الطريق إلى سورية الجديدة

في معرض كلماتي هذه لست بصدد تقديم وصفة أو توجيه أو خاطرة إنما أعرض رأيًا واتجاهًا يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب، وهو حق مشروع لي ولكل مواطن سوري. عندما نتحدث عن الطريق نحو بناء سورية علينا تجنب الوقوع في التفاؤل المبالغ فيه، وكذلك التشاؤم المحبط.

الاتجاهان كلاهما قد يوقعاننا في دائرة التوجهات الضيقة، وأعتقد أن الطريق نحو بناء سورية لا بد أن يمر بمراحل طويلة أو متوسطة أو قصيرة، وهذه المراحل تعتمد على البدء بوضع خطة واضحة ومدروسة أو تصور لما يمكن البدء به والسير في طريقه، وهذا سبيل نهوض أي بلد قد خرج توًّا من نزاع دام أكثر من أربعة عشر عامًا، أتى على الأخضر واليابس، وأدى إلى تراجع مفجع في جميع القطاعات ولا سيما القطاع الاقتصادي وقد طال هذا التراجع مناحي الحياة كافة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهنا تظهر لنا البداية قلقة بما تحمله من صعوبات ما يجعلنا نتساءل من أين نبدأ؟ لعل الإجابة عن هذا التساؤل تقودنا بالضرورةإلى فهم الواقع ووضع الخطط والدراسات وإيجاد الحلول للمشكلات، من منظور الخبرة والواقعية، ومن ثم تكمن الإجابة في أن الطريق نحو بناء سورية يتمثل بالتنمية الشاملة والمستمرة ليس في المجال الاقتصادي فقط، وإلا وقعنا في إسار التوازنات الاقتصادية التي قد تتوافر لنا وقد لا تتوافر، ولكن التنمية هي حتمية، مجتمعية، اقتصادية، اجتماعية، وثقافية، وهذا يتطلب طرح الأمور بكل شفافية بما يحدد شكل التوجه ومنطلقه، ومعرفة ماذا نريد وإلى أين؟ ومن المهم أن نشير إلى أهمية الحرية في ما يتعلق بالمجتمع السوري، لأن البناء خارج إطار الحرية يصبح تعسفًا، ومن دونها لا نستطيع تحقيق ما نصبو إليه. وهذه التنمية تحتاج إلى فضاء من الحرية والتشاركية وجزر الفوارق بين الممكن والمستحيل، وهذا يمثل قدرة إرادية رائدة تحدد ملامح المرحلة بتفاصيلها كافة من دون التمركز حول الأفكار الجامدة، والمسلمات المستوحاة من تهيؤات الأشخاص مهما كان سلوكهم أو درجة جديتهم.

وعليه لا بد من ترتيب الأولويات كبداية مؤسسة لسلوك طريق التنمية المجتمعية، ومن ثم لا بد من إنشاء مقدمة عميقة بالمتطلبات الأساسية لوضع خريطة التنمية في المجالات كافة التي يمكن الولوج إليها على نحو تناغمي، بين القطاعات المختلفة والترابط في ما بينها لخلق حالة من التكامل لتحقيق الدفع القوي نحو الانطلاق إلى تحقيق الأهداف المرجوة في جميع الاتجاهات، من دون إعاقة أو توقف، ومن ثم يجب توافر عوامل التقدم في مسار العمل وفق الآتي:

1- سرعة التوجه بلا توقف.

2- تهيئة الإمكانات المادية والمعنوية لذلك.

3- توفير الكوادر المؤهلة لتقود عملية التنمية (القوى البشرية).

4- الإدارة الجديرة النزيهة والمستوعبة لطبيعة المرحلة.

5- القدرة على تنفيذ الخطط الموضوعة لتحقيق النتائج مع مراعاة المحاذير الخطرة لتجنب الوقوع في الخطأ.

6- العمل بمبدأ الشفافية في جميع المراحل وإطلاع المواطنين على مراحل سير العمل بكل وضوح. بعد هذه المقدمة يمكننا تحديد أهم الموضوعات التي ترتكز عليها عملية التنمية الشاملة والمتوازنة والمستمرة بما يأتي:

1- قطاع البنية التحتية المجتمعية، الذي يعدّ المنظومة الأساسية التي تشكل حجر الأساس في بناء القطاعات الأخرى، وقطاع البنية التحتية هذا يمتد عميقًا إلى تفرعات كثيرة سألخصها من دون الاستغراق فيها، لأنها تحتاج إلى بحث طويل منفرد بإشراف متخصصين قادرين على الإحاطة به من الجوانب كلها.

– الإسكان: وما يترتب عليه من البناء وإعادة الإعمار لتأمين المسكن بالدرجة الأولى للعائلات التي دُمّرت بيوتها بصورة كاملة أو جزئية، وما يتبع ذلك من التنظيم العمراني للمدن والقرى والبلدات، وتوزعها على مساحة الوطن وما يستتبع ذلك من تأمين الماء والكهرباء والعمل على إصلاح شبكة الصرف الصحي وتنظيم الشوارع وإيصال الطرق الرئيسية والفرعية لهذه التجمعات السكانية الجديدة وفق منظور متقدم للتحديث، وتنفيذ المشاريع التي تهدف إلى تنظيم المدن ومحاولة الحد من التجمعات العشوائية فيها عن طريق تحقيق نهضة شاملة في الريف لتحقيق مبدأ الهجرة المعاكسة.

النقل: يعتمد تطوير النقل على إحداث نقلة نوعية في تطوير المرافق العامة وخاصة طرق المواصلات الرئيسية والفرعية، وإعادة النظر في مشاريع النقل البري بالسيارات والشاحنات أو القطارات مرورًا بتطوير النقل الجوي وتوسيع المطارات وصيانتها، وزيادة توزعها على الخريطة السورية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النقل البحري. وتأتي أهمية تطوير النقل لأسباب عدة منها تعزيز انسيابية الحركة التجارية وربط مراكز الإنتاج بمراكز الاستهلاك، وتقليل تكلفة النقل عبر دراسة السبل المتاحة لخفض تكاليفها، ومقارنة نتائج النقل البري للبضائع عبر السيارات والشاحنات بوسائل النقل الأخرى كالقطارات أو النقل الجوي بالطائرات، لتحديد الوسيلة الأفضل لنقل أنواع السلع بما يضمن المحافظة عليها من التلف.

الصحة: إعادة تأهيل القطاع الصحي وتطويره، من خلال تحسين واقع المشافي والمستوصفات والمراكز الصحية والعمل على تعزيز الصحة العامة وضمان وصول الخدمات الصحية إلى المناطق السورية كافة وعدم حصر تقديم الدعم الصحي في المدن الرئيسية فقط بل ضمان وصوله إلى الأرياف.

التعليم: تعرض قطاع التعليم لأضرار بالغة خلال السنوات الماضية، ويعد النهوض به خطوة أساسية في طريق إعادة الإعمار، وينبغي تركيز الجهود على ترميم المدارس المتضررة في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، ومن ثم تأسيس المدارس النموذجية، وتوفير بيئة ملائمة للمعلمين والطلاب من تدفئة ومساحات صفوف واسعة بما يضمن سير العملية التدريسية في المراحل الدراسية الابتدائية والإعدادية والثانوية، والعمل على إنشاء المدارس في القرى والمناطق النائية. إضافة إلى ضرورة وضع خطة للنهوض بالواقع المعيشي للمعلم بما يتلاءم مع مكانته الاجتماعية بعد معاناة دامت لسنوات في عهد النظام البائد.

كما أن واقع التعليم العالي في سورية يحتاج إلى تطوير مستمر من خلال تحليل الواقع التعليمي من الجوانب كافة وتقديم المقترحات والعمل على تنفيذها من إنشاء جامعات جديدة وفروع لها في المحافظات السورية، وإعادة تأهيل الكوادر التدريسية، وتوفير الوسائل التعليمية من مكتبات ومراجع علمية وبحثية متطورة عربية ومترجمة، ووسائل التكنولوجيا الحديثة، والعمل على بث روح التعاون بين الطلاب والاعتماد على أساليب البحث الجماعية التي تتيح للطلاب المجال للتواصل الفعال في ما بينهم و تبادل الأفكار والمعلومات.

وإعادة النظر في طريقة القبول عن طريق العلامات، واعتماد نظام المقابلة ليتاح للطالب تحقيق رغبته في دراسة الفرع الجامعي الذي يريده، من دون التدخل المباشر والتأثير الذي قد يمارسه أولياء الأمور، إضافة إلى مجموع العلامات، واعتماد طريقة المناقشة والحوار بين الأستاذ والطالب والابتعاد عن التلقين الذي كان سائدًا من خلال حصر اعتماد الطلاب في دراستهم على مراجع وكتب معدّة من الأساتذة الجامعيين، وحث الطلاب على الاستفادة من الدراسات والبحوث الموجودة في المكتبات.

– الطاقة: يعدّ قطاع الطاقة في سورية من أهم ركائز الاقتصاد، ومن ثم يعد التركيز على توليد الطاقة الكهربائية وتنويع مصادر الطاقة ضرورة ملحّة أكان ذلك بغرض الإنارة، أم لتشغيل المعامل والمصانع، وضرورة مراعاة التكلفة بحيث لا يضطر بعض المواطنين أو الصناعيين والتجار لاستجرار الكهرباء بالطرق الملتوية كما كان يحدث سابقًا، مع أهمية الإشراف الكامل لأجهزة الرقابة على ذلك.

المياه: أحد أهم عوامل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وتتمتع بأهمية بالغة فهي تعد أساس حياة للإنسان وركيزة لعمله في الزراعة وتربية الحيوانات، وتؤدي دورًا مهمًا في جميع المجالات، الأمر الذي يتطلب تحقيق الأمن المائي الذي تأثر بالتغيرات المناخية واستنزاف الموارد المائية، ومن ثم لا بد من إيجاد الحلول لإدارة المياه من تجنب حفر الآبار الارتوازية على نحو عشوائي كما حدث سابقًا وفقًا لمصالح شخصية لبعض الجهات، والبحث الجدي والمتكامل عن مصادر بديلة للمياه عبر السدود السطحية، وتقليل الفاقد من المياه عبر إصلاح أو استبدال أقنية الري القديمة المكشوفة التي أقيمت على سد الفرات وسط مناخ حار يؤثر سلبًا في هذه الأقنية ويؤدي إلى زيادة نسبة تبخر المياه ومن ثم عدم تحقيق الفائدة المرجوة منها كما في المشروع الرائد والاستجرار من سد تشرين وغيره، ويجب الاستفادة من كميات الهطول المطري الجيدة في المنطقة الساحلية من خلال العمل على سد الخوانق بين الجبال لتجنب تسرب هذه المياه الساقطة بغزارة إلى البحر الذي يؤدي إلى عدم الاستفادة منها وجرها لمناطق جافة كما في منطقة القلمون السورية.

ويمكن الاستعانة بالدراسات التي أجرتها شركة أميركية كشفت عن وجود مياه جوفية نقية تقع بين جنوب طرطوس وطرابلس ومنطقة عكار في لبنان، حيث حدثني أحد الجيولوجيين أن هذا الحوض من الضخامة والسعة ما يمكن أن يحقق وفورات مائية ممتازة لسورية ولبنان، ويمكن الاستفادة منه من الجانب السوري لإرواء منطقة القلمون ودمشق وصولًا إلى المنطقة الجنوبية.

في سورية يوجد نحو 200 سد سطحي تراكمي يمكن إعادة دراستها وتعزيلها، وكذلك المجاري المائية من مياه الأمطار والسيول الشتوية التي تصب في هذه السدود، وقد أُهملت جزئيًا أو كليًا خلال السنوات السابقة.

ونظرًا إلى زيادة عدد السكان في سورية، إذ إن معدل الزيادة السنوية عالية تصل إلى 2.5-3 في المئة سنويًا، فإن هذا يحتم إيجاد مستوى من الدراسات للمستقبل لخمسين سنة مقبلة على محاور إستراتيجية للبحث في جميع ما تقدم وليس للوقوف على حالات معينة وسد الثغرات، ويأتي ذلك ضمن تنظيم المجتمع والدولة التي تقع هذه المهمة على عاتقها.

2- القطاعات الاقتصادية المتكاملة والمترابطة، وهي كما يأتي:

أ- قطاع الزراعة: إن متابعة المتخصصين لهذا القطاع ميدانيًا، يضع لنا تصورًا أو خريطة أقرب إلى الواقع للنهوض بهذا القطاع. وهو أوسع القطاعات الاقتصادية في سورية، ويتصل اتصالًا وثيقًا بالفلاح السوري، وعليه لا بد من اتباع سياسة زراعية ميدانية على أرض الواقع بعيدًا من الدراسات النظرية لتنمية هذا القطاع ودراسة طبيعة المنتجات وسبل تحسين زراعتها وجودتها التي تؤثر مباشرة في الأمن الغذائي. ويبرز القمح كمنتج أساسي في سورية التي تعدّ تاريخيًا منتجة لأنواع من الأقماح الجيدة القاسية والطرية التي تقوم عليها صناعات غذائية مختلفة أهمها الخبز وصناعات أخرى مثل الكونسروة، وكانت سورية في سنوات الأمطار الجيدة تنتج نحو 4,5 مليون طن في السنة، ولكن في سنوات المحل يتقلص الإنتاج إلى 1,5 مليون طن، وبذلك تحتاج إلى الاستيراد من الخارج. على أن المساحة المروية للأقماح والشعير تشكل نسبة قليلة من المساحة الكلية لعدم توافر المياه فضلًا عن طريقة الري التي تستنزف المياه وتهدر كميات منها. ويمكن ضبط هذا الأمر من خلال التوعية والتدخل الإيجابي، إضافة إلى القطن الذي يعدّ من الصناعات التصنيفية ويدخل في صناعة الأقمشة والخيوط والملابس وكذلك الزيوت، وتنتج سورية في المتوسط نحو 1- 1,5 مليون طن، ولكن القطن مستهلك كبير للمياه ولذلك يجب إعادة النظر في طرائق الري والاعتماد على الرش والري بالتنقيط بدلًا من الغمر.

وكذلك الشوندر السكري الذي يدخل في صناعة السكر والخمائر وغيرها يحتاج إلى كميات من المياه وتنتج سورية بالمتوسط بين مليون ومليون ونصف طن في السنة.

فضلًا عن المنتوجات الزراعية الأخرى المرتبطة بقطاع الصناعة كونها تشكل الأساس لصناعات غذائية متعددة كالحمص والعدس والأعلاف الخضراء، وأنواع من الكمون وحبة البركة، وهي صناعات ناشئة.

وفي تقديري فإن المرحلة الحالية هي مرحلة تدعم استقرار السكان في قراهم وبلداتهم، ولا بد أن يبدأ الفلاح بإعادة إحياء الحياة الريفية التي كان يعيشها سابقًا مع عائلته، والفلاح السوري منتج بطرائقه الخاصة، وينبغي ألا ينتظر اكتمال خطة الدولة وتنفيذها، فالأرض موجودة ومتاحة للعمل ويمكن الاستعانة بالخبرات المحلية والأدوات الممكنة المتاحة، وخلق توازن في الإدارات المحلية على مستوى القرية والمنطقة والمحافظة، من دون الاعتماد على الدولة في المرحلة الأولى، لأن الدولة في التحليل النهائي يحكمها النظام البيروقراطي الذي يحتاج إلى فترة زمنية، لوضع الخطط، وجلب التمويل، وهذه العملية يمكن أن تكون طويلة ومملة بالنسبة إلى الفلاح الذي يدرك أن عليه استغلال الوقت والعمل وفق الإمكانات المتاحة. البيئات المحلية، وجميع الدول التي خرجت من حروب مضنية كواقعنا، لم ينتظر فيها المواطنون الدولة لتحسم أمرها بل كان الجهد الأساسي منصبًا على الوحدات الإدارية التي نظمت ذاتها وبدأت، وهذا ما حدث في ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية المدمرة، حيث أُزيلت الأنقاض بفضل الجهد الشعبي، وجرى البدء بالإنتاج للتمويل الذاتي، ومشروع مارشال الذي تناوله الباحثون والمتخصصون في كتبهم ومقالاتهم لم يبدأ إلا بعد أربع سنوات من انتهاء الحرب، فماذا لو انتظر الألمان هذه المدة، ماذا كان سيحدث، لا شك في أن المجاعة والأوبئة والاتكالية كانت ستفتك بهم، وهذا هو شأننا لذلك أدعو في البداية إلى إيجاد فرصة للاقتصاد المنزلي المغلق والمشاريع الصغيرة ولا سيما في الريف وعلى أطراف المدن، حتى تتحول هذه البلدات إلى منتجة وتساهم في توفير الأمن الغذائي.

إذ إن الفلاح في سورية يستطيع الحصول على الإنتاج من الأقماح والخضر خلال فترة زمنية لا تتعدى أشهر قليلة، إضافة إلى تربية الدواجن وهي متاحة في الريف ولا تأخذ إلا مساحة بجانب المنزل، وتربية الماعز والأغنام بأعداد معقولة، وكذلك عدد قليل من الأبقار، عندها يصبح الفلاح مُنتِج محلي على مستوى البيئة الجغرافية التي يعيش فيها، وهذه دعوة لأهلنا أن ينطلقوا ولا ينتظروا لأن لائحة الانتظار قد تطول.

ب- قطاع الصناعة: ترتبط المشاريع الزراعية والإنتاجية وخاصة المنزلية منها بقطاع الصناعة، حيث يمكن أيضًا أن يعتمد سكان القرى والبلدات على بعض الصناعات غير المكلفة، مثل مشروع الخياطة المنزلية والتريكو، وصناعة بعض من الملابس.

على أن الدولة ينصب اهتمامها على الصناعات الكبيرة والواسعة وكثيفة الرأسمال، وهي قائمة وأساساتها متوافرة، مثلًا صناعة تكرير النفط الخام القائمة حاليًا من خلال مصفاتين في حمص وبانياس، وتبلغ طاقة التكرير لكل منها في اليوم الواحد 150 ألف برميل وتحتاج إلى صيانة وتشغيل ونفط.

مصانع الإسمنت وهي موجودة وتستطيع إنتاج 6 مليون طن منه ويمكن رفعها إلى 10 مليون طن، وسورية تحتاج إلى ذلك.

قطاع الصناعات النسيجية: وهي موجودة وقائمة ولكن معامل الغزل والنسيج لصناعة الملابس تحتاج إلى صيانة لرفع الكفاءة الإنتاجية، ولسورية عراقة في ذلك (صنع في سورية)، وهذه مترابطة مع القطن والبوليستر المستورد، وكذلك صناعة الغزل من صوف الأغنام، وسورية تمتلك قطيعًا من الأغنام العواس كان عدده سابقًا نحو 25 مليون رأس، وقد تناقص لكن يمكن تشجيع مربي الماشية عن طريق توفير الأعلاف، والمياه للإرواء والعودة به كما كان.

قطاع الصناعات الكيميائية: يوجد في سورية عدد من المصانع المتخصصة بالصناعات الكيميائية التي تشمل صناعة الأدوية والبلاستيك والمنظفات والأسمدة والمبيدات والطلاء وغيرها، ويمكن النهوض بهذا القطاع من خلال تطوير القدرات الإنتاجية وإيجاد حلول لمشكلات هذه المنشآت بما يضمن تغطية حاجات السوق المحلية من الإنتاج وإمكانية التصدير للخارج.

أما الصناعات الحرفية العريقة التي تشكل جزءًا من التراث الاجتماعي والاقتصادي، فهي تشكل مصدر دخل رئيس لأعداد كبيرة من العائلات، ومن المهم أن تلقى الدعم اللازم من الدولة لضمان استمرارها.

قطاع الصناعات الهندسية: وتشمل الصناعات المعدنية والميكانيكية وصناعة الكابلات وغيرها من الصناعات القائمة ولكنها تحتاج إلى العمل على تحسين أدائها من خلال تكليف إدارات خبيرة لذلك.

قطاع صناعة التبغ والتنباك: وهذه صناعة متجذرة في سورية وهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بزراعة التبغ التي تنتشر بمعظمها في المنطقة الساحلية، وهي زراعة عريقة في منطقة الساحل السوري يقوم بها الفلاحون بمبادرة منهم، لكن المؤسسة العامة للتبغ كانت تخضع لهيمنة أشخاص تابعين النظام، فجيروها لحسابهم الشخصي وكان أولهم محمد مخلوف “أبو رامي”، سيطر عليها لنحو عشرين عامًا، ثم تسلمها فيصل سماق، الذي استمر على نهج سلفه وتحقق له ولغيره الكثير من الامتيازات على حساب المنتج وهو الفلاح، وقد انتشرت هذه الزراعة في حوران أيضًا وظل المستفيد هو نفسه.

ولعلنا نستطيع تعداد الكثير من القطاعات التي تقع تحت سيطرة الدولة التي يمكنها التعاون مع القطاع الخاص في ما يتعلق بتوسيعها وتأهيلها وتطويرها.

لذلك كله نستطيع القول، إن الخطوة الأولى في الطريق نحو إعادة بناء سورية، يجب أن تعتمد على التوسع الأفقي في جميع القطاعات، وأن سياسة الاعتماد على الذات مع الإدارة الخبيرة تضع الاقتصاد السوري على السكة الصحيحة –كما يقال- أما التوسعات العمودية فدورها يأتي لاحقًا، حينما تتوضح الخريطة الكاملة للتنمية التي تحتاج سورية إليها في هذه المرحلة ويترافق ذلك مع قوننة واضحة لقانون الاستثمار يضعه سوريون يعرفون بلدهم جيدًا، وليس عن طريق استيراد قانون استثمار كما كان سابقًا، وجمع اللجنة الاقتصادية لإقراره من دون الاطلاع عليه، والقوننة هنا مهمة، حيث يكون المستثمر على بينة مع بقاء حق الدولة مكفولًا، وفي جميع القطاعات، وأخيرًا أحذِّر من الانجرار وراء دراسات معدة سابقًا من بعضهم وتصوير الواقع بشكل جميل بعيدًا من الواقعية.

 

 

كاتب وأكاديمي سوري، من مواليد عام 1946، من قرية جبين التابعة لمدينة فيق في منطقة الزويَّة جنوبي الجولان المحتل. بكالوريوس في العلوم الاقتصادية من جامعة بغداد في عام 1969، دبلوم اختصاص في التخطيط الصناعي والإدارة الصناعية-دمشق 1973، دبلوم دراسات سكانية-دمشق 1990، ماجستير في التخطيط الاقتصادي من جامعة القاهرة 1995، دكتوراه في الاقتصاد والإدارة من جامعة القاهرة 2001. مدير الإدارة الاقتصادية في الشركة العامة للنفط (1969-1979)، كان عضوًا منتخبًا في مجلس محافظة القنيطرة خلال الفترة 1972-1976. باحث اقتصادي متعاقد مع وزارة البترول السعودية (1979-1989)، خبير اقتصادي لدى رئاسة الوزراء السورية (1989-1991، ومدير عمليات في مكتب تسويق النفط، أعمال حرة ومستشار اقتصادي في دراسات الجدوى الاقتصادية (1993-2013)، أسَّس جامعة خاصة باسمه (جامعة العلوم والتكنولوجيا في جنوب سوريا) التي غُيِّر اسمها إلى (جامعة قاسيون)، عضو مؤسِّس في جمعية الاقتصاديين السوريين، عضو مؤسِّس في جمعية الاستشاريين السوريين. غادر سوريا مضطرًا في عام 2013 بعد الثورة السورية. باحث اقتصادي وسياسي، نشر حتى الآن نحو 20 كتابًا في الاقتصاد والسياسة، فضلًا عن مئات المقالات في الصحف والمجلات في بيروت والرياض ودمشق.

مشاركة: