مقدمة
يحتاج الحديث عن الأستاذ جاد الكريم الجباعي إلى مساحة أكبر وزمن أطول، سواء من خلال معرفتي الشخصية به أو من خلال كتاباته طوال ما يزيد على ثلاثة عقود، لكنَّني أشير في هذه الافتتاحية إلى أنَّنا أمام مفكِّر حقيقي مهموم بقضايا الإنسان والوطن. هل لكلمة “حقيقي” معنى أو قيمة في هذا السياق؟ نعم، فما أكثر من ينتحلون هذه الصفة، في رأيي الشخصي، زورًا وبهتانًا، أو تُمنح له اعتباطًا أو استسهالًا. هذا رأيي الشخصي، من دون أي ادعاء بأنني في موقع القيِّم على منح الصفات، فهذا حق متاح لكل فرد، لكنني سأشير إلى مسوِّغات هذا الرأي. الجباعي ليس مقطوع الصلة أو الجذور الفكرية، فهو ابن لخطٍّ فكريٍّ نقديٍّ عبَّر عن نفسه في محطات عديدة، ومع أسماء فكرية كبيرة. إنه التتويج الطبيعي لإلياس مرقص وياسين الحافظ وعبدالله العروي وجورج طرابيشي، وغيرهم؛ تخطَّاهم بعد أن هضمهم جيدًا، وصولًا إلى تجاوز نفسه، وما يزال مستمرًا في نهج التخطّي والتجاوز الدائمين.
الجباعي مفكِّر مجتهد، لا يكلُّ ولا يتعب، لا يُريح ولا يستريح، بارع في استكشاف الأصنام والأوهام، وشجاع في تجاوزها، دائم التفكير، منشغِلٌ دائمًا في البحث والتأمل وإعمال العقل، ومساءلة الذات. عمل على تجاوز من قرأ لهم أو تبنَّى أفكارهم أو تأثَّر بهم في لحظة من اللحظات، فهو يراجع نفسه، ولا يتردَّد في تجاوزها، ولا يحكمه شيء، لا سلطة سياسية، ولا دينية، ولا تتحكَم فيه رؤى سائدة مجتمعيًّا أو أفكارٌ مهيمنة في الفضاء العام، لا يسعى لإرضاء أحد، بل يسعى إلى الحقيقة؛ يُفتِّش عنها، ويتحرَّاها كيفما كانت وأينما وُجدت.
الجباعي ديمقراطي حتى الرمق الأخير، يتقبَّل الاختلاف في الآراء بصدر واسع ومفتوح، من اللانهاية إلى اللانهاية، من دون تصنّع أو تمييع. هذه الروح المنفتحة من سمات الكبار المخلصين حقًا لفكرة أن الواقع لا يستطيع أن يحوطه عقل واحد؛ فكلُّ فرد يرى جزءًا منه، والحقيقة نسبيَّة، ولها أوجه عدة على الدوام. الجباعي صاحب عقل وضمير مستقلين، وهو مستعد للتخلي عن قناعاته السابقة حينما يتبين له الحق والصواب، ولا يرضى أن تستوطنه الأفكار الجاهزة من دون أن يقلِّبها ويتأملها ويتفحَّصها لأنه مؤمن بأن نهضة العقول تستوجب مواجهة الأفكار والآراء الجامدة وكسر أغلالها بكل جرأة وحرية من دون أن يسلِّم لها تسليمًا أعمى أو ينقاد لها بصورة مطلقة أو بعاطفة مفرطة ومتطرفة.
لا يدَّعي الجباعي أنه وصل إلى الحقيقة، لكنه مخلص لها وجاد في سعيه إليها، فهو لا يكفُّ عن التفكير ومساءلة بدهياته وصولًا إلى إنتاج أفكار جديدة. وما كان له أن يسير في هذا الاتجاه لولا ديمقراطيته؛ فالمفكر الحقيقي هو الذي يلازمه شعور الخطأ بما يتبنى من آراء وأفكار وما يعتنق من قناعات ومعتقدات فهو في حالة شك دائم، يرجِّحُ “حقيقة” ما، لكنَّه لا يؤكِّدها ولا يضع نفسه في موضع الأسير لديها. “الحقيقة مفهوم مراوغ أشد ما تكون المراوغة، لا لتعدّد دلالاتها وتنوعها واختلافها وغموضها وتغيُّرها، من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر، ولا لكونها ممكنة على الدوام… بل لشدة مراوغة الناس حيالها وزوغهم عنها وخوفهم من مواجهتها، على ادّعاء حبهم لها، وتعلقهم بها، ونشدانهم إياها، وذودهم عنها”[1].
أولًا: الجباعي.. المفكِّر الذي يزداد هامشيةً وعمقًا
لا يجوز لنا، في رأيي، إطلاق صفة “المفكِّر” على أيِّ كاتب أو باحث منشغل بالقضايا الثقافية، فلهذه الصفة شروطها ومقتضياتها؛ أولًا: لا بدَّ أن يكون هذا الفرد قد غاص في بحور الفكر الإنساني واتجاهاته ومدارسه وتياراته، وتتبَّع تاريخ الفلسفة والفكر الإنسانيين والحضارات الإنسانية المتنوعة بما فيها تاريخ الأديان والأسطورة.
وثانيًا: لا بدَّ من أن يكون لديه إنجاز فكري حقيقي، يتضمَّن رؤية عامة ومشروعًا فريدًا يؤهِّلانه لرسم وجهة نظر متماسكة حول معالم الحاضر وآفاق المستقبل، لا من منظور محلّي بل من منظور إنساني يهتمُّ بمشكلات البشرية وقضاياها. ربما لهذا السبب رفض الجباعي إلحاق أي صفة بمفردة الفكر سوى الصفة الإنسانية لأنَّ الفكر والإنسان من طبيعة واحدة (الكليَّة). فقد اقترح الجباعي في حوارنا معه، أنا ومنير الخطيب، “أن يكون الفرد الإنساني، هنا-الآن، هو مرجع الفكر؛ أي إنّ الإنسان، في واقعه المعيش وشروط وجوده، هو معيار الفكر، لا أدلجة (الواقع). بهذا لا تعود الفروق بين الفكر العربي والفكر الغربي أو الشرقي سوى فروق في شروط إنتاج الفكر، فروق في الظروف المتغيرة، والبيئات المختلفة، لا تثلم كونية الفكر، المرتكزة على كونية الإنسان، بل تؤسِّسها. ومن ثم، إنّ مشكلتنا، اليوم، مثلما كانت أمس، هي مشكلة المعاصرة والكونية، أي مشكلة المشاركة الحرة والمبدعة أو عدم المشاركة في إنتاج المعارف والقيم والخيرات الإنسانية، ومشكلة المعايير، التي تحكم فكرنا وممارستنا”[2].
وثالثًا، لا بدَّ له من اقتحام الثقافة السائدة وزلزلتها، والمناطق غير المألوفة في الثقافة والمعرفة التي لا يقترب منها أحد، وإعادة قراءة الماضي من منظور عصري، وتفكيك الخطاب واللغة السائدين، وإعادة النظر الدائمة في ما يُعتقد أنه من البدهيّات.
اختار الجباعي العنوان (ضدّ “العقل السليم”) عنوانًا للحوار الطويل الذي أجريناه معه وصدر في كتاب عن مؤسَّسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر. وهو عنوان مستَوحى من مقولة هيغل حول “العقل السليم”؛ فقد ميَّز هيغل بين العقل والعقل السليم، ورأى أنَّ مقولة “العقل السليم” تدل على مجموعة الأحكام المسبقة خلال فترة زمنية في مجتمع ما أو عند مجموعة من البشر، أي تدل على ما هو سائد من قناعات وأفكار في لحظة ما، ولذلك واجه هذه المقولة بمقولة “العقل”، العقل من دون أي صفة تابعة، ضد سائر السلطات المرجعية، وعبر فتح باب الشك على مصراعيه، لأنَّه في أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي لحظة من اللحظات، هناك دائمًا سلطات مرجعية، أكانت في حقل السياسة أو الفكر، وهي التي تصوغ الحقائق أو ما هو صحيح أو ما هو مقبول. مثلًا، يمكن أن نشير إلى سلطة السلف أو السلطة السياسية، أو حتى سلطة الأعراف الاجتماعية، فهي تنتج أيديولوجيات تتحول إلى معيار للتفكير والقناعات والأخلاق، وإلى شكل من أشكال المسطرة، أو المقياس الذي تقاس به أي أفكار جديدة. ومن هنا، يعني عنوان الكتاب ضد “العقل السليم” الوقوف ضد الثقافة السائدة ومعاييرها وضوابطها، والتفكير بحرية خارج أسوارها وبدهيّاتها ومحرماتها.
هذا الوقوف ضدَّ سلطات الأمر الواقع المحافظة والرافضة لأيِّ تفكيرٍ خارج مسموحاتها، جعل من الجباعي مثقفًا هامشيًّا على حدِّ تعبيره في حوارنا معه “المثقف التنويري، من أمثال إلياس مرقص، وياسين الحافظ، وجورج طرابيشي، وصادق جلال العظم وأمثالهم، هو مثقف هامشي وثقافته هامشية، وغير مقبولة من مجتمعيه، الصغير والكبير”[3]. هناك ارتباط وثيق اليوم بين الوضعية الهامشية للمثقف وعقله النقدي؛ فهذا المثقف سيزداد هامشية بمقدار وضوح معارضته الجذرية للثقافات السائدة والمهيمنة التي تحرسها السلطات السياسية أو الدينية أو سلطات المجتمعات التقليدية، ولا سيَّما في ظلِّ نموِّ النزعات الشعبوية والشوفينية.
يعني ذلك أنَّ المثقف النقدي الجدّي، والمستقل، والذي يمتلك ضميرًا حيًّا، والمخلص في سعيه للحقيقة، والمعارض للسلطات السياسية والدينية والمرجعيات الأيديولوجية والاتجاهات الشعبوية وسلطة الرأي العام ودكتاتورية التفاهة والانحطاط؛ هذا المثقف سيقبع بالضرورة في هامش الحياة المجتمعية في بلادنا؛ فكلما ازداد فكره عمقًا واتّقادًا وجذريةً واستقلالًا في مواجهة منظومات “العقل السليم”، أي القيم والمعايير وطرائق التفكير السائدة، ازدادت هامشيّته، ولا سيَّما في ظلِّ استمرار تقييد الحريات عمومًا ومصادرة حرية التعبير والتفكير على نحو خاصٍّ بوصفها شرطًا رئيسًا للخلق والإبداع.
ثانيًا: مسار مغاير للتقدّم: الذات في مواجهة الهوية
صدر مؤخرًا كتاب جديد لجاد الكريم الجباعي عن مؤسَّسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر بعنوان الهوية والذات: مقاربات نظرية، وهو كتاب كثيف نظريًّا ولغويًّا، ويصعب تلخيصه أو عرضه باختصار؛ فكلُّ محاولة تصب في هذا الإطار تتضمن حكمًا شيئًا من الاختزال والتعدِّي على الكاتب والفكر في آن معًا. يحتاج الكتاب إلى قراءته كلمة كلمة وسطرًا سطرًا، والعودة إلى قراءته بين فينة وأخرى مرات ومرات، وإلى التأمل ومراجعة الذات بعد كلِّ قراءة. سيشعر قراء الكتاب الصبورون والجادُّون في سعيهم لفهم أفكاره والنتائج المترتبة عليها، في حال كان للشك مكان في عقولهم، وللإخلاص للحقيقة بعض المساحة في قلوبهم، بأنَّهم يتخلَّصون شيئًا فشيئًا من طبقة كتيمة مانعة للتفكير تغلِّف أدمغتهم، ومن كثيرٍ من الأوهام التي عاشوا حياتهم يدافعون عنها، ويرفعون لواءها/ وينتصرون لها.
عندما قرأت الكتاب شعرت أنَّ الجباعي يعيش حالة اختمار فكري فريدة، أو حالة من التجلِّي الذي يجعله قريبًا من النور الصوفي، النور الذي يستوطن العقل والقلب والروح فيقترب بصاحبه من الحقيقة الإلهية، النور الذي هو أول خلق الله، ومنه انبثقت الموجودات جميعها كما يرى ابن عربي. إنها حالة من النقاء الاستثنائي على مستوى الفكر والوجدان والضمير، حالةٌ لا تحدث إلَّا في لحظة إعادة خلق فكرية نادرة. الجباعي يعيش قريبًا من النور، وهو الذي آثر الابتعاد من الأضواء التي يلهث كثيرون ليكونوا في وسطها ويتنعَّموا بمغرياتها. هنا يغدو عدم اكتراثه لبهلوانيات الساحة الثقافية وادّعاءاتها وأضوائها منطقيًا ومفهوما؛ إذ لا حاجة لمن يعيش النور في عقله وقلبه إلى أضواء الإعلام ومغرياته.
يصبُّ كتاب الجباعي الجديد في إطار إعادة التأسيس والتأصيل التي نحن أحوج ما نكون إليها، ولا سيَّما بعد الخراب المعمَّم الذي يزكم الأنوف، والهزائم التي حطَّت في كلِّ ركن وزاوية. في هذا الكتاب، يأخذنا الجباعي إلى الجذور، أو إلى جذر الجذور كلها أو إلى التأسيس الذي تحدث عنه إلياس مرقص، فيصل بنا إلى جوهر القضايا جميعها، إلى الإنسان مجردًا من الأيديولوجيات والأوهام والشعارات والانتماءات كلها إلا من انتمائه إلى النوع الإنساني. ينفض الجباعي غبار الأوهام عن بدهية اعتبار الإنسان منطلقًا ومستقرًا، مبدأ وغاية، في الفكر والممارسة؛ البدهيّة الأهم التي ضاعت بين ركام الشعارات والشعبويات، وطحنتها سنابك خيل الأيديولوجيات والهويات.
قَطَع الجباعي، منذ زمن بعيد، مع الوعي الأيديولوجي، ومع الفكر المتمحور حول الهويات، ليصل إلى الجوهر، أي الإنسان. قد يبدو مفهوم الإنسانوية أو الإنسية معروفًا ومطروقًا منذ زمن، لكنه غالبًا ما كان يصلنا بصورة سطحية تختزله في توجه أو نداء أخلاقي تقليدي، لا بوصفه مفهومًا تأسيسيًّا في الفكر على الضد من التفكير الهُووي بأنماطه وأشكاله كافة، وفي أحايين أخرى نجده مقولبًا وفق أيديولوجيا ما، قومية أو دينية أو يسارية، تستخدمه في خدمة تصوراتها وأهدافها الضيقة. أما الجباعي فجعله منطلقًا لبناء رؤية متماسكة تُعلي من شأن الذات الإنسانيَّة في مواجهة الهويات والجماعات المتناحرة على حساب بناء المجتمع الحديث والدولة الحديثة[4].
1- نقد الأنتلجنتسيا
يستبق الجباعي منتقديه المحتمَلين في كتابه الجديد، في سياق مطالبته بالانحياز إلى نموذج الذات عوضًا عن نموذج الهوية الذي انشغلت به النخب السياسية والثقافية العربية، فيشير إلى أنه لا يستثني نفسه من النقد والمراجعة، بل لعلّه، كما يقول، يرى “صورته المركبة في مرآة ما كتبه، منذ بدأ الكتابة والنشر. وليس لديه اليوم أيُّ ادعاء سوى أنه يكتب ذاته، بعجرها وبجرها، ويعرض نفسه، روحه، تحت شمس الحرية، شمس النقد”[5]، فربما يكتشف قارئو الكتاب أنَّ هناك انزياحًا عمَّا كتبه سابقًا أو ربما اكتشفوا بعض التناقضات بين نصه الحالي ونصوصه السابقة.
يرى الجباعي أنَّ النصوص التي كُتبت عن التراث والهوية، منذ ثلاثة أجيال ونيِّف حتى اليوم، قد كُتبت وفقًا لنسق التفكير الديني ونسق التفكير القومي، ومنطق “الأصيل والدخيل” بصورة أساسية. فالهويات “كانت، وما تزال، تكتب نفسها، وتسمي ما تكتبه فكرًا وفلسفة، وهو لا يزيد على كونه سفسطة و(فقهًا)، ونسخًا ومسخًا، وبلاغة جوفاء، وتكرارًا عقيمًا”[6]. لقد انشغل المثقفون والمفكرون العرب بالتراث والهوية تحت عنوانات مختلفة تصبُّ في المآل في خانة إحياء الماضي واستئناف معاركه، ما هيأ التربة لإنتاج العنف بصورة دائمة، وسارت في هذا الركب نخب قومية وإسلامية وشيوعية كانت في معظمها استبدادية. يُطلق الجباعي على هؤلاء المثقفين القوميين والإسلاميين والشيوعيين وصف “مثقفي الملل والإثنيات وفقهائها”؛ لأنَّ عدّتهم الفكرية لم تكن تصبُّ إلَّا في إطار هُووي جماعاتي على شاكلة “الأمة العربية الواحدة” و”الإسلام هو الحل” أو حتى تلك التي جاءت تحت عنوانات “التحديث” والمعاصرة التي كانت في الحصيلة مجرد تنويعات من إنتاج التقليد أو تقلدة الحداثة. ولذلك حسم خياره باتجاه الانحياز إلى انعتاق الروح الإنساني عبر تحرير المعرفة والفكر من ربقة الإثنية والدين وسائر الهويات القاتلة.
وانطلاقًا من ذلك عرَّف الجباعي الشعبويةَ التي سار في ركابها عديدٌ من المثقفين والسياسيين، ولا سيَّما في العقدين الأخيرين، تعريفًا جديدًا يذهب إلى جوهرها فعلًا بأنها “مغازلة الهويات، وإثارتها و(تثويرها) وتهييجها، لكأنها الوجه الشبقي للثقافة؟ أجل، الشعبوية هي الوجه الشبقي للثقافة، الوجه الذي يعصف بالرشد الأخلاقي، أو يذهب به، أو الذي “يخلع العقل”، أو يمْزعه، بالمعنيين الحرفي الحقيقي والمجازي الدارج شعبيًّا”[7]؛ فكل الخطابات الشعبوية استثمرت غرائزيًّا في الهويات المرتكزة على الإثنية والدين والطائفة بوصفها القضايا الأساسية التي تجد رواجًا شعبيًّا من جهة، ويحصل أصحابها على التصفيق الشعبي والرضا المجتمعي من جهة أخرى.
لقد شكَّلت الهويات المادة الأساس لشغل المثقفين والسياسيين، وكانت الحصيلة ضمور الروح الإنساني العام في سلوكاتهم وخطاباتهم، وازدياد مساحة الأوهام والشعارات في نتاجاتهم ورؤاهم وتصوراتهم. وإذا كان عبد الله العروي قد صوَّر الأيديولوجيا بوصفها قناعًا يحجب الواقع، فإنَّ الجباعي صوَّر الهوية بوصفها حجابًا ونقابًا “الهوية، بصفتها حجابًا، تحجب الذاتَ، وتُظهر الشخص، على وجهٍ من الوجوه غير وجهه، تحجب الكينونة وتُظهر الكائن، على وجهٍ من الوجوه غير وجهه. والهوية بصفتها نقابًا، تُخفي الذات، وتُظهر المتعصِّب المهووس، عدوَّ نفسه”[8].
2- حضور الجماعات وغياب المجتمع
نشهد في منطقتنا حضورًا كثيفًا للجماعات في مقابل غياب المجتمع أو في الأحرى على أنقاض المجتمع؛ فالمجتمع الحديث لن يبصر النور في ظل الرضا العام السائد بالبقاء داخل أسوار الجماعات المشكَّلة تاريخيًّا على أسُسٍ إثنية-دينيَّة، لأنَّ هذه الجماعات تنحو إلى اعتبار التجانس الداخلي أساس وجودها وهويتها بما يكتنزه من تصورات وعقائد ورموز وأوهام، مشكِّلةً عقدة حقيقية أمام تشكل المجتمع الحديث ونموه بوصفه فضاءً من الحرية. الطوائف مثلًا واحدة من هذه الجماعات المغلقة، وهي، وفق الجباعي: “منظومة انتماء وولاء قوامها التماثل أو التجانس، تحيل على الجماعة المغلقة على تجانسيتها. الانتماء إليها والتحرر منها يعينان الفرق بين ذات حية، تنتج أشكال وجودها الاجتماعي، وهوية ميتة هي مُنتج نهائي يعيد النظام الاجتماعي إنتاجها، في سياق إعادة إنتاج ذاته”[9]. من طبيعة هذه الجماعات (الهويات) تكوّرها على نفسها، وإغلاق حدودها أمام الخارج (المختلف)، واقتصار علاقاتها على العلاقات البينية بين أفرادها، وهذه كلها هي نفسها عوامل ديمومتها، ومن ثم فإن ضعفها وانحلالها مرهونان بدرجة رئيسة بتجاوز علاقات أفرادها لحدودها، وكسر ثنائية الأصيل-الدخيل.
هناك تفريق ضروري، معرفي وأخلاقي، يُشدِّد عليه الجباعي، بين الجماعة والمجتمع، لأنه المفتاح الرئيس إلى معرفة المجتمع المدني الحديث والدولة الوطنية الحديثة الغائبين. فالتضاد بين الجماعة والمجتمع هو تجسيد فعلي للتناقض بين الهوية والذات، إنه “تناقض بين الانتماء الحصري لجماعة بعينها واستبطان سلطتها وأوهامها عن ذاتها، وبين الانتماء الوجودي، الجذري، إلى النوع الإنساني، أو بين (الخصوصية) والكونية. الكونية هنا بمعنى الإنسانية أو الإنسية، التي تؤسِّس الوطنية، أو لا تكون الوطنية سوى عنصرية”[10]. ولذلك كانت سيرورة تشكل المجتمع المدني الحديث “هي ذاتها سيرورة تفكّك الجماعات المغلقة والمتحاجزة، وانعتاق الأفراد من ربقتها، أي سيرورة تفكّك الهويات الزائفة وانعتاق الأفراد من ربقتها”[11].
تخنق الجماعات أفرادها وتكبِّلهم بقيودها وتحوِّلهم إلى مسوخ بشرية تذوب في سديم الجماعة، وهذه العملية توازي بكلمات أخرى طغيان الهوية على الذات الذي يشكِّل أساس الاستبداد، فالاستبداد -بحسب الجباعي- هو “انتصار الجماعة على الفرد؛ وانتصار فرد واحد، هو رأس الهرم، على الجماعة الغالبة والجماعات المغلوبة؛ وانتصار الهوية على الذات؛ وانتصار الوهم على الحقيقة؛ وانتصار الهوى على الحكمة؛ وانتصار الجهل على العقل؛ وانتصار الأنانية على الحب”[12].
3- الذات والهوية، الفرد والجماعة
يرى الجباعي أنَّ نقد الهوية وتمييزها من الذات شرط رئيس لبناء فكرٍ إنسانيِّ المبدأ والغاية، وإنسانيِّ المحتوى والشكل، لا ينحشر ضمن حدود الخصوصيات والمحليات بما فيها من تراث وعقائد وأوهام وسرديات، بل يستكشف ما فيها من ممكنات معرفية وأخلاقية وجمالية وإبداعية ذات طابع إنساني، ويهضمها، ويتجاوزها. ولذلك عمل في كتابه، في مواضع كثيرة، على تحديد اختلافات كثيرة بينهما، وأبرز نتائج البقاء في ساحة الهوية، والإمكانات التي يخلقها الانتقال إلى فضاء الذات.
أذكر في الجدول الآتي عددًا من هذه الاختلافات التي التقطتها من كتابه، ووضعتها في صيغٍ متقابلة لتسهيل إيصال الفكرة الجوهرية القائمة على تمييز الهوية من الذات[13]:
| الهوية | الذات |
| الـ (أنا-نحن) لا أفكر، الـ (أنا-نحن) لا أعمل شيئًا من تلقائي، (أنا-نحن) لا ينتج، ولا يبتكر، ولا يبدع، الـ (أنا-نحن) الذي ينفعل، ولا يفعل، والتي تنفعل ولا تفعل. الهوية هي كل ما نحصل عليه بلا أي جهد، وبلا أي تبصُّر، وبلا أي فحص أو نقد. | الأنا أفكر، الأنا أعمل؛ الأنا أنتج، أنا أنتج ذاتي في الطبيعة والمجتمع والدولة، أنا أبتكر وأبدع، الأنا أنفعل-أفعل. |
| الهوية تحديد جمعي أو مُنتج جمعي (جماعاتي)، تتوارثه الجماعات، ويُفرض على الأفراد، لا تنتج شيئًا غير الأنانية والمحدودية والتمييز والسلفية والأصولية والتطرف والعنف. | ذات الفرد هي إنسانيته، ماهيته الجوهرية، حريته، جسده، نفسه، روحه، لغته وعقله وفكره وعاطفته وممكناته المعرفية والأخلاقية والجمالية وجملة علاقاته الإنسانية… وأناه العميقة، هي ما تتجلى في علاقته/ علاقاته بآخرين وأخريات، يتشاركون ويتشاركن، على وجه التكافؤ والمساواة، في الكرامة الإنسانية والكرامة الوطنية والأهلية والجدارة والاستحقاق، تشاركًا حرًا ومبدعًا في إنتاج عالمهم (المجتمع والدولة) وابتكار وطنهم، في أفق الإنسانية المتأصلة في ذات كل منهم وكل منهن، بصفتها ماهيتهم/ـن الجوهرية. |
| الهوُّيَّة هي ما يتلقاه الفرد، قبل سن الرشد المعرفي-الأخلاقي، من الأسرة والبيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، مع تعلمه اللغة، في أثناء تربيته وتنشئته وتعليمه، وليس في وسعه مناقشة ما يتلقاه أو تحليله أو معارضته أو نقده، من دون أن يتعرض للوم أو عقاب. | الذات هي ما ينتجه الفرد نفسه، بعقله هو وفكره هو وعمله هو وخبرته هو ونشاطه هو… وما يختاره بنفسه، ويسعى لتحقيقه، حين يرشد، ويصبح قادرًا على ذلك. |
| الهوية من إنتاج الجماعة، لا من إنتاج المجتمع. الجماعة غير المجتمع وضد المجتمع والدولة. فلا يقوم مجتمع مدني ودولة ديمقراطية إلا على أشلاء الجماعات المغلقة، ولا سيَّما الجماعات الإثنية والدينية والمذهبية | الذات من إنتاج ذاتها. هذا هو الأساس الأنطولوجي للمجتمع المدني، الذي هو من إنتاج ذاته، من إنتاج جميع أفراده إناثًا وذكورًا، بلا استثناء. |
| الهوية تفرضها الجماعة على أفرادها، ثم تصير شرطًا للاعتراف بهم أفرادًا في القطيع المتجانس، لا ذوات حرة ومستقلة. | تتشكل الذات بالعمل والنشاط والفاعلية-الانفعالية والإنتاج الاجتماعي والابتكار والإبداع… إلخ من جهة، وبالتواصل الإنساني والتذاوت والتعارف والتثاقف. |
| الهوية بنت الانتماء، الأنا الذي ينتمي أو التي تنتمي. | الذات بنت العمل والنشاط والتواصل. |
| الهوية = التبعية والانقياد (الهوية هي التبعية الخالصة، في كل شيء وفي كل مجال، الجماعات الدينية والقومية تخلق تبعية خالصة (عبودية) لأفرادها). | الذات = الحرية والانعتاق. |
| الهوية تتأسَّس على الإيمان (مبدأ الهوية هو التصديق التام-التكذيب التام، القبول التام-الرفض التام؛ وهما مظهران متلازمان من مظاهر العنف، وشرطان رئيسان من شروط إمكانه، كل مرة). | الذات تتأسس على المعرفة-العمل والفاعلية-الانفعالية الحية. |
| الهوية مكتفية بذاتها على الدوام، وكاملة على الدوام، وصائبة على الدوام. | الذات محتاجة على الدوام، ناقصة على الدوام. الذات موسومة بالنقص والاحتياج الدائمين.
من خصائص الذات إمكان الغلط والخطأ والزيغ، لكنها تمتلك فضيلة الاعتراف وإمكان التخطي والتجاوز. |
| الهوية هي المحدودية، التي لا أفق لها، لأنها هي ماضيها وحاضرها ومستقبلها. لازمانية ولامكانية، بل عابرة للزمان والمكان، ثابتة ودائمة ونهائية. | الذات ديناميكية متغيرة، محدودة الأجل بالموت، بصفتها الفردية، واللامحدودة، بصفتها النوعية (الإنسانية). |
| الهويات لا تنتج سوى آراء، تعبِّر عن مصالح وغايات وأهداف أنانية خالصة (لذلك تُوضع الأيديولوجيات والسَّرديات والأوهام تحت عنوان الرأي المضاد للحقيقة). | الذات تنتج الحقائق الواقعية المادية والروحية، وتستهلك مما تنتجه. ومن ثم، إن ثقافة الذات هي ثقافة العمل والفاعلية-الانفعالية الحرة والمبدعة والإنتاج الاجتماعي، المادي والروحي، ثقافة الابتكار والإبداع. |
| الهويات تفاصلية بطبيعتها، ومجال للسجال والجدال و”المزايدة”، لأنها من طبيعة خطابية خالصة. | الذوات وحدها تواصلية بطبيعتها. التذاوت يتعدى التواصل والعلاقات البين ذاتية إلى تأسيس متبادل للذوات المتواصلة والمتعالقة (مساهمة متبادلة في تشكيل الذوات المتواصلة). |
| الأنا الهووي يصنِّف ويحكم، ويفاضل ويقدِّس ويدنِّس ويعظِّم ويحقَّر.. التصنيف يعني التحديد الذاتي للمختلف والمخالف، أي اختزال الآخر المختلف والمخالف في هوية أنثروبولوجية أو أيديولوجية. ومن يصنِّف ويحكم لا يقول إلا هويته الخطابية وسلطتها (هذا هو المعنى الأدق للشوفينية والعنصرية والطائفية). | الأنا الديكارتي، الذي يفكر في الشيء أو في الأمر. |
| الهوية بنت التجانس والتماثل والتشابه. | الذات بنت الاختلاف. |
| الهويات تعمل وفق مبدأ الرغبة. | الذوات تعمل وفق مبدأ الواقع. |
| رغبة الهوية غير محدودة (وهي معنى الهوى والغيِّ) | رغبة الذات (الرغبة من وجهة نظر الذات) محدودة بالواقع والممكن. |
| إرادة الهوية غير محدودة بأي حد، وغير مقيدة بأي قيد. | إرادة الذات (الإرادة من وجهة نظر الذات) محدودة بإرادات الأخريات والآخرين. |
4- صراع الهويات
يُشدِّد الجباعي على ضرورة إعادة النظر في التعريف السائد للهوية بأنها “وعي الذات”؛ فالهوية في رأيه هي “(وعي) الانتماء إلى جماعة، الوعي الذي لم تنتجه الذات، ولم تختره اختيارًا حرًا”[14]. ويوافق على وصف أمين معلوف للهويات الإثنية والقومية والدينية والمذهبية بأنها “قاتلة”، مشيرًا إلى أنَّ أهم ما قتلته هو “جنين المجتمع المدني وجنين الدولة الوطنية”، وكاشفًا عن التلازم المنطقي “بين صراع الهويات والتحاجز الاجتماعي وتعثر بناء الدولة الوطنية وبين الانغلاق الثقافي والانحطاط الأخلاقي”[15]. لذلك كان نقد الهوية بالنسبة إليه هو ذاته “نقد التحاجز الاجتماعي، ونقد التفاصل والتباغض والتدافع وكشف النقاب عن أصولهما وفصولهما”[16].
لقد حشرت النخب الثقافية في المنطقة نفسها، طوال ما يزيد على ستة عقود، في سجون الأيديولوجيات والعقائد، ولا سيَّما الإسلامية والقومية العربية والشيوعية بتلاوينها المتنوعة، وبنت في ضوئها هويات أحادية ومغلقة مضادة للتفكير والإنسانية ومشبعة بالانحطاط الأخلاقي الذي تجلَّى في رفضها للآخر المختلف وتكفيره أو تخوينه، ونزع الصفة الإنسانية أو الوطنية عنه، واستباحته وهدر كرامته. هذه الهويات حوَّلت الثقافة العربية إلى ثقافة ماضوية وأصولية وتراثية بصرف النظر عن قشرتها الخارجية، ما منعها من الارتقاء إلى الإنسانية والكونية والمعاصرة، وجعلها خزانًا لإنتاج التطرف والتعصب والكراهية والعنف على طول الخط.
5- الانتقال من الهوية إلى الذات
شكَّلت الهويات التي جعلت من الدين أو الطائفة أو العرق أو الأيديولوجيا مرجعيتها ومرتكزها عوائق رئيسة أمام الانتقال من المجتمع التقليدي والماضوي والبطريركي المؤلَّف من جماعات متحاجزة ومتنافرة إلى مجتمع مدني حديث مندمج وطنيًا قوامه الحرية والتنوع، كما كانت حائلًا دون تجاوز الدولة المستنفدة في السلطات الشمولية ونظام الحكم السلطاني أو الغارقة في فضاء السلطات الدينية والمذهبية والأيديولوجية، والانتقال إلى الدولة الوطنية الحديثة المجسَّدة في السلطة العمومية للدستور والقانون.
ويشير الجباعي إلى أن الانتقال من نموذج الهوية المغلقة والأحادية إلى حياة الحرية وفضاءاتها المفتوحة وآفاقها الإنسانية ممكن دومًا، أكان ذلك على المستوى الفردي أم الاجتماعي. لكن هذا الإمكان “لا يعني شطب الهويات أو إلغاءها تعسفيًّا، أو حتى التضييق عليها وقمعها”[17]. وبكلمة أخرى، إنَّ “الانتقال من نموذج الهوية إلى نموذج الذات ممكن دومًا على صعيد العلاقات البينية بين الأفراد المختلفين والمختلفات؛ إذ إنَّ كل علاقة بينذاتية قوامها الاعتراف المتبادل والاحترام المتبادل والمودة والتعاون… هي علاقة تذاوت تواصلية، يمكن أن تعكِّرها المواقف والآراء الهووية، ويمكن أن تؤدي إلى قطعها”[18]. لكن هذا الانتقال الفردي يحتاج إلى ترسيخ في الثقافة العامة والفكر والسلوك، ومن ثم، في الدستور والقانون. أما الانتقال على مستوى المجتمع، من نموذج الهوية إلى فضاء الحرية، فهو رهن بقدرة المجتمع على الانتقال من الحالة البطريركية إلى المدنية، ويقترح لهذا الانتقال مدخلين: “أولهما هو الحوار والنقاش العام أو تداول الحرية، والثاني هو ما سمَّاه ماركس “الانعتاق السياسي”، أي إلغاء الإثنية والدين وسائر الهويات الحصرية سياسيًّا. فإن من شأن الحوار أن يفرز حقائق الذات من أوهام الهوية، ولغةَ الذات من خطاب الهوية”[19].
ثالثًا: خاتمة؛ راهنيّة الجباعي عربيًّا
لقد أصبح سؤال الهوية اليوم، ولا سيَّما بعد الصراعات الداخلية، الطائفية والمذهبية والإثنية، التي حدثت بعد 2010 في المنطقة العربية، وما زال بعضها مستمرًا، سؤالًا إشكاليًا يزيد أزماتنا تعقيدًا، ويُبعدنا عن مشكلاتنا وحاجاتنا الحقيقية، ويضعنا خارج العصر والعالم والإنسانية. يقول علي حرب: “أصبحت أرى أنَّ السؤال عن الهوية هو سؤال مفخَّخ يرمي الى استدراجي، إذ هو يريد لي أن أكون رهنًا لهويتي، سجينًا لمعتقدات وتقاليد وثوابت سلوكية أو فكرية، لست أنا من أختارها. إنه يُكرِّس التقسيمات المعهودة بين البشر إلى أقوام وأعراق أو إلى طوائف وملل، هذه التقسيمات لم أعد أُسلّم بها”[20].
تناول الجباعي هذه الفكرة المركزية في كتابه الثمين بالتفصيل من جوانبها كافة، بصورة أعمق، وبنى رؤية نظرية متكاملة حولها يمكن أن تُبنى عليها ممارسات سياسية ومدنية جديدة ومنتجة، ولا سيَّما تأكيده في الحصيلة أهمية الانتقال المشروع من نموذج الهوية إلى نموذج الذات، وإمكان هذا الانتقال وشروطه.
تأتي أهمية هذا الانتقال من كونه خطوةً رئيسةً لمغادرة ساحة التقاتل، وشرطًا ضروريًا لتفكيك التنميطات والاختزالات والسرديّات كافة التي تُنتجها الجماعات الدينية والطائفية والإثنية عن نفسها، وعن بعضها بعضًا، وعن العالم، وعاملًا حاسمًا في عملية إعادة الاعتبار لمفهوم الإنسان، وركنًا أساسيًا في بناء المجتمع المدني والدولة الحديثة.
يعني هذا الانتقال من ضمن ما يعني تنحية الهويات الموروثة التي تقدِّم إحساسًا واهمًا وزائفًا بالقيمة والاعتبار، والهويات التي سُجنَّا داخل أسوارها رغمًا عنا فحوَّلتنا إلى مسوخ بشرية تكرِّر نفسها ولا تفكِّر، والهويات الأحادية التي أغرقت ذواتنا في طوفان الـ “نحن” واستلبَتها ومنعتها من التفكير والإبداع، وألغتنا بوصفنا أفرادًا مختلفين ومتمايزين.
هي أفكار قد تنقذ أوطانًا وشعوبًا أو قد تُطلق سيرورة بناء دول ومجتمعات حديثة عمادها الإنسان وتعيش العصر.