إسلاميو الجزائر والتعددية بين الفكرة والواقع

الإسلاميون المصطلح والدلالة

إنّ مصطلح الإسلاميين كلمةٌ تحمّل دلالاتٍ عدة، وهي الآن مثار نزاعاتٍ ومناقشاتٍ بين أهل الفكر وأهل السياسة.
فالإسلاميون من حيث الاصطلاح: كلمةٌ قديمة تحدّث عنها الأشعري في كتابه “مقالات الإسلاميين”، ولكنها لم تكن تحمل المعنى نفسه الذي تعنيه اليوم لأنّها كانت سجالاتٍ فكريةً عقائديةً في ظلّ منظومة الحكم الإسلامي الذي تمثله الخلافة الإسلامية، وتعبر به عن الوحدة السياسية والترابية للأمة الإسلامية.
لكن دلالة مصطلح الإسلاميين اليوم أصبح لها تفريعاتٌ عدة تتعلق كلها بحالة الرفض لاستمرار الدولة الوطنية وفق أسسٍ فكريةٍ ودستورية خارجة عن الموروث الشرعي والفكري للأمة ورفض من خلال المواقف المعلنة لحالة التبعية للغرب التي أورثها الاستعمار في الأمة بسلخ نظامها السياسي عن أصوله وتحويله إلى نظام علمانيٍّ، أو -على الأقل- عقلاني غير متصادم مع القيم من جهة، ولكنه لا يستوعبها بصورة كافية، ولم تتعود الأمة على قبوله، بل قامت الثورات في الأصل لمحاربة ممثله الذي هو الاستعمار.

الإسلاميون اسم لحالة متعددة ومختلفة
قد تكون بدايات تشكّل الإسلاميين واحدةً أو متقاربةً، لكن تطوّر مسار الإسلاميين في الجزائر أو في غيرها أحدث تشكيلاتٍ متعددةً ومختلفةً، نحتها الزمن في وعاءٍ زمنيٍّ تجاوز النصف قرن حيث أصبح ثمة إسلاميون معتدلون؛ وهم الحالة الغالبة في العالم الإسلامي، وجزء منهم يحكم أو يشارك في الحكم في بلدان مهمة إسلامية بغض النظر عن الخلافات والتباين الموجود في هذه الأحزاب والجماعات.
وجزء منهم في المعارضة السياسية السلمية على الرغم من الضغط والإكراهات والاستدراج إلى العسكرة، إلّا أنّ العقيدة السلمية في هذه الحركات ترفض أن تخوض في مسار الدماء لاعتقادها بحرمة دماء أبناء الوطن الواحد.
وأظن أنّ هذا التيار الغالب هو المستهدف في الإبعاد عن أيّ حراكٍ سياسيٍّ داخل المجتمعات العربية والإسلامية؛ ليس بمنطق المؤامرة وإنما الشواهد والتقارير والتسريبات وخاصة في المدة الأخيرة من دون الرجوع إلى مذكرات من حكموا العالم، كلها تثبت حجم الضغط الممارس على دولنا والتي التقت مع رغبة – وأحيانًا- عقيدة داخلية من طرف القوى الوطنية حبًا في الاستمرار والبقاء في الحكم، وتشويه كلّ منافس شريف يملك القبول الشعبي في أوطاننا.
وأصبح ثمة إسلاميون جهاديون؛ جزء منهم توهّم قرب الانتصار، وانخرط في عمل إقليمي تغيري اختلت فيه الموازين، وأصبحت أولويات المحاور الإقليمية أكبر من أولويات الحركات نفسها، فصعب عليها العودة أو التنصل، وهي مستمرة في هذا النهج، تنتظر التحوّلات الدولية في التسوية التي يصعب أن تكون قريبةً.
وجزء آخر منهم يعمل على أساس فرض نظريته بالقوة والحرب والإكراه، ويستفيد من حالة الوصف بالإسلامية ليتمددوا داخل الأمة الإسلامية ومكوناتها، وهذا الجزء للأسف الشديد كثيرًا ما ارتبط بصناعةٍ مخبرية تصنع له المسار، وفي كثير من الأحيان ينفلت عنها في صناعة نهاياته التي تتأذى منها البشرية عمومًا، والمشروع الذي يدعو إلى إعادة المنزلة للإسلام بصورة خاصة.
ومن جهة أخرى هناك إسلاميون مرتبطون بأقطارهم من حيث العمل والرؤية، وثمة إسلاميون أمميون ينظرون إلى الحالة الإسلامية على أنها منظومة إنسانية تبشر برؤى وأفكار لصلاح العالم مثل الديمقراطية والاشتراكية، وقد تراجعت الاشتراكية، وتتطور الديمقراطية باتجاه الديمقراطية التشاركية التي تقلص من نظرية الأقلية والأغلبية التي هي جوهر الديمقراطية، ما يقربها من الحالة الإسلامية في رؤيتها الأممية.
إضافة إلى هؤلاء ثمة إسلاميون غير هذه الحالات تحتاط الورقة لظرف المؤتمر، فلا تشغل فكركم بتفاصيل الحديث عنهم.

تجربة الإسلاميين في الجزائر، المسار التاريخي
وفي ما يخص تجربة الجزائر، فإن الإسلاميين بدؤوا العمل الإصلاحي في مرحلة متقدمة عبر جمعية العلماء المسلمين التي كانت منبرًا إصلاحيًّا مارس العمل السياسي في المرحلة الاستعمارية بصور مختلفة ليست كلها مقبولة، بل ما زالت محل جدل بين النخب والمثقفين بما فيها موقف بعض من رموزها من الثورة التحريرية في البداية، ولكن لا يوجد أحد يتنكر لجهد الحركة الإسلامية وإسهاماتها في إنضاج مشروع الثورة اجتماعيًّا، وعبر التوعية ونشر التدين الصحيح ومحاربة البدع والخرافات وارتباط الوطنية بالتدين الذي جاءت به نصوص الشريعة السمحاء.
وفي الاستقلال اختار الإسلاميون النهج الإصلاحي والابتعاد عن السلطة، وفي بعض الأحيان فرض عليهم الابتعاد عنها، فمارسوا الوعظ والإرشاد والأعمال البسيطة، ولأنّ البلاد كانت في مرحلة ما بعد الثورة مرتبطة بوهج التحرير، فلم يكن لهم ذلك الصدى إلا بعد بداية الثمانينيات لاعتبارات خارجية عدة منها: الثورة الإيرانية، الجهاد الأفغاني، بدايات الاستعمال للمارد الإسلامي من الاستخبارات الأميركية في ساحات كثيرة. باستعمال بعض الدول الاسلامية الكبرى التي أعطي لها دور التمويل والتضخيم للحالة الإسلامية. وبروز انفتاح لبعض الدول العربية والإسلامية على الحركة الإسلامية عمومًا.
وخلال هذه العشرية استطاع الإسلاميون أن يكونوا القوة الأولى تنظيميًّا من خلال العمل الاجتماعي والدعوي والطلابي، ما دفع ببعضهم إلى استعمال السلاح ظنًّا منه أنه أصبح القوة التي يجب أن تحكم البلاد، وعلى الرغم من قلتهم فقد كان لبعض شخصياتهم كبير الأثر في ما بعد، وتحويل مئات من الشباب إن لم يكن الآلاف إلى العمل المسلح الذي أصبح بالمقاييس كلها -في ما بعد- إرهابًا حقيقيًّا بعيدًا عن أي مشروعية دينية أو سياسية أو أخلاقية.

الإسلاميون والتعددية في الجزائر
حين أدركت السلطة حجم الاحتقان الشعبي، وهيمنة شعور الرفض لها ولأسلوب تسييرها الدولة؛ سعت إلى اعتماد نهجٍ جديدٍ من خلال الظهور بمظهر المتفهم لانشغالات المواطنين، ومطالب الشعب في الحرية والديمقراطية الذي جسده دستور 23 شباط/فبراير 1989 الذي أُعلن فيه ولادة قيصرية لمرحلة التعددية الحزبية أو الجمهورية الجزائرية الثانية على أنقاض الجمهورية الأولى التي كانت بحق جمهورية الحزب الواحد وتداخل الدولة مع الحزب والمصالح الشخصية مع المصالح العامة، وهيمنة الأبوية والرأي الواحد، والسيطرة عن مقدرات البلد كلها التي بُرّرت بالشرعية الثورية والتاريخية، فالذي حرّر أو أسهم في التحرير من حقه وحده أن يحكم ويملك ويحتكر الثروة دون سواه.
وأمام هذا الوضع الجديد تعامل الإسلاميون في الجزائر مع التعددية منذ الانفتاح السياسي بأشكال وصيغ مختلفة، وتباينت مواقفهم بسبب انتماءاتهم الفكرية، والمرجعيات التي اعتمدوا عليها في فهمهم للتغيير.
فقبل جزءٌ واسعٌ من الإسلاميين الخوض في التجربة التعدديّة على الرغم من التحفّظات الفكريّة التي واكبت التحوّل، والحديث هنا عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) التي كانت مزيجًا وخليطًا من المدارس الإسلامية في التغيير على الرغم من أنّ الصوت المرتفع كان صوت التيار السلفي ممثلًا في الشيخ (علي بلحاج) الذي لم تكن تصريحاته منسجمةً مع الممارسة في الواقع، فالقبول بالديمقراطية ضرورة، وهي تتعارض مع الفهم الصحيح للشريعة في وجهة نظره كما كانت تصريحاته التي صدّرت مواقف متنافية مع القناعة بالتعددية والممارسة الديمقراطية، وانعكست بعد ذلك في خيارات التعامل مع توقيف المسار الانتخابي بل حتى قبله في قضية حمل السلاح، وعدّ ذلك من متطلبات التغيير، وهذا بصورة علنية، ما زالت مواقع اليوتيوب تحتفظ بتلك التصريحات.
لقد استعمل الليبراليون عمومًا تصريحات (علي بلحاج) لمدةٍ كمشجبٍ لممارسة الإقصاء والتهميش والإمعان في رفض التعامل مع الإسلاميين، وقبولهم في اللعبة الديمقراطية بل وصلوا إلى حدّ رفض المسار الانتخابي وإيقافه في بداية التسعينيات بعد فوز الإنقاذ بأغلبية المقاعد نتيجة قراءة خاطئة من الحزب الحاكم آنذاك، واعتماده قانونًا انتخابيًّا يعتمد على التمثيل بالدائرة وتقسيم الدوائر الانتخابية على أساس المعيار الجغرافي، ما شكل قانونًا غير عادل، وكان السبب الرئيس في أزمة الجزائر.
لقد تعاملت سلطة الأمر الواقع بقسوة شديدة مع الإسلاميين في بداية الأزمة، ودفعت إلى تطرف الآلاف من الشباب الذين لم يكن أمامهم إلا ردّة فعلٍ غير محسوب، وفي رؤيتي غير مشروع، وخاصة أنّ غالبية هؤلاء كانوا أنصارًا للإسلام في تصورهم، وكان بالإمكان الاستفادة منهم لا تحويلهم إلى مجرمين منبوذين وجب التخلص منهم وتخصيص أماكن لتكون منافيًا لهم، وفي الصحراء الجزائرية الواسعة المعروفة بحرّها صيفًا وبرودتها شتاء من دون توفر أي وسائل لعيشهم الحياة العادية.
ولا يمكن أن نمرّ على مرحلة التسعينيات من دون الحديث عن الأزمة الدموية التي كان أحد أطرافها إسلاميي جبهة الإنقاذ الذين كما قلت من قبل لم يكونوا يعبرون عن مدرسة فكرية واحدة بل كانوا خليطًا فكريًّا وحالات مختلفة، فقد جمعوا التناقضات الاجتماعية كلها داخل المجتمع الجزائري بدءًا بمن لهم أجندات شخصية داخل النظام أو حسابات تاريخية على غرار الحركى وأبنائهم والمافيا التي صنعت مناخ حرب استثمرت فيه من خلال تجارة الأسلحة، وشكلت مسارات للجريمة المنظمة وأصحاب التوجهات الراديكالية الذين كانوا ينتظرون الوقت والبيئة المناسبة لعملهم.

ملاحظات في تجربة إسلاميي الجزائر
لقد كلّفت مرحلة التسعينيات ضريبةً باهظةً في حياة الجزائر المستقلة، فقد كان عدد ضحايا الإرهاب يتجاوز 150 ألف ضحية، فضلًا عن أنّ الخسائر المادية بلغت 25 مليار دولار وفق التصريحات الرسمية المعلنة، إضافة إلى الشرخ الاجتماعي الذي خلفه الإرهاب وسياسات محاربة الإرهاب.
وتعدّ مرحلة التسعينيات من أخصب المراحل في تجربة الإسلاميين في الجزائر في العمل السياسي والتعامل مع مختلف مفردات الممارسة الديمقراطية، وشكّلت في بعض الأحيان تصادمًا مع الموروث الثقافي والقناعات لدى أبناء الصحوة الإسلاميّة، وما يقتضي الواقع السياسي وإكراهاته اليومية الداخلية والخارجية، وكانت هذه مرحلة انفتاح واحتكاك بمختلف القوى والدول أيضًا، ولهذا سأسجل ملاحظات عدة، وربما استنتاجات في هذه المرحلة من تاريخ الإسلاميين في الجزائر.
إنّ الديمقراطية المعتمدة في الدولة الوطنية لم تكن بقناعة ولا ممنهجة وفق مراحل بقدر ما كانت أسلوبًا في التعامل مع الأزمة الداخلية من جهة، واستجابةً لضغط الإصلاح السياسي الدولي في تلك المدة، ولهذا حرصت النخب الحاكمة على إبراز الوجه السيئ للإسلاميين بل الدفع بهم نحو التطرف أكثر من مرافقتهم للإسهام في الانتقال الديمقراطي.
عدم النضج، بل الميل إلى الفهم السطحي للنصوص، وقلّة العلم الشرعي، وغلبة الخطاب الشعبوي إضافة إلى الرغبة في الوصول السريع إلى الحكم، كلها مواصفات التصقت ببعض رموز التيار الإسلامي في تلك المدة، وأسهمت بصورة كبيرة في تشويه التجربة في بدايتها.
وجود أصوات عاقلة حرصت على التمييز، وعملت على إبراز ممارسة سياسية مختلفة في رفض أي خطاب أو مواقف تدعو للعنف أو تبرره وهو الأهم أو تحرض عليه، حيث شكلت خطابًا متقبلًا للآخر، رافضًا أي نوع من الإقصاء مرتكزًا على تمتين الجبهة الداخلية بتفريعاتها كلها، وهذا كله أسهم في إيجاد أجواء مختلفة في ما بعد أسهمت في التأسيس لأرضية التعاون، وبعده الوئام والمصالحة.
بروز تجربة تعاون على شكل ائتلاف سياسي في الحكومة بين الإسلاميين والقوى الوطنية والليبرالية في نهاية التسعينيات كان له كبير الأثر في إنهاء الأزمة الدموية في الجزائر، وقلل بصورة كبير من منسوب الاحتقان في المواقف، وأتاح فرصة استمرار الدولة على الرغم من النقائص كلها بما فيها الشرعية المنقوصة أو المعطوبة.
إنّ الأزمة الدموية ما كانت لتنتهي لولا اعتماد سياسة المصالحة الوطنية التي تطورت في ما بعد، أولها كان اعتماد أسلوب الحوار من طرف السلطة في بداية التسعينيات ثم تتويج الحوار من خلال ندوة الوفاق الوطني في المدة بين 25 و26 كانون الثاني – يناير –1994 وكانت بداية تحول في سلوك النظام من جهة بانفتاحه على التيار الإسلامي الرافض للعنف في الوقت الذي أصرت فيه قيادات جبهة الإنقاذ على رفض التجاوب ورفع سقف المطالب السياسية والاجتماعية، وهو ما لم يحقق أي مكسب بعد مرور حوالى ثلاثين عامًا منذ توقيف المسار الانتخابي.
تطورت المنظومة القانونية في التعامل مع الإرهاب بإجراءات تهدئة على غرار قانون الرحمة في 1995 الذي اعتمده الرئيس لمين زروال إلا أنه لم يكن يلبي الحدّ الأدنى من المطالب التي يمكنها أن تغري أو تدفع بالإرهابيين أو من أطلق عليهم آنئذٍ اسم (المغرر بهم) إلى النزول وترك السلاح، إلا أن النظام لم يتوقف، بل تواصل من خلال حوارات الجيش مع المسلحين حتى توصل الحوار إلى ما اعتمده الرئيس بوتفليقة في 13 تموز/يوليو سنة 1999 من خلال اعتماد قانون الوئام المدني ثم بعد ذلك تم اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حيث تم إجراء استفتاء عام عليه في 29 سبتمبر 2005، وقد حصل الميثاق خلاله على موافقة بنسبة 97 بالمئة، وتم تنفيذ الميثاق بوصفه قانونًا في 28 شباط/فبراير 2006.
ومن المفيد أيضًا الحديث عن كون القضاء على الإرهاب كان من خلال مشروع سياسي اعتمد وسيلة الانتخابات على الرغم من كل ما صاحبها من ممارسات، ربما أسهمت في ما بعد إلى الاستخفاف بها إلا أن سنة 1995 شهدت الانتخابات الرئاسية التي كانت محطةً مهمةً ومفصلية في عودة السلطة والنظام، وحافظت على الدولة التي كانت المؤشرات كلها توحي ببداية تفتتها وفق رهانات دولية.
وكان للإسلامين وللشيخ (محفوظ نحناح) رحمه الله الدور البارز في هذه المنافسة، واستطاع أن يكسب رهانات عدة أولها المحافظة على الدولة، وكسر فكرة التعميم بأنّ الإسلاميين كلهم إرهابيون، وشكل خطابًا جديدًا لمرحلة جديدة استطاع فيها أن يعيد العلاقة بين التيار الوطني والإسلامي؛ بل مكّن لخطوات مهمة في إصلاح ما أفسده التاريخ من جهة، ورؤية الطرف العلماني المتطرف في السلطة من جهة أخرى، وبدأت علاقة تعاون محدود السقف، كل طرف يعرف ما يجنيه من مصلحة مع أنّ هناك مصلحة وطنية جامعة منتهاها الكل مطالب بالتعاون، وإلا فإن التهديدات تطال الجميع من دون استثناء.
شكّل موضوع  تدويل الأزمة الجزائرية لمدة كبيرة مطلبًا لبعض القوى السياسية، وخاصة بعد انعقاد مؤتمر روما في بداية يناير 1995 أو ما سميّ عقد سانت جديو الذي كان أول خطوة في مساعي تدويل الأزمة من وجهة نظر السلطة، في حين كانت للمعارضة فرصة لتعريف المجتمع الدولي بالأزمة الجزائرية، وهنا كان للإسلاميين الدور المرجح أيضًا، ففي الوقت الذي انخرطت فيها قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ و(عبدالله جاب الله) رئيس حزب النهضة آنذاك  في عقد روما، كان موقف الشيخ (محفوظ نحناح) مغايرًا، ما ساعد النظام على رفض أرضية روما، وردها لتتطور في ما بعد إلى زيارة وفد أممي في المدة ما بين 27 يوليو إلى 04 أغسطس 1998، وكان هذا الوفد المشكل من شخصيات دولية وبرعاية الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، وبطلب من الحكومة الجزائرية؛ نهاية مسار التدويل للأزمة الجزائرية التي حاولت أطراف كثيرة الزج بها في المحافل الدولية إلا أن صمود النظام على الرغم من هشاشته وقدرته على تجاوز الربيع الأوروبي أبعدا الجزائر من التعفين على الرغم من أنها لم تتمكن بعد إنهاء قضية الانتقال الديمقراطي الذي ما زال مترهلًا بعيدًا عمّا يطالب به الشعب والقوى السياسية.
لم تكن وسائل الإعلام خلال مدّة الأزمة بالشكل الحالي، غير أنه من المفيد التذكير بأنّ وسائل الإعلام الفرنسية وخاصة المرئية منها كان له دور متميز في تضخيم ما يحدث من جهة، وكانت أكثر دقة في متابعة خطاب الإسلاميين خاصة في ما تعلق بالخطاب المتطرف الذي كان أهم مصادره بعض القيادات ذات التجربة المحدودة التي مارست خطابًا مسجديًّا دعويًّا في منابر سياسية، وأكثرها كان قليل العلم، ما جعلها مادة إعلامية دسمة يومية وبرعاية من بعض الأطراف داخل النظام الجزائري، ومن المفارقات أّن الإعلام الفرنسي خلال مدة زمنية حرص على تقديم الإسلاميين ضحية إلى أن تمكن من تحجيم حضورهم السياسي.
ومنذ التسعينيات قدم الإسلاميون آلاف المنتخبين على المستوى المحلي والوطني، وقدموا إطارات في تسيير الدولة، وكان لهذا الرصيد البشري تجارب من النجاح والفشل، ولكن الأهم هو تشكل عقلية اجتماعية مفادها أن الإسلامي جزائري يخطئ ويصيب مثل باقي الجزائريين، وأنهم في غالبهم لم يكونوا من الفاسدين بل أسهموا في ما يخدم الصالح العام، كما كان لإدماجهم داخل هياكل الدولة أثر في تغيير قناعات بعضهم، بل أصبحت الرغبة أو إرادة الوجود في المسؤوليات أحد أشكال الضغط على التوجهات السياسية داخل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وكان هذا الانخراط من  العوامل التي دفعت نحو استمرار تبني خيار المشاركة السياسية في مختلف المؤسسات، وأصبح رأيهم ناضجًا يتبلور بشكل أكثر دقة مع تراكم التجارب من جهة، والانفتاح والتواصل الداخلي والخارجي من جهة أخرى.

من مواليد بورقلة في الجزائر عام 1965، تخرّج في جامعة القبة بالجزائر العاصمة، باختصاص الكيمياء، مؤسس وناشط في العمل الطلابي بين عامي 1987 و1990، مؤسس في حركة حماس الجزائرية، مسؤول الإعلام الحزبي مع الشيخ نحناح، ومستشار للشيخ نحناح منذ عام 1994 إلى عام 2003، عضو مؤسس في حركة البناء الوطني، صحافي في مجلة المجتمع ورئيس تحرير جريدة النبأ، مدير النشر والمالك لـ (يومية الرائد الجزائر) الحاصلة على الجائزة الأولى لرئيس الجمهورية لعام 2016، مدير ومؤسس مركز الرائد للدراسات والأبحاث، محاضر في عدة مؤتمرات عربية وإسلامية، ومحلل سياسي في عدة قنوات جزائرية وعربية، منتخب في البرلمان الجزائري منذ 2017.

مشاركة: