الواقع الحالي للجولان المحتل بشريًّا وجغرافيًّا، والتغيرات التي قامت بها إسرائيل

أولًا: مقدمة
بلغ عدد سكان القسم المحتل من الجولان قبيل الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 نحو 130 ألف مواطن، سكنوا في أكثر من 200 مزرعة وقرية ومدينة على مساحة بلغت 1150كم2. تشير المعلومات والوثائق المنشورة إلى تنفيذ عملية تطهيرٍ عرقي لسكان الجولان مدروسة ومخططة مسبقًا من قبل سلطات الاحتلال. فخلال شهرين من الاحتلال قامت السلطات بطرد السكان معظمهم، وتدمير قراهم، وبقي في الجولان 6396 مواطنًا في ثماني قرى عربية، ودمرت إحداها لاحقًا، وانسحبت اسرائيل من اثنتين منها في إثر حرب تشرين عام 1973، ليبقى في الجولان خمس قرى فقط.

بدأت إسرائيل في الشهر الأول من الاحتلال بإقامة المستعمرات، ويبلغ عددها اليوم 33 مستعمرة، يقطنها نحو 20 ألف مستوطن، بالمقابل يبلغ اليوم عدد السوريين في الجولان المحتل نحو 26 ألفًا يقطنون خمس قرى شمالي الجولان، ويسيطرون على أقل من خمسة بالمئة من أرض الجولان.

ثانيًا: محطات من علاقة إسرائيل بالسوريين في الجولان
لا بد لمتتبع علاقة سلطات الاحتلال بمن بقي من سكان الجولان السوريين أن يتوقف عند محطات مفصلية عدة، لكل منها هدفه واستراتيجياته المختلفة، وهي:

1-بين عامي 1967 و1973
ما بين هزيمة 1967 وحرب تشرين التي حققت نوعًا من النصر المعنوي للجانب العربي. تميزت هذه المرحلة بالخوف من سلطات الاحتلال، والعمل النخبوي السري. وسعت سلطات الاحتلال جاهدةً إلى تقريب القيادات التقليدية لخدمة سياسة الاحتلال عبر إعطائها دورًا بارزًا.
من جهة أخرى قامت السلطات بضرب أيّ محاولة للمقاومة، وزجت المئات من المقاومين في السجون ولمدد طويلة.

2- بين عامي 1973و1981
اتسمت هذه المرحلة بالتحضير لضمّ الجولان، فبعد حرب تشرين تمّ خلق واقع سياسي جديد أكثر توازنًا. من جهة ثانية فإنّ الاحتكاك اليومي مع سلطات الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي بمركباته كافة أدى إلى تعميق التفاعل مع الاحتلال، وكسر حاجز الخوف. ففي إثر “كامب ديفيد”، وعدم توقيع أيّ اتفاق سياسي بين سورية وإسرائيل؛ بدأت سلطات الاحتلال بخطوات ضم الجولان، وبالمقابل تنامت المقاومة الجماهيرية في الجولان حتى وصلت ذروتها بعد قرار الضم بإعلان الإضراب المفتوح الذي استمر نحو 6 أشهر، وتراجعت سلطات الاحتلال عن فرض الجنسية الإسرائيلية على سكان الجولان.

3- بين عامي 1981 و1991
في إثر ضم الجولان، وتطبيق القانون الإسرائيلي، تنامى المد الجماهيري، وازدادت المقاومة الجماهيرية السلمية، بالمقابل أعادت سلطات الاحتلال تقييم سياستها، واستبدلتها بسياسة “الدبلوماسية الناعمة”، محاولة استيعاب نقمة الجماهير، وامتصاصها. وبعد حرب الخليج والعودة إلى طاولة المفاوضات في مدريد ازداد الأمل بعودة الوطن، ودخل سكان الجولان في حالة من الترقب.

4- بين عامي 1991 و2011
وهي مرحلة المفاوضات والمماطلة من قبل سلطات الاحتلال، والعمل المكثف على خلق واقع جديد في الجولان، كثفت السلطات الاستيطان في الجولان، وأقامت المشاريع بكافة المجالات. وفي قرى الجولان السورية، عمدت السلطات إلى تحسين الظروف الاقتصادية، وفتح الأبواب أمام سكان الجولان للاندماج بالمجتمع الاسرائيلي.

5- منذ عام 2011 وحتى الآن
مرحلة الحرب الأهلية السورية وانعكاساتها على سكان الجولان وعلى سياسة سلطات الاحتلال.
لقد تأثر الجولان بصورة واضحة بالأحداث التي سادت العالم العربي كلها. ومن البدهي لجزء من سورية، أن يتفاعل تفاعلًا مباشرًا مع الثورة والأحداث الدائرة في الساحة السورية. فظهر انقسام حاد بين موالاة ومعارضة، مما أدى إلى ضعف الموقف الوطني، ومحاولة السلطات استغلال الوضع لتمرير سياسة “الأسرلة”.

6- الواقع الراهن
يعد فشل سياسة الاحتلال بفرض الجنسية الإسرائيلية في الثمانينيات على سكان الجولان، وفي إثر قرار الضم في أواخر عام 1981، ومقاومته من قبل الجولانيين، قامت السلطات بتقييم الوضع، ورسم استراتيجيات جديدة للوصول إلى هدفها الرامي إلى محو الوجود العربي السوري في الجولان، وجعل الجولان وسكانه جزءًا مفيدًا من الكيان الصهيوني، مستعملة القوة “الناعمة” لكسب “المعركة”. فعمدت إلى ترسيخ السلطات المحلية المعينة من قبلها في قرى الجولان، وفتح أبواب العمل والأسواق الإسرائيلية أمام السكان، وإغلاق الأبواب أمام العلاقات مع الضفة والقطاع، ولا سيما بعد الانتفاضة الثانية. من جهة أخرى، ومع بداية عملية السلام في مدريد مطلع التسعينيات، عمدت سلطات الاحتلال إلى تكثيف الاستيطان، وإقامة المشاريع الاقتصادية، وخلق واقع ديمغرافي جديد في الجولان، يهدف إلى تثبيت الاحتلال، وترسيخه حالةً دائمة. وقد برزت سياسات الاحتلال في عدد من المجالات، نتطرق إلى بعض منها:

أ-المستوطنون والاستيطان: 
على الرغم من عدم إنشاء أي مستوطنة جديدة في الجولان منذ تسعينيات القرن الماضي، فإنّ سلطات الاحتلال عمدت إلى توسيع المستوطنات القائمة بصورة كبيرة، ليصبح عدد المستوطنين اليوم أكثر من 20 ألف مستوطن. تمّ توسيع الأراضي الزراعية، ولا سيما زراعة كروم عنب النبيذ والتفاحيات، وتربية الأبقار، ليصبح الجولان اليوم من المنتجين الرئيسين لأجود أنواع النبيذ الإسرائيلي والتفاح واللحوم والحليب. وتقدر مساحة الأرض التي يزرعها المستوطنون بنحو 80 ألف دونم. إضافة إلى الزراعة تم دعم عدد من المصانع في مجالات عدة، وتطويرها، بمثل صناعة أجهزة علمية، وصناعات حربية، وصناعة بلاستيكية، وصناعة المياه. ويتم تصدير الإنتاج الصناعي معظمه إلى الأسواق العالمية.
واليوم بعد اندلاع الحرب الأهلية في سورية، وانشغال العالم بأحداث الربيع العربي، بدأت إسرائيل التنقيب عن الغاز والبترول جنوبي الجولان، بوساطة شركات إسرائيلية وأميركية، والنتائج الأولية تشير إلى وجود كميات كبيرة قد تسد حاجة السوق الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك تخطط سلطات الاحتلال الى إقامة عدد من محطات الطاقة البديلة لإنتاج الكهرباء. فقد أقيمت محطة للطاقة الشمسية بدعم صيني، واليوم تقام كثير من محطات توليد الطاقة من الرياح، إضافة إلى وجود محطة لتوليد الطاقة من الفضلات الطبيعية وفضلات الأبقار خاصة.

ب- السكان السوريون تحت الاحتلال:   
على الرغم من فشل سلطات الاحتلال بفرض الجنسية الإسرائيلية على سكان الجولان في بداية الثمانينات، لم تتنازل عن هدفها في طمس الانتماء العربي للجولان، وتزوير تاريخه الثقافي والحضاري.  وقد شكل من بقي من سكانه عقبة بوجه تنفيذ كثير من المخططات والبرامج التي أعدتها هذه السلطات. وشرع الاحتلال منذ بداية التسعينيات بتكثيف سياسة “الأسرلة” للسكان، وفتح أبواب الاندماج بالمجتمع الإسرائيلي، ولا سيما الجيل الجديد، وهذا ما بدا واضحًا في عدد من المشاريع والممارسات نذكر منها:

تسهيل منح الجنسية الاسرائيلية:
واصلت سلطات الاحتلال الضغطين المباشر والمبطن على سكان الجولان، على الرغم من أن سكان الجولان أغلبهم لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، وذلك بهدف إجبارهم على قبول الجنسية الإسرائيلية أو ترغبيهم بالحصول عليها.
ونتيجة الأحداث في العالم العربي ولا سيما في سورية، أصيب سكان الجولان بخيبة أمل، وبخاصة الجيل الجديد، مما أدى الى تراجع الحس القومي والانتماء الوطني الذي استغلته السلطات لتمرير سياستها بـ “الأسرلة”، والتطبيع، ودفع الشباب باتجاه التجنس بالجنسية الإسرائيلية.

التطوير بهدف الدمج:
خلال العقد الأخير انتهجت سلطات الاحتلال سياسة الرخاء الاقتصادي وسيلة لدمج سكان الجولان بالمجتمع الإسرائيلي، فقد تم تطوير عدد من المشاريع السياحية ودعمها، وإبراز قرى الجولان قرىً توفر وسائل الراحة للسائح الإسرائيلي كافة. وقامت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالترويج للسياحة في الجولان من خلال إعداد برامج عن الفنادق والمطاعم والمواقع السياحية في الجولان، إضافة إلى ذلك تم توظيف مبالغ طائلة في مشاريع الري الزراعية، ودعم تطوير الطرق الزراعية أيضًا، ودعم تصدير التفاح إلى دمشق، وتم توسيع المناطق الصناعية وتوفير الدعم المالي للمشاريع الصناعية الصغيرة أيضًا.

وقد أعلنت السلطات عن إقامة منطقة صناعية مشتركة بين سكان الجولان والمستوطنين، وذلك لمحو الحدود وتشجيع التعاون وإعطاء الشرعية للمستوطنين. هذه الخطوات كلها نفذت من خلال تعيين رؤساء مجالس محلية من جيل الشباب لتكون رمزًا للتغيير، ومقبولة عند سكان الجولان.

التعليم:
على الرغم من التطور الكبير في جهاز التعليم في الجولان من خلال توظيف كوادر مهنية، بقي جهاز التعليم أداة لغسل العقول، و”قولبة” الجيل الجديد ضمن الإطار الإسرائيلي، فمناهج التعليم وضعت في أطر الانتماء الطائفي بعيدة عن الانتماء الوطني والقومي، وموجهة إلى بناء “مواطن” إسرائيلي يخدم الدولة، وتنفيذ عدد من البرامج لخلق المواطن الصالح.

الزراعة:
تشتهر قرى الجولان بزراعة التفاح والكرز بصورة خاصة، وتنتج المنطقة من 30 إلى 40 ألف طن من التفاح، ونحو 6 آلاف طن من الكرز، ولكن شهد العقد الأخير تراجعًا كبيرًا في القطاع الزراعي في قرى الجولان لأسباب عدة، نذكر منها:
1-المنافسة على إنتاج المستوطنات
2-ارتفاع أسعار الأيدي العاملة والمبيدات
3-عدم توفر كميات المياه المطلوبة
إن انخفاض إنتاجية التفاح والكرز وعدم توفر أرباح من الزراعة، أدى إلى إهمال الأرض من قبل قسم من المزارعين، وابتعاد الجيل الجديد عن العمل بالزراعة، والالتحاق بسوق العمل الإسرائيلية.

سوق العمل داخل إسرائيل:
شكل انخفاض إنتاجية الزراعة أحد الأسباب المهمة في زيادة عدد العاملين من الجولان داخل إسرائيل. ويلعب العدد الكبير من خريجي الجامعات في الجولان والمهنيين والمقاولين، الذين انخرطوا في أسواق العمل بمنطقة شمالي إسرائيل دورًا متميزًا فيه، فكثير من الأطباء والمهندسين والمقاولين يديرون عددًا من المشاريع، ويعملون فيها. وقد كان للعمالة داخل إسرائيل تأثير مباشر في سكان الجولان، فمن ناحية أولى زاد الدخل المالي للمنطقة بصورة عامة، ومن ناحية ثانية دعم التأقلم مع المجتمع الإسرائيلي. 

ثالثًا: تلخيص
من الواضح أنّ سلطات الاحتلال خططت لعدم إرجاع الجولان إلى سورية منذ بداية الاحتلال، وعملت على إحداث تغييرات في الجولان في المجالات كافة. وبعد فشل السلطات في فرض الجنسية الإسرائيلية على سكان الجولان، عمدت إلى تغيير خططها، والإبقاء على أهدافها.  واختارت السلطات سياسة تذويب انتماء السكان السوريين من خلال سياسة الوفرة الاقتصادية، وترغيب الجيل الجديد بحمل الجنسية الإسرائيلية.
وفي السنوات الأخيرة؛ سنوات “الربيع العربي”، انعكست الأحداث سلبًا على الشارع الجولاني، وأدت إلى انقسام الصف الوطني، مما حفز السلطات على تكثيف وجودها، والمضي قدمًا في سياسة “الأسرلة”.

تيسير مرعي

من مواليد مجدل شمس في الجولان السوري المحتل حاصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة العبرية – القدس. باحث وناشط اجتماعي. نشر عددًا من المقالات عن الجولان تحت الاحتلال. شارك بمؤتمرات وندوات مختلفة حول ممارسات الاحتلال الاسرائيلي في الجولان. يعمل مديرًا عامًا لجمعية جولان لتنمية القرى العربية منذ عام 1996.

مشاركة: