زاد الاهتمام بأدب السجون خلال العقد الماضي، وأصبح له قراء كثيرون، بعد أن كان مقصورًا على فئات ضيقة من اليساريين والمعتقلين السابقين، وأصبح البشر يشعرون أكثر فأكثر بوطأة السجن في هذه البلاد المنكوبة، وأن هذه السجون عناوين للاستبداد والقهر وامتهان كرامة الإنسان، ومن ثمّ ينبغي لها ألّا تستمر، ولا يجوز الصمت عمّا جرى ويجري فيها.
شارك في هذا العدد نحو خمسين كاتبًا وكاتبة من ثمانية بلدان عربية، سورية ولبنان وفلسطين والأردن وتونس والمغرب والسودان ومصر، وتناول الملف “أدب السجون في المنطقة العربية“. ولا شك أن جمالية هذا العدد تكمن في أن موضوعه الرئيس، أدب السجون، يجمع بين حقولٍ عديدة، السياسة والأدب والفن والتحليل النفسي وعلم الاجتماع… إلخ.
كتب افتتاحية العدد رئيس التحرير، حازم نهار، وكانت بعنوان “أدب السّجون السوريّ؛ مساحات أدبية كفاحية وجمالية”، تناول فيها مجموعة من الموضوعات الأساسية المتعلقة بأدب السجون في المنطقة العربية؛ دوافع الكتابة عن السجن وأهميتها، تأثير أدب السجون في الوعي العامّ، أدب السجون بوصفه نوعًا أدبيًّا، الموضوعات المتناولة في أدب السجون، نطاق الأشكال الفنية لأدب السجون، المشتركات بين أدب السجون وأدب المنفى، جماليات أدب السجون، وأدب السجون وحقوق الإنسان.
وتضمّن ملف العدد خمس دراسات محكّمة. كتب الأولى الباحث جمال بوعجاجة، من تونس، وهي بعنوان “العتبات النصيّة في الرواية السجنيّة في تونس بعد الربيع العربي”، رأى فيها أن رواية أدب السجون في تونس بعد الثورة “تميزت بدكّ حصون الصّمت وعبور ألغام المحظور، وإعلان الانعتاق من أسر القيد والقهر، وقد سلكت مسالك التجريب الرّوائي على درب الحداثة، فكانت متحرّرةً من سلطان القديم، ومن سطوة الموروث الأدبي، بقدر تحررها من سطوة الرّقيب، لتنخرط في فضاء الإثارة والإمتاع بالقدر الذي حققت فيه مقصد الإخبار والتوثيق، فقد كانت الحاجة ملحّةً إلى بلوغ مراقي التعريف بجرائم الاستبداد والاعتراف بصمود أجيال متواترة من العائلات السّياسية المختلفة من اليمين واليسار.“
وكتب محمد بوعيطة، من المغرب، دراسة بعنوان “اشتغال الذاكرة في الرواية السجنيّة؛ سرديات عبد القادر الشاوي أنموذجًا”، وقد ركزت الدراسة في جانبها التطبيقي على سرديات الروائي المغربي عبد القادر الشاوي، بوصفه أبرز الشخصيات المغربية التي عاشت تجربة الاعتقال، محاولةً استعادة بعض الأسئلة التي راهن عليها ثقافيًا وسياسيًا، إذ “اشتغل على الذاكرة بوصفها حركية متوالية من الحاضر إلى الماضي، ومن الماضي إلى الحاضر. لكن خصوصية كل ذاكرة، ومرجعيتها الواقعية، هي ما يموضع هذا الماضي في زمن واقعي أو مجرد، ويمنحه أهميته الدلالية.“
وكتبت نادية بلكريش دراسة بعنوان “الزمن النفسي في الرواية السجنيّة العربية“، واتخذت من رواية ”تلك العتمة الباهرة” للروائي الطاهر بنجلون أنموذجًا لدراسة الزمن النفسي، فرأت أن طرائق توظيف الزّمن قد “تنوعت في الرواية، حيث توزعت بين الزمن الطبيعيّ الخارجيّ، والذاتي الداخلي/ النفسي. كما تباينت طرائق إدراكه ماديًا ومعنويًا/ نفسيًا بوصفه مكونًا رئيسًا في الرواية السجنية بصفة عامة، يدخل في نسيج الحياة الإنسانية.“
وكتب الدراسة الرابعة علاء الرشيدي بعنوان “المسرح داخل المعتقل، المسرح داخل السجن؛ الآداب والعروض المسرحية في تمثيل الإبداع المعتقل وفي رواية السجن العقابي”، وتدرس هذه الورقة البحثية تجربتين من تجارب المسرح داخل المعتقل، والمسرح داخل السجن؛ “لكلٍ من هاتين التجربتين شروطها الإنتاجية، ومضامينها الموضوعية، وخصائصها الفنية المتعلّقة بأدب السجون المسرحيّ. التجربة الأولى: تجربة المسرح داخل المعتقل في سجن صيدنايا المركزيّ للرجال، وسجن دوما للنساء؛ والتي قام/ت بها مجموعة من المعتقلين/ات السياسيين/ات في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي في سورية. أما التجربة الثانية: فهي تجربة مسرح البسيكودراما أو العلاج بالدراما، والتي حققتها مؤسسة (كاتارثيسيس) بإدارة وإخراج المسرحية زينة دكاش في سجنَي رومية للرجال ولمرضى الاضطرابات العقلية، وفي سجن بعبدا للنساء في لبنان بين عامي 2009 و2022.“
أما الدراسة الخامسة، فكانت بعنوان “الرِواية النسويَّة وصورة المرأة في أدب السُّجون في سورية”، كتبتها فاطمة علي عبُّود، وتناولت فيها بالتحليل أربع روايات تنتمي إلى أدب السُّجون، تتحدَّث الروايتان الأولى والثانية عن السُّجون السورية في فترة حكم حافظ الأسد، وهما رواية (خمس دقائق وحسب) للكاتبة هبة دبَّاغ، ورواية (نيغاتيف) للكاتبة روزا ياسين حسن، أمَّا الرواية الثالثة والرابعة فتتحدَّثان عن السُّجون في عهد بشار الأسد وهما (إلى ابنتي) للكاتبة هنادي زحلوط، ورواية (الوشم) للكاتبة منهل السَّراج.
وفي باب مقالات الرأي كتب الروائي فواز حداد مقالة بعنوان “هل للسجن أدب؟”، عبّر فيها عن طموحه إلى “تحويل سجوننا إلى إصلاحيات، بدلًا من أن تكون في أيام الاستقرار مدرسةً للإجرام، وفي زمن الاضطرابات مكانًا للتعذيب والقتل والموت السريع والبطيء.“
وكتب الروائي والسياسي سمير ساسّي مقالة بعنوان “هل ينعتق أدب السجون في تونس من سجونه؟”، وفي تفسير طرحه هذا السؤال يقول “سؤال نطرحه لاعتبارات موضوعية أساسًا، بحكم أننا كنا السباقين في التأسيس لهذا الأدب على مستوى الرواية باللغة العربية في تونس، فالدارس لأدب السجون التونسي يمر حتمًا عبر بوابتين، هما بوابة النص الفرنسي للسجين السياسي اليساري جلبار النقاش، التي صدرت أوائل الثمانينيات من القرن الماضي بعنوان (كريستال) فكان النقاش المؤسس الفرنسي لهذا الجنس الأدبي. أما بوابة النص العربي فكانت روايتنا (البرزح) التي بوأتنا موقع المؤسِّس العربي لأدب السجون في تونس، وهي تنقل معاناة المساجين السياسيين في تسعينيات القرن الماضي، زمن الرئيس الذي خلعته الثورة زين العابدين بن علي.“
وكتب سالم عوض الترابين مقالةً/ دراسةً بعنوان “من الصفّ إلى الزنزانة: قراءة في سرديّات اعتقال معلِّم”، قدَّم فيها “قراءةً معرفيّةً لحدث الاعتقال الّذي طال أعضاء نقابة المعلّمين في الأردّن بعد قرار توقيف عمل مجلس نقابة المعلّمين الرّابع؛ إذ شكّلت هذه الاعتقالات حالةً من عدم التّوازن الاجتماعيّ السياسيّ في الأردّن حيث تعرّض المعلّمون للاعتقال الإداريّ والحبس التعسفيّ في صورة شكّلت شرخًا في الحالة الديمقراطيّة للأردن. تقوم الدراسة على مبدأين: الأول، اجتماعيّ ينظر إلى الأزمة النقابيّة وطريقة التعامل معها بوصفها قضيّةً اجتماعيّة أثّرت في تكوين: الطّالب في المدرسة، وأهل الطلّاب في البيت. والثانيّ، مبدأ سياسيّ حيث إنّ العمل النقابيّ حقّ دستوريّ مشروع جاءت السّلطة لتفنيد هذا الحق بغطاء قضائي.“
وكتب إبراهيم الجبين مقالة بعنوان “عن السجن، وعن الكاتب الساكن فيه: داخله وخارجه” رأى فيها أن ظاهرة الكتابة عن تجربة الاعتقال السياسي في سورية “مرّت عبر النتاج الأدبي، على أيدي من عاشوها أو من رغبوا في تناول تجارب غيرهم ممن كابدوها بمراحل وتحولات عديدة، إلّا أنها بقيت عصيّة على التقييد والقولبة، وكيف يمكن أن تُقيَّد وهي بالأساس انقلابٌ على القيد، وتحطيمٌ لجدران الزنزانة؟“.
فيما قدّم خطيب بدلة في مقالته “أدب الاستبداد” مقترحًا لنقاد الأدب، ومؤرخيه، ومصنّفيه يتمثّل بـ “أن يُغَيّروا مصطلح “أدب السجون”، ويجعلوه “أدب الاستبداد”، فهذا، برأيي، مناسبٌ أكثر لطبيعة القصص والروايات والأشعار التي كُتبت -ولا تزال تُكْتَبُ- في هذا الشأن، وتتجه كلها لوصف الظلم، والاضطهاد، والتنكيل الذي تمارسه السلطة الدكتاتورية التي تحكم البلاد على معتقلي الرأي.“
وفي الملف الخاص؛ تجارب نسوية، كتبت أنجيل الشاعر مقالة بعنوان “جرح على جدار العانة”، ووجدان ناصيف مقالة بعنوان “دفتر أخرس” سلّطتا فيهما الضوء على تجارب خاصة تتعلّق بالسجون وأدب السجون.
وفي باب الحوارات، أجرت مجلة (رواق ميسلون) أربعة حوارات مهمة، فأجرت الزهراء سهيل الطشم حوارًا مع ريبيكا شريعة طالقاني، وهي باحثة أميركية من أصل إيراني، وأستاذة مساعدة ومديرة دراسات الشرق الأوسط في كوينـز كوليدج، جامعة مدينة نيويورك. وأجرت إيمان صادق حوارًا مع الكاتب القصصي إبراهيم صموئيل، وأجرى فادي كحلوس حوارًا مع الكاتب الروائي مصطفى خليفة، وأجرى الحوار الأخير كومان حسين مع الكاتب بسام يوسف حول كتابه حجر الذاكرة.
واختارت هيئة التحرير الكاتب والمخرج المسرحي غسان الجباعي ليكون شخصية هذا العدد، وكان قد رحل في أوائل آب/ أغسطس الماضي، لذلك نشرنا في هذا العدد المزدوج الكلمات التأبينية التي أُلقيت في أربعين الراحل؛ وسيم حسان “كلمة ميسلون”، رغدة الخطيب “غسان الإنسان”، إبراهيم صموئيل “في وداع غسان”، أحمد قعبور “غسان الصديق المبدع الراحل”، أمل حويجة “عندما أقرأ لغسان..”، حاتم التليلي محمودي “الجبل أنت يا غسان!”، حازم نهار “خفِّف الوطء“، حسيبة عبدالرحمن “وداعًا غسان الجباعي“، راتب شعبو “رثاء صديق لم ألتقِ به“، سميح شقير “ورود فوق مثواك الأخير“، سهيل الجباعي “المثقف المنحاز إلى الإنسان“، علي الكردي “الساموراي غسان الجباعي“، فرج بيرقدار “نوعٌ من الاعتذار“، محمود أبو حامد “الراحل غسان الجباعي.. مبدع وحاضن للإبداع“، نبيل سليمان “غسان حيٌّ مقيم“.
وفي باب دراسات ثقافية نُشر في هذا العدد أربع دراسات. كتب الأولى منذر بدر حلّوم بعنوان “ماذا وراء هذه الجدران؛ سردية راتب شعبو وأخواتها”، أَمِلَ فيها “أن يأتي يوم يكون فيه لأدب السجون السورية المكانة التي يستحقها، ليس من حيث قيمته التوثيقية والتاريخية فحسب، إنما والأدبية الفنية أيضًا، وهذه مهمة نقاد الأدب، ومسؤولي المناهج في عهد الحرية إذا حلّ ذات يوم بأرض الشام المنكوبة.” وكتب الباحث السوداني محمد إبراهيم محمد عمر همَّد، الدراسة الثانية بعنوان “مراحل التعذيب في أدب السجون؛ رواية (شرف) لـ “صنع الله إبراهيم” أنموذجًا”، وذكر أن دراسته تهدف إلى: “الكشف عن مراحل التعذيب التي يمرُّ بها السجين، مع التطرُّق إلى الخصائص التي تميِّز كلَّ مرحلة عن غيرها، وتسليط الضوء على الجوانب النفسيَّة التي يمرُّ بها السجين في تلك المراحل، إضافةً إلى المقارنة بين مراحل التعذيب في الرواية بما هو موجود في السجون على أرض الواقع.”
وكتب عبد الرزاق دحنون الدراسة الثالثة “الأعمـــال أعلى صـوتًا من الأقوال؛ تأثير أدب السجون في الوعي العامّ والحياة السياسية”، حاول فيها أن يستقصي “جدلًا واسعًا ومتشعبًا عن دور منظومة (السجون)، وانعكاساتها على المجتمعات الإنسانية في تحديد السمات السيكولوجية والسلوكية للفرد المسجون الذي أمضى في سجون “الطَّاغية”، أو “الدكتاتور” على حدّ تعبير نانسي هيوستن؛ فترةً قد تطول أو تقصر، يخرج بعدها إلى الحياة العامة -هذا إن خرج سليمًا- بسلوكيات تختلف اختلافًا بيّنًا عمَّا كان يسلكه قبل أن يُسجن. ومن ثمَّ أعمل على اسْتِقصاء مساهمة “أدب السجون” المكتوب في كشف السمات العامّة التي يخرج بها المسجون من سجنه بعد الإفراج عنه.” وكتبت حسيبة عبدالرحمن الدراسة الرابعة بعنوان “عراة وراء القضبان”، قسّمت فيها أدب السجون إلى قسمين؛ “الأول: كتّاب كتبوا عن السجن بصورة افتراضية مثل نبيل سليمان في رواية (السجن) ومرّ بعض الكتّاب عليه سريعًا كـ حسيب كيالي في مجموعته القصصية (المطارد) وخالد خليفة في (مديح الكراهية) و(لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة)، وخليل صويلح في (جنة البرابرة)، وأيمن مارديني في (غائب عن العشاء الأخير). والقسم الثاني: سجناء كتبوا عن تجربتهم، وهنا نتوقف قليلًا. فلا تنطبق على كلّ ما كُتب تسمية (أدب). ولكن دفعتنا خصوصية المكان والموضوع للقفز وتجاوز مشروطيات الرواية والقصة وسواها.”
وفي باب إبداعات ونقد أدبي اخترنا نشر قصيدة للراحل غسان الجباعي بعنوان “ذهب ليلعب بالتراب”، وأيضًا قصيدة بعنوان “رُقيم تدمري أواخر القرن العشرين” لـ فرج بيرقدار، وقصيدة أخرى لـ ياسر خنجر بعنوان “بين زنزانتين”، وكتبت سوزان علي مقالة نثرية بعنوان “المسرح في حضرة العتمة” استلهمتها من رحيل الكاتب والمخرج المسرحي غسان الجباعي. وكتب هشام عيد قصة قصيرة عنوانها “ليس بعد”، وكتب أيضًا سمير قنوع قصة قصيرة عنوانها “سيناريو”، فيما كان عنوان القصة القصيرة التي كتبها شفيق صنّوفي بعنوان “عودة نايف”، وكتب آرام مقالة بعنوان “تدوين الخوف” أضاء فيها على تجربة اعتقال الكاتب السوري محمد الماغوط.
وفي باب ترجمات، ترجمت فاتن أبو فارس دراسة بعنوان “ظهور أدب السجون” لـ توماس اس. فريمان. وترجمت فاتن شمس مقالة بحثية بعنوان “أدب السجون العربية” لـ رضوى عاشور. وترجمت آندي فليمستروم مقابلة مع ديفيد كوغان تتحدث عن “أفضل روايات أدب السجون التي أوصى بها”.
وفي باب مراجعات وعروض كتب، قدّمت الزهراء سهيل الطشم قراءة في كتاب (قراءات في أدب السجون السوري؛ شاعرية حقوق الإنسان) لـ شريعة طالقاني. وكتب حسام الدين درويش مراجعة نقدية لكتاب كيفين مازور “الثورة في سوريا: الهوية والشبكات والقمع”؛ من الحراك المدني السلمي إلى الحرب الأهلية الأهلية والاستقطاب الطائفي. وقدّم فادي كحلوس عرضًا لكتاب (أدب السجون)، وهو من تحرير شعبان يوسف.
وأخيرًا في باب وثائق وتقارير، نشرنا وثيقتين؛ الأولى “مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن“، والثانية “إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، وهما صدرتا عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي الختام أعدّ فراس سعد تقريرًا بعنوان “في الذكرى العاشرة لاعتقال عبد العزيز الخير“.