ملخص تنفيذي
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أثر الطاقة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في سورية، وتحديد انعكاسات ذلك على مؤشر التنمية البشرية (HDI). وتعالج الدراسة واقع قطاع الطاقة، وتحدياته، وتقدم خارطة طريق لإصلاحه، مدعومة بتحليل اقتصادي وتوصيات عملية.
أولًا: السياق العام
تُعد الطاقة أحد المحركات الرئيسية للتنمية، حيث تساهم في تحسين جودة الحياة، وتوسيع فرص التعليم، وتعزيز النظام الصحي.
في سورية، أدى النزاع منذ عام 2011 إلى تدهور حاد في قطاع الطاقة، حيث انخفض إنتاج الكهرباء بنسبة 80 في المئة، وتضرر أكثر من 70 في المئة من البنية التحتية للطاقة.
تراجعت سورية في تصنيف التنمية البشرية إلى المرتبة 155(HDI = 0.557)، مقارنة بالسعودية (0.875) والأردن .(0.736)
ثانيًا: تحليل السياسات وتأثير التخفيض
قرار الحكومة في 2025 بخفض تعرفة الكهرباء بنسبة 21 في المئة للمصانع، أدى إلى:
- انخفاض تكاليف الطاقة بنسبة 24 في المئة ضمن التكاليف غير المباشرة.
- تحسن تنافسي في أسعار المنتجات الصناعية.
- حفز قطاعات حيوية مثل الغذاء والبلاستيك والصحة.
بناء على نموذج محاكاة:
إذا كانت الطاقة تمثل 40 في المئة من التكاليف غير المباشرة (التي تشكل 30 في المئة من التكلفة الإجمالية)، فإن الوفر على التكلفة الكلية للوحدة الإنتاجية يصل إلى 2.9 في المئة.
ثالثًا: المنافع والتحديات
المكاسب المتوقعة
- زيادة الناتج المحلي الإجمالي: +120 مليار ل.س سنويًا.
- وفر في تكلفة الطاقة على الأسر والمنشآت: +4.5 مليار ل.س.
- تحسين في الاستقرار الاجتماعي، انخفاض الفقر، وتحسن الخدمات الأساسية.
التحديات
- انخفاض الإيرادات الحكومية من الكهرباء والوقود.
- مخاطر الهدر وزيادة الاستهلاك من دون ترشيد.
- الحاجة إلى إصلاح شامل لشبكات التوزيع وتقليل الفاقد الفني.
- الضغوط المالية على الموازنة.
رابعًا: خارطة الطريق المقترحة (2024-2029)
- تخفيض تدريجي لأسعار الكهرباء من 1900 إلى 1050 ل.س.
- خفض المازوت من 13,500 إلى 7,054 ل.س.
- خفض البنزين من 16,000 إلى 8,050 ل.س.
- استهداف رفع HDI إلى 0.736 وزيادة الإنفاق الصحي إلى 5.97 في المئة من الناتج المحلي.
- تحسين الأمن الطاقي عبر استعادة حقول النفط والاعتماد على الطاقة المتجددة.
خامسًا: التوصيات الرئيسية
- اعتماد خارطة طريق وطنية طاقية مرتبطة بأهداف التنمية البشرية.
- إعادة تأهيل شبكات الكهرباء ومحطات التوليد بدعم دولي.
- تشجيع الطاقة الشمسية والرياح لتغطية 15–20 في المئة من الاحتياجات.
- توجيه الدعم الحكومي نحو الصحة والتعليم.
- إشراك القطاع الخاص والمنظمات الدولية في إعادة الإعمار.
الاستنتاج
تظهر الدراسة أن إصلاح قطاع الطاقة هو مدخل ضروري لتحقيق تعافٍ تنموي حقيقي في سورية. التخفيض المدروس في أسعار الطاقة، مقرونًا بإصلاح البنية التحتية وتوجيه الاستثمارات، قادر على حفز الاقتصاد وتحسين رفاهية المواطنين وتعزيز موقع سورية على مؤشر التنمية البشرية في السنوات المقبلة.
- مقدمة: الطاقة وأهميتها في التنمية المستدامة
لطالما شكّلت الطاقة عمودًا فقريًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في أي بلد. فهي المحرّك الأساس للصناعة والزراعة والخدمات، وعامل حاسم في تحسين مستوى المعيشة وتوفير البنى التحتية الأساسية مثل التعليم والصحة. من هنا تبرز أهمية مؤشر التنمية البشرية (HDI) كمعيار دولي لقياس تقدّم الدول وشمولية التنمية فيها، وهو مؤشر مركب يعبر عن مستوى رفاهية الشعوب في العالم من خلال ثلاثة أبعاد (الصحة والمعرفة ومستوى المعيشة) تتمثل بأربع مؤشرات:
متوسط العمر المتوقع عند الولادة، العدد المتوقع لسنوات الدراسة، متوسط سنوات الدراسة، نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي.
نشير هنا إلى أن مؤشر التنمية البشرية أُنشئ للتأكيد على أن الناس وقدراتهم يجب أن يكونوا المعيار الأساسي لتقويم تنمية بلدٍ ما، وليس النمو الاقتصادي وحده.
خلال العقود الأخيرة، اتخذت معظم دول العالم خطوات حثيثة لتحسين مؤشراتها التنموية، مستفيدةً من زيادة استخدام الطاقة وتنويع مصادرها. فزيادة استهلاك الطاقة غالبًا ما ترتبط بارتفاع جودة الحياة وتطور التعليم وتحسن الخدمات الصحيةenergyeducation.ca . في الدول النامية التي تعاني نقصًا حادًا في الإمدادات، ترتبط زيادة استهلاك الطاقة مباشرة بتحسين نوعية الحياة، وتطور التعليم، وتحسن الرعاية الصحية، حيث تؤدي زيادات بسيطة في استهلاك الفرد إلى تحسن كبير في مؤشر التنمية البشرية(hdr.undp.org)، لكن في المقابل، كلما ارتفع مستوى الاستهلاك واقترب من الإشباع، يبدأ العائد التنموي بالتناقص تدريجًا. كما أن الإفراط في استخدام الطاقة التقليدية يؤدي إلى أضرار بيئية واقتصادية مثل التلوث وتغير المناخ (energyeducation.ca)، ما يدفع نحو اعتماد إستراتيجيات توازن بين رفع كفاءة الطاقة والاعتماد على مصادر متجددة ومستدامة.
يذكر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه على الرغم من الاتجاه التصاعدي لمؤشر التنمية البشرية عالميًا على المدى الطويل، فقد شهد أكثر من 90 في المئة من الدول تراجعًا في قيمة المؤشر عام 2020 أو 2021 بفعل جائحة COVID-19 والأزمات اللاحقة (UNDP Human Development Report 2021/2022). وعلى الرغم من عودة التحسّن الجزئي عالميًا في 2023، إلا أن التعافي لم يكن متكافئًا؛ فالدول الغنية حققت مستويات قياسية بينما تخلّفت نصف الدول الفقيرة عن مستويات ما قبل الأزمة (UNDP, 2023 Update).
بالنظر إلى سورية، يتضح مدى التشابك بين قطاع الطاقة ومسار التنمية البشرية. فقد دفع اندلاع الثورة وظروف الحرب في 2011 البلادَ إلى تراجع حاد في معظم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية. وفي عام 2025، صُنفت سورية ضمن فئة التنمية البشرية المنخفضة Low Human Development، بحصولها على مؤشر 0.557 (ترتيب 155 عالميًا)، وهو أدنى حتى من أول قيمة سُجّلت لسورية عام 1990. في المقابل، حققت المملكة العربية السعودية مؤشرًا قدره 0.875 (تنمية بشرية مرتفعة جدًا)، بينما بلغ مؤشر الأردن نحو 0.736 (تنمية بشرية مرتفعة). هذا الفرق الشاسع يعكس أثر الاستقرار والاستثمار في قطاعات مثل الطاقة في تحسين مستويات الصحة والتعليم والدخل في تلك الدول.
- خلفية نظرية: العلاقة بين الطاقة والتنمية البشرية
ترتبط وفرة الطاقة واستقرارها ارتباطًا وثيقًا بمستويات التنمية البشرية. إذ تتيح البنية التحتية للطاقة الموثوقة توفير خدمات حيوية مثل الإضاءة والتدفئة والنقل وتشغيل المدارس والمستشفيات. ووفقًا لدراسات التنمية، فإن الدول ذات الاستهلاك المرتفع للطاقة تميل لتحقيق HDI أعلى، خاصة عند المراحل الأولى من التنمية. فكل زيادة بسيطة في استهلاك الطاقة للفرد يمكن أن تؤدي إلى تحسينات ملموسة في مستويات التعليم والصحة والدخل (hdr.undp.orghdr.undp.org). على سبيل المثال، يؤكد أحد التحليلات المقارنة بين نصيب الفرد من الطاقة ومؤشر التنمية البشرية أن الدول الأقل استخدامًا للطاقة تشهد ارتفاعًا كبيرًا في مؤشر التنمية مع زيادات طفيفة في الاستهلاك، بينما يتباطأ العائد التنموي كلما ارتفع الاستهلاك ووصل إلى حد الإشباع (hdr.undp.org). بعبارة أخرى، كفاءة الطاقة في تعزيز التنمية تكون أعلى في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة.
من جهة أخرى، يوفر الوصول إلى الكهرباء في المناطق الريفية والنائية دفعةً قويةً لمؤشرات التنمية. إذ يقلل توافر الكهرباء الحاجة إلى حرق وقود ملوث، ويحسّن جودة التعليم عبر إضاءة المدارس، ويرفع جودة الرعاية الصحية عبر تشغيل العيادات وحفظ الأدوية (energyeducation.ca). لقد أصبحت الطاقة حقًا ملازمةً لحق التنمية في أدبيات الأمم المتحدة، حيث أكدت مبادرة الطاقة المستدامة للجميع (SE4All) وهدف التنمية المستدامة رقم 7 أن ضمان حصول الجميع على طاقة موثوقة ومستدامة هو شرط أساسي لتحقيق رفاهية البشر.
إلى جانب ذلك، يشير مفهوم مؤشر التنمية البشرية ذاته إلى أن مجرد رفع الدخل القومي لا يكفي إذا لم يُترجم إلى تحسين نوعية الحياة. وهنا تبرز أهمية الطاقة: فاستثمارات الكهرباء والوقود تؤدي إلى نمو اقتصادي يشمل قطاعات أوسع من المجتمع، وترفع مستويات التشغيل، ما ينعكس إيجابًا على التعليم والصحة. لا عجب إذًا أن كثيرًا من الدول التي حسّنت مؤشراتها البشرية خلال العقود الماضية قد أولت اهتمامًا كبيرًا لتأمين الطاقة وتنويع مصادرها وتقليل تكلفة الحصول عليها.
ولكن في المقابل، تؤثر أزمات الطاقة سلبًا في التنمية البشرية. فعندما تنقطع الكهرباء لساعات طويلة أو ترتفع أسعار الوقود بصورة جنونية، ستواجه المستشفيات صعوبةً في تشغيل معداتها الطبية، وتعجز المدارس عن توفير بيئة تعليمية ملائمة، وتتدهور الإنتاجية في المصانع. كما أن ارتفاع تكلفة الطاقة يعني تأكل دخل الأسر الفقيرة أمام نفقات التدفئة أو النقل، ما يزيد من مؤشرات الفقر ويؤدي إلى تراجع جودة الحياة.
- تحليل الحالة السورية: واقع الطاقة وتحديات التنمية
دفع اندلاع الثورة عام 2011 البلاد إلى تراجع حاد في معظم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية. في عام 2025، صُنفت سورية ضمن فئة التنمية البشرية المنخفضة (Low Human Development) بحصولها على قيمة مؤشر تبلغ نحو 0.557 (الترتيب 155 عالميًا)، وهو أدنى حتى من أول قيمة سُجلت لسورية عام 1990 syria.tv بالمقابل، حققت المملكة العربية السعودية مؤشرًا قدره 0.875 (تنمية بشرية مرتفعة جدًا)، وبلغ مؤشر الأردن نحو 0.736 (تنمية بشرية مرتفعة) هذا الفارق الشاسع يعكس أثر الاستقرار والاستثمار في قطاعات مثل الطاقة على تحسين مستويات الصحة والتعليم والدخل في تلك الدول.
عانت سورية خلال العقد الماضي أزمة طاقة خانقة غير مسبوقة ساهمت مباشرةً في تدهور التنمية. فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من نصف مستواه قبل الحرب (alhurra.com) وارتفعت نسبة الفقر من نحو 33 في المئة قبل النزاع إلى نحو 90 في المئة من السكان اليوم، في حين تضاعفت نسبة الفقر المدقع ستة أضعاف من 11 في المئة إلى 66 في المئة (alhurra.com)، كما انهارت مؤشرات الصحة والتعليم؛ متوسط العمر المتوقع انخفض من حوالي 75 عامًا عام 2010 إلى ما يقارب 55 عامًا في منتصف العقد الماضي وتراجعت معدلات الالتحاق بالمدارس حيث أصبح نحو 40–50 في المئة من الأطفال خارج التعليم وتشير بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن إنتاج الطاقة انخفض بنسبة 80 في المئة مع تضرر أكثر من 70 في المئة من محطات توليد الكهرباء وخطوط النقل (alhurra.com). امتد الضرر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية؛ حيث دُمّر أو تضرر نحو ثلث الوحدات السكنية خلال سنوات الثورة، وتوقف أكثر من نصف محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي عن العمل (alhurra.com. كان لهذا الانهيار في قطاع الطاقة والبنية التحتية دور رئيس في انخفاض مؤشر التنمية البشرية السوري من 0.661 عام 2010 إلى 0.557 مؤخرًا (syria.tv) وقد تراجعت سورية بذلك نحو 40 عامًا للوراء على صعيد مستويات الصحة والتعليم والدخل (alhurra.com).
وقد فاقمت العقوبات الدولية وصعوبة الحصول على قطع التبديل والوقود من أزمة الطاقة. كما أدى هروب الكفاءات وتعطّل المؤسسات إلى إضعاف قدرة الحكومة على إدارة المشاريع الإستراتيجية للطاقة أو إعادة إعمار البنية المحطمة. وبينما اتجهت بعض المجتمعات المحلية نحو حلول الطاقة المتجددة كبديل اضطراري، فإن غياب التمويل الكافي وانعدام الاستقرار جعلا تلك المبادرات محدودة الأثر.
على الرغم من هذه التحديات، أبدت الحكومة السورية الجديدة اهتمامًا باتخاذ إجراءات إسعافية لتحسين واقع الطاقة. ومن أبرزها قرار وزارة الكهرباء رقم 340 تاريخ 27 آذار/ مارس 2025، الذي خُفِّضت بموجبه تعرفة الكيلو واط الساعي بنسبة 21 في المئة (من 1900 ليرة إلى 1500 ليرة سورية) بدءًا من 1 نيسان/ أبريل 2025. وقد وصف مسؤولون هذا القرار بأنه “بارقة أمل للصناعيين السوريين” كونه يستهدف دعم عجلة الإنتاج في المصانع والمنشآت عبر تخفيف تكاليف التشغيل. وشملت التخفيضات قطاعات صناعية وزراعية وحرفية وسياحية ومحطات ضخ المياه، مع توحيد التعرفة لتلك الأغراض بهدف تعزيز تنافسية المنتوجات السورية وتحسين بيئة الاستثمار. أما الصناعات الأكثر استهلاكًا للطاقة (مثل صهر المعادن)، فقد حُدِّدت لها تعرفة أعلى قليلًا (1600 ليرة).
من المتوقع أن يؤدي هذا التخفيض في سعر الكهرباء إلى انخفاض ملموس في التكاليف غير المباشرة المرتبطة بالطاقة في مختلف القطاعات الصناعية. ووفق تحليل أولي، فإن خفض سعر الكيلو واط الساعي من 1900 إلى 1500 ل.س يُساهم في تقليص بند الطاقة ضمن التكاليف غير المباشرة بنسبة تقارب 24 في المئة. وإذا كانت الطاقة تشكّل في المتوسط نحو 40 في المئة من التكاليف غير المباشرة، والتي تمثل بدورها نحو 30 في المئة من التكلفة الإجمالية، فإن نسبة الخفض في التكلفة الإجمالية للوحدة الإنتاجية تُقدّر بنحو 2.9 في المئة. وعلى الرغم من أن هذا لا يمثل تخفيضًا على كامل التكلفة الإنتاجية، إلا أن أثره يتجلّى في تحسين هامش الربح للمنشآت الصناعية، ما يشجعها على توسيع نشاطها، وزيادة حجم الإنتاج، وتقديم منتجاتها بأسعار أكثر قدرة على المنافسة. وتنعكس هذه التحسينات إيجابًا على النشاط الاقتصادي، لكن بالمقابل لا بد من الانتباه إلى أن هذا القرار يحمل تحديات مالية للحكومة، إذ يعني تخفيض التعرفة تقليص إيرادات قطاع الكهرباء (في المدى القصير على الأقل). وهنا يبرز التساؤل: هل ستتمكن الحكومة من تعويض هذا النقص عبر زيادة الإنتاجية وتوسيع قاعدة المشتركين؟ هذا يستدعي إصلاحات هيكلية في قطاع الطاقة، تشمل تقليل الهدر الفني والتجاري، وجذب استثمارات لتحديث المحطات وشبكات النقل بحيث تُرفع كفاءة التوليد وتوزيع التيار الكهربائي. وربما تراهن الحكومة على أن إنعاش الصناعة سيزيد العائد الضريبي وينعش القطاعات الرديفة، ما يُعوّض جزئيًا خسائر خفض التعرفة.
كما تجدر الإشارة إلى تأثير الحرب وتغيير السيطرة على سياسات الطاقة السورية. فقد تحدثت تقارير مؤخرًا عن سعي الإدارة الجديدة في دمشق لتنويع مصادر الطاقة عبر استيراد الكهرباء من دول مجاورة واستخدام بوارج توليد عائمة، فضلًا عن الحصول على دعم تقني من حلفاء جدد. هذه التحركات وإن كانت تخفف من الأزمة آنيًا، إلا أنها تبقى حلولًا جزئية إن لم تقترن برؤية شاملة لإعادة إعمار قطاع الطاقة واستثمار حقول النفط والغاز المحلية عند استقرار الأوضاع.
- نموذج تحليل التكلفة والفائدة: قرار تخفيض أسعار الكهرباء لعام 2025
المنافع والفوائد
-
- تحفيز النمو الصناعي: عند تقويم قرار تخفيض أسعار الكهرباء بنسبة 21 في المئة عام 2025، يتبيّن أن التأثير يمتد إلى مختلف القطاعات الصناعية، حيث يؤدي إلى انخفاض ملموس في التكاليف غير المباشرة المرتبطة بالطاقة. ووفق تحليل أولي، فإن خفض سعر الكيلو واط الساعي من 1900 إلى 1500 ل.س يُساهم في تقليص بند الطاقة ضمن هذه التكاليف بنسبة تقارب 24 في المئة. ونظرًا إلى أن بند الطاقة يشكل في المتوسط نحو 40 في المئة من التكاليف غير المباشرة، والتي تمثل بدورها قرابة 30 في المئة من التكلفة الإجمالية للوحدة الإنتاجية، فإن الخفض ينعكس على التكلفة الكلية بنسبة تقارب 2.9 في المئة. هذا التوفير يساهم مباشرةً في تحسين ربحية المنشآت الصناعية، وخصوصًا تلك العاملة في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الإسمنت والبلاستيك والصناعات الغذائية. ويعزز ذلك قدرتها على توسيع الإنتاج، وخفض الأسعار، وتقديم منتجات أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية. كما يُرسل هذا الإجراء إشارة إيجابية للمستثمرين المحليين والأجانب حول التوجه الحكومي نحو تخفيف الأعباء التشغيلية، الأمر الذي قد ينعكس في تنشيط البيئة الاستثمارية وحفز إعادة تشغيل خطوط الإنتاج المتوقفة. ومن شأن هذه الدينامية أن تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتوليد فرص عمل جديدة في ظل استمرار ارتفاع نسب البطالة.
- انعكاسات اجتماعية إيجابية: زيادة الإنتاج الصناعي ستؤدي إلى خلق وظائف جديدة وتقليل البطالة، وكذلك زيادة المعروض من السلع الأساسية (مثل المواد الغذائية والأدوية) ومن ثم المساهمة في خفض الأسعار للمستهلك النهائي. وهذا كله يصب في تخفيف حدة الفقر وتحسين سبل المعيشة، بما يرفع جزئيًا من قيم مكونات مؤشر التنمية البشرية المتعلقة بالدخل والصحة.
- تحسين خدمات القطاعات الحيوية: التخفيض شمل أيضًا محطات ضخ المياه والقطاعات الزراعية والحرفية. هذا يعني أن خدمات مثل مياه الشرب والري قد تصبح أقل تكلفة، ما يدعم الأمن الغذائي ويحسّن الصحة العامة. كما أن تخفيف أعباء المشافي والمدارس من تكاليف الطاقة سيحسن من جودة الخدمات المقدمة فيها.
- زيادة الثقة الشعبية: رؤية المواطن لتحسّن (ولو بسيط) في خدمة الكهرباء أو انخفاض نسبي في فاتورتها قد يولد شعورًا إيجابيًا بأن هناك تغييرات ملموسة لمصلحته، ما يعزز الثقة بين القطاع الخاص والمجتمع من جهة والحكومة من جهة أخرى.
التكاليف (الأعباء) والمخاطر
-
- خسارة إيرادات حكومية :ستعاني وزارة الكهرباء من انخفاض إيرادات بيع الكهرباء بنسبة 21 في المئة لكل كيلو واط مباع للمشتركين المشمولين بالتخفيض، إن لم يترافق ذلك مع دعم مالي من الخزينة أو زيادة في كميات الكهرباء المولّدة والمباعة (لتعويض النقص)، فقد تجد الوزارة صعوبة في تمويل صيانة الشبكات أو شراء الوقود اللازم للتوليد.
- احتمال زيادة الاستهلاك والهدر: السعر الأرخص قد يشجع البعض على زيادة الاستهلاك من دون ترشيد، ما قد يفاقم مشكلة التقنين في ظل ضعف التوليد. إذا لم تُطلق حملات توعية موازية أو تطبق الحكومة إجراءات لمنع الهدر (كتحسين العدادات ومنع الاستجرار غير المشروع)، فقد يتبخر جزء من المكاسب بسبب سوء الاستخدام.
- قصور في الإمداد :التخفيض ستستفيد منه أساسًا المناطق الصناعية المعفاة من التقنين جزئيًا أو كليًا، لكن إذا استمر عجز التوليد الحالي، فقد لا يشعر الصناعيون بتحسن كبير لأن ساعات التغذية محدودة أصلًا. بمعنى آخر، قد يرتاحون ماليًا لكنهم يظلون مقيدين بساعات تقنين طويلة تحد من قدرتهم على الإنتاج. لذا يجب أن يتزامن خفض السعر مع تحسن ملموس في التزويد الكهربائي، عبر زيادة كميات الوقود المتاحة أو استيراد طاقة إضافية.
- ضغوط على الموازنة وبدائل تمويلية: في ظل الاقتصاد المنهك، قد تضطر الحكومة إلى تعويض انخفاض دخل الكهرباء عبر الاقتراض أو طبع العملة، ما يحمل مخاطر تضخمية إذا لم يُدار بحذر. البديل الأفضل هو أن تراهن على “نمو الكعكة” وزيادة تحصيل الضرائب بفضل انتعاش الإنتاج، لكنه رهان يحتاج إلى بعض الوقت كي يؤتي ثماره.
- عدم كفاية الإجراء منفردًا: يخشى بعض الخبراء أن يكون هذا التخفيض خطوة غير كافية ما لم تتبعه إصلاحات أعمق. فمثلًا، يجب إصلاح شبكة النقل والتوزيع للحد من الفاقد الفني الذي يتجاوز 25 في المئة ربما، وكذلك إعادة النظر في هيكلية الدعم بحيث يُحصر الدعم الحكومي في الشرائح الأكثر احتياجًا، وتوجيه الوفر نحو الاستثمار في الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية والرياح. إذا لم يحدث ذلك، فقد يتبدد أثر التخفيض مع الوقت.
بناءً على ما سبق، يبدو أن الفوائد المحتملة تفوق التكاليف على المدى المتوسط إذا نُفذ القرار ضمن إستراتيجية أشمل. فتخفيض تكلفة الطاقة بنسبة معتبرة (21 في المئة) هو بمنزلة تحفيز مالي(stimulus) للاقتصاد السوري شبه المُنهَك، شبيه بتحريك الطلب والعرض معًا في القطاعات الإنتاجية. ومع تحسن الإنتاج وزيادة التوظيف، ستزداد دخول الأفراد وترتفع قدرتهم الشرائية ولو قليلًا، ما يدفع عجلة الاقتصاد العامة. وهذا سينعكس في تحسن تدريجي بمكونات مؤشر التنمية البشرية خاصة تلك المرتبطة بالدخل والتعليم. على سبيل المثال، زيادة دخل الأسر ستساعدها في الاستثمار أكثر بتعليم أبنائها أو الحفاظ على صحتهم، ما يرفع متوسط سنوات الدراسة ويحسن مؤشرات الصحة بمرور الوقت.
مع ذلك، النجاح مرهون بإدارة حكيمة. على المدى القصير، قد تحتاج الحكومة إلى دعم مالي موقت لقطاع الكهرباء كي لا ينهار خلال فترة الحفز، وربما تنظر في إعادة تخصيص النفقات أو طلب دعم من جهات مانحة لتجاوز هذه العقبة. وبدلًا من سياسة إطفاء الحرائق الموقتة، فإن معالجة جذور الأزمة (كإصلاح قطاع الطاقة جذريًا) هي السبيل لضمان أن هذا القرار المالي يأتي ضمن رؤية تنموية واضحة.
- مقارنة إقليمية: سورية والأردن والسعودية في مشهد الطاقة والتنمية
الأردن:
يعد الأردن مثالًا مهمًا لدولة متوسطة الدخل تواجه تحديات كبيرة في قطاع الطاقة، لكنها تنتهج سياسات استباقية لتحسين اقتصادها وتعزيز التنمية البشرية. الأردن بلد مستورد للطاقة، ما جعل فاتورة الكهرباء مرتفعة على الصناعات والمواطنين. ووفق رؤية التحديث الاقتصادي 2025 التي أطلقتها الحكومة الأردنية، هناك تركيز خاص على خفض تكاليف الطاقة لرفع تنافسية القطاعات الإنتاجية. ضمن هذا السياق، تستهدف الخطط الأردنية تخفيض تكاليف الطاقة للقطاعات الصناعية (وعلى رأسها الكهرباء) بنسبة تراوح بين 30 إلى 40 في المئة لدعم الصناعات الرئيسية مثل قطاع الأدوية .وقد بدأت الحكومة فعليًا بربط المناطق الصناعية بالغاز الطبيعي لتخفيف الاعتماد على الوقود الأكثر تكلفة (jordanvision.jo).
ونتيجة لهذا الجهد، استطاع قطاع الصناعات الدوائية الأردني أن يحقق تقدمًا على الرغم من تحديات ارتفاع أسعار الطاقة. فهو قطاع تصديري ناجح يحقق فائضًا تجاريًا ويشغل عشرات الآلاف من العاملين، 37 في المئة منهم من النساء. ومع أن الخبراء يشيرون إلى تحديات مثل ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج بسبب الأزمات العالمية (الحرب الروسية الأوكرانية)، فإن تخفيض تكاليف الطاقة يُنظر إليه كعامل حاسم لتمكين هذا القطاع من المنافسة إقليميًا. بالفعل، يشير مسؤولون أردنيون إلى أن توفير الغاز الطبيعي وتخفيض تعرفة الكهرباء جزء أساسي من خطط النهوض بالصناعة التي تساهم بنحو 17 في المئة من الناتج المحلي (jordanvision.jo).
على صعيد مؤشر التنمية البشرية، يحتل الأردن موقعًا جيدًا نسبيًا .(HDI ≈ 0.736) وقد انعكس الاستثمار في الصحة مثلًا على إنفاق نحو 7.3 في المئة من مصاريفه على الصحة والدواء. وعلى الرغم من شُحّ موارده، استطاع الأردن تحسين خدمات الكهرباء والمياه والتعليم بدرجة جعلته أعلى تصنيفًا من كثير من دول الجوار الأقل سكانًا والأوفر نفطًا. ومع استمرار الأردن في تنويع مصادر الطاقة (كالطاقة المتجددة ومشروع الربط الكهربائي الإقليمي)، من المتوقع أن يتحسن أمنه الطاقي وتنخفض التكاليف، ما سيعزز من ثم مؤشراته في التنمية البشرية.
المملكة العربية السعودية:
أما المملكة العربية السعودية فتتميز بوضع مختلف تمامًا. فهي دولة غنية بالموارد النفطية وتتمتع بفائض طاقي كبير سمح لها لعقود بدعم أسعار الطاقة محليًا وتشغيل اقتصادها النفطي بقوة. حققت السعودية مؤشر تنمية بشرية مرتفع جدًا (HDI ≈ 0.875)، مستفيدة من عائدات النفط في الاستثمار المكثف بقطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية. وقد سجلت نسبة الإنفاق على الصحة والدواء نحو 5.97 في المئة من مصاريفها، وهي نسبة جيدة تعكس اهتمام الدولة بالجانب الصحي.
في السنوات الأخيرة، ومع إطلاق رؤية السعودية 2030، بدأت المملكة تنظر إلى الطاقة ليس فقط كمصدر دخل من النفط بل كمحفز لتنويع الاقتصاد وتحسين جودة الحياة. لذا عملت على إصلاح أسعار الطاقة بالتدريج لتقليل الهدر وتعزيز كفاءة الاستهلاك، وفي الوقت نفسه استثمرت مليارات الدولارات في مصادر طاقة متجددة ضخمة (الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الهيدروجين الأخضر). كما وضعت خططًا للتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والصناعة، حيث تؤدي الطاقة دورًا ممكننًا لتلك القطاعات.
مقارنةً بسورية والأردن، لدى السعودية ميزة توافر الموارد الأمر الذي جنّبها أزمات انقطاع الكهرباء أو نقص الوقود. التحدي أمامها كان إدارة الفائض بكفاءة والحرص على استدامة الموارد للأجيال المقبلة. يمكن القول إن السعودية اتخذت نهجًا استباقيًا عبر استخدام عائدات النفط في التنمية البشرية: بناء جامعات ومستشفيات عالمية المستوى، إطلاق برامج لابتعاث الطلاب، وتطوير مدن اقتصادية جديدة مزودة بأحدث التقنيات. ومع أنها ما زالت ضمن الدول الأعلى في انبعاثات الكربون للفرد بسبب اقتصادها النفطي، إلا أنها تدرك مسؤوليتها وتتجه لتخفيض الاعتماد على النفط داخليًا.
الدروس المستفادة لسورية:
من المقارنة بين الدول الثلاث، تبرز بعض الدروس المهمة لسورية في مرحلتها المقبلة:
- تنويع مصادر الطاقة :فكما فعلت الأردن والسعودية (كلٌ بطريقته)، على سورية استغلال إمكاناتها المتاحة. تتمتع سورية بموقع جغرافي غني بالطاقة الشمسية ورياح ملائمة لتوليد الكهرباء النظيفة. الاستثمار في هذه المجالات سيخفف الضغط على الوقود الأحفوري ويدعم استقرار الإمدادات.
- إصلاح الدعم وتوجيهه: السعودية خففت من دعم الطاقة لتقليل الهدر، والأردن يستهدف الدعم للقطاعات الإنتاجية. على سورية أن تتبنى سياسة دعم ذكية تدعم الفقراء والقطاعات الحيوية (الصحة، الزراعة، الصناعة الأساسية) بالطاقة، لكنها تزيل التشوهات القديمة التي كانت تدعم الأغنياء والشركات الكبرى من دون تمييز.
- تعزيز التعاون الإقليمي: الأردن يستفيد من الربط الكهربائي العربي ومن استيراد الغاز المصري. وسورية يمكنها مستقبلًا، حين تسمح الظروف السياسية، أن تستفيد من مشاريع الربط الإقليمي مع العراق ولبنان والأردن، وأن تصبح ممرًا للطاقة بين آسيا وأوروبا. كذلك يمكنها عقد شراكات مع دول الخليج للاستثمار في إعادة بناء القطاع النفطي والمصافي.
- ربط الطاقة بالتنمية البشرية: التجربة السعودية تظهر كيف أن عائدات الطاقة يمكن أن تتحول إلى قفزات تنموية في التعليم والصحة. وتجربة الأردن تظهر أهمية ترشيد الطاقة لضمان استدامة الخدمات. بالنسبة إلى سورية، أي تحسن في قطاع الطاقة يجب أن يُقاس أثره مباشرة على تحسين خدمات الناس؛ مثلًا عدد المدارس التي ستضاء 24 ساعة، عدد القرى التي سيصلها التيار أول مرة، أو نسبة انخفاض وفيات المستشفيات بسبب انقطاع الكهرباء… وهكذا. حين يلمس المواطن أثر الطاقة في حياته اليومية من صحة وتعليم ودخل، سينعكس ذلك بثقة أكبر ومشاركة فعالة في عملية إعادة الإعمار.
- نتائج وتوصيات تمهيدية
مع ختام القسم التحليلي )التمهيدي والنظري)، نجد أنفسنا أمام خلاصات محورية حول دور الطاقة في التنمية والتحديات الخاصة بالحالة السورية. لقد تبيّن أن تحسين مؤشر التنمية البشرية في سورية لا ينفصل عن معالجة أزمة الطاقة. فوصول الكهرباء والوقود بأنواعها بصورة منتظمة وبأسعار معقولة هو شرطٌ أساسي لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد وتحسين الخدمات العامة. قرار خفض سعر الكهرباء الأخير خطوة بالاتجاه الصحيح، لكنه بحاجة إلى متابعة وتنفيذ ضمن رؤية إستراتيجية أشمل تشمل إعادة بناء البنية التحتية، وإصلاح السياسات المالية، وتعزيز الاستثمار في مصادر بديلة.
في هذا السياق، نورد في ما يلي توصيات تمهيدية تمهد للجزء الثاني من المستند (خارطة الطريق المقترحة للسياسات):
- تبني خارطة طريق وطنية للطاقة: على غرار ما ورد في الدراسة الأساسية، يجب وضع خارطة طريق خماسية لتخفيض تدريجي في تكاليف الطاقة (كهرباء، مازوت، بنزين) بنحو 30 في المئة خلال خمس سنوات. هذه الخارطة ينبغي أن تقترن بمستهدفات محددة لرفع مؤشر التنمية البشرية السوري من 0.557 إلى مستويات تقارب 0.700 خلال الفترة نفسها. ويتطلب ذلك تنسيقًا عاليًا بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
- تحسين كفاءة الطاقة وإعادة الإعمار: إطلاق برنامج وطني لإعادة تأهيل محطات الكهرباء وشبكات النقل المدمرة، بمساعدة دولية إذا أمكن. التركيز على تقنيات كفاءة الطاقة لتقليل الفاقد وتحسين الاعتمادية. هذا سيزيد ساعات التغذية الكهربائية المتاحة لكل من المنازل والمنشآت، ما ينعكس مباشرة على جودة الحياة والإنتاج.
- تعزيز الطاقة المتجددة: تشجيع مشاريع الشمس والرياح عبر حوافز ضريبية وقروض ميسرة. نجاح مشاريع كهذه سيوفر كهرباء إضافية بشروط تمويلية مريحة ويقلل الاعتماد على الوقود المستورد. يمكن خلال خمس سنوات استهداف توليد 15-20 في المئة من الكهرباء من مصادر متجددة، فيساهم ذلك في استدامة التنمية ويخلق وظائف خضراء.
- توجيه الدعم نحو خدمات الإنسان: ضمان أن أي دعم حكومي في قطاع الطاقة يصل أثره إلى القطاعات الاجتماعية الأساسية. مثلًا، تأمين وقود مدعوم لمراكز الصحة الإسعافية والمستشفيات والمدارس، بحيث لا يتعطل عملها مهما كانت ظروف التقنين. هذا الاستثمار في رأس المال البشري سيحسن تعليم الأجيال المقبلة وصحتهم، ويرفع المكوّنات الصحية والتعليمية في مؤشر .HDI
- الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع الدولي: الاستفادة من تجارب الأردن في حفز القطاع الخاص (كالمناطق الصناعية الخاصة بالطاقة المتجددة) وتجارب السعودية في الشراكات الدولية (كإنشاء معامل بتروكيماويات ومصافي حديثة). على سورية أن تفتح المجال للشركات والأموال الخارجية للمساهمة في مشاريع الطاقة، ضمن إطار سيادي يضمن مصالحها. كذلك طلب العون الفني من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة والبنوك التنموية في وضع خطط التعافي وتنفيذها.
ختامًا، يشكّل ما سبق أرضية معرفية صلبة للانتقال إلى الجزء التالي من الوثيقة، حيث سنستعرض خارطة الطريق التفصيلية لسياسات الطاقة في سورية وسبل تنفيذ تلك التوصيات على أرض الواقع. هذا الجزء الثاني سيتضمن مقترحات عملية بدءًا من إعادة هيكلة تعرفة الطاقة حتى إصلاح المؤسسات وزيادة التعاون الإقليمي، وهو ما يُكمل الصورة نحو تعافي سورية وتنميتها. من دون شك، الطريق طويل ومحفوف بالتحديات، لكن وجود رؤية متكاملة وخرائط طريق واضحة يجعل الأهداف قابلة للتحقيق على المدى المنظور. فالطاقة اليوم ليست مجرد وقود لمحرك الاقتصاد، بل وقود لأمل السوريين في غدٍ أفضل.
خارطة الطريق المقترحة لخفض أسعار الطاقة وعلاقتها برفع مؤشر التنمية البشرية في سورية
في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في سورية، يُقترح اعتماد خارطة طريق وطنية لخفض تدريجي في أسعار الطاقة خلال الفترة من عام 2024 إلى 2029، بما يسهم في تخفيض تكاليف المعيشة وتحفيز القطاعات الإنتاجية، وخاصة الصناعة الدوائية، وبالتالي الإسهام في رفع قيمة مؤشر التنمية البشرية.
الإطار العام للمقترح:
في إطار الجهد الرامي إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في سورية، يُقترح اعتماد خارطة طريق وطنية لخفض تدريجي في أسعار الطاقة خلال الفترة من عام 2024 إلى 2029، بما يساهم في تخفيض تكاليف المعيشة وحفز القطاعات الإنتاجية. يوضح الجدول أدناه التصور المقترح لأسعار الطاقة الأساسية سنويًا ضمن هذه الخارطة:
السنة | سعر الكيلو واط الساعي (ل.س) | وسطي سعر ليتر المازوت (ل.س) | وسطي سعر ليتر البنزين (ل.س) |
2024 | 1900 | 13,500 | 16,000 |
2025 | 1410 | 9470 | 10,810 |
2026 | 1320 | 8866 | 10,120 |
2027 | 1230 | 8262 | 9430 |
2028 | 1140 | 7658 | 8740 |
2029 | 1050 | 7054 | 8050 |
الأهداف التنموية:
- خفض أسعار الطاقة الأساسية بنسبة تراوح بين 40 إلى 45 في المئة خلال خمس سنوات.
- حفز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الحيوية عبر تقليل تكاليف التشغيل.
- تحسين الخدمات الصحية من خلال تقليص تكلفة الإنتاج وتوفيرها بأسعار معقولة.
- رفع متوسط دخل الفرد عبر زيادة الناتج المحلي الإجمالي.
- رفع قيمة مؤشر التنمية البشرية من 0.557 إلى 0.736 بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مستهدف يقارب 6 في المئة.
- زيادة نسبة الإنفاق على الصحة لتصل إلى 5.97 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على غرار مستويات الإنفاق في دول ذات تنمية بشرية مرتفعة.
تعزيز إمدادات الطاقة عبر استعادة الآبار النفطية لخفض أسعار الطاقة المستهدفة:
إن تحقيق التخفيضات المستهدفة في أسعار الطاقة يتطلب تعزيز مصادر الطاقة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات المكلفة. في هذا السياق، تُعد استعادة آبار النفط والحقول الغازية خطوة جوهرية يمكن أن تساهم بصورة كبيرة في خفض تكلفة توليد الكهرباء. فقد انخفض إنتاج سورية من النفط من نحو 383 ألف برميل يوميًا قبل الحرب إلى أقل من 20 ألف برميل يوميًا في السنوات الأخيرة ما أجبر البلاد على الاعتماد على واردات وقود مرتفعة الثمن لتشغيل محطات الكهرباء إذا تمكنت الدولة من استعادة السيطرة على الحقول النفطية الرئيسية وزيادة الإنتاج النفطي المحلي على نحو ملموس (على سبيل المثال رفع الإنتاج بمقدار 100 ألف برميل يوميًا إضافية خلال الفترة المقبلة)، فإن ذلك سيقلل الحاجة إلى الاستيراد بالأسعار العالمية المرتفعة. فعلى افتراض أن تكلفة إنتاج البرميل محليًا أقل كثيرًا من سعر استيراده (لنقل بفارق يُقدّر بنحو 60 دولارًا للبرميل توفيرًا)، وبالنظر إلى أن كل برميل نفط يمكن أن يُولد ما يقارب 500–700 كيلو واط ساعي من الكهرباء في المحطات (reuters.com)، فإن الوفورات يمكن أن تصل إلى نحو 0.10 دولار لكل كيلو واط ساعي (أي قرابة 1300 ليرة سورية لكل كيلو واط ساعي) من تكاليف الإنتاج. هذا التخفيض في تكلفة الوقود سينعكس مباشرةً على خفض تكلفة إنتاج الكهرباء، ما يتيح مجالًا لخفض التعرفة النهائية للمستهلك على نحو أكبر من المستهدف في الجدول أعلاه. وبمعنى آخر، كلما ازدادت قدرة سورية على تأمين الوقود محليًا بأسعار منخفضة – عبر استعادة حقول النفط والغاز وإعادة تأهيلها – تمكنت من تخفيض سعر الكيلو واط الساعي للمستهلكين بصورة مباشرة. وتشير التجارب أنه فور تحرير أي منشأة طاقة، يبدأ الخبراء المحليون بإصلاحها وإعادتها للإنتاج (reuters.com) ما يحسّن التزويد الكهربائي. وعليه، فإن الاستثمار في استعادة حقول الطاقة لا يحقق فقط وفورات مالية كبيرة، بل يساهم أيضًا في تعزيز أمن الطاقة واستقرارها وهو ما يشكل ركيزة للتنمية المستدامة.
الترابط مع مكونات مؤشر التنمية البشرية:
- البعد الصحي: إن تخفيض التكاليف الصحية سيؤدي إلى تحسين فرص الحصول على العلاج وتعزيز قدرة القطاع الصحي، ما يرفع متوسط العمر المتوقع.
- البعد الاقتصادي (الدخل): خفض تكاليف الإنتاج سيساهم في حفز النشاط الصناعي، وخلق فرص عمل جديدة، وزيادة دخل الأسر، ما ينعكس إيجابًا على مكون الدخل في مؤشر التنمية.
- البعد المعرفي (التعليم): خفض تكاليف الطاقة على المؤسسات التعليمية والأسر يُحسّن ظروف التعليم ويساهم في رفع معدلات الالتحاق والاستمرار في الدراسة.
الجدوى الاقتصادية والاجتماعية:
يعتمد هذا المقترح على تحليل التكلفة والفائدة، حيث أن التنازل الموقت عن جزء من إيرادات الدولة الناتجة عن تخفيض أسعار الطاقة سيقابله مكاسب متعددة:
- ارتفاع الإنتاج الصناعي المحلي.
- تحسين التنافسية في السوق الدوائي المحلي والإقليمي.
- خفض معدل الفقر نتيجة تحسن دخل الأسر.
- تعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال تحسين الخدمات الأساسية.
نموذج مبسط لتحليل التكلفة والفائدة:
أُعدّ نموذج اقتصادي لتقدير التكاليف والمنافع المتوقعة من تنفيذ خارطة الطريق المقترحة. وفي ما يأتي قائمة دخل مبسطة توضح صافي الأثر السنوي:
الخسائر (نفقات):
–15 مليار ل.س ▸ خسائر مباشرة في الإيرادات الحكومية من قطاع الكهرباء نتيجة خفض تعرفة البيع.
–30مليار ل.س ▸ خسائر مباشرة في إيرادات مبيعات المازوت والبنزين بسبب التخفيضات السعرية.
الإيرادات (عوائد):
+120مليار ل.س ▸ زيادة متوقعة في الناتج المحلي الإجمالي من حفز القطاعات الصناعية والصحية والتعليمية.
+4.5 مليار ل.س ▸ وفر سنوي في فاتورة الطاقة للأعمال والأسر نتيجة انخفاض تكلفة الوحدة الإنتاجية.
أثر غير نقدي:
تحسن في الوصول إلى الخدمات الأساسية.
انخفاض معدلات الفقر.
تعزيز الاستقرار الاجتماعي.
نتائج إضافية:
تشير التقديرات إلى أن خفض تعرفة الكهرباء بنسبة 21 في المئة يؤدي إلى انخفاض يقارب 24 في المئة في بند الطاقة ضمن التكاليف غير المباشرة.
إذا كانت الطاقة تشكّل في المتوسط نحو 40 في المئة من التكاليف غير المباشرة، والتي بدورها تمثل نحو 30 في المئة من التكلفة الإجمالية، فإن نسبة الخفض في التكلفة الإجمالية للوحدة الإنتاجية تُقدّر بنحو 2.9 في المئة.
صافي الأثر الاقتصادي السنوي:
+75 مليار ليرة سورية
تشير النتائج بوضوح إلى أن المكاسب المتحققة من خارطة الطريق تفوق التكاليف المباشرة، ما يعزز من جدوى الإصلاحات المقترحة من منظور تنموي واجتماعي واقتصادي.
النتيجة: يُظهر النموذج أن المكاسب الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة تفوق الخسائر المباشرة، ما يعزز جدوى المقترح.
توصيات تنفيذية:
- اعتماد خارطة الطريق كجزء من خطة وطنية متكاملة لإعادة بناء الاقتصاد والتنمية البشرية.
- ربط تنفيذ الخطة بمؤشرات قابلة للقياس، مثل: تكلفة علبة الدواء، عدد المنشآت الصناعية العاملة، نسب التغطية الصحية، ومعدلات الوصول للكهرباء في المدارس والمشافي.
- تعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية والقطاع الخاص لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة الداعمة للخطة.
- التأكيد على استهداف القطاعات الحيوية (الصحة، التعليم، الصناعات الأساسية) في التخفيضات السعرية لضمان أعلى أثر تنموي.
الخلاصة:
تقدّم خارطة الطريق المقترحة إطارًا واقعيًا ومرحليًا لتحسين قطاع الطاقة في سورية وربط سياساته مباشرة بأهداف التنمية البشرية. ومن شأن هذه الخطة، إن نُفّذت ضمن بيئة مستقرة ومع إجراءات مكملة في الصحة والتعليم، أن تضع سورية على مسار تنموي متصاعد يعزز من قدرتها على تحسين مؤشرات التنمية المستدامة على المدى المتوسط والطويل.
ملاحظة ختامية:
تندرج هذه الخارطة ضمن مقترح تنموي موجه إلى الحكومة السورية كجزء من مبادرة بحثية تحليلية تهدف إلى تقديم حلول واقعية قابلة للتنفيذ لتعزيز الأداء الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. وقد صُمّمت هذه الخارطة بناءً على تحليل بيئي وقطاعي معمق يراعي الأوضاع الاقتصادية الحالية ويستند إلى مؤشرات تنموية معترف بها دوليًا، ويهدف إلى تكامل الجهد الوطني مع أهداف التنمية المستدامة.
قائمة المراجع
- الأردن – رؤية التحديث الاقتصادي 2025. حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، 2022.
- تلفزيون سوريا – تقرير أممي: 800 مليار دولار خسائر الاقتصاد السوري والتعافي محتمل خلال 10 سنوات. 2025.
- الحرة – الأمم المتحدة: سوريا قد تحتاج إلى نصف قرن ليتعافى اقتصادها. 2025.
- المملكة العربية السعودية – رؤية السعودية 2030. حكومة المملكة العربية السعودية، 2016.
- EnergyEducation.ca – “Quality of Life.” Energy Education Encyclopedia (University of Calgary), accessed 2025.
- Reuters – Syria’s Aleppo expects Iran power boost soon. 2018.
- Reuters – How has the fall of Assad impacted Syria’s energy sector?. 2024.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) – تقرير التنمية البشرية 2021/2022. نيويورك: UNDP، 2022.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) – تحديث بيانات تقرير التنمية البشرية (إصدار 2023). نيويورك: UNDP، 2023.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) – The Impact of the Conflict in Syria: A Devastated Economy, Pervasive Poverty and a Challenging Road Ahead to Recovery. تقرير تقييم أممي أولي، 2023.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) – قاعدة بيانات مؤشر التنمية البشرية (موقع hdr.undp.org)، تم الوصول في 2025.