ والانحطاطِ والانهيارِ، على أنْ ننزاحَ جذريًّا عن أيِّ فَهْمٍ أيديولوجيٍّ أو خطابيٍّ مُباشَرٍ لدلالةِ (التَّبشيريَّة الاستباقيَّة)؛ إذ إنَّهُ يغدو من الضَّروريِّ جدًّا في هذا السِّياقِ أنْ يتمَّ الرَّبطُ بينَها وبينَ دلالَةِ (الالتزام الحضاريّ الكُلِّيّ الجديد) التي بيَّنتُها في السُّطورِ السَّابقة.
- فتسميَةُ (شِعرِ الحضارة العربيَّة) تنطوي على مُحاوَلَةٍ حدسيَّةٍ/ استشرافيَّةٍ لرسْمٍ/ ترسيمٍ كُلِّيٍّ لمَعالِمِ الدَّربِ الإبداعيَّةِ والكيانيَّةِ القادِمة حضاريًّا، مع حفظِ الحُرِّيَّاتِ والخُصوصيَّاتِ والتَّفاصيلِ والاتِّجاهاتِ، أو تعليقِها ووضْعِها بينَ أقواسٍ بانتظارِ اقتراحاتِ المُبدعينَ التَّراكُميَّةِ شِعرًا وتنظيرًا ونقدًا ومَواقِفَ، والتي يُؤمَلُ منها أنْ تمخُرَ عُبابَ الجديدِ والمَجهولِ والمُختلِفِ والمُنفتِح على الكونيّ والعالَميّ وغيرِ المُفكَّرِ فيهِ.
- ولعلَّ هذا الفَهْمَ/ التَّأويلَ لائتلافِ/ اختلافِ ثُنائيَّةِ (الشِّعرِ/ الحضارةِ) هوَ ما يُعيدُنا إلى تعميقِ ما ذكرتُهُ في السُّطورِ السَّابقةِ بخُصوصِ تحقيبِ الحركة عبرَ مُستوييْن/ حُضوريْن، هُما:
- تحقيبٌ خطِّيٌّ أُفقيٌّ: أي إنَّ الحركة الثَّالثة تأتي بعدَ حركتَي (النَّهضة/ اليقظة العربيَّة = الحداثة الأُولى)، و(الحداثة الثَّانية)، بوصفِ هذا التَّحقيب ينطوي، وفي آنٍ معًا، على تقاطُعِها معَ الحركتيْن السَّابقتيْن من جانبٍ أوَّل، إذ تبنِي عليهما وعلى مُنجزاتِهِما القيِّمَةِ كافَّة، وعلى تجاوُزٍ لتلكَ الحركتيْن من جانبٍ ثانٍ، ولكثيرٍ من أفكارِهِما النَّظَريَّة والتَّنظيريَّة إبداعيًّا وفكريًّا ومَعرفيًّا، وهيَ القضايا التي تسعى الحركة إلى تفكيكِها، لتحقيقِ قطيعَةٍ (ولَوْ نسبيَّةٍ) معها.
- تحقيبٌ عموديٌّ: فالحركةُ الثَّالثة مُتجذِّرةٌ في العصر العربيّ والعالَميّ الحالي المُسمَّى اصطلاحيًّا: (عصرُ ما بعدَ الحقيقة)، ومُرتبطةٌ، حُكْمًا، بطبيعتِهِ وبمُستجدَّاتِهِ التِّقنيَّة والمَعرفيَّة والصِّحِّيَّةِ والبيئيَّة، وبانعكاساتِ ذلكَ على المُستوياتِ السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والزُّمَرِ الاجتماعيَّةِ الطَّارئةِ والمُستجدَّة.
- وعبرَ هذا التَّوجُّهِ: أو إذا وسَّعتُ دلالَةَ مفهومِ (الحركة) وُفقَ الفكر الفلسفيّ المُعاصِر، فإنَّها تكفُّ عن أنْ تُؤطَّرَ بإطارِ أنْ تكونَ نقيضًا للسُّكونِ؛ إنَّما هيَ الانتقالُ والانزياحُ (المُستمرُّ بلا هَوادَةٍ ولَوْ بدا كامِنًا) من الوُجودِ الإبداعيّ/ الكيانيّ بالقوَّة، إلى الوُجودِ بالفعل.
- على أنْ نُؤوِّلَ مَغزى (الحركة) أيضًا، بوصفِها تدفُّقًا -في- قلبِ الحياةِ، وانبعاثًا أكبَر من أيِّ تدجينٍ مدرسيٍّ أو أيديولوجيٍّ أو نظَريٍّ مُغلَقٍ؛ فالحركةُ الثَّالثةُ هيَ (فتْحٌ وانفتاحٌ)، في آنٍ معًا، على فَجْوَةٍ تعدُّديَّةٍ تأملُ احتضانَ تيَّاراتٍ وروافِدَ ومدارِسَ شتَّى، وترتمِي جميعُها -نحْوَ- المُستقبَلِ والمُجاوَزَةِ والجَمالِ والحُرِّيَّةِ والاختلافِ ومَخضِ المَجهولِ واكتناهِ الجديدِ المُغايِرِ.
- ولذلكَ، لا تُمثِّلُ الحركةُ أيَّةَ وصايةٍ فوقيَّةٍ على أحدٍ، ولا تُصادِرُ خياراتِ الشِّعرِ أو الشُّعراء، ولا يعنيها أبدًا أيّ تصنيفٍ شخصيٍّ ضيِّقٍ؛ بقدرِ ما يهمُّها الإسهامُ في (الفرزِ الحيويِّ الكُلِّيِّ) إبداعيًّا وحضاريًّا خارِجَ أيَّةِ حساباتِ ربحٍ أو خسارةٍ أو مُكتسباتٍ ومُحاصَصاتٍ باليةٍ وبائسة.
فالحركةُ لا تدَّعي امتلاكَها حقيقةً نهائيَّةً مُتعاليةً وحاسِمةً، ولا تقولُ بحيازتِها الوصفةَ الوحيدةَ الشَّافيةَ، أو بمَعرفتِها، وحدها، الطَّريقَ الصَّحيحَ السَّالِكَ في الإبداعِ والوُجودِ..
حسبُها أنْ تُواظِبَ على العمَلِ كما تتمنَّى وتطمَحُ، وأنْ تُقدِّمَ اقتراحاتِها بجسارَةٍ واستمراريَّةٍ، وأنْ تطرحَ مُحاولاتِها إبداعًا ومَواقِفَ بجُرأةٍ، ومن دونِ أيَّةِ مُوارَبةٍ أو ميوعةٍ أو تراخٍ مَذموم.
- أخيرًا، وليسَ آخِرًا: تتطلَّعُ الحركةُ إلى إنشاءِ منابرَ إعلاميَّةٍ وإبداعيَّةٍ متنوِّعةٍ، وإلى إقامةِ فعاليَّاتٍ وحواراتٍ مُتفاعِلَةٍ مع مُختلَف الفُنون ومُبدعيها ونشاطاتِها عربيًّا وعالَميًّا، وإلى تمكينِ الشُّعراءِ والنُّقَّادِ والمُنظِّرينَ، ورفدِ الفضاءِ الإبداعيِّ بالمَطبوعاتِ والموادِّ الرَّقميَّة والمُختاراتِ الشِّعريَّةِ والنَّقديَّةِ، وإلى إعادةِ قراءةِ تُراثنا الشِّعريِّ والإبداعيِّ القديم والحديث، ربطًا بالواقعِ والحياةِ ومُستجدَّاتِ العصر، وتصبُّ جميعُ هذهِ الأهداف في بوتقةِ السَّعي إلى (ترخيص الحركة) في أقربِ فرصةٍ مُمكنةٍ، من دونِ الارتباطِ بأيَّةِ جهةٍ رسميَّةٍ لا شكلًا ولا مضمونًا ولا تمويلًا، حيثُ يرفضُ أعضاءُ الحركةِ رفضًا قاطِعًا أيَّ تفريطٍ باستقلاليَّتِها تحتَ أيِّ ظرفٍ كانَ، وذلكَ بوصفِها (كيانًا مَرِنًا) لهُ قرارهُ الخاصّ، وتوجُّهاتهُ الذَّاتيَّة الحُرَّة.
- يبقى جوابُ النَّجاحِ أو الإخفاقِ مَنوطًا بالزَّمنِ والتَّجارِبِ والتَّجريبِ وتراكُمِ الخبراتِ، وبمُواجهَةِ محكِّ الاختباراتِ الآنيَّةِ والكُبرى، فلربَّما يظهَرُ (شيءُ النَّصِّ غيرِ المَحدودِ) حسبَ تعبير غادامير، أو ينكشِفُ (فائضُ الوُجودِ) حسبَ تعبير ريكور، أو يولَدُ (الشَّاعِرُ/ الفارسُ الحضاريُّ الخلَّاقُ)، الذي يُكثِّفُ تطلُّعاتِ الحركة والعصر، وآفاقِهِما.
لهذا.. دعُونا نحلُمُ الآنَ، أو لأقل: دعُونا نقرنُ الحُلْمَ بالعمَلِ/ الفعلِ:
“في اللَّيلِ/ ليل العرب والعالَم
يُوصَدُ بابٌ للنُّورِ
وينبلِجُ ألفُ بابٍ آخَر”.
- عن الهيكل التنظيمي للحركة
يتأسَّسُ الهيكلُ التَّنظيميّ للحركة على الشَّكل الآتي:
1- مُستشاريَّة الأمانة العامَّة: تتألَّفُ من المُستشار العامّ حسّان عزت (شاعر وناقد فنِّيّ وأدبيّ ومُستشار تحكيم شِعر من سورية)، ومن نائب المُستشار العامّ الدُّكتور مازن أكثم سليمان (شاعر وناقد سوري حاصل على دكتوراه في الدِّراسات الأدبيَّة)، ومن مُستشار هوَ سيف الرَّحبي (شاعر عُمانيّ ورئيس تحرير مجلَّة نزوى العُمانيَّة وعضو الأمانة العامَّة للحركة).
ومن المُفيد الإشارة في هذا السِّياق إلى أنَّ أُمناء الحركة، وعددُهُم يتجاوزُ في نصِّ الإطلاق (66) اسمًا وشخصيَّةً عربيَّةً، لا ينتمي جميعُهم إلى مضمار الشِّعر والنَّقد، فحسب؛ إنَّما إلى مَجالاتٍ إبداعيَّة وثقافيَّة ومَعرفيَّة متنوِّعة، وهوَ أحد روائز الحركة الهادِفة إلى تمكينِ البُعد النَّهضويّ الحضاريّ، وتحويلِهِ إلى تيَّارٍ عامٍّ مُؤثِّرٍ، فكُلُّ مُبدِعٍ في مَجالِهِ هوَ بنظَرِ الحركة برُتبة (ش: شاعر = ف: فارس حضاريّ).
2- صائِغا البَيان، ومُؤسِّسا الحركة: حسّان عزت ومازن أكثم سليمان.
3- صائغُ مُصغَّر البَيان: الدُّكتور شفيع بالزين رئيس المُلتقَى الثَّقافيّ العربيّ في تونس، وعضو الأمانة العامَّة للحركة.
4- أُمناءُ الحركة (قائمةٌ مَفتوحة، وقيْدُ التَّحديث دوريًّا حسب النِّظام الدَّاخليّ للحركة):
حسّان عزت: شاعر وناقد – سورية. د. مازن أكثم سليمان: شاعر وناقد – سورية. سيف الرحبي: شاعر – رئيس تحرير مجلَّة نزوى ــ عُمان. د. بدر الدين عرودكي: كاتب وناقد ومترجم – باريس/ سورية. دَ شفيع بالزين: جامعي وناقد ومترجم – تونس. بول شاوول: شاعر ومسرحي وصحفي – لبنان. شوقي بزيع: شاعر وناقد وصحفي – لبنان. نصير شمة: موسيقار – ألمانيا- مصر/ العراق. علي فرزات: فنان كاريكاتير – الكويت/ سورية. وليد قوتلي: مخرج مسرحي وأستاذ فنون – الإمارات/ سورية. بروين حبيب: شاعرة وإعلامية- الإمارات/ البحرين. صفوان داحول: فنان تشكيلي – الإمارات/ سورية. مردوك الشامي: شاعر وناقد وصحفي – سورية – لبنان. أمين الزاوي: روائي وجامعي -الجزائر. مصطفى تاج الدين الموسى: قاص وروائي – سورية. سونيا الفرجاني: شاعرة – بيت محمود درويش جربة – تونس. فاتن حمودي: شاعرة وإعلامية – الإمارات/ سورية. جوزيه حلو: شاعرة- باريس/ لبنان. ربيعة الجلطي: شاعرة وجامعية – باريس/ الجزائر. خالد درويش: شاعر ومترجم – بلغاريا/ فلسطين. د. فتحي النصري: جامعي وناقد ومترجم – تونس. محمد علي اليوسفي: شاعر ومترجم – تونس. د. خالد بوزيان الموسوي: ناقد ومترجم – المغرب. فهر الشامي: شاعر – باريس/ سورية.
- الأمناءُ الواصلون (قائمةٌ مَفتوحة، وقيْدُ التَّحديث دوريًّا حسب النِّظام الدَّاخليّ للحركة)
د.سمير سحيمي: شاعر وناقد وجامعي – تونس. إسماعيل رفاعي: تشكيلي وشاعر وروائي – الإمارات/ سورية. عبيدو باشا: كاتب وناقد سينمائي – الجزائر/ لبنان. محمد طه العثمان: شاعر وناقد – دار نشر موزاييك – إستنبول/ سورية. فتحي أبو النصر: شاعر وصحفي – اليمن. محمد حاج بكري: شاعر وإعلامي – إستنبول/ سورية. ميسون شقير: شاعرة – إسبانيا/ سورية. بشير الشيحي: كاتب وناقد – تونس. مهدي نقوص: شاعر وباحث – باريس/ المغرب. د. عجاج سليم: مسرحي وجامعي – سورية. حسين درويش: شاعر وصحفي – الإمارات/ سورية. سعد فنصة: فنان تصوير وباحث آثاري ومؤرخ: واشنطن/ سورية. عبد العزيز الزرعي: شاعر وجامعي – اليمن. ندى منزلجي: شاعرة – لندن/ سورية. مرام المصري: شاعرة – باريس/ سورية. وديع أزمانو: شاعر – المغرب. محمد زادة: شاعر – سورية. أكرم خزام: مسرحي وإعلامي – عمان – باريس/ سورية. منذر مصري: شاعر وتشكيلي – سورية. أمان السيد: شاعرة – أستراليا/ سورية. نضال بغدادي: شاعر – دار نشر الرواد – سورية. حسن إدلبي: رسام تحويري تعبيري – الإمارات/ سورية. أحمد مظهر سعدو: شاعر وصحفي ومحلل سياسي: تركيا/ سورية. علي محمد شريف: شاعر وصحفي – تركيا/ سورية. محمود سرساوي: ألمانيا/ سورية – فلسطين. نعمان رزوق: شاعر – سورية. هلا مراد: شاعرة وإعلامية – الإمارات/ لبنان. فراس الضمان: شاعر وطبيب – سورية. عبد الغفار العوضي: شاعر – مصر. عمار حامد: ناقد فني وصحفي – عمان/ سورية. مصطفى الدروبي: كاتب وموثق – فرنسا – تركيا/ سورية. فرج العربي: شاعر – ليبيا. حسّان عزام: شاعر – ألمانيا/ سورية. عبد الرحمن عرموش: كاتب وموثق – سورية- لبنان. نور الدين العسري: شاعر – فني مونتاج – إسبانيا/ المغرب. فوزية بديوي: شاعرة – تونس. زكية المرقوق: شاعرة – المغرب. فواز قادري: شاعر – ألمانيا/ سورية. محمد خير الحلبي: شاعر وسيناريست – مصر/ سورية. رماح بوبو: شاعرة- سورية. معاذ رجب: شاعر – قطر/ سورية. محمود أبو حامد: كاتب وناقد: عمان/ فلسطين. محود صباغ: كاتب وناقد سينمائي – فلسطين.
- الأمناءُ الجُدُدُ (المُنضمُّونَ خلالَ الأسابيعِ الثَّلاثةِ الأُولى بعدَ إطلاقِ البَيان والحركة)
عبد الرزَّاق كنجو: فنان تشكيلي وناقد – سورية. د. عبد الباسط أبو القاسم الشَّايب: شاعر وناقد – تونس. عبد الوهاب الملُّوح: شاعر – تونس.
- الأُمناءُ الواصلونَ الجُدُدُ (المُنضمُّونَ خلالَ الأسابيعِ الثَّلاثةِ الأُولى بعدَ إطلاقِ البَيان والحركة)
محمَّد العكلة: فنان تشكيليّ سوري/ تركيا. محمَّد دياب: شاعر وناقد – مصر. أنور عمران: شاعر – سورية. محمَّد قادري: فنان تشكيليّ – سورية. وساط مبارك: شاعر وروائي ومترجم – المغرب. سعيدة بركاتي: أستاذة – تونس. علي حميشة: شاعر – سورية. بومدين السَّاحلي: شاعر وكاتب – لبنان. نجوى هدبة: شاعرة فلسطينية/ سورية. شعيب لعسيري: شاعر وباحث في الأدب المغربي الحديث والمعاصر – المغرب. عمر الشِّيخ: شاعر سوري ومُحرِّر موقع أضواء المدينة للشِّعر ودراساته/ قبرص. فؤاد محمَّد فؤاد: شاعر سوري/ بيروت – لندن. خالد درويش: شاعر وصحفي – سورية. أحمد بغدادي: شاعر وصحفي – سورية. عبد الكريم الحاتمي: شاعر – سورية. منى العاصي: شاعرة وصحفية – فلسطين. رفعت بدران: شاعر ومُحامٍ – سورية. حسن أجبوه: أديب وناقد – المغرب. منى البريكي: روائية – تونس. نعيمة الحمامي التوايتي: شاعرة وناقدة ومؤرِّخة – تونس. أحمد عبد الحميد: شاعر – مصر. د. حمدان العكله: كاتب ومُتخصِّص في الفلسفة – سورية. ضاهر عيطه: كاتب وروائي ومسرحي – سورية.