Search

موقف إلياس مرقص من حرية المرأة واستقلالها

دعوني أعرب عن امتناني للجهة الداعية التي منحتني شرف المشاركة في ندوة فكرية مهمة تكريمًا لعلم من أعلام الفكر العربي المعاصر، وأن أعرب عن سعادتي بهذه المشاركة، وأنا أعلم جيدًا بأنكم فلاسفة ومفكرون، لذلك سأكون شاكرةً لحسن استماعكم إلى صوت آخر، أنثوي، صوت امرأة من العامة، يعرب عما تكنه المرأة من شجون حيال نظرة الرجال إليها، بوجه عام، ونظرة بعض الفلاسفة، بوجه خاص.

الحديث عن شؤون المرأة وشجونها، إن كان حديثًا عن الاستغلال والتمييز والعنف، أم عن التحرر، يشعرنا نحن النساء، بأننا خارج نطاق الإنسانية ومنظومة حقوق الإنسان، لأن الموروث الاجتماعي والثقافي والديني حجب المرأة في جناح (الحريم)، وشكّلها طول المداومة على هذه الحال عشرات القرون، كما أرادها الموروث، وكما يريدها المجتمع الذكوري: قاصرة وضعيفة وعالة على الرجل وناقصة عقل ودين، وكما أرادها بعض الفلاسفة أن تكون (ولاّدة ومربية) بحسب تعبير (جان جاك روسو) في قوله: (المرأة لم تُخلق للعلم، ولا للحكمة ولا للتفكير ولا للفن ولا للسياسة، إنما خُلقت أمًّا تغذي أطفالها بلبنها، وتتعهد ضعفهم بحسن عنايتها، وتسلمهم بعد ذلك للأب، أو للمربي يعتني بهم على نحو ما توحي به الطبيعة، وترجع هي للقيام بوظيفة الأمومة فتحمل، وتضع، وتُرضع، وتتعهد، لتعودَ للحمل، وتُرضعَ وتتعهدَ من جديد، وهي وأطفالها دومًا في عنق الرجل)(). فإذا أخذنا برأي (روسو) سوف تنتهي حياة المرأة بعد انتهائها من الإنجاب، بعيدة عن مجالات الحياة كافة. ويقول الفيلسوف الاشتراكي (برودون) (1809 – 1865) في كتابه (ابتكار النظام): (إن وجدان المرأة أضعف من وجداننا، بقدر ضعف عقلها عن عقلنا).

نقلت مجلة (العربي) ()عن الكاتبة الفرنسية (أرماندين لوسيل أورو) (1814 -1876) أنها لم تتمكن نشر كتاباتها إلاّ بعد أن اتخذت لنفسها اسم رجل، (جورج صاند)، فهل هذه الكاتبة المبدعة ناقصة عقل بالفعل؟ أم إن المؤثرات الاجتماعية هي ما جعلتها كذلك حتى تماهت بهذه الصفة ورضيت أن تنتحل اسم رجل لتنشر فكر المرأة؟

كتب (عبدو وازن) في جريدة الحياة ()، عما قرأه في كتاب صدر حديثًا في فرنسا، عنوانه (في كراهية النساء):

من يقرأ ما قاله الفلاسفة والكتاب والفنانون في كره المرأة يشعر بخجل وأسى كبير، في هذا الصدد يقول سقراط: المرأة غبية وهشة. ويقول بيتاغور أو فيثاغورس (): هناك مبدأ الخير الذي يخلق النظام والنور والرجل. وهناك مبدأ الشر الذي يخلق الخواء والظلمة والمرأة. ويقول هيبوليت تين (): أن تمنح امرأة أفكارًا وعقلًا فكما لو أنك تضع سكينًا في يد طفل. ويقول فولتير (): الأكثر كرهًا للنساء هن النساء أنفسهن. أما نيتشه (): الذي كتب كثيرًا في كره النساء فيقول في ذروة غضبه: إذا كنت سترى نساء فلا تنس سوطك. ويقول شوبنهاور (): أستاذ نيتشه: إننا ننفجر ضحكًا بمجرد أن نفكر برؤية النساء يمارسن مهنة القاضي. ويقول فيكتور هوغو (): النساء يؤخذن مثل الأرانب، بآذانهن. وغوته (): يد المرأة التي تحمل مكنسة نهار السبت هي اليد التي تلاطف جيدًا نهار الأحد. يقول فلوبير (): النساء يجعلن من دبرهن قلبًا. ويقول بلزاك (): ثروة كل امرأة بين فخذيها. ويقول ساشا غيتري (): المعروف بمغامراته العاطفية: إن هؤلاء النسوة حيوانات بلا ذيل ولا رأس.

هؤلاء فلاسفة وأدباء من أزمنة مختلفة وأمكنة مختلفة، يجمعون على كره النساء وازدرائهن. ولكن هذا الخط الفلسفي في كراهية النساء وازدرائهن، يقابله خط فلسفي آخر مناصر للمرأة، ويدعو إلى حريتها واستقلالها، ومساواتها بالرجل، فقد كان ابن رشد (1126 – 1198) () يرى أن المرأة والرجل يشتركان في النوع والطبع والكفايات الذهنية والعملية، وإن اختلفت عنه في بعض الخصائص والوظائف. يقول ابن رشد: (ويختلف النساء عن الرجال درجةً لا طبيعةً، وهنّ أهل لكل ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة الخ، ولكن على درجة دون درجتهم، وهنّ يفقنهم أحيانًا كما في الموسيقا (والغناء). ويدل مثال بعض الدول الإفريقية على استعدادهن الكبير للحرب، ولا يعدّ من الخوارق إمكان انتهائهنّ إلى الحكومة الجمهورية). وأضاف: (لا تدعنا حالنا الاجتماعية نبصر كل ما يوجد من إمكانيات في المرأة، ويظهر أنهنّ لم يخلقن لغير الولادة وإرضاع الأولاد، وقد قضت هذه الحال من العبودية فيهنّ على قدرة القيام بجلائل الأعمال، ولذا فإننا لا نرى بيننا امرأةً مزينةً بفضائلَ خلقية، وتمر حياتهنّ كما تمر حياة النبات وهنّ في كفالة أزواجهن أنفسهم، ومن هنا أيضًا أتى البؤس الذي يلتهم مدننا) (). عزا فقيه قرطبة حالة التردي التي كانت تعيشها النساء في المجتمع العربي المسلم آنذاك إلى (تصورات خاطئة موروثة من ثقافة قبلية أبوية تحرم المرأة من اكتساب الفضائل والمهارات عبر تجربتي التعلم الجاد والعمل الخلَّاق. وتغيير هذه الوضعية البائسة يقتضي تغيير وتجاوز تلك التصورات الخاطئة والمتحيزة ضد المرأة والتي لا بد أن تورث المجتمع كله الضعف المادي والمعنوي نظرًا لكون النساء يشكلن أغلبية المجتمع). واللافت أن ابن رشد يؤسس حق المرأة في الإمامة والرئاسة أسوة بالرجل. ولا نعرف ما إذا كان لموقف ابن رشد هذا من صدى في الرشدية الأوروبية.

وكان للفيلسوف ورجل الاقتصاد الفرنسي (شارل فورييه) (1772 – 1837) دور الريادة في وضع اللبنة الأساسية لعمارة المساواة بين الرجال والنساء (والتي لم تكتمل بعد). وكذلك جون ستيوارت مل (1806 – 1873)، وهو من أبرز فلاسفة الحرية، في القرن التاسع عشر الذي رأى أن دفاعه عن الحرية الفردية لا يكتمل إلا بكشف النقاب عن (استعباد النساء)، وتعرية جذوره العميقة الضاربة في مبدأ القوة والغلبة. فقد رأى أن (نظام اللامساواة، الذي يجعل المرأة خاضعة للرجل (لم يكن) نتيجة للتفكير أو التروي أو بعد النظر، أو نتيجة لأية أفكار جماعية، عما هو صالح للمجتمع أو لخير البشرية، بل إنه انبثق ببساطة من واقعة أنه منذ الخيوط الأولى لفجر المجتمع البشري وكل امرأة تجد نفسها في حالة عبودية لرجل ما.

وامتاز (كارل ماركس) (1818 – 1883) من سائر معاصريه وسابقيه، لا بموقفه المغاير لمواقف الفلاسفة الكارهين للنساء فقط، بل بِعَدّ موقف الرجل من المرأة رائزًا للمدى الذي تصبح فيه طبيعة الإنسان هي ماهيته الإنسانية؛ إذ يقول: (وفي الموقف من المرأة، التي ينظر إليها على أنها غنيمة وخادمة للشهوة الجماعية، ينعكس الانحطاط اللانهائي الذي يوجد فيها لإنسان لذاته، لأن سر هذا الموقف يجد تعبيره الجلي القاطع الواضح غير المقنَّع في علاقة الرجل بالمرأة، وفي الطريقة التي يتم بها تصور علاقة التكاثر المباشرة، الطبيعية، فالعلاقة المباشرة والطبيعية والضرورية بين شخص وشخص هي علاقة الرجل بالمرأة. في هذه العلاقة الطبيعية تكون علاقة الإنسان بالطبيعة هي مباشرةً علاقتُه بالإنسان، تمامًا كما أن علاقَته بالإنسان هي مباشرة علاقتُه بالطبيعة، بوظيفته الطبيعية الخاصة. ومن هنا يتجلى في هذه العلاقة المدى الذي أصبحت فيه ماهيةُ الإنسان طبيعةً للإنسان، وقد غدت واقعةً محسوسة، يمكن ملاحظتُها، أو المدى الذي أصبحت فيه طبيعة الإنسان هي ماهيته الإنسانية).

موقف إلياس مرقص من حرية المرأة واستقلالها وحقوقها

مفهوم الإنسان عند إلياس مرقص يدل على الرجل والمرأة دومًا، إلا حين يتجه خطابه إلى الرجال تحديدًا. فقد رأى أن تدهور الشرط الإنساني في عصور الانحطاط الطويلة، لا ينفصل عن تدهور الشرط النسوي، وقد يكون تدهور الشرط النسوي هو العامل الأساسي في تدهور الشرط الإنساني العام. يقول في ذلك:

(.. هناك شرط المرأة، الشرط النسوي، وتدهورُه في وقت مبكر، أي انحدار العلاقة الأكثر طبيعيةً والأكثر روحيةً، بين الإنسان والإنسان، والتي هي معيار الارتقاء المدني والإنساني). من ثم، فإن العائلة أو الأسرة في واقعها ومستقبلها محكومة بهذا الشرط. (مستقبلنًا، شكْلُه طوعًا واختيارًا رجل امرأة. إذا كانت العائلة امتدادًا أو محضَ امتداد لخط نسلي فحلي في الزمن المجرد، فالنزوع المستقبلي مضروب في نواة الاجتماع البشري، في صميم الأمة). لو أن إلياس مرقص بيننا اليوم، وسوريا تعاني ما تعانيه، لفسر ما آلت إليه الثورة السورية، أو ما فرض عليها، بتدهور شرط المرأة أو الشرط النسوي، قبلها، وفي أثنائها.

ذلك، لأنه يقول بوضوح: (مسألة المرأة) يمكن أن تُتخَذ محورًا لمختلف المسائل: المجتمع، التنمية، (السكان)، بالمجتمع أقصد العائلة وأقصد الأمة. ما دامت المرأة هي (الأنثى) هي الجنس والإنجاب، زوجة الرجل وأم البنين، لا (إنسان)، لا فرد، ولا جملة العلاقات الاجتماعية، لا شخص، فلن تحل أية مسألة. لئن تقدمنا جوهريًا في القرنين الأخيرين فلأننا خرجنا، وبقدر ما خرجنا، من الحالة (التاريخية) (حالة التدهور الإنساني). يبدو أننا لم نخرج بعد، أو لم نخرج بما يكفي. قد يكون إلياس مرقص الوحيد بين المفكرين السوريين، الذي لا حظ (تآكل الحياة الإنسانية) في سورية، وجفافها المطرد، منذ خمسينيات القرن الماضي، كما يقول جاد الكريم الجباعي، كلما ذُكِر إلياس مرقص.

يرى مرقص أن (مفهوم الإنسان غير مفهوم الفرد الإنساني، الإنسان غير مستنفد في الفرد)، مع أن الفرد الإنساني، الرجل والمرأة، في نظره، (كائن كلي). حياة الفرد الإنساني تعني حياة الإنسان، لكن موت الفرد الإنساني لا يعني أبدًا موت الإنسان.

الفرد، في نظره، رجل – امرأة، أو امرأة – رجل، يمكن أن نفهم من ذلك وحدة الأنوثة والذكورة، كوحدة الخط المنحني والخط المستقيم. يقول في ذلك: (يرى بعض الكتاب: أن الانتقال من البيت المستدير إلى المستطيل ومن المنحني إلى المستقيم يرتبط بانتقال السلطة من المرأة إلى الرجل. نظريًا: الدائرة مثالية الانحناء، المنحني المثالي. وهذا يقابله (يعارضه) الخط المستقيم. إنهما على طرفي نقيض، في المملكة المثالية الفكرية (). إلياس مرقص يرفض هذا التناقض المصطنع والمطلق بين المرأة والرجل، أو بين الأنوثة والذكورة، كما بين الداشرة والخط المستقيم: الدولاب يدور، المركبة تتقدم.

العلمانية وحرية المرأة واستقلالها الكياني

العلمانية عند إلياس مرقص، هي (استقلال الوجدان وحرية الضمير) قبل أن تكون، ومن أجل أن تكون (فصل الدين عن الدولة) أو عن الدولة والمدرسة. من دون هذين الاستقلال والحرية لا تكون مساواة مدنية ولا تكون مواطنة. وتجدر الإشارة إلى أن فصل الدين عن الدنيا عنده، هو فصل من أجل وصل. وهذا ما يباعد بين العلمانية والإلحاد، ويعلو بالعلمانية عن مناهضة الدين، ويحصرها في مناهضة السلطة الدينية، سلطة الكهنة والفقهاء و(العلماء)، ممن يتعيشون على الدين، ويتخذونه وسيلة ولو لأسوأ المقاصد والغايات، أو لأسوأ دنيا، كما يقول مرقص. لا فرق كبيرًا بين اتخاذ الدين وسيلة، واتخاذ الإنسان وسيلة، وهذا هو لب التسلط والاستبداد، ومصدر العنف والإرهاب والاستهانة بالحياة الإنسانية. العلمانية عند مرقص شرط لازم للديمقراطية والعدالة، والمرأة في لب الموضوع.

يقول مرقص في هذا الصدد: (هناك من يريد (العلمانية السياسية) بدون (العلمانية الاجتماعية) وكبديل عنها، علمانية (الولاية) بدون وضد علمانية (الكينونة)، اجتماعية الدولة بدون اجتماعية المجتمع. كائنية الشكل بدون كائنية كائنِه، يريد دولة تكون مجتمعًا مع تقرير أن المجتمع يجب أن يبقى (جماعات) (أو مكونات). بل، أحيانًا تأتي قومية الدولة مع (لا) قومية المجتمع، من الرأس القومي وعلى اللسان القومي العربي.

على النحو نفسه، المرأة تعطى المساواة المواطنية، لا المساواة الاجتماعية. تعد مواطنة كاملة، ونصف إنسان أو لنقل نصف رجل. الإنسان مٌلغى، والمنهج الوضعاني السائد على الفكر العربي بألوانه ومدارسه يلغيه. لسان حاله: الرجل موجود، المرأة موجود، أما الإنسان فغير موجود، إنه تجريد.

إذن، ذلك وتلك من الأشياء، وهذا (إنسان) رمز، كلمة وحسب، كلمة تصوِّره (ماديًا) بقوة. في الفكر الحقيقي: امرأة وإنسان ورجل وكل الكلمات هي (رموز لـ أو تعبيرات لفظية عن) سمات تعيينات كيفيات عموميات هويات. في اللغة لا يوجد إلا العام، و(هوية) تعني أولًا: عامُّ العربي هو إنسان كذلك: العامل هو إنسان. وحسن أو حسين أو فاطمة هو (وهي) إنسان. الهوية المفردة، هوية فرد، هي نتاج عدد من الهويات (العموميات المجردات) لا نهاية له.

الـ (هو) معناه سقوط المذهبية الأصنافية، وسقوطها في الاتجاهين: لصالح الكلي والمفرد، لصالح الإنسان والفرد، الشخص. الأصنافية ممتنعة عنهما بالتلازم. إنها مقصرة جدًا في الهوية (التماثل) والفرق (الاختلاف).

.. عندنا وعند غيرنا وفي العالم المتقدم، المرأة (قاصر)، (أقلية) علمًا بأن أرسطو، بعد تخفيضه الممنهج لها، كان يلاحظ بنوع من دهشة، (مع أنها نصف البشرية!).

ما من شك في أن إلياس مرقص كان مناصراً للمرأة مناصرة لا لبس فيها، ومناصراً لمساواتها بالرجل، في الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الأخرى جميعها، ولكنه كان يرفض أن تكون المساواة طمسًا للفروق والاختلافات، بين الأفراد عموماً، وبين الرجال والنساء خصوصاً. المرأة مكافئة للرجل ومختلفة عنه، لا مساوية له، إلا في الحريات والحقوق، بصفتها مواطِنة مثله.

يقول مرقص: “لا يوجد أي معطى علمي طبيعي عن قصورها أو دونيتها، إخضاعُها كان عملية قهر تاريخية وحضارية. إنه أرهف وأقبح وجوه تقدم الإنسان وحضارته وثقافته. الكون العربي الإسلامي مطبوع بطابع بطركي (أبوي) قديم وراسخ. علمًا بأن هناك في الأطراف، حول الصحراء الإفريقية الكبرى، في غربي السودان وجنوبي الجزائر، قبائل مطريكية (أموية): السلطة بين الرجل والمرأة مسألة تاريخية، ليست إرادة الله الأزلية المتجلية في طبيعة أزلية”.

ويضيف: “بعض الفكر الأوروبي يميل إلى القول: ليس هناك (فرق) بين الرجل والمرأة. وبعض الفكر العربي يعدد (الفروق). لعل الفرق (أكثر أيضًا. لا نهاية للفروق. ولا نهاية لفروق بين رجل وآخر، بين عربي وعربي، بين فلان وأخيه. ولذلك: إنسان، أي: مفهوم كلي، هوية، مساواة، ومساواة في الحق ممكنة وواجبة.

اللغة الفرنسية لا تميز بين (إنسان) و(رجل). كلاهما homme. و(حقوق الإنسان) (بالفرنسية) يمكن أن تقرأ (حقوق الرجل). لغتنا تميز، تفرق: إنسان/ رجل، امرأة، (حقوق الإنسان) هي، مبدئيًا بلا لبس، حقوق الرجال والنساء المتساوين في البشرية والحق.

لكن اللغة لم تقرر تاريخنا الاجتماعي، ليس هذا شأنها. وتداولنا اللغوي، المرهون بواقعنا وفكرنا وبـ (مصالحنا) والراكبة على مباح الصرف والنحو، يجعلنا نقول ونكتب (البشر) وفي ذهننا (الرجال)، (الجماهير) وفي ذهننا (الرجال)، (العمال)، (المواطنون)، (المسلمون)، (المسيحيون)، (الأطفال)، وفي ذهننا الذكور الفحول، صنف الأصناف جميعها.

المرأة هي (رئتنا المعطلة)، كان الشيخ خالد محمد خالد يقول، قبل نيف وربع قرن. الرئة المعطلة تنعكس على الرئة الشغالة، والمرض مرض الجسم كله. من الديمغرافية الملغومة (الكبيرة، العددية) ومسائل التنمية والهجرة، إلى أخلاق الحشمة والفضيلة المشهودة في دنيا العرب معظمها اليوم، مرورًا بالعائلة الموسعة، واللامجتمع واللافرد، إن مسألة النساء حاكمة.

فالمرأة، والإنسان كله، في السؤال.

المساواة القانونية الصورية بين النساء والرجال، من دون المساواة الاجتماعية والثقافية والأخلاقية، ومن دون تكافؤ الفرص وتساوي الشروط، ومن دون الاعتراف المبدئي والنهائي بإنسانية المرأة وكرامتها وجدارتها واستحقاقها وأهليتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والأخلاقية، قبل القانونية، قفزة في الفراغ، نهايتها سقوطٌ إلى حضيضٍ، كالذي نحن فيه. المساواة من دون الحرية فخ للرجال والنساء، كما يقول جاد الكريم الجباعي في كتابه (فخ المساواة).

أخيرًا، أعرف أنني تركت إلياس مرقص يتحدث إليكم أكثر مما تحدثت، حسبي أنني ألقيت الضوء على ما أعدُّه ركناً أساسياً من أركان نهوض المجتمع وتقدمه، وعلى أسبقية إلياس مرقص في عدّ “تدهور الشرط النسوي” علامة على انحطاط المجتمع، وفقر الحياة الإنسانية. فلا تكرهوا النساء.

أنجيل الشاعر

كاتبة وشاعرة سورية، مهتمة بقضايا المرأة.

مشاركة: