Search

السياسة الروسية في سورية؛ حيثياتها، نتائجها وآفاقها

المحتويات:

ملخص

أولًا: السياسة الروسية في عهد بوتين

ثانيًا: العلاقات الروسية السورية

ثالثًا: أسباب الدعم الروسي لنظام الأسد

رابعًا: أسباب التدخل العسكري الروسي في سورية

خامسًا: نتائج السياسة الروسية في سورية

سادسًا: التحديات أمام روسيا في سورية

سابعًا: روسيا ومستقبل سورية

ثامنًا: تخبط الموقف الروسي في الشرق الأوسط

تاسعًا: النشاط السوري في روسيا

عاشرًا: تأثير قانون قيصر على الدور الروسي في سورية

حادي عشر: البحث عن حل روسي في سورية

ثاني عشر: الاتفاقات الأميركية الروسية حول سورية

ثالث عشر: الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية

رابع عشر: التغطية الإعلامية الروسية لذكرى الثورة السورية في آذار/ مارس 2021

الخلاصة


تحميل نسخة إلكترونية

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email

ملخص

تتناول هذه الدراسة السياسة الروسية في سورية، حيثياتها، نتائجها وآفاقها، وذلك من خلال من العناوين الفرعية المهمة؛ السياسة الروسية في عهد بوتين، العلاقات الروسية السورية، أسباب الدعم الروسي لنظام الأسد، أسباب التدخل العسكري الروسي، نتائج السياسة الروسية في سورية، التحديات أمام روسيا في سورية، روسيا ومستقبل سورية، تخبط الموقف الروسي في الشرق الأوسط، النشاط السوري في روسيا، تأثير قانون قيصر على الدور الروسي في سورية، البحث عن حل روسي في سورية، الاتفاقات الأميركية الروسية حول سورية، الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية، التغطية الإعلامية الروسية لذكرى الثورة السورية في مارس 2021. وتقدِّم الدراسة في الختام خلاصة للدور الروسي وحدوده وآفاقه في سوريا، مع الإشارة إلى المهمات التي تقع على عاتق السوريين.

 كلمات مفتاحية: التدخل العسكري الروسي . اتفاق أميركي روسي . الشرق الأوسط . قانون قيصر . اللجنة الدستورية

 أولًا: السياسة الروسية في عهد بوتين

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل القطب الثاني في العالم، ويقود المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو في 1991، حدث تغير جذري في الوضع السياسي العالمي. فقد تخلت عشرات الدول عن النظام الشيوعي وبدأت تسير في ركب النظام الرأسمالي معتمدة خبرة ضعيفة جدًا في البناء الاقتصادي والسياسي الرأسمالي.

ففي روسيا الاتحادية- وريثة الاتحاد السوفياتي، بدأت مرحلة البيريسترويكا والديمقراطية والليبرالية المتوحشة التي أفقرت العمال و الفلاحين والمثقفين والمختصين من أطباء ومهندسين وحولتهم إلى طبقة فقيرة جدًا بينما برزت بسرعة هائلة طبقة من الأوليغاركية الروسية (الروس الجدد) الذين يملكون الملايين التي لم يتعبوا في جمعها، فهم ينتمون إما إلى المخابرات أو هم من اللصوص، ومن نزلاء السجون، وبعضهم من اليهود الذين حصلوا على رؤوس أموال كبيرة ليشتروا بها ممتلكات الدولة ضمن إطار الخصخصة التي قادها الليبراليون الجدد أمثال غيدار وتشوبايس. وقد قال تشوبايس مرة إن هدفهم بعد تفكك الدولة السوفياتية هو تدمير الملكية العامة بأسرع وقت وتحويلها إلى ملكية خاصة، ولكن في الحقيقة تم ذلك بطريقة لا وطنية ولا إنسانية، فلم يراع التدرج في الانتقال إلى نظام اقتصادي جديد من دون تدمير وسحق الطبقات الاجتماعية. بينما لو نظرنا إلى الصين نجدهم قد أدخلوا النظام الرأسمالي في الاقتصاد، ولكن أبقوا على إدارة الدولة للقطاعات الرئيسة في الاقتصاد وحافظوا على المكتسبات الاجتماعية للناس، ما جعل التحول سلسًا وناجحًا، وأدى في النهاية إلى أن الصين أصبحت الدولة رقم واحد في العالم بالنمو الاقتصادي، بينما روسيا تراجعت بشكل مخيف لكي تصبح حصتها 2 في المئة من الناتج الإجمالي في العالم.

وفي الحقيقة، إن روسيا تعتمد بشكل أساس تصدير النفط والغاز والأخشاب والمواد الثمينة والأسلحة، ولم تتطور صناعاتها وتكنولوجياتها بشكل كبير وإنما اعتمدت النماذج والتصاميم السوفياتية.

وقد كانت مرحلة التسعينيات مليئة بالفوضى والفساد، ما حول الدولة إلى دولة فاشلة، وبدأ يلتسين ببيع الأراضي الروسية للغرب حتى يسدد رواتب الموظفين. ورافق ذلك فقدان الأمان والأمن في البلاد، وبرز خطر تقسيم روسيا إلى جمهوريات ومقاطعات (وحرب الشيشان خير مثال على ذلك).

وفي نهاية 1999 أعلن يلتسين المريض تخليه عن السلطة وخلفه رئيس الوزراء (بحسب الدستور الروسي) فلاديمير بوتين- ضابط المخابرات السابق الذي انغمس في التسعينيات في التجارة وتعاون مع المافيات الشهيرة وأصبح شخصية معروفة في تلك الأوساط.

وقد يتساءل المراقب كيف اختاروا فلاديمير بوتين بالذات ليكون الرئيس المقبل لروسيا التي تقف على حافة الانهيار؟ من دون شك، أدّت العوامل الداخلية الاقتصادية بالدرجة الأولى ونظام الحكم الشمولي والتدخل في أفغانستان دورًا في إنهاء النظام السوفياتي، أما بوتين فهو ممثل أجهزة الأمن السوفياتية التي شعرت بأن البلاد ستتفكك، وبرز خطر انهيار الدولة، وقد قررت تلك الأجهزة أخذ زمام المبادرة من الليبراليين الجدد فسلموا القيادة لبوتين. وقد وعد بوتين الفئات الأوليغاركية والمليارديرية بالأمان، وبالفعل أوفى بوعده للرئيس السابق يلتسين حيث منحه الحصانة في أول مرسوم رئاسي.

لكن بوتين، بعد أن ثبت حكمه وبرز بطلًا على خلفية حرب الشيشان الثانية حيث سحق المتمردين بعد أن اشترى بعض قادتهم إلى جانبه مثل الإمام أحمد قاديروف والد رمضان قاديروف الرئيس الحالي لجمهورية الشيشان، قام بتصفية حساباته مع منافسيه المحتملين من كبار رجال الأعمال، وتمكن من وضعهم في السجون، ومنهم من هرب منه ولاحقته الأجهزة الأمنية الروسية وقتلته في بلدان اللجوء.

وهكذا فرض بوتين هيمنته على السلطة الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية. وبدأ يبحث عن الثأر من الولايات المتحدة التي فرضت هيمنتها بوصفها قطبًا وحيدًا في العالم بعد زوال الاتحاد السوفياتي، علمًا أن بوتين بعث رسائل مطمئنة للغرب عند استلامه للسلطة قائلًا: يصعب علي تخيل الناتو عدوًا لنا، وأريد أن تكون روسيا دولة عصرية قوية، وأن تكون لها علاقات وطيدة مع الغرب.

وفي بداية حكمه استفاد بوتين كثيرًا من ارتفاع أسعار النفط، وشهد الروس بحبوحة اقتصادية ومعيشية، ولم يشعر الروس بالمشكلات المعيشية إلا بعد تراجع أسعار النفط، فاكتشفوا أن النظام الاقتصادي الفاسد ليس وليد اليوم.

وما يميز فترة حكم بوتين أنه جمع حوله أصدقاءه من مدينة سان بطرسبورغ، ممن درس معهم وتدرب معهم على الجودو، وممن مارسوا التجارة معًا في فترة التسعينيات التي تميزت بهيمنة المافيات التي ارتكبت جرائم منظمة، وإذا نظرنا إلى أكبر رجال الأعمال من أصحاب المليارات نجدهم من أصدقاء بوتين القدماء وهم اليوم رؤساء شركات النفط والأسلحة والبناء، ومنهم من يتقلد مناصب حساسة في الدولة في أجهزة الأمن والجيش والحكومة والمصارف.

ومن يدقق في منظومة السلطة في روسيا يجد فيها مراكز قوى مختلفة: جنرالات الجيش وقادة الأجهزة الأمنية وكبار الاقتصاديين الأغنياء، وهم بشكل عام ينتمون إلى تيارات فكرية وسياسية مختلفة، فمنهم ذوو الميول القومية المحافظة وبوتين أقرب لهم، ومنهم الليبراليون ذوو التوجهات الغربية. وعلى الرغم من وجود انتقادات لسياسة بوتين الداخلية إلا أن الأغلبية تقريبًا تدعم سياسته الخارجية القائمة على مجابهة العدو الخارجي، وهو الغرب الذي يريد “تحطيم روسيا وزعزعة استقرارها”.

في اختصار فالنظام السياسي الذي تبلور في روسيا خلال العقدين الماضيين هو نظام شمولي بامتياز، يقف على رأس الهرم شخص واحد يسمع آراء كثيرين، ويطلع على تحليلاتهم، ولكنه يتخذ القرار بنفسه.

ويرى بعض المحللين السياسيين والعسكريين الروس أن روسيا الدولة والمجتمع تعيش منذ شباط/ فبراير 2014 “حالة حرب” والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو قائدها العسكري. وأعلنت روسيا أنها لن ترضخ للضغوطات الخارجية لأن سياسة استرضاء الغرب تلحق ضررًا بالمصالح القومية الروسية.

ويبدو أن بوتين الذي أعلن مرارًا أنه يعد انهيار الاتحاد السوفياتي كارثة كبيرة، فإنه معجب بالدولة القوية المركزية المتمثلة بروسيا الاتحادية التي يرأسها شخص قوي وحزب واحد وسلطة سياسية واحدة. وكأنه يتذكر أمجاد الإمبراطورية الروسية (أيام القياصرة) والإمبراطورية السوفياتية أيام الحزب الشيوعي، وبالتالي لم لا يحين عصر “البوتينية”، التي يجب أن تسود لمئة عام على الأقل (حسب رأي فيتشيسلاف سوركوف مستشار الرئيس الروسي بوتين لفترة طويلة)؟

ولا يبدو مستغربًا أن روسيا لا تشبه أحدًا، لا دولة أوروبية ولا دولة شرقية، بل هناك تفضيل لتسمية روسيا بأنها دولة أوراسية (طبعًا هنا تؤدي دورها نظرية الفيلسوف القومي الأرثوذكسي المحافظ ألكسندر دوغين)، والديمقراطية هنا يسمونها “الديمقراطية الموجهة”، والحقبة التي تعيشها روسيا والتي يعتقد بعضهم أنها ستبقى لمئة عام تسمى “الحقبة البوتينية” على غرار الحقبة القيصرية والحقبة السوفياتية.

كما أن المواطن الروسي تكونت لديه ثوابت اجتماعية ونفسية تاريخية وهي الخضوع للسلطة وتصديق ما تقوله من خلال وسائل الإعلام الرسمية، وهي الوحيدة المتاحة عمليًا. فأيام القيصر كان الروس يمجدونه ويسمونه الأب، وفي عهد الشيوعية كان الأمين العام للحزب وأعضاء المكتب السياسي مقدسين تقريبًا، وبعدهم جاء عهد بوتين وأصبح يؤدي الأدوار نفسها، إلى درجة أن رئيس البرلمان الروسي (مجلس الدوما) فيتشيسلاف فولودين قال مرة: “روسيا هي بوتين”. وحتى بوتين أعلن ذات مرة أن العالم من دون روسيا لا يساوي شيئًا.

 التوجهات الخارجية الروسية في عهد بوتين

كان خطاب بوتين الشهير في 2007 في مؤتمر الأمن في ميونيخ كالقنبلة بالنسبة للغرب، عندما أعلن أنه لا يقبل بالقطب الواحد، وسيدافع عن حقوق روسيا ومصلحتها القومية. وانتقد توسع الناتو شرقي أوروبا.

كما أن الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية التي تم إقرارها عام 2016 ركزت على المستجدات السياسية والعسكرية والأمنية في العالم التي تتطلب من روسيا اتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه المواقف غير الودية للدول الغربية حيال روسيا، وبسبب القضايا الأساسية في المناطق المختلفة من العالم. وقد نصت الوثيقة الجديدة على “ازدياد دور القوة في القضايا الدولية”. وأكدت على حق روسيا في الرد على التهديدات الدولية من خلال تعزيز قدراتها الدفاعية واتخاذ القرارات المناسبة والمتكافئة على الأفعال الموجهة ضد روسيا من قبل الغرب (مثل العقوبات الاقتصادية وتوسع حلف الناتو بالقرب من الحدود الغربية لروسيا).

كما أن السياسة الخارجية الروسية البراغماتية تأخذ مصالح روسيا والنخبة الحاكمة على أنها أولوية. والمعارضة الروسية الممثلة بالأحزاب المشاركة في البرلمان الروسي (مجلس الدوما) كلها تجتمع على دعم السياسة الخارجية الروسية القائمة على فكرتي الوطنية الروسية والأرثوذكسية الروسية.

وكان التدخل الأميركي في العراق عام 2003 تنبيهًا قويًا للروس بأن أميركا لا تتقيد بالقوانين الدولية ويمكن انتظار أي شيء منها إن لم تصبح روسيا دولة قوية تفرض احترام سياستها في الساحة الدولية.

وأحاطت بروسيا في العقد الأول من القرن العشرين سلسلة أحداث ثورية سميت “بالثورات الملونة”، التي حاولت تحقيق انعتاق تلك الدول من الأنظمة الشمولية التي ورثتها بعد انهيار المنظومة الشمولية الأم في الاتحاد السوفياتي. وقد شعرت روسيا بالخطر يحيط بها من كل جانب، وبدأت تخسر صداقة جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة وبلدان أوروبا الشرقية الواحدة تلو الأخرى. إضافة إلى أن أغلب تلك الدول أعلنت توجهها الموالي للغرب، وبعضها انضم لحلف الناتو وأخرى للاتحاد الأوروبي.

وجاءت أحداث يوغسلافيا ضربة قوية للروس خاصة في نشوء دولة اسمها كوسوفو في بداية عام 2008 واعتراف الغرب بها مباشرة ومعاقبة ميلوسوفيتش وصربيا السلافية، لذلك تدخلت روسيا عسكريًا وبقوة في جورجيا في صيف 2008 واستولت رسميًا على جمهوريتين اقتطعتهما من جورجيا وهما “أبخازيا” و “أوسيتيا الجنوبية” واعترفت باستقلالهما. وكان ذلك الموقف صادمًا للغرب. لأن بوتين بدأ ينفذ ما يقول على أرض الواقع.

وتمكنت روسيا من عرقلة انضمام جورجيا إلى “الناتو”، وجعلتها دولة لا تتحقق فيها شروط عضوية الحلف، واستخدمت لاحقا النهج نفسه مع أوكرانيا بعد ضم القرم.

ولقد ترك في نفس الرئيس بوتين أثرًا عميقًا ما جرى في العراق وليبيا. فالولايات المتحدة أسقطت نظام صدام حسين وسمحت بقتله شنقًا عام 2006. وكذلك حدث مع القذافي الذي اتخذ قرارًا دوليًا في 2011 بالتدخل في ليبيا، وامتنعت روسيا عن التصويت ما سمح للقرار الدولي بالنفاذ، حيث أسقط نظام القذافي وقتل شخصيًا.

ولا ننسى أن روسيا تعيش أوضاعًا اقتصادية واجتماعية صعبة، حيث يفيد استبيان مركز ليفادا الروسي بأن نحو 57 في المئة من الروس يرون أن الأيام المقبلة ستكون سيئة جدًا، و71 في المئة من الروس قلقين على مستقبلهم، بينما ثلاثة أرباع سكان روسيا ليس لديهم مدخرات تعينهم وقت الأزمة. وهناك الملايين سيبقون من دون عمل بعد انتهاء الوباء. كما أن عدد الفقراء في روسيا يقدر بأكثر من 20 مليونًا وفق الإحصاءات الرسمية، ولكنه في الواقع أكثـر من ذلك.

 ثانيًا: العلاقات الروسية السورية

نتحدث أحيانًا عن الصداقة بين الدول والشعوب، ولا ندقق في عمق هذه الصداقة وأبعادها التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وفي واقع الحال هناك مستويات للعلاقات بين الدول، حيث إن الدولة تتضمن النظام والشعب والأرض.

وإذا راجعنا العلاقات الروسية السورية، التي نشأت تاريخيًا منذ أكثر من ألف سنة، عندما انتقلت المسيحية إلى روسيا الكييفية (نسبة لمدينة كييف) وأعلن الأمير فلاديمير اعتناق الديانة المسيحية. عندها أدى السوريون في ظل بيزنطة دورًا أساسًا في نشر المسيحية في العالم بما فيها روسيا. وأصبحت العلاقات الروحية قوية جدًا بين روسيا وبلاد الشام. وحتى أن بعض المستشرقين الروس يرون أن اللغة الكيريلية (الروسية) وضع أبجديتها قديسان من أصول سورية بيزنطية وهما كيريليوس (بالروسي كيريل) وميفوديوس (بالروسي ميفوديا).

وتطورت العلاقات وتعمقت حتى أصبحت الكنيسة الروسية تابعة لبطريركية دمشق وسائر المشرق، وتم إصلاحها أكثر من مرة على يد البطاركة السوريين، إلى أن تم تحويل المطرانية الروسية إلى بطريركية منذ قرون عديدة. ومعروفة رحلة البطريرك مكاريوس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق إلى روسيا منذ ثلاثة قرون تقريبًا وإشرافه على حل مشكلات الكنيسة الروسية وترقيتها لتصبح بطريركية مستقلة بعد أن كانت مطرانية.

ثم إن اهتمام الروس، خاصة منذ القرن التاسع عشر، ببلاد الشام كان متميزًا من خلال زيارات الحجاج الروس للأماكن المقدسة في فلسطين وشراء الأراضي والعقارات وإنشاء المدارس الروسية لتعليم الأطفال في فلسطين ولبنان وسورية التي تخرّج منها الكاتب اللبناني المعروف ميخائيل نعيمة، وتبع ذلك إنشاء الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية الأرثوذكسية التي تعمل حتى اليوم وتحظى باهتمام السلطات الروسية وشخصيات اجتماعية كبيرة.

وعندما حصلت سورية على استقلالها عام 1946، والذي دعمه حينها الاتحاد السوفياتي في عصبة الأمم المتحدة، بدأت العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية بين البلدين. ومعروفة صفقة الأسلحة الروسية التي اشترتها سورية عن طريق تشيكوسلوفاكيا في 1957.

في أوساط القرن الماضي بدأت صداقة واسعة بين الدولتين السوفياتية والسورية. فالتواصل كان على المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والثقافية. وتبلورت لدى السوريين مشاعر حقيقية حول أهمية الصداقة مع الاتحاد السوفياتي ليس فقط على المستوى الحكومي وإنما على المستوى المجتمعي.

وفي مرحلة الستينيات تمسكت موسكو بقوة بالدفاع عن النظام البعثي في دمشق بحجة أنه يتبع نهجًا اشتراكيًا. ولكن هذا جزء من الحقيقة. وللتاريخ فليست الأيديولوجيا هي فقط من حدد تلك الصداقة والدعم السوفياتي لنظام البعث، بل المصالح الجيوسياسية لموسكو فسرت ذلك التمسك السوفياتي بالنظام في دمشق.

وفي فترة حكم البعث بدأت ملامح تعاون وصداقة جديدة تتبلور بين سورية والاتحاد السوفياتي، على الرغم من وجود علاقات وزيارات وتعاون بين الأحزاب والنقابات والمنظمات الاجتماعية. إلا أن التعاون الأبرز كان بين الأجهزة العسكرية والأمنية بحكم طبيعة النظام في البلدين. فالنظام السوفياتي كان شموليًا بامتياز حيث كانت قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي ومكتبه السياسي هي الحاكم المطلق للبلاد وكل ما عدا ذلك هو تكملة صورة.

ونظام البعث كان أيضا شموليًا وعلى الرغم من إنه أبرز إعلاميًا دور الحزب والنقابات في الحكم والمجتمع إلا أن الحقيقة كانت أن السلطة والقرار كله كان بيد أجهزة الأمن والجيش، وكان نظامًا كرس الطائفية كما كتب عن ذلك بشكل مفصل الراحل ميشيل كيلو في كتابه “الانتقال من الأمة إلى الطائفة…” ونشره عام 2020.

وأسوأ مرحلة مرت في سورية كانت في ظل الأسد، الذي ألغى عمليًا دور المنظمات والأحزاب والمجتمع وحول الحكم إلى نظام أمني قمعي فاسد.

وتأثرت العلاقة مع روسيا لتتناغم مع هذه الحالة، ولا سيما أن النظام في موسكو كان أيضًا أمنيًا عسكريًا مع رتوش مقتبسة من الحياة المدنية والاجتماعية لتزيين النظام إعلاميًا وتقديمه على أنه شعبي بامتياز.

والغريب أن طبيعة العلاقات لم تتغير بين روسيا وسورية، بل تعمقت بين الأجهزة الأمنية والعسكرية دون أي اهتمام للعلاقات الاجتماعية والثقافية والنقابية. فروسيا أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي دولة شبه رأسمالية هدفها الأعلى هو مصلحتها الاقتصادية والجيوسياسية، وتراجعت المبادئ والقيم إلى الوراء وهذا ينسجم إلى حد بعيد مع طبيعة الدولة البوليسية التي بناها حافظ الأسد.

 ثالثًا: أسباب الدعم الروسي لنظام الأسد

كانت الثورة السورية، التي انطلقت في آذار/ مارس 2011، ثورة سياسية اجتماعية شعبية شارك فيها الشبان والطبقات المتوسطة وكل المهمشين في المجتمع بحثًا عن الحرية والحياة الكريمة. وفي 2012 أصبح نظام الأسد القمعي الفاسد في مرمى الثوار والمقاتلين، وكاد أن يسقط لولا تدخل إيران وميليشياتها الطائفية، خاصة حزب الله اللبناني.

ولكن روسيا اتخذت قرارًا استراتيجيًا بعدم السماح بسقوط نظام الأسد لكيلا تتكرر تجربة العراق وليبيا، والتي قد تصبح أمرًا عاديًا في العلاقات الدولية وتصل إلى دول أخرى. وأعتقد أن هذا القرار اتخذ في الدوائر العالمية. والتنفيذ وقع على روسيا والنظام وإيران وقوى أخرى إقليمية، لأن لها مصالح جيوسياسية مشتركة. والدليل أن الأوروبيين والأميركان منذ انطلاقة الثورة السورية كانوا يقولون لنا اذهبوا إلى روسيا وبيدها الحل. ولكن ما نشهده اليوم، على الرغم من أن روسيا بالواجهة، إلا أن الحل ليس بيدها، بل بيد أميركا وإسرائيل، أما روسيا فتعمل من خلال التنسيق معهم (نذكر القمة الأمنية الثلاثية الأميركية الإسرائيلية الروسية في القدس في صيف 2019).

قبل الثورة كان حجم التبادل التجاري بين موسكو ودمشق لا يزيد على مليار دولار، وعندما تورّث بشار الأسد الحكم عن أبيه عام 2000 لم يزر موسكو إلا بعد 5 سنوات بينما زار معظم الدول الأوروبية، ما يدل على أن توجهاته كانت غربية بامتياز، وهو الذي درس لفترة في بريطانيا وتزوج من أسماء الأخرس، التي ولدت وتربت في بريطانيا وكانت تعمل في بنك أميركي معروف في لندن. وقد صرح مسؤولون روس من أعلى المستويات أن الأسد ليس صديقنا ولا حليفنا، بل هو أقرب إلى الغرب.

إذًا ما السر في السياسة الروسية بالدفاع الشامل عن نظام الأسد في المجالات كلها: العسكرية والاقتصادية والأمنية والإعلامية والسياسية؟

يكمن السبب بلا شك في أن روسيا، التي ورثت الاتحاد السوفياتي، حافظت على توجهاته الخارجية السياسية والجيوسياسية (والدليل أنها وطدت صداقتها مع الأنظمة الشمولية التي كانت تسمي نفسها “وطنية تقدمية” وكانت صديقة للاتحاد السوفياتي ونماذجَ مصغرة منه)، ولكنها اختلفت عنه في أن سياستها ومواقفها اتسمت بالبراغماتية وهي تنطلق من المصلحة الخاصة أولًا، ولم تعد أيديولوجية (شيوعية). فروسيا المعاصرة دولة تطبق النظام الرأسمالي، وإن كان بشكل مشوه، وليس لها علاقة بالشيوعية.

لم نفهم نحن السوريين تمامًا، ولم نتوقع أن تلتزم موسكو إلى هذه الدرجة المطلقة بالدفاع عن نظام ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية في سورية. ويقول المطلعون إن النظام السوري يشبه الصندوق الأسود، الذي لو فُتِحَ للعالم لكشف الستار عن أسرار وحقائق خطرة تفضح الدول والحكومات وأجهزتها الأمنية والعسكرية المختلفة، وتكشف تورطها في ملفات كبيرة تصل إلى حد الجريمة بحق شعوب المنطقة..

ويرى بعض الخبراء الروس أن نظام الأسد هو “الأكثر وحشية” في الشرق الأوسط، وأنه لا يقبل الحلول السياسية. ويرى آخرون أن النظام غير قادر على إدارة البلاد نتيجة ضعف القيادة وتفشي الفساد، إضافة إلى الصراعات داخل النخبة الأسدية الحاكمة وتذمر السوريين معارضة وموالاة وشرائح رمادية من تدهور الحياة الاقتصادية والمعيشية.

 رابعًا: أسباب التدخل العسكري الروسي في سورية

  • خسرت روسيا أوكرانيا عام 2014 فقامت فورًا بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا وتدخلت عسكريًا في شرقي أوكرانيا، ما عرضها لعقوبات غربية مؤلمة، طالت شركات الأسلحة والبنوك والشركات النفطية ورجال الأعمال المقربين من الكريملين وأغلب مسؤولي الأمن والجيش والوزراء، وكلفت روسيا عشرات المليارات من الخسائر.
  • أهم سبب للتدخل الروسي في سورية هو السعي لإثبات روسيا نفسها قوةً عالمية عظمى لا تقل أهمية عن الولايات المتحدة (على الرغم من أن باراك أوباما قال عن روسيا أنها قوة إقليمية)، وأرادت إجبار الغرب على التعامل معها واحترام رأيها. إضافة إلى أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا لم يحقق تقدمًا ولم يقدم مخرجًا من الأزمة الأوكرانية، حيث استمر سكان شرقي أوكرانيا متذمرين لأنهم أيدوا روسيا وأرادوا الانضمام إليها فلم تستقبلهم موسكو، وبقوا تحت ضغط الجيش الأوكراني.
  • وقد أرادت موسكو من التدخل العسكري الروسي إبعاد نظر المواطنين الروس عن صعوبة الأوضاع المعيشية والاجتماعية الصعبة التي نتج بعضها من العقوبات الغربية بسبب أوكرانيا (تركيا وإسرائيل لم تعترفا بالعقوبات!)، ومن تكاليف التدخلات الروسية في أوكرانيا ونتيجة ضم القرم التي تحتاج لمبالغ كبيرة لإحيائها وتنميتها. ويكفي أن نذكر أن نسبة الفقراء في روسيا باعتراف الدولة يقترب من 20 مليون شخص، علمًا أن الخبراء يؤكدون أن الرقم قد يكون مضاعفًا. وهنا يكفي أن نذكّر بقول ألكسي كودرين وزير المالية الأسبق والمقرب من الرئيس بوتين ورئيس غرفة الحسابات والرقابة المالية في روسيا: إن لم تتراجع روسيا عن تدخلاتها الخارجية وسعيها إلى التوسع، فإن مصير الاتحاد السوفياتي ينتظر روسيا. ويدعو كودرين إلى التركيز على التنمية الداخلية، خاصة الاهتمام بالوضع الصحي والتعليمي للمواطنين وتخفيف النفقات على الدفاع.
  • تنظر روسيا إلى سورية على أنها جزء من المنطقة، وهي ترسم مواقفها تجاه منطقة الشرق الأوسط على ضوء الصراع الجيوسياسي العالمي ولا تأخذ طموحات الشعب السوري بالحسبان ولا معاناته ولا مطالبه الإنسانية المشروعة. وبلا شك، فإن القواعد العسكرية الروسية العديدة في سورية هي جزء من استراتيجية روسية خارجية تهدف إلى جعل سورية بوابة ونقطة انطلاق نحو الشرق الأوسط.
  • لروسيا أهداف اقتصادية من خلال استثمارات الشركات الروسية في مجال النفط والغاز والفوسفات والمجالات الأخرى.
  • وهناك أهداف عسكرية من خلال بيع الأسلحة وتجريبها في سورية على الرغم من أنها قتلت عشرات الآلاف من الأبرياء السوريين. وهنا يقال في موسكو إن وزارة الدفاع الروسية اغتنت كثيرًا بعد 2015 لأنها روجت لأسلحتها وزادت المبيعات بمليارات من الدولارات.
  • أهداف سياسية: موسكو لا تقبل أن يتم تغيير الرؤساء عن طريق الثورات والدعم الخارجي، بل كما تدّعي بالانتخابات والطرق السلمية، مع أن هذا قد يبدو مستحيلًا في الأنظمة الشمولية المافيوية.
  • كما أن لافروف أكد منذ انطلاقة الاحتجاجات في مصر بأن روسيا لا ترحب بالثورات. وعندما طلب وفد المعارضة السورية من السيد لافروف (وكنت عضوًا في ذلك الوفد) أن يتفهم مطالب الشعب السوري بضرورة تغيير النظام الأسدي الاستبدادي الفاسد، رد لافروف بعبارة واضحة: إما أن تتفاهموا مع النظام وتقبلوا به أو “انتظروا بحرًا من الدماء!”. وهذا ما حدث. جرت أنهار من الدماء، وهذا يذكرنا بشعار المافيا الأسدية: إما الأسد أو نحرق البلد. وقد حرقوا البلد.
  • وهناك أهداف دينية من قبيل منع تشكيل دول في المنطقة تحكمها الأكثرية السنّية بحجة أنها ستقتل الأقليات (قال ميدفيديف إذا استلم السنة الحكم في سورية فإنهم سيقتلون العلويين). وهناك اعتقاد مزيف أن النظام الأسدي علماني بغض النظر عن طبيعته الأمنية البوليسية الفاسدة واستخدامه للطائفية. إضافة إلى اللعب على وتر الروابط التاريخية بين روسيا القيصرية ومسيحيي الشرق؛ إن روسيا هي المدافع الحقيقي عنهم منذ سقوط القسطنطينية. كما نذكر أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أعلنت مرة أن التدخل العسكري الروسي في سورية هو جهاد مقدس (أي ديني).
  • وفي مقابلة تلفزيونية مع الجنرال الروسي فيودوروف الذي عمل ملحقًا عسكريًا في دمشق أيام حافظ الأسد. يقول الجنرال إن الخبراء الروس هم من أوحى لحافظ الأسد بتوريث السلطة لابنه بشار لكي يحافظ على هيمنة العائلة والطائفة، ولم يرغب السوفيات بترشيح مصطفى طلاس أو عبد الحليم خدام لأنهما غير واثقين من صداقتهما لموسكو.
  • وسّعت من تدخلها العسكري للعب بالورقة السورية في سوق النخاسة العالمي. فهي راهنت على الورقة الطائفية وراهنت على ورقة المسيحيين وادعت أنها تحميهم من الإرهاب وتاجرت بورقة الأكراد وتغيرت مواقفها منهم أكثر من مرة خاصة بعد تحالفها مع تركيا التي تعد ميليشيات قسد خطرًا على أمنها القومي باعتراف روسي.
  • بما أن روسيا لم تقدم على مدى 10 سنوات أي خطة للحل السياسي الواقعي والمقبول، وساهمت في تدمير سورية إلى جانب نظام الأسد، إذًا فالتدمير الحاصل قد يخدم مصالح روسيا لأن الشركات الروسية ستكون لها حصة الأسد وكسب المليارات من خلال إعادة الإعمار. ولكن اليوم وبعد انتهاء الحرب فالوقت ليس لمصلحة روسيا، بل هي أمام تحد كبير بالانتقال إلى مرحلة البناء السلمي. ولكن المعوقات كثيرة وجدية وأهمها أن المجتمع الدولي يطالب بتغيير سياسي في النظام وهذا يعني احتمال خسارة روسيا لمصالحها في سورية
  • وقد شرح لافروف سبب التدخل العسكري الروسي في سورية، وهو منع سقوط نظام الأسد حيث وصلت المعارضة المسلحة إلى دمشق، ولولا روسيا لسقطت دمشق، بينما في مرات أخرى أعلنت موسكو أنها دخلت سورية لمحاربة الإرهاب وآلاف المتطرفين الإسلاميين من أصول سوفياتية لمنعهم من العودة ومعهم السلاح إلى روسيا.

خامسًا: نتائج السياسة الروسية في سورية

جيوسياسيًا:

  • على الرغم من الانتصار العسكري الروسي، والذي توقعت موسكو بأنه لن يطول أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أنها لم تنجز مهمتها ولم تحقق انتصارًا جيوسياسيًا يتعلق بالصراع الدولي. فالولايات المتحدة مع تعاقب الإدارات (الجمهورية والديمقراطية) فيها ما زالت تعادي موسكو وخاصة في ملف أوكرانيا المتوتر جدًا هذه الأيام والذي اقترن بعقوبات غربية كبيرة ضد روسيا، إلا أن المتابعين للملف السوري والأدوار الإقليمية والدولية يؤكدون على وجود تفاهمات أميركية روسية في سورية قد لا تصل إلى مرحلة حسم الوضع في سورية، لكنها تأكدت من خلال القمة الأمنية الرفيعة الأميركية الروسية الإسرائيلية في صيف 2019، والتي من المتوقع أن تكون روسيا تعهدت بضبط الوضع السياسي والأمني مستقبلًا في سورية، بحيث تحافظ على أمن دولة إسرائيل كونها أولوية رقم واحد بالنسبة إليها، مثلما هي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وكذلك بأن تعمل موسكو على إخراج إيران من سورية (وغير مفهوم كيف سيتم ذلك باستثناء صمت موسكو عن الهجمات الجوية الإسرائيلية ضد المواقع العسكرية الإيرانية، وكذلك المنافسة في المجالات الاقتصادية والأمنية المتعلقة بالنظام السوري). أي إن موسكو لم تتمكن من فرض سياستها في الساحة الدولية بوصفها قوة كبرى، لأن الغرب ما زال في حالة مجابهة، ويمارس ضغوطات كبيرة على موسكو.
  • للأسف، تعتقد بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها على أن تطبيع العلاقة مع النظام قد يؤثر سلبًا على الوجود الإيراني، ولكن هذه أوهام، والأسوأ من ذلك هو توجه تلك الدول إلى التطبيع مع إسرائيل أيضًا لمحاربة إيران علمًا أن تلك الدول نفسها لها علاقات تعاون واسعة مع إيران!
  • وحتى لو فرضنا أن إمكانية إعادة الإعمار قد تؤثر في تحسين حياة السوريين وقد تحمل النظام على بعض التنازلات، إلا أن الحقيقة أن النظام فاسد وقمعي ولا يؤتمن أبدًا على مستقبل سورية. وليس مصادفة أن قال دبلوماسي أميركي منذ سنوات بأن المعضلة التي تجابه الكريملين، تكمن في أنه يريد جذب الاستثمارات إلى سورية، لكنه يتغاضى عن أن النظام السوري فاسد ولا يثق به الممولون.
  • نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 مقالة بعنوان: “أميركا حققت مهمتها الأساسية في سورية”، وإن روسيا تتورط في حرب لا تعرف نهايتها! وهذا يؤكد الاستنتاج بأن موسكو اليوم تقف أمام تحديات كبيرة تهدد وجودها في سورية وتهدد مصالحها إن لم تتعاون مع الدول الأخرى لفرض حل سياسي مقبول يخلق الاستقرار.
  • وسمعنا تصريحات وتعليقات حول انتصار النموذج الروسي في حل المشكلات وقمع الثورات وهو الذي قدمته في سورية. فهل استخدام القوة المفرطة في قمع الشعب السوري هو النموذج الروسي الأفضل لدول المنطقة؟ وهل فرض أنظمة شمولية قمعية فاسدة هو النموذج الأفضل؟ أم يجب احترام إرادة الشعوب ومنحها حقها في العيش الحر الكريم. وكما قال فيودور لوكيانوف الخبير الروسي في السياسة الدولية ومدير أبحاث منتدى فالداي للحوار: هل الأموال الصينية والطائرات الروسية ستخلق الاستقرار في الشرق الأوسط؟

عسكريًا:

  • بلا شك انتصرت روسيا عسكريًا في سورية بعد تدخلها عام 2015، ولكن هذا الانتصار بين قوى غير متكافئة بالمطلق فمن جهة فصائل معارضة مسلحة أغلبها غير محترف ولديه أسلحة لا يمكن مقارنتها بأسلحة روسيا التي تمتلك جيشًا من أكبر جيوش العالم، واستخدمت خلاله أحدث الأسلحة بما فيها المحرمة دوليًا. وباعترافات وزير الدفاع الروسي وحتى الرئيس الروسي، جربت روسيا 350 صنفًا من الأسلحة الجديدة في سورية، وكأن سورية حقل تجارب للعمليات الميدانية. إضافة إلى أن روسيا دربت حوالى 63 ألف ضابط من رتبة جنرال وحتى عسكري. وبالطبع خسرت روسيا مئات القتلى من جنودها وكبار ضباطها، بينهم طيارون، وخسرت طائرات مقاتلة ومروحيات بما فيها طائرات حربية حديثة وطائرة استطلاع تجسسية مزودة بأحدث التكنولوجيا وعلى متنها حوالى 14 خبيرًا عسكريًا بالتقنيات الحديثة. وتفيد المعطيات الرسمية لدائرة العمليات العامة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، أن القوات الجوية الفضائية الروسية قامت منذ بداية العملية في سورية بأكثر من 28 ألف طلعة، ووجهت نحو 90 ألف ضربة جوية. ولأول مرة تم استهداف مواقع الإرهابيين بصواريخ “كاليبر” المجنحة. كما وجهت ضربات إلى الإرهابيين قاذفات استراتيجية بعيدة المدى. وبحسب تقارير وسائل الإعلام، فقد استخدمت في سورية لأول مرة القاذفات الاستراتيجية “تو 160″ و”تو 95”. كما تم القضاء على 54 ألف إرهابي في سورية منذ بدء العملية. علمًا أن الوقائع تفيد بأن القوات الروسية قصفت مواقعًا مدنية وأخرى تخص المعارضة ولا تمت بصلة للإرهابيين، وذلك ضمن عملية تثبيت نظام الأسد ومنعه من الانهيار. وعلى الرغم من أن التقديرات غير الرسمية تقول إن عدد القتلى الروس يقدر بعدة مئات، إلا أن بيانات وزارة الدفاع الروسية تفيد بأن 39 عسكريًا روسيًا فقط لقوا مصرعهم في سورية. وتم منح 4 منهم لقب “بطل روسيا”. وخسرت القوات الروسية 4 مروحيات وطائرتين خلال العملية العسكرية. لكن مصادر المعارضة الروسية تذكر أن تكاليف التدخل العسكري في سورية تزيد على 5 مليار دولار.
  • وعلى الرغم من كسب روسيا قاعدتين عسكريتين: جوية في حميميم بالقرب من اللاذقية، وبحرية في طرطوس، وفق اتفاقات باستخدام الأراضي السورية لمدة 49 عامًا قابلة للتمديد وبحقوق تخرق السيادة السورية مثل حصانة القوات العسكرية الموجودة في القواعد. إضافة إلى عشرات القواعد العسكرية الروسية الصغيرة المنتشرة في المطارات والمواقع المختلفة، إلا أنها غير مستقرة عمليًا بسبب عدم استقرار الوضع العام في سورية وتعدد الدول والميليشيات المحتلة على الأراضي السورية التي يمكن أن تهدد الوجود الروسي مادام الوضع بلا حل سياسي مستقر.
  • شكلت روسيا فيلقًا عسكريًا تابعًا لها هو الفيلق الخامس، ولكنه يصارع الفرقة الرابعة وتشكيلات عسكرية تابعة لطهران.
  • من اللافت للنظر أن الروس تحدثوا رسميًا، وكذلك في وسائل الإعلام، أنه لم يتبق من الجيش العربي السوري سوى ميليشيات تقتات على الحواجز وتؤدي دورًا تشبيحيًا، وبعضهم دعا إلى إعادة تشكيل الجيش ليصبح جيشًا وطنيًا[1]، بينما تشير تصريحات الرئيس بوتين في نهاية 2016 إلى أن الروس غير واثقين من حلفائهم الإيرانيين والسوريين بعد سقوط حلب، حيث صرح: “آمل كثيرًا، أن يتمكن الجيش السوري من الحفاظ على سيطرته على حلب..” وذلك مرتبط بالهزيمة المدوية، التي منيت بها قوات الأسد والقوات الإيرانية في تدمر، حيث هربوا وتركوا الروس وحدهم وسقطت تدمر بيد داعش.
  • من اللافت للنظر أن موسكو تعتمد كثيرًا الطرق غير الرسمية في الترويج لأجنداتها في المجالات المختلفة. فمثلًا لم ترسل قوات برية إلى سورية باستثناء الشرطة العسكرية لأغراض الحماية والقيام بدوريات بينما أرسلت قوات مرتزقة من الشركة الأمنية الخاصة “فاغنر” التابعة لرجل الأعمال المقرب من بوتين وهو يفغيني بريغوجين صاحب شركات نفط وغاز تعمل في سورية منذ بداية الثورة. ولا يعترف الكريملين رسميًا بقوات فاغنر، علمًا أنهم يعملون في دول عديدة مثل ليبيا وفنزويلا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان بإشراف الجهات الرسمية، إلى درجة أن الأميركان عندما قتلوا مئات المرتزقة من فاغنر في دير الزور في 2018 لم تعترف موسكو بالحادث وإنما اكتفت الخارجية الروسية بالقول: قتل 4 أشخاص روس.
  • وردت أخبار غير مؤكدة بأن روسيا شكلت عددًا من الفروع الأمنية لحماية المؤسسات الاستراتيجية في سورية مثل الإذاعة والتلفزيون والبنوك والمكتبة المركزية وأهم الوزارات وغيرها.

سياسيًا:

  • نستطيع أن نتذكر في بداية الأحداث عندما بدأ الأسد بقتل السوريين مستخدمًا الجيش والأسلحة الثقيلة، كان لافروف يقول إن الوضع في سورية لا يستدعي مناقشته في الأمم المتحدة لأنه لا يهدد السلم العالمي. ولكن عندما أصبح نظام الأسد في خطر أصبح الروس يقولون إن سيادة سورية واستقرارها في خطر، وأصبح الوضع خطرًا على الأمن والسلم العالمي.
  • تمكنت روسيا بمساعدة تركيا من عقد مفاوضات بين المسؤولين الروس وممثلي فصائل المعارضة المسلحة في أنقرة في ديسمبر 2016، وهي الفصائل نفسها التي كانت تتهمها وزارة الخارجية الروسية سابقًا بأنها إرهابية، مثل “أحرار الشام” و “جيش الإسلام”. وحتى أن رئيس وفد المفاوضين باسم المعارضة إلى أستانا هو من “جيش الإسلام”. وأراد الروس تهميش دور “الهيئة العليا للتفاوض” بوصفها هيئة سياسية، بالتركيز على الفصائل المسلحة فحسب.
  • يُشهد لموسكو أنها أقامت علاقات متينة مع أنقرة، ولكنها لم تصل إلى حد الشراكة الاستراتيجية فتركيا عضو في حلف الناتو وهذا أمر لا يمكن تجاوزه ببساطة، بل هناك مصالح اقتصادية وسياحية واستثمارية مشتركة بين البلدين. ونلاحظ في هذه الفترة اختلافات جدية بين البلدين بسبب نشاط القيادة التركية في أوكرانيا وقره باغ وفي جورجيا والبحر الأسود وملفات أخرى، دفعت موسكو لإيقاف السياحة إلى تركيا بحجة الكورونا.
  • بدأت روسيا بالتعاون مع تركيا ومع إيران لاحقًا بعقد مفاوضات أستانا التي استمرت حتى عام 2021 وعقدت 15 جلسة، وحققت نتائج خطرة لمصلحة النظام وحلفائه، وأهمها اتفاقية مناطق خفض التصعيد التي ادعت الدول الثلاثة الضامنة أن الهدف منها هو وقف إطلاق النار، لكن اتضح لاحقًا أنها فخ لاسترجاع تلك المناطق بمشاركة روسية وإيرانية عسكرية فعالة كما حدث في دوما، فأصبح النظام مسيطرًا على نحو 64 في المئة من أراضي سورية بينما كان قد فقد قبل التدخل العسكري الروسي، السيطرة على ثلثي مساحة البلاد على أيدي فصائل الجيش الحر والفصائل الأخرى. ولكن النظام حاليًا لا يسيطر إلا على 17في المئة من الحدود البرية السورية وفقد السيطرة عمليًا على كل المطارات والموانئ لأنها تحت إشراف روسيا وإيران وأميركا والميليشيات المختلفة.
  • اتبعت موسكو طرقًا سياسية خبيثة مثل مفاوضات أستانا واختراع قصة الدول الثلاث الضامنة علمًا أن إيران وروسيا مشاركتان في الحرب إلى جانب النظام، وأصبحت تركيا تتماهى مع الموقف الروسي، وما نتج منها من استرجاع أراض لمصلحة الأسد، وكذلك ابتدعت موسكو مؤتمر سوتشي في كانون الثاني/ يناير 2018 تحت مسمى دعائي، وهو “مؤتمر الحوار السوري -السوري” (كانت تريد تسميته مؤتمر الشعوب السورية، ولكن هناك من نصح بأن العنوان استفزازي لأغلبية السوريين). وقد حضره حوالى 1500 شخص أغلبيتهم الساحقة اختارتهم أجهزة الأمن السورية، وحينها اقترحت تشكيل لجنة للإصلاح الدستوري بموافقة من الأمم المتحدة وبرضى أميركي. وبهذا قلبت موسكو تسلسل أولويات الحل السياسي في سورية التي وردت في قرارات جنيف-1 لعام 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، اللذين نصا على تشكيل هيئة حكم انتقالية تقود العملية السياسية. أما الدستور فلم يشكل يومًا همًّا رئيسا للسوريين كون المشكلة في سورية سياسية بامتياز وتتعلق بطبيعة النظام السياسي. وهنا ندرك كيف تكمل بعضها بعضًا سياسة موسكو وسياسة النظام بإغراق السوريين في التفاصيل المملة والفارغة، وكل ذلك يحدث بتطبيل دولي وإقليمي في الجوقة الروسية الأميركية التي لا تريد تغيير النظام السوري.
  • لعبت موسكو بورقة الأقليات الدينية والقومية. حيث قال رئيس لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الدولية ليونيد سلوتسكي في أثناء وجوده في دمشق في 20 آذار/ مارس 2017، إنه لا يمكن تحقيق مصالحة في سورية دون إقامة مناطق حكم ذاتي للأقليات. وأول من طرح فكرة الفدرالية هو نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف. فنجد أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن صراحة أن انتصار المعارضة السورية يعني قيام دولة سنية ستقتل العلويين[2]. ولا يبدو هذا الاهتمام الروسي بالموضوع الطائفي مصادفة فروسيا تتحالف مع ما يسمى “الهلال الشيعي” المكون من إيران والحكومة العراقية ونظام الأسد وحزب الله اللبناني، الذين ساهموا في إبقاء الأسد في السلطة حتى اليوم.
  • وهناك فكرة جديرة بالاهتمام، وتتلخص بالآتي: روسيا تدرك أن مصالحها لن تكون محفوظة في سورية الموحدة (لارتكاب روسيا جرائم ضد الأغلبية السورية)، لذلك ستوافق قبل أي جهة أخرى على تقسيم سورية لحفظ مصالحها في دولة ممزقة (دويلة علوية ودويلة كردية تربطها بروسيا مصالح وصداقات) أما البقية فلا خبز لروسيا فيها. كما أن دميتري مدفيديف حذر من تفكك سورية إلى تجمعات إرهابية وقال يجب “الاتفاق على مستقبلها عبر المفاوضات”. مع أن روسيا تبذل كل ما تستطيع لاسترجاع منابع النفط والثروات الزراعية والحيوانية إلى سيطرة النظام لتمويل الإعمار المزعوم.
  • وتعتمد موسكو أدوارًا سياسية لشخصيات ليست من المستوى الرفيع في الدولة ليقوموا بوساطات وتأدية أدوار تساهم في تطبيق الأجندات الروسية مثلا الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف يقوم بمهمات حكومية غير رسمية لتوطيد التعاون الروسي مع دول الخليج، وكذلك ساهم في إطلاق سراح البحارة الروس وله علاقات ودية مع جهات ليبية مؤثرة وأرسل مساعدات إنسانية لمناطق النظام وساهم في إعادة ترميم بعض المساجد في سورية (كما نقلت وسائل الإعلام).

اقتصاديًا:

  • تم توقيع 30 اتفاقًا عام 2018 من خلال اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون بين البلدين، ولم ينفذ منها بعد سنتين إلا القليل، والسبب بحسب رأي الروس هو أن الأسد كان يتلاعب، وكان يتأثر بإيران. ولهذا السبب بالذات ذهب وفد رفيع إلى سورية مكون من نائب رئيس الحكومة الروسية يوري بوريسوف ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عام 2020 لحل المشكلات الاقتصادية، وكذلك لتحريك اللجنة الدستورية التي لم تتقدم خطوة واحدة منذ تشكيلها.
  • أسّست روسيا عددًا من الشركات بأسماء سورية، ولكنها تعمل تحت إشراف روسي في مجالات النفط والغاز ومجالات تجارية واستثمارية.
  • يتنامى تأثير بعض الأطراف غير الحكومية على السياسة الروسية في الشرق الأوسط. ويدور الحديث عن شركات الطاقة الروسية والوكالة الدولية للتنمية السيادية التي أُنشئت في روسيا في عام 2019. ومن اللافت للنظر أن دور هذه الوكالة التي يرأسها قسطنطين مالافييف، يقتصر على توزيع أصول الشركات العسكرية الروسية الخاصة.
  • نشرت وسائل الإعلام الروسية تفاصيل هيمنة داعش على حقول النفط والغاز في حقل الشاعر بالقرب من حمص، حيث تعمل شركات روسية وتبيع للنظام النفط والغاز الذي تشتريه من داعش وتتمتع بحماية داعش!

إعلاميًا:

  • قامت موسكو، بشكل متواصل على مدى 10 سنوات، بالترويج لنظام الأسد وتلميع صورته وتبرئته من أي انتهاكات بما فيها استخدامه الأسلحة الكيماوية، وألقت التهم على معارضي نظام الأسد. وأكبر دليل هو عدد الفيتوات الذي استخدمته موسكو في مجلس الأمن لمنع توجيه أي انتقاد لنظام الأسد، فضلًا عن قبول انتهاكه لحقوق السوريين وارتكابه جرائم حرب.
  • كانت وسائل الإعلام الروسية، في أغلب الأحيان، تأخذ معلوماتها وأخبارها مباشرة من الإعلام السوري المعروف بكذبه وزيفه، ناظرة إلى تلك الأخبار بوصفها حقائق مطلقة.
  • ومع ذلك، في نيسان/ أبريل 2020، قامت وسائل الإعلام الروسية بحملة قوية غير مسبوقة ضد نظام الأسد وعائلته، ووصفت بشار بأنه حاكم ضعيف، ولا يتمتع بتأييد إلا 20% من السوريين، وأن ماهر الأسد مجرم ويعمل في التهريب، وأن رجال أعماله (الأخوين قاطرجي) يتعاونان مع داعش وقسد لشراء النفط والقمح. والهدف من تلك الحملة كان على ما يبدو “فركة أذن” لبشار كي لا يخدع الروس في علاقاته الاقتصادية بشكل خاص.
  • وطبعًا كانت ردة الفعل السورية حادة تجاه تلك الحملة الإعلامية الروسية، وتمثلت بمقالة لخالد العبود هدد فيها بوتين، وقال يمكننا إبلاغ مجلس الأمن بأن روسيا دولة محتلة. وطرح أفكارًا أخرى استهجنها الروس، ولكنه استفزهم وأصبحوا يكررون أن النظام ليس حليفنا والأسد ليس صديقنا، ولكنهم كبالع السكين على الحدين ينتقدون الأسد عند الضرورة القصوى، ولكنهم يستمرون في دعمه. كما ساهم في الرد على الحملة الإعلامية الروسية بهجت سليمان ببيان عدائي ضد روسيا، كتب أسماء بعض الموقعين من دون علمهم. وروى أحدهم أن مسؤولين في الخارجية الروسية ضحكوا من البيان وعلقوا عليه باستخفاف وعدم احترام.

سادسًا: التحديات أمام روسيا في سورية

  • تنظر روسيا إلى علاقاتها مع دول الشرق الأوسط على أنها ورقة من الأوراق الرابحة التي تلجأ إليها في تفاعلها مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
  • من جهة، تنظر روسيا إلى الشرق الأوسط بوصفه مصدرًا مهمًا للاستثمارات، وسوقًا لتسويق منتجات بعض قطاعات الاقتصاد الروسي (ومنها، بالدرجة الأولى، الصناعة الحربية، والإنتاج الزراعي، وقطاع الطاقة النووية، والنفط، والغاز، والبتروكيماوية). ومن ناحية أخرى، لا تزال الميزانية الروسية تابعة لأرباح تصدير النفط والغاز.
  • ومن الدوافع الأخرى وراء السياسة الروسية في الشرق الأوسط- كما تقول موسكو- كان القلق المستمر من الحركات الإسلامية المتطرفة في روسيا وآسيا الوسطى.
  • تدرك القيادة الروسية بكامل الوضوح أن الأوضاع الاقتصادية قبل كل شيء تمنع بلادها من تأدية دور قيادي في هذه المنطقة. ولا تزال دول الشرق الأوسط تركز في المجال الاقتصادي على التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية والصين والهند التي تشهد النهضة.
  • تخشى القيادة الروسية (وليس هذا الخوف بلا أساس) من أن يؤدي تقليص الوجود الروسي في المنطقة إلى تراجع اهتمام دول الشرق الأوسط، ولا سيما دول الخليج، بموسكو وإلى تراجع استعداد هذه الدول للتعاون.
  • تأتي في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الروسية إيقاف توسع الناتو نحو حدودها الغربية وإثبات أنها دولة عظمى ليس فقط في فضاء الجمهوريات السوفياتية السابقة وإنما بعيدًا عن حدودها (كما هو الحال في سورية).
  • ما نلاحظه في المواقف الروسية أنها تتناغم مع السياسة الأميركية في نهاية المطاف (وافقت أميركا على نتائج مفاوضات أستانا كلها وعلى تشكيل اللجنة الدستورية ومقررات مؤتمر سوتشي وعلى التدخل العسكري الروسي في 2015).
  • من خلال لقاءات الروس مع ممثلي الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية المعارضة لبقاء الأسد تحاول روسيا إظهار نفسها بالمتعاونة وأنها تتفهم تلك المواقف السياسية للشركاء وفي حالات أخرى تحاول روسيا إيصال رسائل لنظام الأسد بشكل صريح وعلني وتنقل مواقف الدول المعارضة للأسد.
  • العامل التركي يؤثر على الموقف الدبلوماسي الروسي نظرًا لأن أوساط رجال الأعمال الروسية تعطي أولوية للمشاريع الاقتصادية وتوسيع التعاون مع تركيا، خاصة أن تركيا تؤدي دورًا سياسيًا مهمًا أحيانًا مخالفًا للموقف الروسي، يجب مراعاته (مكره أخاك لا بطل). وفي هذا الإطار يرى بعض الخبراء أن موسكو تخشى من انقلاب شركائها مثل تركيا، وأحداث أوكرانيا تشير إلى هذا الاحتمال الصعب بالنسبة لموسكو.
  • غالبًا ما تلجأ النخب المحلية في المنطقة إلى تعزيز التعاون مع روسيا بغية استخدام هذا الملف على أنه ورقة رابحة في المساومة مع واشنطن للحصول على شروط أفضل للتعاون الثنائي.
  • وتريد روسيا أن تقول للمواطن الروسي انظروا حققنا أرباحًا من الاستثمارات في سورية. وقد قالها دميتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي خلال وجوده في دمشق في 2014: المواطنون الروس ينتظرون تعويض كل دولار صرفناه في سورية! وسمعت من صديق روسي زار سورية مع وفد من رجال الأعمال منذ سنتين. قال لهم مسؤول سوري تعالوا واستثمروا وسنعطيكم امتيازات كبيرة. فرد عليه رجل أعمال روسي قائلا: نحن مستعدون للاستثمار وشركاتنا جاهزة، لكن قدموا لنا المال.
  • قال صحافي روسي معتدل- حتى لو عددنا أن الأسد انتصر في الحرب فإنه لن يكسب السلم. وهذا الذي يقلق الروس اليوم. ولكن الواقع يقول إن موسكو تخشى من التغيير في سورية
  • يشكك بعض الخبراء الروس في جدوى الاتفاقات الطويلة الأجل التي عقدتها موسكو مع نظام الأسد المتهالك، ويذكرون بالاتفاقات التي عقدتها روسيا مع جورجيا وتركمنستان لبناء قواعد عسكرية لمدة 25 سنة، ثم ألغيت بعد سنوات قليلة نتيجة تغير الأوضاع السياسية في تلك البلدان.

سابعًا: روسيا ومستقبل سورية

  • التوجه السائد في الأوساط الرسمية الروسية حول آفاق الحل في سورية في الفترة القادمة هو سيناريو «النتيجة غير المحددة”، وهذا يعني أنه لا توجد خطة أكيدة وإنما بحسب الأوضاع والوقائع يتم تحديد الحل بشرط أن يحقق أهداف الدولة قدر الإمكان. وهناك آراء أخرى حول هذا السيناريو:
  • هذه المخاطر تؤثر على سمعة روسيا. ففشل المفاوضات حول الدستور ستظهر روسيا على أنها فاشلة في تأدية دورها الفاعل في سورية وسيبقى دورها شكلي.
  • هذا السيناريو يتطلب من موسكو أن تبذل جهودًا إضافية للتمسك بنظام الأسد وتأهيله وكذلك التخفيف من مظاهر الاحتجاج الشعبية على ضوء الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية في سورية.
  • على موسكو أن تبذل جهودًا إضافية لحل المشكلات داخل بنية النظام التي ظهرت إلى العلن مؤخرًا.
  • استعرضت القيادة الروسية مرارًا تأثيرها في رأس النظام وتعاملت معه بطريقة مهينة. فالرئيس بوتين زار دمشق لمرة واحدة واستقبل الأسد في مقر القيادة العسكرية الروسية في دمشق، وكأن بشار هو الضيف وبوتين صاحب البيت. واستدعى بوتين الأسد بمفرده للمرة الرابعة (مرتين في روسيا ومرتين في حميميم) بلا مرافقة وبلا بروتوكول. وفي مرة نشر الروس فيديو يقوم أحد الضباط الروس بجر بشار من يده ويوقفه ليفهمه أنه لا يحق له مرافقة بوتين، بل يجب أن يتوقف ويشاهد العرض العسكري من بعيد (ديسمبر 2019).
  • زل لسان لافروف عام 2012 وصرح بأن النموذج اليمني في الحل يمكن تطبيقه في سورية، أي أن يرحل الأسد وتجري إصلاحات معينة، لكنه تراجع بسرعة عن هذا المقترح.
  • من الغريب أن الروس رحبوا باتفاق الليبيين في نيسان/ أبريل 2021 على حل سياسي يضمن سيادة ليبيا واستقلالها من خلال انتخاب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أشخاص يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة ورئيس للحكومة الوطنية المؤقتة، فلماذا لا يساهمون في حل سوري عادل.
  • أذكر أنني في سنة 2013 اقترحت على السيد ميخائيل بوغدانوف مقترحًا بتطبيق السيناريو اليمني في سورية، وأعدت طرح الموضوع على شكل مبادرة لإنقاذ سورية عام 2018، وكان جوهرها أن سورية تحتاج لتغيير يخلق استقرارًا ويضمن مصالح روسيا المشروعة ومصالح الشعب السوري. وفي 2020 أعدت المقترح للروس وعلى الرغم من أن المعطيات والأوضاع تغيرت ونضجت لتطبيق ذلك الاتفاق إلا أن الروس ما زالوا يضعون رؤوسهم في الرمال.
  • لقد توحد جميع السوريين في المعاناة ويجب أن يفتح ذلك عيونهم على وحدة المصير والهدف وهو إنقاذ سورية من الكارثة التي فرضتها عصابة الأسد مدعومة من حلفائها، وفي ظل صمت وتخاذل دولي معيب أمام إبادة الشعب السوري بشرائحه كافة.
  • لقد أصبحت سورية ممزقة وموزعة بين نفوذ دول وميليشيات أجنبية ومرتزقة ومتطرفين، والكل ينهش بجسم هذه البلاد بتغاضيهم عن أي مساعدة للناس ونشهد في كل مكان في سورية نهب ثروات البلد لأمراء الحرب وتجار الدم.
  • الموقف الروسي والأميركي منعا حدوث حل سياسي وحافظا على نظام الأسد على الرغم من التصريحات والممارسات المختلفة للبلدين، ولكن النتيجة واحدة وهي أن سورية أصبحت دولة فاشلة. ويتساءل كثيرون: لماذا لم تقدم روسيا ولا أميركا حلًا سياسيًا يخلق استقرارًا في سورية ويخرج شعبها من الهولوكوست الذي تعيشه. ألم يحن الوقت لتتقدم موسكو بمقترح سياسي عقلاني يرضي الشعب السوري ويحافظ على مصالحها ويستقطب توافقًا دوليًا.
  • فالأسد لا يصدق التعامل مع الروس وبدؤوا يشعرون بذلك وهذا يفسر المقالات الروسية الناقدة بقوة، التي وجهت السهام ضد الأسد فاضحة ضعفه في إدارة البلاد، وأن شعبيته لا تصل إلى 20 في المئة، وانتشار الفساد في عائلته ومحيطيه وفي مجمل النظام، وكذلك تبجح النظام ومناداته مدعومًا من إيران بالحل العسكري على الرغم من أن موسكو تردد ليلًا نهارًا إنها تريد الحل السياسي، وبالفعل لم يعد من مصلحتها فتح معارك والاصطدام مع تركيا أو أميركا.
  • لولا تدخل موسكو العسكري في 2015 لسقطت دمشق. قالها الوزير لافروف، وقبله قالها حسن نصر الله والمسؤولون الإيرانيون، واعترف بذلك نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف. وكل منهم يحاول تثبيت انتصاره في الحرب الظالمة ضد الشعب السوري دعمًا لنظام استبدادي إجرامي فاسد.
  • سرّب المحلل السياسي والمستشار في الخارجية الروسية رامي الشاعر في شباط/ فبراير 2021 نص رسالة (قال إن هناك 40 رسالة بالخصوص) أرسلها بشار الأسد إلى الرئيس بوتين في عام 2013 يستنجد فيها بروسيا من إمكانية توسع المعارضة وفقدان السيطرة على مساحات واسعة، على الرغم من أن النظام- كما ادعى الأسد- أوفى بوعوده وأتلف الأسلحة الكيماوية. ويبدو أن الكشف عن الرسالة في هذا التوقيت له دلالات عديدة وتبعث رسائل مختلفة إلى العالم:
  • إن مصير النظام يبقى معلقًا بيد روسيا التي أنقذته في 2015 من السقوط وليس بيد إيران أو غيرها.
  • رسالة للنظام الذي تسربت معلومات عن اتصالات بينه وبين دول غربية وإسرائيل لإمكانية التعاون معها والتخلي عن روسيا وإيران.
  • ورسالة للعالم بأن موسكو مستعدة للتفاوض على مصير الأسد شريطة توفر الصفقة المناسبة لها.
  • وتزايد عدد الكتاب والمحللين الروس الذين يؤكدون أن استمرار وجود الأسد وعائلته في السلطة لن يساهم في استقرار سورية.
  • الأميركان يلعبون على هذا الوتر بالذات وهم غير مستعجلين على الحل من بداية الثورة وحتى اليوم. فهم من جهة يزيدون العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا وبسبب اعتقال المعارض الروسي نافالني والناشطين الآخرين، ووصل الأمر إلى درجة وصف بايدن لبوتين بأنه قاتل، وهذه حادثة تستحق التوقف عندها، فلها دلالاتها الكبيرة في العلاقات الدولية. وبالطبع يتزامن كل ذلك مع توتر وتصعيد غير مسبوق في العلاقات الروسية الأوروبية خاصة حول أوكرانيا. ونرى الإدارات الأميركية والدول الأوروبية غير مكترثة بشكل رسمي للحل في سورية، وتركت الأمور بيد روسيا، حتى انتهاء العمل العسكري بشكل خاص. وهناك من يرى في روسيا أن الولايات المتحدة نجحت في جرها إلى المستنقع السوري.
  • من خلال متابعة المواقف الروسية في الداخل والخارج يتبين أن القيادة الروسية تسعى إلى اتخاذ بعض المواقف الدولية لتدعيم سياستها الداخلية، كما تستخدم القيادة الروسية بنجاح الفكرة الوطنية (القومية) الروسية والانتماء الأرثوذكسي في حشد تأييد شعبي روسي لسياستها الخارجية، وتعتمد القيادة الروسية في دعم سياستها الخارجية على تأييد المؤسسات الدينية الروسية المختلفة.
  • أنطون مارداسوف، الخبير العسكري، رئيس قسم دراسات نزاعات الشرق الأوسط في معهد التنمية المبتكرة، قال: على افتراض أن الهدف هو إبقاء الأسد في السلطة، والحفاظ على المؤسسات السورية، فقد تم إنجاز هذه المهمة. ولكن يجب أن نأخذ بالحسبان أن دمشق ارتكبت أخطاء كثيرة، وسيكون من المفيد بالنسبة لروسيا أن تتجنب الارتباط مع الأسد.
  • المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، صرحت في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز” البريطانية (13 نيسان/ أبريل 2018): قبل نزع السلاح الكيماوي من سورية: كان بشار الأسد الصديق الأفضل ليس لموسكو، لكن لواشنطن ولندن. وأن “وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري كان، إبان عضويته في مجلس الشيوخ، على علاقة ودية مع الأسد الذي قضى معظم حياته في بريطانيا، إنه رجلكم أكثر مما هو رجلنا”.
  • موقع “لينتا.رو” الإلكتروني المعروف في روسيا بتميزه عن الإعلام الرسمي، نشر مقالتين يومي 18 و24 إبريل 2020، إحداهما بعنوان “بشار الأسد يخون روسيا لمصلحة إيران ويقتل آلاف السوريين”، كتبهما فلاديمير كورياغين وألكسي نعوموف.
  • صحيفة “موسكوفسكي كومسومولتس” الروسية نشرت مقالة بعنوان “كمين بمسمى “الأسد”، بقلم الصحافي أندريه كاماكين (26 نيسان/ أبريل 2018): قال فيها إن بشار الأسد، وإن كان حليفنا، كان ولا يزال “ابن العاهرة”.
  • كتاب روسي مهم بعنوان ” الأفق السوري” كتب مقدمته وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وكتب خاتمته وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وأوصيا بقراءة الكتاب لأهميته. وهو مجموعة أبحاث ودراسات لخبراء روس، صدر عن مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا (2016)، نشر في مواقع عدة، منها مراكز مقربة من الكرملين والخارجية الروسية بإشراف الباحث الروسي م. شيبوفالينكو، وهو يقع في 2004 صفحات. وكُرس للبحث في دور روسيا وقواتها المسلحة في سورية. يؤكد أن أسلحة الدمار الشامل في سورية استخدمت من “كلا الجانبين” (أي المعارضة والنظام). وهذه المعلومة تتناقض مع كل السياسة الخارجية الروسية في ملف استخدام السلاح الكيماوي في سورية.
  • رئيس تحرير صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”، كونستانتين ريمتشكوف (4 آذار/ مارس 2018): روسيا تحمي بشار الذي يستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، وهي التي استخدمت هذا السلاح في بريطانيا (في إشارة إلى عملية تسميم الجاسوس الروسي المزدوج، سيرغي سكريبال). لذلك أعتقد أننا أمام لعبة دولية جيوسياسية كبيرة. يمكن لروسيا أن تسلك فيها طرقًا مختلفة. يعتقد ترامب أن موسكو يمكن أن تتخلى عن إيران. إسرائيل تريد أن تصفعها وأميركا أيضا. ولكن، ماذا يمكن أن نطلب في المقابل؟ بقاء الأسد؟ هذا هو الغباء بعينه، فالأسد ليس عمنا ولا خالنا، لكي نتحمّل كل هذه العقوبات الغربية، بسبب دعم نظامه.
  • الباحث الروسي، نيكولاي كوجانوف، عن مستجدات الموقف الروسي: “الآن، تغيرت المعطيات، وتمت إعادة بشار إلى منصبه. حيث أخذ زمام المبادرة. في الواقع، جرّنا السوريون إلى الغوطة الشرقية على مضضٍ منا. ونحن الآن في طريق مسدود”.
  • الباحث العسكري الروسي، كيريل سيميونوف، كتب مقالتين، “من يحكم سورية؟” و”الجيش السوري تحول إلى مليشيات”:
  • يعرّف سيميونوف كل فرد في عائلة الأسد وأقربائهم وأهم الشخصيات العسكرية والأمنية والسياسية الموالية والمحيطة بهم. ويعرض، بطريقة غير معتادة في الإعلام الروسي، وبموضوعية وصدق الوضع في سورية. ويشير إلى أن عائلة الأسد هي التي تحكم سورية، وتساعدها في ذلك شريحة من الضباط العلويين، وأنه ما دامت هناك سلطة إدارية لدى عائلة الأسد، لا يمكن إجراء إصلاحات حقيقية في سورية. ويكتب سيميونوف: زال الآن الخطر الأساس عن النظام، بفضل تدخّل روسيا وإيران، فلولاه لسقط النظام بيد المعارضة. ويتابع: عندما نقول إن النظام كسب الحرب يجب أن ندرك أنه لم يكسب السلام. فكل المشكلات التي أدت إلى الحالة الثورية في سورية تعمقت أكثر خلال الحرب، أي إن أسباب الثورة ما زالت قائمة، بل تعمقت أكثر نتيجة التدمير والتهجير القسري والتهجير إلى خارج سورية، ونتيجة تفتيت المجتمع. ويلاحظ الخبير أن مستوى الفساد ارتفع بدرجات غير مسبوقة، وأن الأموال تجمعت في أيدي فئةٍ محدودة، خاصة الشبيحة. ويستنتج الكاتب: إن لم تجر إصلاحات عميقة تمسّ أسس النظام السياسي، ستكون الأوضاع متاحة لمزيد من التصعيد والتوتر. ولذلك، من الأفضل تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالية. ويرى أن من الأفضل تحويل البلاد إلى نظام برلماني لتقييد سلطة الرئيس. ويجب إشراك المعارضة السياسية والمسلحة في عملية التغيير، وإلا من الصعب المضي نحو الأمام في سورية. وكانت مقالة سابقة للخبير سيميونوف تناولت الوضع الذي آل إليه الجيش السوري النظامي، واستنتج أنه تحول إلى مليشيات تقتات على ما تجنيه من الحواجز.
  • يتحدث الكاتب عن الاختلاف في المصالح الاستراتيجية، بين موسكو وطهران؛ إذ ليس من مصلحة إيران حدوث أي تقارب بين روسيا والدول الغربية. حتى إن مصالح الأسد اليوم لا تتطابق مع المصالح الروسية؛ فحلم بشار الأسد كان انتصاره في الحرب الأهلية، لكن هذا الحلم لم يتحقق. ولن يتمكن من الهيمنة على الوضع.
  • يتابع الكاتب مهما يكن شكل الحل السياسي السلمي؛ فإنه يقتضي إصلاحات سياسية تؤدي إلى إزاحة بشار الأسد عن السلطة. وكل المسألة تكمن في توقيت إزاحته، وهو يحاول إطالة عمره. وفي أحسن الأحوال، مصير الأسد هو النفي، بل حتى هذا المصير غير مضمون؛ لأن الدماء المهدورة كبيرة في سورية. باختصار: النصر غير واقعي والسلام أيضًا غير متوقع. من هنا نفهم لماذا يسعى الأسد وأنصاره إلى إطالة عمر الحرب، فهي الطريق الوحيد لبقائه حيًا، بالمعنى السياسي والفيزيائي.
  • لا ننكر وجود مصالح جيوسياسية واقتصادية وعسكرية لروسيا في المنطقة خاصة في سورية- البلد الأقرب تاريخيا لها. ولكن ما حدث يثير الاستغراب من ناحية طريقة تحقيق تلك المصالح وحتى فهمها.
  • يرى خبير روسي أن أي تنازلات روسية في سورية غير ممكنة، إلا إذا تضمّن ذلك تطبيع العلاقات الروسية الأميركية بشكل إجمالي. وفي انتظار أن يتوصّل الأميركيون والروس إلى تفاهم جديد أو صفقة تتحوّل إلى حرب شمال غربي سوريا، وإلى عملية استنزاف طويلة.
  • مستشار وزير الدفاع الروسي، أندريه إيلنيتسكي أشار إلى أن واشنطن تواصل بناء “قوس مزعزع للاستقرار”، يمتد من البحر الأسود إلى البلطيق، وهناك تؤدي بيلاروسيا أحد الأدوار الرئيسة. وأن مركز راند الأميركي أوصى بالتأثير على روسيا من خلال سورية وأوكرانيا.
  • يتحدث بعض الخبراء الروس عن سعي واشنطن لعرقلة بيع الأسلحة الروسية من خلال الضغط على الصين والهند أكبر المشترين للسلاح الروسي. علمًا أن مداخيل بيع الأسلحة الروسية يشكل عشرات المليارات.

ثامنًا: تخبط الموقف الروسي في الشرق الأوسط

  • عدم وجود قوة عسكرية كبيرة روسية قادرة على التوزع في بقع جغرافية متنوعة على الصعيد العالمي بشكل عام، وعلى صعيد الشرق الأوسط خاصة.
  • غياب قوة اقتصادية روسية تكون رديفًا وداعمًا للقوة العسكرية، فالاقتصاد الروسي ما يزال متخلفًا، وما يزال، في جزءٍ كبير منه، اقتصادًا ريعيًا يعتمد على تصدير النفط والغاز.
  • غياب الأيديولوجية السياسية الضاغطة، كما كان الأمر مع الاتحاد السوفياتي.
  • الافتقار للقوة الناعمة التي يمتلكها الغرب في المنطقة، خاصة الولايات المتحدة، والمقصود بالقوة الناعمة، وفق المفكر السياسي جوزيف ناي، القدرة على الجذب والضم من دون الإكراه أو استخدام القوة وسيلة للإقناع.
  • واللافت للنظر أيضًا تصريح السيد رامي الشاعر وهو شخصية دبلوماسية سابقة ورجل أعمال وكاتب سياسي مقرب من الخارجية الروسية، لصحيفة الشرق الأوسط (29 يناير الماضي): إن مواصلة «تعنت النظام يفاقم الموقف أكثر»، وأشار إلى تحذير روسي من أن استمرار الوضع الحالي قد يسفر عن قيام المجتمع الدولي بطرح ملف شرعية النظام مجددًا على طاولة البحث.
  • روسيا لها علاقات استراتيجية مع بلد واحد في الشرق الأوسط هو إسرائيل. وهناك تقارب كبيـر في المواقف والمصالح.
  • روسيا لا تريد تنفيذ القرار 2254، لأن هذا القرار يسمح للسوريين باستعادة وطنهم وقرارهم المستقل، ويسمح لهم بإبطال كل قرارات وقّعها النظام السوري مع روسيا وإيران.
  • الحجة الروسية في محاربة الإرهاب تخفي خلفها حقائق مطامع روسية في سورية، فالروس لم يتدخّلوا للدفاع عن نظام حكم بشار الأسد لأنه حليفهم فحسب، ولكنهم تدخّلوا لغايات استراتيجية تتعدى حدود جغرافية هذا البلد. ولعل موقع سورية الجيوسياسي على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، سيعطي أفضلية لروسيا في فرض نفوذها في مناطق شمال أفريقيا ومنطقة الخليج العربي وأوروبا.

تاسعًا: النشاط السوري في روسيا

  • النشاط الاقتصادي والمالي والتجاري السوري في روسيا يؤدي دورًا مهمًا في التأثير في مراكز القرار الروسي والسياسات الروسية تجاه الوضع في سورية.
  • يعمل في روسيا لوبي قوي لمصلحة النظام وتوجد أكبر شبكة مالية وغسيل أموال في موسكو يشارك فيها رجال أعمال سوريون (المهندس مدلل خوري) وضباط أمن روس ورجال أعمال روس وقبارصة ولبنانيون ورجال دين مسيحيين ويشرف عليها محمد مخلوف خال بشار الأسد الذي يقيم هو وابنه ضابط المخابرات السابق -حافظ مخلوف ويستثمرون عشرات المليارات من الدولارات التي أخرجوها من سورية في العقارات والبنوك والشركات المختلفة في روسيا وبيلاروس وأوكرانيا وفي دول أوروبية شرقية أخرى. وأغلب أسماء هؤلاء على القائمة السوداء.
  • هناك تحقيقات صحافية قامت بها مؤسسات دولية تشير إلى ضلوع بعض الشخصيات السورية والروسية في تأدية دور الوسيط في شراء الأسلحة بما فيها الغازات السامة وإرسالها للنظام من خلال بنوك وهمية أو شركات تتبع إلى دول ثالثة.
  • بعد عام 2011 قامت مجموعة من رجال الأعمال السوريين الموالين للنظام السوري ومعهم شخصيات روسية بتأسيس الصندوق الروسي السوري في موسكو لجمع التبرعات ودعم النظام السوري.

عاشرًا: تأثير قانون قيصر على الدور الروسي في سورية

  • ترى موسكو أنها تساهم بما يكفي في تمويل مؤسسات السلطة السورية.
  • ولا تنوي روسيا الاستثمار في إعادة الإعمار بسورية.
  • من الواضح أن الاستثمارات في قطاع البناء في سورية يجب أن تكون طويلة الأجل، أما الشركات الروسية المعنية فلا تستطيع أن تتحمل الانتظار لـ10-15 سنة حتى تحصل على عائدها الاستثماري.
  • القيادة الروسية تهتم ليس بتمويل عملية إعادة إعمار سورية بحد ذاتها، بل بالحصول على المبالغ التي من المقرر أن يخصصها المجتمع الدولي لهذا الغرض، لكي تتصرف بها بحسب ما تراه ملائمًا.

حادي عشر: البحث عن حل روسي في سورية

  • يعرف المراقبون أن موسكو تبحث عن بدائل سياسية، وتجري لقاءات مع شخصيات معارضة سورية ومع مكونات سورية مثل اللقاء بين نائب رئيس البعثة الروسية في جنيف مع ممثلين عن الطائفة العلوية المقيمين في الخارج (منهم المحامي عيسى إبراهيم حفيد الشيخ صالح العلي)، وكذلك لقاء بوغدانوف في الدوحة مع الشيخ أحمد معاذ الخطيب. وقام بوغدانوف بزيارة باريس واللقاء مع شخصيات سورية مختلفة.
  • تحاول روسيا الدفع بعمل اللجنة الدستورية كونها ترى أنها مفتاح الحل السياسي. وصرح المندوب الروسي في مجلس الأمن أن بعض الدول وعدت بالتمويل بعد تشكيل اللجنة الدستورية، لكن الحقيقة مختلفة عن هذا التصريح.
  • الحل السياسي الذي قد يفتح الباب لبناء سورية الدولة العصرية في نهاية المطاف، وهو مبني على توافق أميـركي–روسي، يشمل الضغط على روسيا، لتضغط بدورها على النظام لتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منه. يتضمن هذا السيناريو حلًا لأهم المشكلات العالقة المذكورة أعلاه، وتغييـرًا مهمًا في بنية النظام. وقد يقوم هذا السيناريو على فكرة المقايضة، بين أميـركا وروسيا، بأن تقوم أميـركا برفع العقوبات عن النظام، ووقف تنفيذ قانون قيصر(سيزر)، ورفع الفيتو عن تمويل إعادة الإعمار، والتطبيع مع سورية، مقابل أن تفرض روسيا على النظام حلًا يقوم على انتقال سياسي من دون بشار الأسد.

 

ثاني عشر: الاتفاقات الأميركية الروسية حول سورية

  • نشير أولًا إلى رأي الخبير الروسي ميخائيل ألكسندروف من معهد موسكو للعلاقات الدولية بأنه توجد في النخبة الروسية طبقة من الناس تميل إلى وجهة النظر الغربية، وهي تنتظر دائمًا شيئًا ما من الغرب وتحافظ على نفوذها وتحاول التأثير في الرئيس بوتين باتجاه تحسين العلاقة مع الغرب. لقد ربطت تلك النخبة حياتها المهنية وأعمالها التجارية بالعلاقات مع الغرب، وهي في حاجة إلى الضغط لتقديم تنازلات لأميركا.
  • أبرز فيتو اتخذته موسكو هو رقم 13 (عام 2019) بالتشارك مع أميركا لإيقاف عملية “نبع السلام” التركية شرق الفرات.
  • الاتفاق حول نزع السلاح الكيماوي عام 2013 (أنقذ النظام من ضربة عسكرية أميركية غربية)
  • اتفاق بمشاركة أردنية على خفض التصعيد في جنوب غربي سورية (2018)
  • اتفاقات تتعلق بعدم الاحتكاك العسكري في الأجواء السورية
  • تأييد أميركي للتدخل العسكري الروسي في سورية (2015)
  • تنسيق أميركي روسي إسرائيلي يسمح بتوجيه ضربات جوية إسرائيلية إلى مواقع عسكرية إيرانية ولحزب الله في سورية
  • تأييد أميركي لروسيا في جعل اللجنة الدستورية أولوية على قرارات جنيف-1 والقرار 2254
  • تأييد أميركي للاتفاقات الموقعة مع تركيا في سوتشي وفي موسكو حول إدلب وشمال شرقي سورية.
  • نتساءل هنا: هل الضغوطات والعقوبات الأميركية وغيرها على تركيا وعلى روسيا مصادفة؟ فهي دفعت البلدين للتقارب. فهل هذا من مصلحة أميركا؟ أم هي خطة لضرب البلدين مستقبلًا بتوريطهما في الملف السوري والليبي؟ وتكررت القصة نفسها في علاقة أميركا بالخليج ودفعتهم للاقتراب من روسيا. فهل كل ذلك مصادفة؟
  • إسرائيل دمرت المفاعل النووي العراقي، وأسقطت أميركا نظام صدام حسين العلماني، وسلمت العراق لنظام الملالي الأوتوقراطي الديني، وسمحت له بالتدخل في شؤون الدول العربية، مع استمرار التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل لذر الرماد في العيون وتوتير الأجواء بين إيران والخليج لابتزاز الجميع، خاصة دول الخليج لشراء أسلحة وزيادة التبعية.
  • وتدل أغلب المعطيات على وجود تفاهمات استراتيجية روسية أميركية ومن خلفها إسرائيلية حول سورية: وهناك أمثلة كثيرة منها زيارات جون كيري 2015 إلى سوتشي، وزيارة بومبيو إلى سوتشي 2019- والاتفاق الأميركي الروسي حول جنوب غربي سوري (درعا) على الرغم من أن هناك صراعًا جديًا في أوكرانيا بين موسكو وواشنطن وإسرائيل تلعب على الحبلين.
  • القمة الأمنية الثلاثية الروسية الأميركية الإسرائيلية في 24 يونيو 2019 قبل قمة العشرين في اليابان في نهاية يونيو 2019 حيث التقى بوتين وترامب وأكدا على نتائج القمة الأمنية.
  • ومن جانب آخر قامت أميركا في عام 2018 بقتل وإبادة ما بين 215-644 من المرتزقة الروس ” فاغنر” مع أسلحتهم ومعداتهم الثقيلة في شرقي الفرات. وترك ذلك ردود فعل حادة لدى المحللين الروس، حيث قال فلاديمير لوكاشيفج: نحن صامتون لأنه لدينا كذبة أسطورية “ليس لدينا مرتزقة”، لأنه في القانون الجنائي لروسيا الاتحادية هناك المادة الجنائية رقم 359 خاصة بـ “المرتزقة”، التي تنص على أن التجنيد والتدريب والتمويل والدعم المادي للمرتزقة واستخدامهم في نزاع مسلح أو الأعمال العدائية هي جريمة ويعاقب عليها القانون الروسي، وقد تصل العقوبة بقوانين بلدي إلى 15 عاما في السجن. وأضاف: لا بدّ من صياغة سؤال مهم ماذا تفعلون في سورية. وقال مستاءً: أصبحت روسيا في مهب الريح. هذه هي نهاية أسطورة “التفوق العسكري لدينا” وأسطورة “نحارب أفضل من الجميع” وأسطورة “لن نترك خلفنا أولادنا” وأسطورة “انسحاب قواتنا من سورية”.

ثالث عشر: الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية

  • منذ نيسان/ أبريل 2020 ازداد عدد المقالات والتحليلات المنشورة في مواقع إعلامية ومراكز بحوث مقربة من الخارجية والكرملين حول ” الأسد الضعيف والفاسد”، وضرورة القيام بإصلاحات سريعة، وتقديم تنازلات لدعم الحل السياسي على أساس القرار 2254
  • وفي آذار/ مارس 2021 صرح سيرغي فيرشينين بأن الانتخابات الرئاسية استحقاق ضروري للحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة، وأن الغرب يفرض العقوبات على النظام السوري ويجعله يمر في أزمة اقتصادية ومعيشية.
  • تصريح السفير الروسي في دمشق يفيموف حول الأوضاع الصعبة في سورية وعدم قدرة روسيا على الدعم المادي للنظام.
  • في المقابل لم يتحرك الحل السياسي الذي تدفع به موسكو عبر مسار أستانا وسوتشي.
  • اللجنة الدستورية لم تحقق أي تقدم على الرغم من خمس جولات بدأت في نهاية 2019 بعد تأخير ومشاورات طويلة بدأت في مؤتمر سوتشي في يناير 2018.
  • تصريحات المقداد بعد لقاء بيدرسون في 21 فبراير الماضي تؤكد أن النظام لا ينوي إنجاج عمل اللجنة الدستورية وأولويته هي استغلال موضوع المساعدات وتدفق الاستثمارات العربية والغربية لإعادة الإعمار.
  • مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يجب أن تنظم في سورية في نهاية أيار/ مايو المقبل انتهت عمليا الآمال بأنها سوف تشكل بداية لمرحلة جديدة في سورية، مع إصرار دمشق وموسكو على فصل الانتخابات عن مسار عمل اللجنة الدستورية، والإصرار على عدم تحديد سقف زمني لانتهاء أعمال اللجنة الدستورية. وفي دمشق انطلقت الاستعدادات لتنظيم الانتخابات وأعلن الأسد عن ترشيح نفسه لفترة جديدة مدتها سبع سنوات بمقتضى دستور عام 2012.
  • لن تكون الانتخابات الرئاسية المعروفة نتائجها مسبقًا سوى مسرحية جديدة هزيلة ومفضوحة تعود عليها السوريون منذ 50 عامًا.

رابع عشر: التغطية الإعلامية الروسية لذكرى الثورة السورية في آذار/ مارس 2021

  • تجاهلت معظم التقارير ذكر الأسباب السياسية والاجتماعية لاندلاع الثورة السورية وركزت على دور التدخل الخارجي والدعم الغربي للاحتجاجات ضد نظام الأسد في إطار تصدير الثورات وإشعال “الربيع العربي”، والصراع الجيوسياسي على المنطقة. ولم تأت التقارير على الفساد والقمع الأمني وركزت على موجات الجفاف التي ضربت سورية في العقدين الأخيرين. وكان لافتًا للنظر إشارة كثير من التقارير إلى أن سورية كانت مثالًا للدولة العلمانية في المنطقة، والتعايش بين شرائح المجتمع المختلقة، وأنها كانت واحدة من أكثر بلدان الشرق الأوسط ازدهارًا” وأنها كانت مكتفية ذاتيا و” استطاعت تأمين كل احتياجاتها بالكامل”.
  • الرواية الرئيسة لمعظم التقارير هي أن “روسيا أنقذت سورية من الإسلاميين” و “بفضل روسيا، بقيت سورية موجودة بشكل عام (الروس ينظرون إلى سورية على أنها سورية الأسد)، وهناك تمسك بمقولة أن الصراع في سورية هو مواجهة بين القوات الحكومية و”الإرهابيين الإسلاميين”.
  • معظم التقارير حول الذكرى العاشرة في وسائل الإعلام الروسية لم تأت عمليًا على ذكر بشار الأسد وإيران واقتصرت في كثير من الأحيان على الإشارة إلى النجاحات التي استطاعت روسيا تحقيقها، أو الآثار الإنسانية للحرب في سورية.
  • رسم بيان للخارجية الروسية في 12 مارس الخطوط العريضة للتغطيات الإعلامية للذكرى العاشرة، وهي عمومًا الإشادة بالدور الروسي في سورية، والتأكيد على أنها تدعم سيادة الدول، وتحارب الإرهاب وتواجه مخططات الغرب في المنطقة، والتشديد على أن روسيا تسعى إلى تسوية سياسية لكن الغرب يعطل التسوية ويتسبب في المأساة الإنسانية في سورية، ويدعم الإرهاب والحركات الانفصالية. وقد تبنته عمليًا جميع وسائل الإعلام الروسية في تقاريرها المكتوبة والمصورة.

مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية السيد/ أندريه كورتونوف (في مارس الماضي):

  • نشر موقع المجلس مقالة تحليلية مطولة لمدير المجلس أندريه كورتونوف بعنوان “سورية في منتصف دورة طويلة”، وبدأ فيها الخبير البارز لبدايات الثورة في مدينة درعا، وتسبب اعتقال السلطات بعض الأطفال في 6 آذار/ مارس 2011 بسبب كتابات على الجدران، تلاها تظاهرات للمطالبة بإطلاق سراحهم، وأشار إلى أن السلطات لم تكن مستعدة للتعامل السلمي، وأنه بعد إطلاق النار وقتل ثلاثة متظاهرين في اليوم الأول انتشر الغضب إلى المدن والقرى الأخرى.
  • وخلص إلى أن أقصى ما يمكن أن ينجز هو تحفيز النظام على إطلاق إصلاحات “بحذر” ولو على مستوى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، رأى أن الأوضاع المناسبة للضغط سوف تحين بعد الانتخابات الرئاسية صيف العام الحالي.

ألكسندر مالاشينكو الخبير في الشرق الأوسط (محطة راديو “ايخو موسكفي ” الليبرالية المؤثرة في مارس الماضي):

  • انتصر بوتين في الحرب في سورية، لأنه أراد أن يمنع انتصار الشعب ضد حاكمه وتغييره بالقوة.
  • اي انتخابات رئاسية ستجري في سورية ستكون مزيفة وشكلية، لأن نصف الشعب السوري بين مهجر ونازح لن يشارك ونصف السكان في منطقة سيطرة النظام لن يشارك وهكذا فالانتخابات سينجح فيها بشار لأنه سيضع الرقم الذي يريده مثل نسبة 99 في المئة.
  • روسيا أنقذت بشار قبل 5 سنوات، ولكن، حتى لو رحل حينها، فإن الأوضاع لم تكن لتسير بشكل أسوأ، فسورية اليوم تشهد انقسامات حادة من الناحية السياسية والعرقية والاقتصادية والاجتماعية والطائفية.
  • من الخطأ رهان روسيا على شخص الأسد، لأنه إن اختفى لسبب ما، فماذا ستفعل روسيا؟

 

الخلاصة

تمسكت موسكو بنظام الأسد لمدة عشر سنوات، وقدمت له الدعم العسكري والسياسي الكبيرين، وساهمت في بقائه حتى اليوم، ولا يمكن القول إنها حققت أهدافها الرئيسة في سورية ما دام الوضع متأزمًا وكارثيًا وغير مستقر. ويبدو أن التعنت الروسي ظاهريًا لمصلحة الأسد، هو الذي أدخلها في طريق مسدود. فالحرب انتهت تقريبًا، وماذا بعد؟ روسيا عاجزة عن تحقيق انتصار في مرحلة السلم التي يجب أن تشمل ترتيب الوضع السياسي في سورية، وإعادة الإعمار الاقتصادي والمجتمعي، ولكن روسيا أعلنت صراحة أنها لا تملك الإمكانات المادية لتمويل الإعمار، ومثلها إيران بسبب العقوبات الكبيرة على كليهما. فسورية وفق تقديرات الأمم المتحدة تحتاج إلى عدة مئات من مليارات الدولارات لإعادة الإعمار، ويكفي أن نذكر تقريرًا دوليًا يقول إن مدينة حلب وحدها تحتاج إلى 6 سنوات لتنظيفها من الدمار وبقايا البيوت المهدمة.

وتبحث موسكو عن بدائل في سورية، ولكنها تخشى أي تغيير في بنية النظام، وهي بذلك تستمر في محاولات الالتفاف على القرارات الدولية، خاصة قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص بوضوح على عملية تغيير سياسي، وهي اخترعت موضوع اللجنة الدستورية لتلهي العالم بها، على الرغم من أنها لا يمكن أن تكون مدخلًا إلى حل سياسي في سورية ما دام نظام الأسد موجودًا.

وللأسف، يبقى الموقف الدولي ضعيفًا وشبه غائب عن الفعل والتأثير في إيقاف مأساة الشعب السوري ومساعدته في التخلص من عصابة الأسد التي قتلت ودمرت وهجرت وجوعت السوريين، وما زال المجتمع الدولي يراقب من دون خجل أو تصميم على وضع حدٍّ لهذه المعاناة التي لم تشهد لها البشرية مثيلًا منذ الحرب العالمية الثانية.

والسوريون المغيبون حاليًا عن المشاركة في تقرير مصيرهم، يجب أن يفهموا المهمات الكبرى التي تجابههم، وأن يستعيدوا دورهم الوطني من أجل الاستقلال من كل أنواع الاحتلال، وتغيير النظام الأسدي، وإعادة الإعمار والحياة إلى البلاد التي تمكن المهجرين والنازحين من العودة إلى منازلهم، وحل مشكلات إنسانية واجتماعية واقتصادية كبرى في مقدّمها العدالة الانتقالية، وبناء دولة مدنية ديمقراطية لكل السوريين.

[1] كتب المحلل العسكري الروسي ميخائيل خوداريونوك في 2016 مقالة حول تدمر يقول فيها إنه لم يعد هناك جيش سوري، بل هناك قوات العقيد سهيل الحسن الخاصة (قوات النمر) وقوات “صقور الصحراء” تحت قيادة الاخوين محمد وأيمن جابر الموجودتان في تدمر، وأن القوات السورية في تدمر هربت وفي مقدمتهم نائب رئيس اركان القوات المسلحة السورية الذي بحثوا عنه يومين حتى وجدوه ومعه قائد قوات الصواريخ ورئيس غرفة العمليات. وعن مقاتلي حزب الله قال المحلل العسكري الروسي إنهم لا يقاتلون أبدًا، بل يثرثرون، وهذا بحسب تقديرات الخبراء العسكريين. وأما “الفاطميون” المكلفين بالهجوم من جهة الغرب في تدمر فهم يثيرون الغبار بلا فعل. وتشكيلات الحرس الثوري الإيراني تقف كالأصنام ولا تتقدم. والنتيجة أن عودة داعش إلى تدمر اثبتت للروس أن ظهرهم غير محمي في المعارك في سورية ولا يوجد لديهم حلفاء موثوقون.

وقد وجه الجنرال يوري بالويفسكي الرئيس السابق للأركان العامة الروسية نقدا للقيادة العسكرية الروسية بعد ورود أنباء حول سقوط تدمر السورية في قبضة مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي من جديد. وقال بالويفسكي في حديث لوكالة “إنترفاكس” الروسية في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2016، إن سقوط تدمر يدل على وجود أخطاء كبيرة في تخطيط العمليات العسكرية في سورية.

 

[2] مقابلة الوزير لافروف مع راديو كوميرسانت اف ام في 26 آذار/ مارس 2012.

وحدة المقاربات السياسية

تقدِّم وحدة المقاربات السياسية دراسات وقراءات ومقالات سياسية تتناول الواقع السياسي والحوادث السياسية في منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة، والمنطقة العربية عمومًا، إضافة إلى الأوضاع والسياسات الإقليمية والدولية المؤثرة، فضلًا عن تقديم تقرير شهري يرصد تغيرات واقع وأوضاع المنطقة، السياسية والعسكرية والاقتصادية، ويمكن لوحدة المقاربات السياسية أن تستقبل إسهامات من خارج ميسلون تُنشر بأسماء أصحابها في حال كانت متوافقة مع معايير النشر المعتمدة. وتسعى وحدة المقاربات السياسية أيضًا لتقديم مبادرات سياسية إلى القوى والتيارات السياسية وأصحاب القرار في المنطقة، تهدف إلى تقديم مقترحات لحلّ إشكالات سياسية محدّدة، وإلى تعزيز الحوار والعمل الديمقراطي. تجتمع وحدة المقاربات السياسية بشكل دوري مرة كل أسبوع، للتشاور حول الوضع السياسي في المنطقة، ولتكليف أحد أعضائها بكتابة المسودة الأولى للدراسة التالية، وبعد إنجازها توزّع على بقية الأعضاء لوضع ملاحظاتهم، ومن ثمّ تصدر في صيغتها النهائية.

مشاركة: