Search

ورقة خلفيّة للعدد السابع من (رواق ميسلون): أدب السّجون

 

شكَّل السجن السياسي أحد الهواجس الإنسانية عبر التاريخ، ولا تكاد تخلو أيُّ ثقافة من ثقافات الشعوب من هذه الظاهرة المؤرِّقة، لكنه تحوَّل اليوم في بلدانٍ عديدة إلى جزءٍ من الماضي بعد أن سارت شعوبها في دروب الحريات والديمقراطية، أما في المنطقة العربية فما زال السجن السياسي ظاهرةً حيّةً وطاغية، لأنّ الواقع المعيش متخمٌ بالسجون المرئية والسجون السرية ومراكز الاستجواب والتحقيق وغرف التعذيب تحت الأرض، وما يلحق بها من اعتقالٍ وقتلٍ خارج نطاق القانون والقضاء، ومن تدميرٍ يطال الحياة الإنسانية على المستويات السياسية والاجتماعية والنفسية.

كان أدب السجون ملازمًا أو موازيًا في نشأته للقمع والاعتقال والسجن عبر التاريخ، فحضر في اللغات والثقافات كلها، وفي الأزمنة جميعها، لكنه بدأ بالظهور بكثافةٍ في المنطقة العربية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، في أثناء المراحل الانتـقالية السياسية التي أعقبَتْ مرحلة التحرّر من الاستعمار، ومن ثمّ شهدت المنطقة غزارةً في الأعمال الأدبية التي تتناول عالم السجن وتجارب المعتقلين بحكم هيمنة أنظمةٍ سلطويةٍ تُحكِم قبضتها على رقاب مواطنيها جميعهم. وهكذا، يمكن النظر إلى أدب السجون في المنطقة العربية، في هذا السِّياق، بوصفه انعكاسًا لأزمة الديمقراطية، فهو يظهر عمومًا في بيئة قمعية استبدادية، لنكون أمام نوعٍ من الكتابة الخصبة والمؤثِّرة والعاطفية، تتناول موضوعات السياسة والاعتقال والسجن والأدب والتوثيق وعلم النفس والعواطف الإنسانية وحقوق الإنسان، وغيرها. كتب عبد الرحمن منيف روايته المعروفة (شرق المتوسط، 1977)، ثمّ روايته الأخرى (الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى) متناولًا موضوع السجن، لكنه كتب في عام 1998 مقدمةً لطبعةٍ جديدةٍ من (شرق المتوسط) قال فيها إنّ الضرورة تقتضي العودة إلى هذا العالم الكئيب القاسي، لأنّ عار السجن السياسي أكبرُ عارٍ عربيٍّ معاصرٍ.

ارتبط عالم السجن دائمًا بالرغبة في التسجيل والتدوين والتوثيق. إن الزمن البطيء والأيام المتشابهة في السجن يجعلان من الكتابة وسيلةً فاعلةً لإمضاء الوقت الثقيل خلف القضبان، وطوقًا للنجاة ومقاومة العزلة، وهي أيضًا دليلٌ على توق المعتقل إلى الحياة وتشبّثه بها، حتى بالنسبة إلى هؤلاء الذين لم يكونوا يهتمّون بالكتابة أصلًا قبل دخول السجن.

الكتابة عن السجون والاعتقالات والتعذيب هي أيضًا وسيلةٌ رئيسةٌ لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، ومحاولةٌ حثيثةٌ من أصحابها لمقاومة نسيان المظالم، خصوصًا في ظلِّ ندرة الشهادات والروايات البديلة المستقلة عن السلطات التي توثِّق أوضاع السجون وأحوال المعتقلين في المنطقة العربية، إلى جانب هيمنة السلطات المطلقة على وسائل الإعلام ومحاصرتها المجتمع المدني وقمع ناشطي منظمات حقوق الإنسان، ما يمنح الروايات والقصص والكتابة المسرحية والمذكرات والشهادات والشِّعر دورًا مهمًّا في وصف أساليب الاعتقال والحجز والانتهاكات وطبيعة الحياة في عالم السجن.

يُعرِّف بعض النقاد أدب السجون بأنه أيُّ نصٍّ خيالـيٍّ أو غير خيالـيٍّ مكتوبٍ عن السجون؛ يقول الأديب والروائيّ المغربيّ مصطفى لغتيري: “الكتابة التي تلامس تجربة الاعتقال السياسيِّ، وتتّخذُ من الكتابة وسيلةً لتصفية الحساب مع تجربةٍ إنسانيّة ووجوديةٍ ونفسيةٍ مريرةٍ، قد يكون المرءُ عاشها فعلًا أو سمع عن تفاصيلِها من أحد السجناء أو فقط عبارة عن تجربةٍ مُتخيَّلةٍ لها ما يدعمها في الواقع، مما حدث لكثيرٍ من السجناء، وتناقلته الألسنة أو وسائل الإعلام.. باختصار، إنه أدبٌ يحاول توثيق أبشع جرائم الإنسان تجاه الإنسان”.

كلُّ تصنيفٍ فيه شيءٌ من القسر أو الخطأ أو الخلاف، ولذلك لا توجد تصنيفات ثابتة ونهائية. وهذا ينطبق على الأدب أيضًا؛ فهناك تحديات عديدة تواجه تصنيف الأنواع الأدبية، من حيث الاختلافات حول استخدامها عالميًا، والتطور التاريخي، إلى جانب مسائل المحتوى والشكل، علاوة على أن أيَّ نصٍّ أدبيٍّ يمكن أن يُدرج في أصناف متنوعة في آن واحد، استنادًا إلى خصائصه الفنيّة والتقنيّة، فضلًا عن الاختلاف بين المؤلِّفين من حيث رؤيتهم إلى الأنواع الأدبية. لذلك، فإنّ تعبير أدب السجون مصطلحٌ خاضعٌ دائمًا للجدل من حيث تصنيفه نوعًا أدبيًا، لأنه نوعٌ غير محدَّدٍ بدقةٍ من حيث الموضوعات أو الأشكال الأدبية التي يتضمّنها، وهذا في الحصيلة أمرٌ طبيعيٌّ.

هناك أعمالٌ أدبيةٌ تُصنَّف ضمن نوع أدب السجون على الرغم من أنّ تصوير السجن والاعتقال والتعذيب فيها لا يظهر إلّا في خلفية العمل الأدبي أو بصورة نادرة. ففي الوقت الذي يشكّل فيه تصوير التعذيب، بما يتضمنه من عقابٍ بدنيٍّ وإيذاءٍ نفسيٍّ، سدى بعض أعمال أدب السجون ولحمتها فإنّ هناك عددًا من أعمال أدب السجون العربي المعاصر لا يجعل التعذيب محورًا رئيسًا للكتابة عن تجارب المعتقلين السياسيين.

لا شكّ أن العديد من أعمال أدب السجون تحتوي جماليات أدبية عالية، وإبداعات فنية راقية، تجعل الناس يقبلون بكثافة على قراءتها والاحتفاء بها وتمجيد كتابها وأبطالها، لكن ينبغي في هذا السياق ألّا تغيب عنا، كما يشير إدوارد سعيد، العواقب الوخيمة والمأسَويّة للاعتقال السياسي والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان المختلفة في عالم السجن. والأمر نفسه ينطبق على المنفى، فعلى الرغم من تأكيد إدوارد سعيد أن المنفى “عنصر قوي، بل وثري، من عناصر الثقافة الحديثة،” إلّا أنه في المقابل يحذِّر من أن يقودنا الاحتفاء بجماليات المنفى والإعجاب برومانسية الكاتب المنفي إلى الاستهانة بمعاناة المنفيّين والتقليل من “حقيقة الرعب والخسارة التي يعانيها من لاذوا بالفرار للنجاة بحياتهم.”

في هذا السياق، يسرّ مجلة (رواق ميسلون) أن تدعوكم إلى المشاركة في عددها السابع الذي يتناول أدب السجون، من خلال تقديم ورقة بحثية أو مقالة في أحد المحاور الآتية:

  1. تأثير أدب السجون في الوعي العامّ والحياة السياسية.
  2. مصطلح أدب السجون وإشكالاته كنوعٍ أدبيٍّ.
  3. أدب السجون وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان.
  4. تصوير انعكاسات الاعتقال والسجن على الحياة خارج السجن في أدب السجون.
  5. تطور السرد الأدبي في أدب السجون.
  6. أدب السجون بين الموضوعات المؤلمة والجماليات الأدبية.
  7. أدب السجون في سياق الأدبين العالميِّ والمقارن.
  8. أدب السجون بعد الربيع العربي؛ الملامح والخصائص.
  9. تصوير التعذيب في أدب السجون.
  10. تصوير الوقت/ الزمن في أدب السجون.
  11. تصوير السجون السياسية في أدب السجون العربي (بالمعاني المادية والحسابية؛ حجم الزنزانات وأوضاع السجن)، مثل سجن تدمر العسكري… إلخ.
  12. تصوير الحالة النفسية للمعتقل السياسي في أدب السجون.
  13. الميول الذاتية والخيالية في السّرد (ما وراء السرد السِّجني) في أدب السجون السوري.
  14. أدب السجون ونظام حقوق الإنسان الدولي (بما يحتويه من اتفاقاتٍ وبروتوكولاتٍ ولغةٍ وخطابٍ).
  15. الإنتاج الثقافي المرئي (الأفلام الدرامية) وأدب السجون.

 

هيئة التحرير

 

ميسلون

مشاركة: